القديس الشهيد في الكهنة بطرس كابيتولياس (+715م)

القديس الشهيد في الكهنة بطرس كابيتولياس (+715م)

 القديس الشهيد في الكهنة بطرس كابيتولياس (+715م)

السيرة الذاتية

كابيتولياس هي مدينة من مدن عبر الأردن غير بعيدة عن اليرموك. عليها كان بطرس كاهناً وقوراً يتمتع بكل امتيازات الرفعة والثراء. تزوج، وهو شاب صغير، ورزق صبياً وبنتين، كل فكره انصب، باكراً، على دراسة الكتب المقدسة والتأمل في ملكوت السماوات. في عمر الثلاثين، عزم على الزهد كاملاً فدبر أمر زوجته وجعل ابنتيه في دير، جنوبي غربي المدينة، عرف بدير القديس الشهيد سابينيانوس الدمشقي (25 أيلول). كانت فيه ثماني راهبات حبيسات منذ صغرهن. كبرى الأختين كان جمالها أخاذاً حتى خشيت الراهبات عليها أن يضلها المضلل فتشددن في شأنها، فاقتبلت النسك بفرح إلى أن تكللت بالفضائل وانتقلت إلى جوار ربها وهي في الثلاثين وأبوها حي يرزق. أما ابنه، وكان أكبر سناً من أختيه، فلما بلغ الثانية عشرة من عمره، بنى له والده قلاية صغيرة بقرب كنيسة والدة الإله في كابيتولياس، وكذا لنفسه ليرى إلى سير ابنه في معارج الحياة الروحية. على هذا أخذ بطرس يهتم بابنه وبنتيه، وكانت المسافة بين الكنيسة والدير لا تزيد على الأميال الخمسة. إلى ذلك كان يستقبل الفقراء ويعينهم ويضيف الغرباء ويزور المرضى.

نزعة إلى الاستشهاد

ومرت عشر سنوات من بدء هذا التدبير فرقدت زوجة الكاهن بطرس بسلام في المسيح. مذ ذاك أخذت تنمو في قلبه نزعة إلى الاستشهاد ونفور كبير من العالم المنحرف المجدف الذي كان محكوماً عليه أن يعيش في كنفه. لكنه كتم سره وأمسك نفسه عشرين سنة أو يزيد، إلى أن مرض مرضاً خطيراً خشي على أثره أن يكون قطار الشهادة قد فاته. وعوض أن يستسلم لأمره الواقع دبر حيلة رجا بها خيراً في تحقيق حلمه شهيداً ولو قاربت نفسه الموت. فأرسل إلى الجامع رسولاً استدعى شيوخاً مسلمين ليشهدوا لوصية ينوي إثباتها قبل أن توافيه المنية. فاجتمع لديه الشيوخ من رفعة القوم. فلما جلسوا إليه جاهر أمامهم بإيمانه بالمسيح وكفرهم وقبح دينهم. فثارت ثائرتهم عليه وود بعضهم لو يقتله لتوه، لكنهم إذ رأوه في حال النزع الأخير كظموا غيظهم وانصرفوا عنه مكتفين بشتمه. فلما عاد الشيوخ إلى الجامع عقدوا مجلساً عرضوا فيه أمر بطرس. وقد رأى بعض المتحمسين أن يُقتل المجدف ولو كان في حال النزع الأخير لئلا يذهب جرمه دونما عقاب. في تلك الساعة بالذات بلغ الحاضرين أن بطرس قد رقد فانفضوا وانطفأ هياجهم.
معافى بعد مرض وعلى غير ما أشيع وما كان متوقعاً، استعاد بطرس الكاهن عافيته فنزل إلى الشوارع والأماكن العامة في كابيتولياس وجاهر بما كان في قلبه من نحو الإسلام في جسارة وعنف فاقا ما واجه به الشيوخ لما كان مريضاً. وإذ اضطربت المدينة أشد الاضطراب لما جرى، حرر المسلمون تقريراً إلى عمر ابن الخليفة الوليد الأول بن عبد الملك (705 -715م)، فبعث بواحد من ضباطه يستطلع الأمر أن كان للمتهم مس في عقله أو هو مالك قواه العقلية كاملة. إذ ذاك تتخذ في شأنه التدابير المناسبة. اسم الضابط كان زورا. هذا انتقل إلى كابيتولياس واستجوب بطرس فألقاه صاحياً واعياً مدركاً ما يصرح به تمام الإدراك. فكبله بالأصفاد وجعل عليه حراسة مشددة وأن لا يقربه مسيحي. كما كتب نص الاستجواب وأرسله إلى عمر ليبت في أمره.
أثناء ذلك مرض الوليد بن عبد الملك مرضاً شديداً فاستدعى أولاده والمقربين منه. فجاء عمر بين من جاءوا وأفضى لأبيه بخبر كاهن كابيتولياس. فأمر الخليفة بأن يساق لتوه إلى دمشق ليمثل أمامه. ويبدو أن المرض ألزم الوليد الموضع الذي كان فيه في دير مران من جبل قاسيون المطل على دمشق.

التمثيل بجسده وهو حي بأمر الخليفة الوليد
التمثيل بجسده وهو حي بأمر الخليفة الوليد

بطرس أمام الوليد

استيق الخوري بطرس إلى دمشق بعدما أمضى في السجن. في كابيتولياس، ما يزيد على الشهر من الزمن. وفي اليوم التالي لوصوله إلى هناك، أحضره عمر لديه وقال له: “لقد علمت أنك إذ كنت مريضاً تفوهت بكلام أثيم. وأنا، من جهتي، نسبت ذلك إلى اختلال في عقلك. ولكن، ها قد استعدت عافيتك، ومع ذلك ما زلت ساقطاً في الضلال. إني، شفقة عليك، أعطيك فرصة للنجاة من العقاب، فاعترف بأنك أخطأت. لك أن تختار بين الحياة والموت”. فرد عليه بطرس بلهجة قاسية أثارت سخطه فأمر عمر بأن يساق للحال إلى حضرة الخليفة. فأما الوليد فمع أن المرض كان قد نال منه فجعله أكثر شراسة من ذي قبل فقد بادره بهذا القول: “حر أنت في أن تعترف بيسوع إلهاً مع أنه إنساناً وعبد للخالق. ولكن لم تجدف على ديننا وتدعو نبينا المسالم معلماً للضلال وأباً للخداع؟”
لم يبد الخوري بطرس أي استعداد للتراجع عما تفوه به، بل تمسك بموقفه بصلابة. إذ ذاك لفظ الوليد في حقه حكم الموت. وقد قضى الحكم بأن يرد المذنب إلى وطنه ليصار إلى استدعاء السكان، في كابيتولياس والجوار: مواطنين وغرباء، رجالاً ونساء وأولاداً، بدءاً بأولاد المحكوم عليه وأقربائه. ثم متى حضروا، ينزع الجلاد لسانه من العمق. وفي اليوم التالي، تقطع يده ورجله اليمنى، ويترك في العذاب طوال النهار. ثم في اليوم الثالث يُجمع المسيحيون من تلك الأنحاء، لاسيما الكهنة والرهبان، ويُصار أمامهم إلى بتر يده ورجله الأخرى، وتحرق عيناه بالحديد المحمى. بعد ذلك يعلق على الصليب خمسة أيام، ثم تحرق الجثة وكل الأعضاء المقطوعة والثياب والصليب بالنار ويذر الرماد في اليرموك، وتزال آثار الدماء حتى لا تكون للمسيحيين بقية منه يحتفظون بها ذخيرة.

استشهاده

ولما حانت ساعة تنفيذ الحكم تليت على الملأ العقوبة فأجاب بطرس بصوت مرتفع بآخر آية من المزمور 95: “أنه آت ليدين الأرض”. ثم تلا المزمور 120 كاملاً: …معونتي من عند الرب صانع السماء والأرض. لا جعل رجلك تزل ولا نام حارسك… الرب يحرسك. الرب ستر لك من عن يمينك… الرب يحرس دخولك وخروجك من الآن وإلى الأبد”.
وما أن انتهى من تلاوته حتى باشر جلادوه بتنفيذ الحكم. وقد استمروا فيه إلى أن تمموا ما أمر به الخليفة بحذافيره.
وقد قيل إنه لما شاء جلادوه إنزال جسده عن الصليب، تقدم بعض المؤمنين الأتقياء وأخذوه على أكتافهم. لكن الجند أبعدوهم بسرعة واستعانوا ببعض اليهود لقضاء المهمة. هذا ويغلب أن تكون شهادة القديس بطرس قد نجزت في الثالث عشر من شهر كانون الثاني من السنة الميلادية 715.

 

 


Posted

in

,

by

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *