القديس توما الرسول المعاين للرب يسوع
اسم توما له معانٍ كثيرة. التوأم – تؤما – أي وُلد مع آخر، أو أنّه من الطبيعة منذ مولده، كانت إصبعا يده اليمنى ملتصقتين، الإصبع الوسطى مع الإصبع المسمَّاة سبَّابة.
شخصية توما الرسول في الأناجيل
هو أحد تلاميذ الربّ يسوع الإثني عشر المقال له التوأم.
يُعرف في إنجيل يوحنا، بصورةٍ خاصّة، من خلال ثلاثة مواقف
١- الموقف الأوّل:
– بعدما جاء رسول وأخبر السيّد بأن لعازر مريض، أراد السيّد أن يذهب إلى اليهودية فاعترضه قائلين: «يا معلّم، الآن كان اليهود يطلبون أن يرجموك وتذهب إلى هناك» (يوحنا ،(11 فقال لهم يسوع: «لعازر حبيبنا… مات، وأنا أفرح لأجلكم، أنّي لم أكن هناك لتؤمنوا. ولكن لنذهب إليه.
إذ ذاك انبرى توما دون سائر التلاميذ ليقول للباقين
« لنذهب نحن أيضاً لكيّ نموت معه».
يشير هذا الموقف إلى
– حميّة الرسول في إتباع المسيح أنى تكن المجازفة.
– اشتياقه إلى معاينة عمل الله.
– كونه إنسان قلب، لا يرى الأمور بعين العقل بقدر ما يراها بعين الحس والعاطفة، من هنا جوابه العفوي الحماسي هذا.
٢- الموقف الثاني
ورد في الإصحاح الرابع عشر من إنجيل يوحنا، حيث قال الربّ لتلاميذه: «.. في بيت أبي منازل كثيرة.. أنا أمضي لأعدّ لكم مكاناً… وتعلمون حيث أنا أذهب وتعلمون الطريق».
هنا أيضًا انبرى توما ليقول بكل بساطة «يا سيّد لسنا نعلم أين تذهب، فكيف نقدر أن نعرف الطريق».
قال له يسوع: «أنا هو الطريق والحق والحياة».
لهذا الموقف أكثر من ميزة. فتوما الرسول، أوّلاً، إنسان واقعي حسّي، تعني الأمور لديه ما تشير إليه، فهو يطلب الفهم واليقين ولا يشاء أن يمر كلام السيّد غامضًا، مرور الكرام. لذلك يسأل ويستوضح ولا يستحي.
توما، من هذه الزاوية، إنسان صريح جدًا، حماسه يجعله يقاطع المتكلّم، وربما يزعج السامعين. لعلّه يظهر دون الآخرين فهمًا، ولكن، لا بأس. غيره قد لا يكون فاهمًا ويخاف أن يسأل، أمّا هو فلا يبالي. المهم أن يفهم.
٣- الموقف الثالث
يتمثّل في إصرار الرسول على وضع يده في جنب السيّد. ففي الإصحاح العشرين من إنجيل يوحنا نجد أن توما كان غائباً حين ظهر الرّب يسوع للتلاميذ، مجتمعين خوفا من اليهود، وأراهم يديه وجنبه وأعطاهم سلامه ونفخ فيهم روحه القدّوس. ولمّا جاء توما وعلم بما جرى اعترض وقال: «إن لم أبصر في يده أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أؤمن». وبعد ثمانية أيام كان التلاميذ مجتمعين وتوما معهم، فجاء يسوع ووقف في الوسط وقال: «سلام لكم. ثم قال لتوما، هات إصبعك إلى هنا وأبصر يدي، وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنًا.
أجاب توما وقال له ربّي والهي. قال له يسوع «لأنك رأيتني يا توما آمنت. طوبى للذين آمنوا ولم يروا».
الرسول، هنا، يتصرّف وكأنّه عاتب على السيّد أنّه جاء في غيابه. والسيّد فعل ذلك عن قصد، أولاً لأنّه كان يعرف شخصية توما، وثانيًّا لأنّه أراد أن يبيّن أنّه إذا ما جاء إلى التلاميذ وأراهم يديه وجنبه، فهو إيّاه بلحمه وعظمه وليس خيالًا.
الرّب يسوع بمحبّته الفائقة يخاطب كلّ واحدٍ منّا بالطريقة التي يفهمها، وطريقة توما أن يعاين.
القدّيسان امبروسيوس وكيرللس والمغبوط أوغسطينوس يقولون أن الموضوع هو رغبة توما الرسول في معاينة السيّد أكثر مّما هو موضوع شك أو قلّة أمانة.
تقول الكنيسة في ذلك في صلواتها:«ثبّت (توما) المؤمنين بارتيابه المتحوّل إلى إيمان». كذلك نقرأ في صلاة السحر: «أنّه بجسّه آثار المسامير طلبًا للتصّديق واليقين على ما يليق بالله، ثبّت أذهاننا في الربّ».
بشارة توما
التقليد الكنسي يقول أنّه أوّل من بشّر بلاد الهند، والنص الليتورجي يقول أنّه اصطاد بصنارّة الروح الإلهيّ أذهان الهنود المظلمة (القطعة الثانية على الاينوس- صلاة السحر).
كذلك يُقال أنّه هدى الكثيرين إلى النور الإلهيّ، وشملت بشارته الأغنياء ونساء أميرات. كذلك يُقال أن الأمير المدعو مسداوس أراد أن ينتقم منه لأنّه عمّد زوجته تاريتانا، فأرسل جنده وطعنوه فمات.
النص الليتورجي يقول أنه اقتدى بالمسيح في الآلام فطعن جنبه هو أيضاً.
كان رقاده في الربّ وفق بعض المخطوطات القديمة يوم الرابع عشر من أيار.
تجدر الإشارة إلى أن للرسول توما ذكراً مميّزاً لدى الأحباش، وقيل أنّه بشّر الفرس وبلغ الصين،حتى الألمان يقولون إنّه نقل لهم الإيمان.
رواية عنه
هناك رواية تناقلتها الأجيال عن توما الرسول تحمل معان روحيّة سامية
يُحكى أن ملكاً هنديّاً اسمه غوندافور قرّر أن يبني لنفسه قصراً عظيماً لا مثيل له على الأرض، فإنطلق رسوله هافان يبحث عن عُمال ماهرين قادرين على ذلك، وبتدبير إلهيّ جاء هافان إلى الرسول توما، فقال له الرسول أنّه مستعد أن يبني للملك مثل هذا القصر شرط أن يتركه يعمل كما يريد. فاتّفق الاثنان وسافر القدّيس الرسول توما إلى بلاد الهند. هناك حصل الرسول على كميّة كبيرة من الذهب من الملك ليُباشر ببناء القصر.
وما أن غادر توما حضرة الملك حتى وزّع كلّ الذهب الذي لديه لفقراء الهند، وراح يبشِّر بالإنجيل. ومرّت سنتان، فأوفد الملك عبيده إلى الرسول يسأله ما إذا كان قد انتهى من بناء القصر أم لا، لأن القصر كان بعيدًا عن عاصمة الملك، فأجاب توما: كلّ شيء بات جاهزًا إلاّ السقف، وطلب مزيدًا من المال، فأعطاه الملك ما أراد.
ومن جديد أعطى الرسول كلّ ما لديه للفقراء وتابع تجواله مبشّرًا بالإنجيل.
وبطريقة ما بلغ الملك خبر أن توما لم يبدأ بعد ببناء القصر، فقبض عليه وزجّه في السجن.
في تلك الليلة بالذّات، ماتَ أخ الملك فحزن عليه الملك حزنًا شديدًا. وإن ملاكاً حمل روح الميّت إلى الفردوس وأراه قصراً عجيباً لا يقدر عقل إنسان أن يتصوّر مثله.
وإذ أراد أخ الملك أن يدخل إلى هذا القصر العجيب، منعه الملاك قائلاً: «هذا القصر يخص أخاك الملك، وهو القصر الذي شيّده له الرسول توما بالحسنات التي أعطاه إياها».
ثم أن ملاك الربّ أعاد روح الرجل إلى بدنه. فعندما عاد أخو الملك إلى نفسه، أسرع إلى أخيه وقال له: «أقسم لي بأنّك ستعطيني كلّ ما أطلبه منك، فأقسم له»، فقال: «أعطني القصر الذي لك في السماء، الذي بناه لك توما».
فلم يصدّق الملك إلى أن شرح له أخوه كلّ ما جرى له.
إذ ذاك أرسل الملك فأطلق الرسول توما من السجن، واستقدمه إليه وسمع منه كلام الخلاص والحياة الأبديّة، ثم اعتمد وأعطاه مزيدًا من المال لتوسيع القصر الذي بناه له في السماء.
توما الرسول يستلم زنّار والدة الإله
يتكلّم التقيلد أن توما لم يكن حاضرًا يوم رقاد والدة الإله، فعادت وظهرت له وأهدته زنارها، وهذا ما نراه في على أيقونة رقاد والدة الإله.
هامة القدّيس توما الرسول المكرّمة محفوظة في دير القديس يوحنا اللاهوتيّ في جزيرة باتموس – اليونان.
اترك تعليقاً