الكتاب المقدس الجزء الثالث
نتابع في هذا الجزء مع
4- كتابات العهد الجديد…وكتابات أخرى
الا اننا نلاحظ أنه منذ وقت مبكر في تاريخ المسيحية، أخذ بعض الأشخاص، غير رسل المسيح ورفقتهم على عاتقهم كتابة سيرة المسيح أو بعض تعاليمه وأمثاله. ونجد إشارة لذلك في لو1:1 ” إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا” وبمرور الوقت تزايد عدد مثل هذه الكتابات.
الا انه بظهور بعض الهرطقات والتعاليم الغريبة عن المسيحية، كتب كثيرون مؤلفات أخرى نسبوا فيها بعض الأقوال وبعض الأفعال للسيد المسيح. وكان من بين هؤلاء جماعة الغنوصيين الذين انتشروا في بلاد كثيرة ونادوا بهرطقة أكدت على التعارض بين الروح والمادة وقد اكتشفت سنة 1947 مجموعة كبيرة من مؤلفاتهم باللغة الديموطيقية المصرية تعود للقرن الرابع المسيحي بالقرب من نجع حمادي بصعيد مصر.
5- الحاجة الى جمع كتابات العهد الجديد
إزاء تلك الكتابات الكثيرة التي انتشرت، وجدت الكنيسة نفسها مضطرة لأن تجمع كتابات العهد الجديد معاً حتى لا تختلط الكتابات الأصيلة بالكتابات الزائفة والمنحولة. ويرى بعض علماء العهد الجديد أن هذا العمل مر في عدة مراحل
أ- رسائل بولس الرسول
يلاحظ الدارسون المدققون أن رسائل بولس الرسول جمعت معا قبل نهاية القرن الأول المسيحي، ويشير بطرس الرسول الى هذه الرسائل باعتبارها معروفة لدائرة واسعة من المؤمنين (2 بط 3:15 و،16) ويقول انها تتضمن بعض الحقائق التي يصعب فهمها، والتي يقوم البعض بتحريفها، أي بشرحها قصدا ًشرحاً خاطئاً.
ب- البشائر الأربع
أما الأناجيل الأربعة فقد وجدت إشارات لجمعها تعود الى منتصف القرن الثاني المسيحي. بل أن هنالك شخص اسمه تاتيان السوري أو بالأحرى الأشوري، وهو تلميذ جوستنيان الشهيد، أعد في عام 16-م. كتاباً يعرف باسم “الدياطسرون” ( اي الرباعي بمعنى التوافق “هارموني” بين أربعة أجزاء) وفيه محاولة لدمج البشائر الاربع معاً في انجيل واحد.
ج- بقية كتابات العهد الجديد
عندما جمعت البشائر الأربع معاً أصبح من الضروري ان يفصلوا بين الكتابين اللذين دونهما لوقا البشير فوضعوا الكتاب الأول مع الاناجيل، أما الكتاب الثاني الذي نطلق عليه اسم أعمال الرسل فوضعوه بعد انجيل يوحنا ليكون بمثابة استكمال لقصة المسيحية وانتشارها بعد سيرة حياة المسيح وموته وقيامته كما دونتها الاناجيل، وليصبح في نفس الوقت همزة الوصل بين قصة نشأة الكنائس المسيحية في مختلف بلاد العالم وبين الرسائل التي كتبت لتلك الكنائس.
والذي يقرأ سفر أعمال الرسل يلاحظ أن بولس الرسول لم ينفرد وحده بالعمل على نشر رسالة الانجيل وانشاء الكنائس في مختلف البلاد. فنقرأ في الفصول الأولى من هذا السفر عن بطرس ويوحنا اللذين كتبا أيضاً بعض الرسائل، كما فعل ذلك ايضاً يعقوب ويهوذا ” اخو الرب”. لذلك كان طبيعياً أن تجمع الرسائل التي كتبها كل هؤلاء معاً ضمن كتاب “العهد الجديد” وأن تجد مكانها بعد سفر أعمال الرسل مباشرة، بحكم علاقتها وارتباطها بنشأة هذه الكنائس وأسماء من سهروا على الخدمة فيها. ولاحظنا من قبل أن رسائل بولس الرسول كانت قد جمعت معاً قبل نهاية القرن الأول الميلادي. وكان طبيعياً أن توضع هذه الرسائل بعد سفر أعمال الرسل مباشرة. وجاءت من بعدها الرسالة الى العبرانيين التي يرى كثيرون أنها ضمن رسائل بولس الرسول، ثم رسالة يعقوب، فرسالتي بطرس الرسول ثم رسائل يوحنا الثلاث. ومن بعدها رسالة يهوذا. ثم بعد كل هذه الرسائل وضعوا سفر الرؤيا الذي تختلف طبيعته عنها.
6- كتابات العهد الجديد ومجامع الكنيسة
لم يكن جمع اسفار العهد الجديد معاً امراً سهلاً، فقد مر في مراحل كثيرة. كان الدافع الأول لجمعها ، كما رأينا خطورة الكتابات المزيفة وانتشار بعض الهرطقات التي نلمس بدايتها في عصور الكنيسة الاولى بل اننا نلاحظ ذلك في كتابات العهد الجديد: فهناك اشارات لموقف المسيحية من الغنوصية في رسالة كولوسي 15:1-20، 8:2-10…كما نجد ذلك ايضاً في رسالة يوحنا الأولى 2: 18 -23، 4: 1 -3 ويشير بولس الرسول الى هرطقة أخرى في رسالته الثانية الى تيموثاوس 16:2-18. ومن منطلق تعرض الكنائس في البلاد المختلفة لهذه التيارات، تبلور فكر كل مجموعة من الكنائس مثل الكنيسة الغربية، والكنيسة اليونانية والكنيسة السريانية…، بشأن أسفار العهد الجديد، الى أن جاء عصر المجامع الكنسية.
وينبغي أن نقول مكرراً ان المجامع لم تمنح صفة الشرعية لأي سفر من أسفار العهد الجديد أو تسبغها عليه، فكل ماقامت به هذه المجامع هو أن أقرت ببساطة بأن هذه هي الكتابات التي استخدمتها الكنيسة على مر السنين واستمعت من خلالها لصوت الإله الحي.
فعندما انعقد مجمع لادوكية عام 363م أصدر قراراً بمنع قراءة الكتب غير القانونية. ويمكننا أن نستنبط من هذا القرار أن الكتب القانونية كانت معروفة للجميع.
اما مجمع هيبو في شمال افريقيا أي تونس اليوم والذي انعقد عام 393م فوضع قائمة بأسفار العهد الجديد هي نفسها الأسفار المعروفة عندنا اليوم. وقرر مجمع قرطاجة عام 397م أن تقتصر قراءة الكتب المقدسة في الكنائس على الاسفار القانونية. ويلاحظ المرء ان قائمة أسفار العهد الجديد التي وضعها هذا السينودس هي نفسها كتابات العهد الجديد التي بين ايدينا اليوم.
7- كتابات العهدين القديم والجديد تصبح كتاباً واحداً
وجد المسيحيون الأوائل أن العهد القديم برموزه وطقوسه، وبأحداثه ونبؤاته، يوجه الانظار الى المسيح المنتظر، كما ان كتاباته تقود فكر البشر الى المسيح ليقبلوا اليه فيجدوا فيها ماتصبو اليه نفوسهم. فالعهد القديم يتطلع الى الخلاص الذي يتحقق بيسوع، والعهد الجديد يقدم الخلاص الذي تحقق فعلاً في يسوع…
واذ استخدم المسيحيون من البداية العهد القديم في الكرازة بالانجيل، ثم جمعوا كتابات العهد الجديد معاً باعتبارها الكتابات المسيحية، لم يكن غريباً أن يجمعوا كتب العهد القديم والعهد الجديد معاً لتصبح كتاباً مقدساً واحداً، ويتحدث في وحدة وانسجام عن عمل الاله الحقيقي الواحد الذي يقدم الخلاص للبشرية، وعن استجابة الانسان لعمل الخلاص، الذي انجزه الله للبشر في المسيح. فالكتاب المقدس يتكون من قصة واحدة هي قصة الخلاص ويقدم تاريخ هذا الخلاص على مر العصور والأجيال.
8- تقسيم الكتاب المقدس لفصول وآيات
لم تكن أسفار الكتاب المقدس مقسمة الى فصول وآيات عند كتابتها. الا أن تزايد الدراسة وتزايد اقتباس عبارات كثيرة من الكتاب المقدس، أبرز الحاجة الى تحديد الأماكن التي يتم الاقتباس منها.
وكانت البداية بالبشائر الأربع، فقد كتب أمونيوس الاسكندري حوالي سنة 220م على هوامش الانجيل بحسب متى البشير، ازاء كل فقرة منه، الفقرة المشابهة في الأناجيل الأخرى، واذا بهذه الفكرة توحي ليوسبيوس القيصري أن يقسم الأناجيل الأخرى، واذ بهذه الفكرة توحي ليزسبيوس القيصري أن يقسم الأناجيل الى فقرات أو أجزاء لكل منها رقم خاص. فجعل من متى 355 فقرة، ومرقس 233فقرة، ولوقا342 فقرة، ويوحنا 232 فقرة. ثم وزع هذه على عشرة قوائم يمثل كل منها الفقرات التي ترد في الأناجيل الأربعة أو في ثلاثة أو في اثنين (وايهما) أو في انجيل واحد. ثم دون رقم كل قائمة باللون الأحمر الى جوار رقم الفقرة المكتوبة باللون الأسود مع النص، وبذلك يستطيع القارىء ان يدرك بجهد متواضع ان كانت هذه الفقرة او تلك ترد في انجيل آخر وماهو رقمها. وساعدت هذه الوسيلة كل من رغبوا في مقارنة الفقرات المختلفة في الاناجيل.
الا انه بالاضافة الى ذلك، نلاحظ أن المخطوطات الهامة كالفاتيكانية والاسكندرانية والسينائية (دير سانت كاترين)… تحوي تقسيماً آخر يهدف الى معاونة القارىء على فهم الجزء الذي يقرأه. وتضيف بعض المخطوطات كالاسكندرانية عنواناً لكل جزء يوضح مضمونه وبموجب هذا التقسيم نجد متى في 68 جزءاً، ومرقس في 48 جزءاً، ولوقا في 83 جزءاً، ويوحنا في 18 جزءاً.
وبمرور الزمن قام ستيفن لانجنون (عندما كان في باريس قبل ان يصبح رئيساً لأساقفة كنتربري حيث توفي عام 1228) بتقسيم الكتاب المقدس في ترجمته اللاتينية الى الفصول المعروفة لدينا اليوم ثم تم تعميم هذا التقسيم في سائر اللغات.
وبعد ذلك قام أحد اصحاب المطابع في باريس واسمه روبرت ايتين اي استفانوس بتقسيم النص الى آيات، وهو نفس التقسيم الذي لانزال نستخدمه اليوم. وكانت المطابع في ذلك العصر نقوم بدور دور النشر اليوم وظهر ذلك التقسيم للآيات لأول مرة في الطبعة الرابعة للعهد الجديد باللغتين اليونانية واللاتينية التي اصدرها في جنيف بسويسرا عام 1551 م. عندما اصدرت المطبعة، أي دار النشر، المشار اليها أعلاه أول كتاب مقدس كامل فيه تقسيمات الفصول والآيات كما نستخدمها اليوم وذلك في الترجمة اللاتينية ( الفولجاتا).
ويستخدم البعض كلمة اصحاح تعبيراً عن الفصول الكتابية، وكلمة اصحاح مشتقة من كلمة صحيح ويقصد بها تقديم جزء متكامل سواء اطلقنا عليه كلمة اصحاح أو كلمة فصل.
الا انه ينبغي أن لانعتبر تقسيم الكتاب المقدس الى فصول وآيات أساساً للدراسة الجادة لكلمة الله فكثيراً مايأتي تقسيم الفصول الكتابية والآيات حيث لايجب أن يكون. ولذلك فكثيراً ماييضطر من يسهرون على نشر الكتاب المقدس باللغات المختلفة لأن يضموا بعض الآيات من هذا الفصل أو ذاك الى فصل آخر ليتكامل المعنى ولكي لاتظهر بعض الآيات مبتورة عن مضمونها. والأمثلة كثيرة منها أش 52: 13-15 وهي الآيات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالفصل 53 لا الفصل 52 من نبؤات أشعياء. وكذلك 2 كو1:7 وهي الآية التي ترتبط بالفصل السادس لا الفصل السابع من رسالة بولس الرسول الثانية الى كنيسة كورنثوس. ولذلك يجدر بكل من يدرس الكتاب أن لايتقيد في دراسته بالفصول الكتابية كوحدات متكاملة للدراسة.
صحة الكتاب المقدس
لم يتعرض كتاب على مر العصور والأجيال لمثل ماتعرض له الكتاب المقدس من هجوم . الا انه من الجانب الآخر لم يضحِّ البشر لأجل كتاب بمثل ماضحوا في سبيل الكتاب المقدس، حتى قدم البعض حياتهم نفسها لأجله.
اولاً شهادة المخطوطات
يعلم كل من درس شيئاً عن المخطوطات القديمة سواء للعهد القديم أو للعهد الجديد او الكتاب المقدس بكامله. وهذه المخطوطات موجودة في مختلف متاحف العالم الشهيرة. والاكتشافات الحديثة لبعض المخطوطات تعطينا مزيداً من اليقين بشأن صحة الكتاب المقدس كما هو بين ايدينا اليوم. والذي يقارن بين مخطوطات الكتاب المقدس القديمة، ومخطوطات بعض الكتابات الكلاسيكية القديمة أيضاً، مثل كتابات هو ميروس وما الى ذلك، يدهشه حقاً ان يرى توافقاً كبيراً من مخطوطات الكتاب المقدس بينما تظهر اختلافات كبيرة بين مخطوطات سائر تلك الكتابات الأخرى رغم ماتحظى به من شهرة عالمية كبيرة.
ويستطيع العلماء ان يحددوا تاريخ المخطوطات المختلفة بدقة عن طريق استخدام جهاز خاص لذلك يقوم بتحليل الحبر أو المادة المكتوب عليها وفحص مايسمى ب”الكربون المشع” او “الكربون رقم 13 ” كما يمكن التعرف على تاريخ كتابة المخطوطات من نوع الخط المكتوب به كالكوفي والكوفي المعدل والنسخ في اللغة العربية، وفي الكتابة بحروف منفصلة أو حروف متصلة في المخطوطات اليونانية، وما الى ذلك.
ومخطوطات الكتاب المقدس الموجودة بين ايدينا اليوم تعود في تاريخ نقلها عن مخطوطة سابقة الى سنوات قريبة جداً من تاريخ كتابة نسخها الأصلية، بينما نجد أن أقدم مخطوطات كتابات أفلاطون مثلاً تعود الى 1300 سنة بعد افلاطون. ولاتوجد مخطوطة لكتابات ديموشين أقدم من 1200 سنة بعد وفاته. وبينما دوّن تاسيتوس أربعة عشر كتاباً في التاريخ عام 100 مسيحية تقريباً، لايوجد لدينا اليوم منها سوى مخطوطات اربعة كتب ونصف، يعود أقدمها للقرن 9م
ويوجد لدينا اليوم أكثر من 10000مخطوطة للكتاب المقدس أو أحد أجزائه ويمكننا أن نشير الى أهم المخطوطات في مايلي:
1- مخطوطة العهد القديم وحده
ان اقدم مخطوطة للعهد القديم بين ايدينا قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت عام 1947 تعود الى القرن الأول المسيحي أو ربما القرن الثاني وهي جزء من مخطوطة مكتوبة على ورق البردي تعرف باسم بردية ناش وتشمل الوصايا العشر كما نجدها في الفصل الخامس من سفر التثنية وكذلك: ” اسمع يا سرائيل…” تث4:6-9 التي هي بمثابة اقرار ايمان شعب الله القديم.
وسبق ان اشرنا الى الأجزاء الكثيرة من العهد القديم التي يعود بعضها الى القرن الخامس المسيحي التي اكتشفت في مجمع اليهود في مصر القديمة بالقاهرة. على أن اهم المخطوطات ذات الشأن التي كانت بين ايدينا قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت عام 1947 وهي مايلي:
أ) مجلد القاهرة الذي اكتشف في مجمع اليهود بمصر القديمة بالقاهرة ويشمل كتابات الأنبياء وتاريخ كتابته سنة 895م.
ب) مجلد سان بطرسبرغ الخاص بالأنبياء ويشمل نبوّات أشعياء وارمياء وحزقيال والأنبياء الصغار الاثني عشر وتم نسخه عام 916 مسيحية.
ج) مجلد حلب الذي يشمل العهد القديم بكامله وتاريخ كتابته 925 مسيحية
د) مجلد المتحف البريطاني وهو يشمل الكتب الخمسة الأولى وتاريخه 950 مسيحية
ه) مجلد روشلين الذي يشمل الأنبياء، وقد تم نسخ هذا المجلد عام 1105 مسيحية
و) مجلد سان بطرسبرغ
الذي تم نسخه عام 1108 مسيحية ويشمل العهد القديم بكامله.
وهناك ايضاً بردية تشمل ترجمة يونانية لحوالي 15 آية من سفر التثنية تعود بنا الى القرن 2 مسيحي وهي موجودة في مكتبة جون رايلاندز في مانشستر بانكلترة.!!!
الا ان مخطوطات قمران ( البحر الميت) التي اكتشفت في منطقة خرائب قمران في الشمال الشرقي لمدينة القدس وضعت بين ايدينا درجين لسفر أشعياء أحدهما يشمل النص كاملاً ويعود للقرن الثاني قبل الميلاد، والدرج الآخر ضاعت بعض أجزائه، ومعه نص سفر حبقوق وتفسير له.
وقد اكتشفت كل هذه في الكهف الأول ( انظر تدوينتنا عن مخطوطات قمران في موقعنا هنا). ودأب علماء الحفريات والبدو على البحث والتنقيب في هذه المنطقة مابين سنة 1952 وسنة 1956 واكتشفوا مزيداً من النصوص في عشرة كهوف أخرى فوجدوا في الكهف الحادي عشر 41 مزموراً من المزامير التي بين ايدينا اليوم، كما اكتشفوا أجزاء من أكثر من مائة درج أخرى تشمل بعض الآيات من كل اسفار العهد القديم ماعدا سفر استير.
وتعود هذه المخطوطات الى القرنين الأول والثاني قبل المسيح.
ويلاحظ كل من يدرس هذه النصوص تطابقاً كاملاً بينها وبين النص الموجود بين ايدينا اليوم في ماعدا بعض الاختلافات الطفيفة التي يتوقع المرء ان يجدها نتيجة نقل مخطوطة عن مخطوطة أخرى على مدى قرون طويلة.
2- مخطوطات العهد الجديد وحده
مخطوطات العهد الجديد بمفرده كثيرة جداً أهمها مايلي
أ) مخطوطة بيزا ويطلق عليها هذا الاسم نسبة الى ثيودور بيزا الذي جاء خلفاً لكالفن في حركة الاصلاح في جنيف/ سويسرا وهو الذي قدم هذه المخطوطة هدية لجامعة كمبردج بانكلترا.
وهي أقدم مخطوطة معروفة لدينا تشمل نصوصاً من الكتاب المقدس بأكثر من لغة. فهي تشمل الأناجيل الأربعة وجزءاً من رسالة يوحنا الرسول الثالثة وجزءاً من سفر الأعمال. والنص مكتوب باللغة اليونانية في الصفحات اليمنى. وتعود هذه المخطوطة الى أواخر القرن الخامس المسيحي أو أوائل القرن السادس المسيحي.
ب) مجموعة برديات شستر بيتي وهذه مخطوطات اكتشفت داخل جرار في إحدى المقابر المسيحية بمصر واشتراها رجل اميركي كان مقيماً في دبلن بايرلندا من بعض تجار العاديات بمصر وتشمل نصوصاً من الأناجيل الاربعة. وسفر أعمال الرسل (30 ورقة من اوراق البردي) ورسائل بولس الرسول(86 ورقة من 104) وسفر الرؤيا(10 ورقات من 32 ) وتعود كل هذه المخطوطات الى مابين عام 200 و250 م.
ج) مجموعة برديات دشنا وقد اكتشفت بالقرب من مدينة دشنا بصعيد مصر قبل عام 1956 بقليل وعرفت باسم مجموعة بودمار وهي موجودة حالياً بمتحف بودمار بالقرب من جنيف بسويسرا. وتقدم لنا هذه المخطوطات النص الكامل لبشارتي لوقا ويوحنا ورسالتي بطرس الرسول وكذلك رسالة يهوذا. وكل هذه المخطوطات تعود الى أوائل القرن3م وهي تطابق النصوص التي بين ايدينا فيما عدا بعض الاختلافات الطفيفة جداً.
د) بردية جون رايلاندز ورغم أن هذه ليست سوى جزء صغير من ورقة من البردي مكتوب عليها من الجانبين، ولاتشمل سوى كلمات قليلة من انجيل يوحنا الا أنها تعود الى حوالي عام 125م مما يؤكد لنا ايضاً أن تدوين المخطوطات في شكل صفحات مكتوب على جانبيها ووضعها داخل غلاف كمجلدات كان قد بدىء به في هذا التاريخ المبكر. وقد اكتشفت هذه الجزازة من البردي عام 1934 بصعيد مصر وهي موجودة اليوم في مكتبة جون رايلاندز بمانشستر بانكلترا.
3- مخطوطات الكتاب المقدس الكاملة
اما مخطوطات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد فكثيرة ايضا واهمها مايلي وكلها ابنة المشرق ولكنها صارت في متاحف الغرب بكل اسف كما يحصل لكل الآثار والمخطوطات تحديدا في المناطق المحتلة:
أ) المخطوطة السينائية وتعود الى منتصف القرن4 م وقد اكتشفها العلامة فون تيشيندورف بدير القديسة كاترينا بسيناء عام 1844 ثم عام 1859 وهي تشمل العهد الجديد كاملاً وغالبية العهد القديم باللغة اليونانية. وهي الآن بالمتحف البريطاني بعدما استلبها الاحتلال البريطاني لمصر من مخطوطات الدير!!!
ب) المخطوطة الاسكندرانية وهذه تعود الى القرن 5م وتشمل غالبية العهد القديم وكل العهد الجديد وهي باللغة اليونانية وحالياً هي موجودة الآن بالمتحف البريطاني بعدما استلبها الاحتلال البريطاني لمصر!!!
ج) المخطوطة الفاتيكانية وهذه تعود الى القرن 4م وقد نسخت بمصر حوالي عام 350 م باللغة اليونانية وتشمل كل العهد القديم تقريباً وكل العهد الجديد فيما عدا بعض الأجزاء الأخيرة منه. ويطلق عليها اسم الفاتيكانية لأنها صارت موجودة بمكتبة الفاتيكان منذ ماقبل عام 1475م بعدما استلبها الفرنج بحملاتهم على المشرق.
د) المخطوطة الأفرامية وهي تعود للقرن 5م وتشتمل على 64 صفحة من العهد القديم وكذلك 145 صفحة من العهد الجديد وكانت أصلاً نسخة كاملة للكتاب المقدس بكامله كتبت غالباً بمصر في القرن 5 باللغة اليونانية، الا ان أحد الرهبان !!! حاول ان يمحوها ليدون على رفوفها بعض عظات القديس افرام السوري في القرن 12م. واستطاع العلماء عن طريق استخدام بعض المواد الكيمائية وطرق التصوير الحديثة، قراءة النص الأصلي برغم محوه، وبرغم الكتابة فوقه، والمخطوطة الأفرامية موجودة اليوم بمتحف باريس…!
ان كل هذه المخطوطات تدلنا دلالة قاطعة على صحة الكتاب المقدس كما هو بايدينا اليوم مما لايدع مجالا للشك لدى كل دارس منصف غير منحاز.
ثانياً الدقة المتناهية في نقل المخطوطات
لاحظنا كيف اهتم النساخ في نقل اسفار العهد القديم بإعداد الدرج الذي يستخدمونه والدقة في الكتابة واحصاء الكلمات والحروف لكل سفر.
الا اننا نلاحظ أن هناك عاملاً اضافياً زاد من اهتمام النساخ بالدقة في النقل من مخطوطة الى مخطوطة. وكان ذلك مما املته الظروف على النساخ وعلى الراغبين في اقتناء المخطوطات المختلفة فكلنا يعلم أن بعض الناس يميلون للكتابة بخط صغير بينما البعض الآخر يكتبون بخط كبير فتشغل نفس الكلمات على يد الكاتب الاول أسطراً اقل مماتشغله على يد الكاتب الثاني. فكان من الضروري ان يتم الاتفاق بين من يقوم بكتابة المخطوطة وبين من يرغب فيها على اساس “حجم” المخطوطة نفسها أي على أساس عدد كلماتها، او بالحري عدد حروفها: حتى لايتقاضى من يكتب بخط كبير أجراً اكثر من اللازم، وحتى لايجحف حق من يكتب بخط صغير.
بل إن هنالك جانباً آخر أثّر تأثيراً كبيرا على الدقة في النقل واحصاء الكلمات والحروف، فكان على من يرغب في أن يقتني نسخة من مجموعة رسائل بولس الرسول مثلاً أن يتعرف على تكلفة نسخ كل من هذه الرسائل. وهذا يرتبط طبعا بطول الرسالة أو قصرها. ولكي تتحدد معالم هذا الأمر وضعت رسائل بولس الرسول في ترتيبها الحالي بحسب عدد اسطرها، وبالتالي بحسب عدد حروفها في مجموعتين أولاهما الرسائل الموجهة الى كنائس والأخرى الموجهة الى أفراد. فتبدأ المجموعة الأولى بالرسالة الى كنيسة روما باعتبارها اطول الرسائل وتنتهي بالرسالة الثانية الى تسالونيكي وهي اقصر الرسائل الموجهة الى كنائس. أما المجموعة الثانية فتبدأ بالرسالة الأولى الى تيموثاوس وتنتهي بالرسالة الى فيليمون وهي أقصر الرسائل.
وعرف كل هذا باسم “علم عدد الأسطر” والذي بمقتضاه حددوا عدد اسطر كل سفر باعتبار أن كل سطر يتكون في المتوسط من عدد معين من الحروف. ورغم أن الهدف الأساس من كل هذا كان ضبط التعامل بين النسَّاخ والراغبين في الحصول على نسخ من هذا السفر أوذاك، الا أن ذلك أدى الى الدقة المتناهية في احصاء عدد أسطر، بل عدد حروف الكتابات المختلفة. وهانحن اليوم نشكر الله كثيراً لأجل كل ذلك لأنه يؤكد لنا سلامة الكتاب المقدس على مر العصور والاجيال.
يتبع في الجزء الرابع مع:
ثالثاً ترجمات الكتاب المقدس
الترجمة السبعينية
اترك تعليقاً