الكلمة المتجسّد
الكلمة المتجسّد
حضور المسيح على الأرض يبدّل كلّ ذرّة في كياننا، بدءاً من عقولنا وصولاً إلى أعمق مكان فينا.
من هنا تتخطّى المسيحيّة فكرة العبادة الجافّة ومبدأ تطبيق الشّريعة كقانون رادع ومنطق التعويض في الحياة الثّانية.
إنّها العلاقة مع الحبيب الأوحد، يسوع المسيح، التي توجب تغييراً جذرياً في الإنسان وتستلزم انتهاج منطق جديد ورؤية جديدة.
هذه العلاقة تخلقنا من جديد وتوجّهنا في مسار مختلف عن مسارات العالم لتخلص بنا إلى لقاء أبديّ مع الرّبّ. كما أنّها تحتّم علينا أن نلبس المسيح لا أن نكتفي بعلاقة ظاهريّة تعبّر عن إيمان اعتباطيّ أو تقليديّ أو حتّى موروث.
فالمسيحيّ ليس مسيحيّاً بالوراثة وإنّما بالشّهادة ليسوع المسيح. وهذه الشّهادة تتطلّب معرفة عميقة بالسّيّد وارتباطاً حميماً ومخلصاً بمن نزل إلينا حتّى يرفعنا إلى فوق.
لبسنا المسيح يعني اتّحدنا به فكريّاً ونفسيّاً وروحيّاً، وصرنا انعكاساً حقيقيّاً له كما تعكس المرآة التّفاصيل بدقّة وإتقان. ما يستدعي منّا تعميق صلتنا بالمسيح والانتباه إلى سلوكيّاتنا حتّى البسيطة منها.
يقول بولس الرّسول: ” اقتدوا بي كما أقتدي بالمسيح” (1كور 1:11). إنّها لثقة كبيرة وعظيمة من بولس الرّسول، إذ إنّه أدرك في عمق أعماقه أنّه أصبح والمسيح شخصاً واحداً. فمن منّا اليوم يستطيع أن يقول: “اقتدوا بي، كما أقتدي بالمسيح”؟.
هذا الاقتداء يتمثّل بالدّرجة الأولى بالامتلاء من المسيح الكلمة والتّيقّن بأنّ المسيح الحقيقة هو الكلمة الّتي يجب أن تدرّب فكرنا وتنمّي عقلنا فينفتح على حقائق عدّة ولكن دون أن يسمح لها بالسّيطرة عليه والتّحكّم به.
قد ينبهر الإنسان بأيديولوجيّات كثيرة ونظريّات عديدة يجيد أصحابها نشرها كما يجيدون استمالة البعض ممّن فقدوا الثّقة بأنّ المسيح هو الحقيقة. فيغيّرون مسارهم ويتبعون هذه الأيديولوجيّات، فإمّا توصلهم إلى طريق مسدود بما أنّها ليست الحقيقة الكاملة، وإمّا تبعدهم نهائيّاً عن الله وتسهم في محو صورته منهم بإرادة منهم.
قد تكون بعض الحقائق العلميّة والاجتماعيّة والسّياسيّة محقّة في مكان ما، إلّا أنّها لا تشبع عقل الإنسان وروحه لأنّها جزء من الحقيقة وليست كلّ الحقيقة.
هذه الحقائق مرتبطة بالعقل فقط، والعقل محدود مهما اجتهد وثابر وتثقّف، ولا تكتمل معرفته ولا تتحقّق إلّا إذا أشرك معها قلبه المنفتح على الله. فمن الله يستمدّ العقل رؤيته الحكيمة وبنور الله المتسرّب إلى قلبه يقوّي بصيرته الّتي تمكّنه من وزن الأمور والتّمييز بين ما هو صالح وهادف وبين ما هو مضيعة للوقت وثرثرات وجدالات تغذّي في الإنسان كبرياء الأنا، وغرور المعرفة.
المسيح الكلمة، كنز المعرفة العقلانيّة والرّوحيّة. ولو أردنا أن نصل إلى المعرفة فعلينا أن نتغذّى من الكلمة النّبع قبل الدّخول في متاهات النّظريّات الكبيرة والمبهرة. ليست بالطّبع دعوة للتّخلّي عن العلم أو دعوة لنبذ جهود الإنسان في بحثه العلميّ الاجتماعيّ والنّفسيّ والفلسفيّ، وعدم الاضطلاع عليها. وإنّما هي دعوة لعدم الانبهار بنظريّات تحجب عنّا بهاء الكلمة ونور المعرفة وفيض الحقيقة، يسوع المسيح.
أيّها المسيح الكلمة، هبنا نحن الضّعفاء ونحن نقترب من نور ميلادك، أن ننجذب دوماً إليك، فتستنير عقولنا وتنفتح على حكمتك الأزليّة.
يا من بدوت لنا طفلاً وفيك احتجبت الكلمة الّتي تكفي كلّ الأجيال، أعطنا أن نسير نحوك بطهارة وقداسة فندخل في سرّ محبّتك ونقتدي بك ونسير معك حتّى نصل إليك.
أمين.
Beta feature
اترك تعليقاً