الكنائس الشرقية حتى القرن العشرين (1453 إلى1917)
العثمانيون والفرس
-
العثمانيون
اسقاط القسطنطينية
استطاعتالدولة العثمانية اسقاط القسطنطينية سنة 1453 وسقطتبالتالي الامبراطورية الرومية الزاهية بعشرة قرون وتحول ثقل واهمية الكنيسة الارثوذكسية الى روسيا، سمح العثمانيون لليهود والمسيحيين أن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية تحت حماية الدولة بعدما منح البطريرك جناديوس لقب وصلاحيات رئيس الملة المسيحية في الدولة العثمانية باسم بطريرك مله باشي، وفقًا لما تنص عليه الشريعة المسيحية، وبهذا فإنأهل الكتاب من غير المسلمين كانوا يعتبرون رعايا عثمانيين لكن دون أن يُطبق عليهم قانون الدولة، أي أحكام الشريعة الإسلامية، وفرض العثمانيون، كجميع الدول الإسلامية من قبلهم، الجزية على الرعايا غير المسلمين مقابل إعفائهم من الخدمة في الجيش. كان المسيحيون أكبر الملل غير الإسلامية في الدولة العثمانية، وقد انقسم أتباعها إلى عدّة كنائس أبرزها كنيسة الروم والارمن والأقباط والبلغار والصرب والسريان، وكانت هذه الكنائس تُطبق قانون يوستنيانوس في مسائل الأحوال الشخصية. خصّ العثمانيون المسيحيين الأرثوذكس بعدد من الامتيازات في مجاليّ السياسة والتجارة، وكانت هذه في بعض الأحيان بسبب ولاء الأرثوذكسيين للدولة العثمانية.
عندما احتل العثمانيون القسطنطينية اباح السلطان محمد الفاتح لجيشه المكون من 300000 مقاتل نصفهم من الجنود الانكشارية ونصفهم الآخر من الدراويش من مختلف الجنسيات الذين بقاتلون بشراسة من اجل الغنائم، وقد عمل الجنود العُثمانيّون على استباحتها طيلة ثلاثة أيَّام كما كانت العادة الرائجة في ذلك الزمان، أي يُسمح للجنود بالحصول على ما تيسّر من غنائم بوصفها غنائم حرب، فساد السلب والنهب في المدينة واعتصم بعض السكان بالكنائس فرارًا من بطش الجنود العثمانيين، وقتلت الآلاف من المسيحيين حتى بعد توقف كل محاولات الدفاع عن المدينة، وأسر الجنود العثمانيين كل بالغ يُنتفع به في العمل غنيمة، واغتصبوا النساء؛ حتى الراهبات منهن تم اغتصابهن. ويروي المؤرخ البريطاني فيليپ مانسيل أنَّ العساكر العُثمانيَّة اقتحمت الكنائس وفرَّقت الناس بين قتيلٍ وأسيرٍ بيع في السوق كعبد، كما قدَّر عدد القتلى من المدنيين بالآلاف وعدد من تمَّ استعبادهم أو تهجيرهم بحوالي 30,000. كانت الخسائر البشرية كبيرة بحيث يصف نقولا باربادو الدماء في المدينة: «كمياه الأمطار في المزاريب بعد عاصفة مفاجئة» ويصف جثث العثمانيين والمسيحيين في البحر «كالبطيخ على طول القناة».
أوضاع المسيحيين في الدولة العثمانية
ظهر في القرن السابع عشر نفوذ يونان الفنار والفنار هي المنطقة التي تقع فيها دار بطريركية القسطنطينية للروم الارثوذكس وهم أبناء عائلات يونانية ارستقراطية سكنت في حي الفنار في مدينة القسطنطينية، وحي الفنار كما اسلفنا هو مركز البطريركية المسكونية، أي مركز الارثوذكسية الشرقية. كان لهذه العائلات نفوذ سياسي داخل الدولة العثمانية ونفوذ ديني في تعيين البطريرك المسكوني، الزعيم المسيحي في الدولة العثمانية ( بطريرك مله باشي). عائلات حي الفنار كانت عائلات يونانية فارتبطت بالحضارتين الهلنستية والغربية فشكلت الطبقة المتعلمة والمثقفة في الدولة العثمانية مما افسح لها نقوذ سياسي وثقافي. اشتغل افراد هذه العائلات في التجارة والصيرفة وفي السياسة والتعليم، وينتمي غالبيتهم إلى عائلات من اصول النبلاء الروم. كان المسيحيين خاصةمنهم اليونانيون والارمن عماد النخبة المثقفة والثرية في عهد الدولة العثمانية، وكانوا أكثر الجماعات الدينية تعليمًا، ولعبوا أدوارًا في تطوير العلم والتعليم واللغة والحياة الثقافية والاقتصادية. وسيطر اليونانيون على كل من بطريريكيات انطاكية والاسكندرية واورشليم.
خلال القرن التاسع عشر تحسنت أوضاع الملة الارمنية الارثوذكسية لتُصبح أكثر طوائف الدولة العثمانية تنظيمًا وثراءً وتعليمًا، وعاشت النخبة من الأرمن في عاصمة الدولة العثمانية حيث تميزوا بالغناء الفاحش وعلى وجه الخصوص العائلات الكبيرة المعروفة آنذاك كعائلات دوزيان وباليان ودادايان حيث كان لهم نفوذ اقتصادي كبير في الدولة.
إلى جانب الاستفادة من تطور بنية المدراس الأرمنية التابعة للكنيسة عمل الأرمن في التجارة والمهن الحرة مما أدى إلى تحسن أوضاعهم الاجتماعية، وظهر أشخاص شغلوا مناصب هامة مثل المُحسن ورجل الأعمال كالوست كولبنكيان الذي لعب دورًا رئيسيًا في جعل احتياطي النفط في الشرق الأوسط متاحًا للتنمية الغربية.
أوضاع المسيحيين في الدولة الصفوية
ي عام 1606 أنشئ الحي الأرمني بواسطة مرسوم من الشاه عباس الأول، وهو شاه بارز من السلالة الصفوية. قدم إلى الحي أكثر من 150,000 من الأرمن إلى جولفا من ناخيتشيفان. وقد جاء الارمن إلى بلاد فارين من الاضطهادات في الدولة العثمانية؛ في حين وفقًا لشهادات أوروبية وأرمنية تقول أن السكان الأرمن تم نقلهم بالقوة في 1604 إلى أصفهان من قبل الشاه عباس الأول. على الرغم من اختلاف أسباب قدوم الأرمن إلا أنّ جميع الإدعاءات تتفق أن الأرمن من سكان جولفا ازدهرت على أيديهم التجارة خاصًة تجارة الحرير الخاصة بهم، وعمل الأرمن في أصفهان كتجار أغنياء، ولهم دور بارز في تطوير الصناعات الفنية الدقيقة الخاصة بالمجوهرات والآلات الدقيقة، ويساهمون اليوم في الصناعات البترولية.
في أواخر القرن 17، سيطر الارمن تقريبًا على كل التجارة الفارسية. وأنشأ الأرمن شبكات تجارية واسعة والأرمن في مدن مثل بورصة، حلب، البندقية، ليفورنو، مرسيليا، وامستردام. وهكذا أصبح الأرمن المسيحيون النخبة التجارية في المجتمع الصفوي ومن خلال وجود رأس مال كبير أتاح للمسيحيين حرية دينية كبيرة فضلًا عن ثراء وسطوة.
الكنيسة الروسية الأرثوذكسية في الإمبراطورية الروسية
بعد اسقاط القسطنطينية تحول ثقل الكنيسة الارثوذكسية إلى روسيا فموسكو اصبحت رومة الثالثة ؛ وروسيا كانت الكنيسة الارثوذكسية مؤسسة قوية، فقد أعاد الأباطرة الروس من أسرة رومانوف الثنائية التقليدية في قيادة الكنيسة بينهم وبين البطاركة، وأصبحت روسيا قائدة العالم الأرثوذكسي. وفي عام1771 قام الإمبراطور بطرس الاول بإلغاء البطريركية جاعلًا الكنيسة من مؤسسات الدولة يدير شؤونها مجلس للأساقفة.
كانت المسيحية الارثوذكسية هي دين الدولة الرسمي في الأمبراطورية، وقد اعتنقها أغلبية سكان الإمبراطورية. وكان رئيس الكنسية الأرثوذكسية الروسية هو القيصر، الذي يحمل لقب المدافع الأعلى للكنيسة، وعلى الرغم من أنه كا قد ألغى جميع التعيينات، إلا أنه لم يكن له حق البت في مسائل العقيدة أو تعاليم الكنيسة. انحصرت السلطة الكنسية الرئيسية في يد المجمع المقدس، ورئيسه المدعي العام، الذي كان في ذات الوقت أحد أعضاء مجلس الوزراء، ويُمارس صلاحيات واسعة جداً في المسائل الكنسية. أطلقت الإمبراطورية حرية المعتقد الديني، حيث كان كل الأشخاص مهما كان دينهم، يُمارسون شاعائرهم بحريّة، ما عدا اليهود، الذين وُضعت عليهم بعض القيود.
كان رؤساء الكنسية الأرثوذكسية الروسية الوطنية يتألفون من ثلاث أساقفة مدن، هي مدن سان بطرسبرج وموسكو وكييف، وأربعة عشر رئيس أساقفة وخمسين أسقفًا عاديًا، وكلهم قادمون من صفوف رجال الدين الرهبان العزاب. كان يسمح للكهنة المتزوجين وفق الكنيسة الارثوذكسية عامة عند تعيينهم، ولكن كان إذا ترملوا لا يُسمح لهم بالزواج مرة أخرى، وهذه القاعدة لا تزال تطبق حاليًا.
استطاعتالأمبراطورية الروسية خاصًة خلال عصر كاترين الثانية عن طريق تحالفاتها مع سائر الدول الأوروبية استعادة اليونان ومنحها الاستقلال عام 1838؛ ثم أخذت سائر الدول المسيحية في أ اوربه الشرقية بنيل استقلالها عن الدولة العثمانية الواحدة تلو الأخرى بين عامي 1812 و1881؛ واستحدثت متصرفية جبل لبنان سنة 1861بعيد المذابح بين الموارنة والدروز في الجبل والتي سرعان ما انتشرت حتى وصلت دمشق بين المسلمين والمسيحيين ؛ وتشكل النظام الحاكم والاجتماعي في متصرفية جبل لبنان من الثنائية المارونية-الدرزية، وسمح الاستقرار الأمني والتعايش الدرزي-الماروني في المتصرفية بتطور الاقتصاد ونظام الحكم. وكان كاثوليك الدولة العثمانية قد وضعوا تحت حماية فرنسا والنمسا ، إذ أعتبر آل هابسبورغ حكام الامبراطورية النمساوية حماة الكاثوليكية، في حين وضع الأرثوذكس تحت حماية الأمبراطورية الروسية وقامت انكلترا بحماية البروتستانت.
ظهور الكنائس الكاثوليكية الشرقية
أخذت في القرن 17 البعثات الكاثوليكية التبشيرية تتجه نحو الدولة العثمانية في سبيل ضم الطوائف المسيحية الشرقية إلى الكنيسة البابوية، الأمر الذي مهد ظهور الكنائس الكاثوليكية الشرقية، وأدت الحركة الديبلوماسية النشطة مع اسطنبول إلى نشوء نظام الامتيازات الأجنبية بدءًا من عام 1563 ثم ألحق به نظام حماية الأقليات الدينية بدءًا من عام 1649. وتعتبر الكنيسة المارونية أقدم الكنائس الكاثوليكية الشرقية إذ الحملات الصليبية سمحت للموارنة بالإتحاد مع كنيسة روما في العام 1182م. الكنيسة المارونية هي الكنيسة الشرقية الكاثوليكية الوحيدة التي لم تنشأ نتيجة الصراع مع الكنيسة الأرثوذكسية خلاف عقيدي وافقت على طرح الامبراطور هرقل بان للمسيح طبيعتين الهية بشرية ومشيئة والحدة بينما الكنيسة الارثوذكسية تؤمن بان للمسيح طبيعتين الهية وبشرية ومشيئتين الهية وبشرية والسريان اللاخلقيدونيين يؤمنون بان للمسيح كبيعة واحدة ومشيئة واحدة.
وكان للكنيسة الأوكرانية الكاثوليكية حضور مميز في أوكرانيا الغربية خاصًة في مدينة لفيف فضلًا عن مدينة كييف حيث مركز الكنيسة الروحي. شكّل إكليروس الكنيسة الاوكرانية الكاثوليكية وأسرهم طبقة وراثية متماسكة واعتبروا على رأس الطبقات الاجتماعية التي سادت المجتمع الأوكراني الغربي من خلال إقامة «سلالات كهنوتية»، وذلك من القرن 18 حتى منتصف القرن 20، في أعقاب الإصلاحات التي قام بها جوزيف الثاني، امبراطور النمسا.
بدأ اهتمام الكاثوليك بمسيحيي الهند عندما تضعضعت سلطة كنيسة المشرق عليها في القرن الرابع عشر. فرسم البابا يوحنا الثاني والعشرون أسقفًا كاثوليكيًا على قويلون بالهند سنة 1329، فأعلمه الأسقف بإمكانية إرسال عدة مئات من المرسلين الكاثوليك لكسب المسيحيين الهنود. غير أن العلاقة مع الكاثوليك انقطعت مجددًا حتى عصر الاستكشافات الأوربية. اجتمع وجهاء المسيحيين في كوشين حيث أعلنوا ما يعرف بحلف صليب كونان سنة 1653، الذي تعهدوا خلاله برفض سلطة بابا روما. ومن بين 200,000 مسيحي في كيرالا لم يبق سوى 400 تحت سلطة البابا بينما انتقلت الأغلبية للكنيسة السريانية الأرثوذكسية عندما تمكن الهولنديون من السيطرة على كوشين وقويلون سنة 1661. استدرك البابا الوضع بأن أرسل رهبانيين كرمليين لاستبدال اليسوعيين، فتمكن هؤلاء من استدراج معظم مسيحيي كيرالا بأن سمحوا باستعمال الطقس السرياني الشرقي بدلاً من الطقس اللاتيني، فتأسست بذلك كنيسة السريان المالابار الكاثوليك.
النهضة العربية
وخلال القرن 19، كانلبنان ومسيحييه يقودون النهضة القومية العربية، وقد انتقل بعض هؤلاء المفكرين ذوي الأغلبية المسيحية من سورية ولبنان إلى القاهرة والاسكندرية التي كانت في ظل الخديوي اسماعيل المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية؛ كذلك فقد استقر بعض هؤلاء في المهجر، لقد أطلق هؤلاء المسيحيون بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية النهضة العربية في القرن 19 والتي سرعان ما اتسعت لتشمل أطياف المجتمع برمته. وقد سطع أيضًا نجم عدد وافر من الشخصيات المسيحية العربية في الوطن العربي والمهجر في مناصب سياسية واقتصادية بارزة، كما ولا يزال للطوائف المسيحية، دور بارز في المجتمع العربي، لم ينقطع، لعلّ أبرز مراحله النهضة العربية في القرن التاسع عشر، كما لهم اليوم دور فاعل في مختلف النواحي الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
مذابح الدولة العثمانية
قامت الدولة العثمانية في قتل متعمد والمنهجي للسكان الأرمن خلال وبعد الحرب العالمية الاولى، وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل، والترحيل القسري وهي عبارة عن مسيرات في ظل ظروف قاسية مصممة لتؤدي إلى وفاة المبعدين. يقدّر الباحثين ان اعداد الضحايا الأرمن تتراوح ما بين مليون و 1.5 مليون نسمة. كذلك تعرضت مجموعات عرقية مسيحية بالمهاجمة والقتل من قبل الدولة العثمانية منهماروم والاشوريون والسريان والكلدان اي كل المكون المسيحي من قبل الاتراك وقواتهم النظامية وعصابات الاكراد المستأجرين من الاتراك بهدف اغتصاب اراضي المسيحيين كنواة للكيان الكردي وذلك عن طريق سلسلة من العمليات الحربية التي شنتها قوات نظامية تابعة للدولة العثمانية بمساعدة مجموعات مسلحة كردية شبه نظامية استهدفت المدنيين المسيحيين أثناء وبعدالحرب العالمية الاولى في كل اسيا الصغرى وخاصة في ارضروم وماردين وكيليكيا أدت هذه العمليات إلى مقتل مئات الآلاف منهم كما نزح آخرون من مناطق سكناهم الأصلية بجنوب شرق تركيا الحالية وشمال غرب ايران. سميت هذه المذابح التي استهدفت السريان باسم مذابح سيفو وتعرف كذلك بالمذابح الآشورية ويقدر الدارسون أعداد الضحايا السريان/الآشوريين بما بين 250,000 إلى 500,000، وضد اليونانيين حيث قامت حكومة تركيا الوريثة للامبراطورية العثمانية بتحريض أعمال العنف ضد يونان البنطس وغيرها من المناطق التي تقطنها الأقليات اليونانية. تضمنمت الحملة مذبحة، نفي من المناطق يتضمن حملات قتل الواسعة ضد هذه الأقليات. كان عدد الضحايا وفقاً للمصادر حوالي النصف مليون.
يرى عدد من الباحثين ان هذه الأحداث، تعتبر جزء من نفس سياسية الإبادة التي انتهجتها الدولة العثمانية ضد الطوائف المسيحية.
المسيحية الشرقية في القرن العشرين
أوروبا الشرقية
كانتالكنيسة الروسية الارثوذكسية مؤسسة قوية فيالامبراطورية الروسية، وأرتبطت بالأسرة الحاكمة، وشكّل النفوذ المتزايد لراسبوتين أحد الأسباب التي سببت قيام الثورة الروسية 1917. أدى قيام الشيوعية سنة 1917 إلى تأثير سلبي على الكنيسة الارثوذكسية.
في مطلع القرن 20 بدأت حركة تقارب بين الكنائس والطوائف المسيحية، حيث دعيت هذه الحركة باسم الحركة المسكونية، في سنة 1948 تأسس مجلس الكنائس العالميّ، وهي منظمة تعمل من أجل تقليل الاختلافات حول العقائد وتطوير الوحدة المسيحية، ويضم الآن الكنائس الارثوذكسية والبروتستانتية كما انضمت الكنيسة الكاثوليكية بصفة مراقب. في النصف الثاني من القرن العشرين نشطت حركة حوار مسكونية «لتعزيز وحدة المسيحيين»؛ في عام 1982 صدر عن الكنيسة الأرثوذكسية المشرقية والكنيسة الكاثوليكية «الإعلان المشترك حول طبعي المسيح»، والذي حلّ الخلاف التاريخي حول مجمع خلقيدونية، وهو السبب الرئيسي في انشقاق هذه الكنائس؛ في عام 1999 صدر عن الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة اللوثرية «الإعلان المشترك حول عقيدة التبرير»، التي تبنته جماعات بروتستانتية أخرى، وأفضت لحل السبب الرئيسي الذي فجّر الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر؛ أيضًا فإن الخلاف حول صيغة انبثاق الروح، حل بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الكاثوليكية بقبول الصيغتين. عام 1998
شهدت دول اوربه الشرقية مع سقوط الاتحاد السوفياتي والأنظمة الشيوعية صحوة دينية كبرى منها روسيا ممثلة بالعلاقة الوثيقة بين الكنيسة الروسية الارثوذكسية وفلاديمير بوتين، اوكرانيا، بولندا، صربيا، كرواتيا، رومانيا، وبلغاريا. وبحسب بيانات من دراسة القيم الأوروبية بين عام 2008 حتى 2010 شهدت لاتفيا والدول ذات الأغلبية الأرثوذكسية في اوربه الشرقية، نمواً في الانتماء أو الهوية الدينيَّة خصوصاً بين الشباب من عمر 16 وسن 24. بحسب فيليب مازورجاك من جامعة جورج واشنطن تحدث ثورة مؤيدة للعائلة وإعادة اكتشاف الجذور المسيحية في اوربه الشرقية. وبحسب دراسة قامت بها مركز بيو للأبحاث عام 2017 المسيحية الارثوذكسية خصوصا تنمو وتزدهر في اوربه الشرقية،
في تشرين الاول من عام 2018 أعلنت الكنيسة الروسية الارثوذكسية قطع صلتها مع بطريركية القسطنطينية، وذلك بعد اعتراف الاخيرة، بإستقلال الكنيسة الأوكرانية عن روسيا. واعتراف القسطنطينية بكنيسة مستقلة في أوكرانيا ينهي 332 عاما من وحدة الكنيسة الارثوذكسية بجناحها الاوكراني، حيث في عام1686 كان قد صدر قانون كنسي منح بطريرك موسكو حق تعيين المتروبوليت في كييف. يمكن أن يؤدي إلى ظهور «عالمين أرثوذكسيين متخاصمين»، أحدهما يتبع موسكو التي لديها العدد الأكبر من المسيحيين الأرثوذكس، وآخر موال للقسطنطينية. وأبدى الكرملين شجبا من اعتراف بطريركية القسطنطينية بكنيسة أرثوذكسية مستقلة في أوكرانيا ولم يحظ هذا القرار باعتراف الا بطريركية الاسكندرية، محذراً من أن القرار ينذر بانقسام في العالم الأرثوذكسي. في المقابل، رحّبت الحكومة الأوكرانية في كييف بالقرار، ورأى مراقبون أن الاعتراف بكنيسة مستقلة في أوكرانيا هو موقف سياسي.
الشرق الأوسط
تعتبر الهجرة والتهجير إحدى الملمات التي أصابت مسيحيي جنوب بلاد الشام عمومًا، فعلى سبيل المثال في أعقاب نكبة فلسطين 1948 التي أفضت إلى قيام اسرائيل، مُسحت عن الوجود قرى مسيحية بأكلمها على يد العصابات الصهيونية وطرد أهلها أو قتلوا، وهكذا فإن كنائس اللد وبيسان وطبريا داخل فلسطين المحتلة إسرائيل حاليًا إما دمرت أو أغلقت بسبب عدم بقاء أي وجود لمسيحيين في هذه المناطق، يضاف إلى ذلك وضع خاص للقدس فأغلبية القدس الغربية كانت من مسيحيين قامت العصابات الصهيونية بمسح أحيائها وتهجير سكانها وإنشاء أحياء سكنية يهودية فيها لتشكيل «القدس الغربية اليهودية» وهكذا فكما يقول المؤرخ الفلسطين سامي هداوي أن نسبة تهجير العرب من القدس بلغت 37% بين المسيحيين مقابل 17% بين المسلمين.
اضطهاد المسيحيين في اسطنبول
في اليوم السادس والسابع من ايلول 1955 اعمال شغب بالدرجة الأولى ضد الأقلية المسيحية الارثوذكسية اليونانية فضلًا عن الامن واليهود. بوغروم اسطنبول سببت تسارع هجرة اليونانيين من تركيا واسطنبول على وجه الخصوص. إنخفض عدد السكان اليونانيين في تركيا من 119,822 شخصا في عام1027، إلى حوالي 7,000 في عام 1978. في اسطنبول وحدها، انخفض عدد السكان اليونانيين من 65,108 إلى 49,081 بين الأعوام 1955-1960. في أرقام نشرت عام 2008 من قبل وزارة الخارجية التركية أشارت إلى أنّ العدد الحالي من المواطنين الاتراك من أصل يوناني يتراوح بين 3,000-4,000. وقالت ديليك جوين المؤرخة ومؤلفة كتاب صدر عام 2005 عن الواقعة ان المقابر دنّست والكنائس نهبت وقتل نحو 12 شخصا واغتصبت مئات النساء وقد حرق المقر البطريركي المسكوني مركز الكنيسة الارثوذكسية والعديد من المنازل والمشاغل والمصالح التي يملكها يونانيون.
رُسخ دور المسيحيين اللبنانيين في أعقاب ميلاد متصرفية جبل لبنان عام 1861، التي كانت ممهدة الطريق نحو ميلاد «دولة لبنان الكبير» عام 1920 بعد جهود حثيثة لنيل الاستقلال بذلتها مختلف الأطراف اللبنانية وعلى رأسهم البطريرك الماروني الياس الحويك الذي ترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح ورفض أي نوع من الفيدرالية مع سورية. نالت الجمهورية اللبنانية استقلالها عام 1943 وولد مع الاستقلال «الميثاق الوطني اللبناني» الذي نصّ على كون رئيس الجمهورية مارونيًا ورئيس الوزارة سنيًا ورئيس مجلس النوّاب شيعيًا، كذلك فقد وزعت المقاعد الوزارية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين وسائر وظائف الفئة الأولى الإدارية والأمنية والعكسرية، ولذلك فإن لبنان لا يعتبر الدولة الوحيدة في الوطن العربي التي يرأسها مسيحي، بل الدولة الوحيدة أيضًا التي يلعب فيها المسيحيون دورًا فاعلاً وأساسيًا في الحياة العامة؛ وخلال الفترة الممتدة بين 1943-1975 شهد لبنان ازدهارًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا غير مسبوق حتى دعي «سويسرا الشرق» وما عاق هذا التقدم هو اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية على أسس مذهبية في13 نيسان 1975. استمرّت الحرب اللبنانية خمسة عشر عامًا، ولم تعد حرب لبنانيين بقدر ما كانت حرب آخرين على أرض لبنان، فمن المعلوم على سبيل المثال أن الحرب بين عامي 1988-1990. في 1990 تم التوصل لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية محافظًا على المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وحافظ أيضًا على توزيع الرئاسات الثلاث ونقل جزءاً من صلاحيات رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء مجتمعًا، محولاً بذلك البلاد من النظام نصف الرئاسي إلى النظام البرلماني.
تسارعت وتيرة هجرة وتهجير مسيحيين العراق بشكل كبير في أعقاب غزو العراق عام 2003 وما رافقه من انتشار لمنظمات متطرفة شيعية وسنيّة. على سبيل المثال ومع بداية صوم العذراء في 1 آب 2004 تعرضت خمس كنائس للتفجير سويّة، مسلسل تفجير الكنائس لم يتوقف بل استمر وتطور بحيث شمل محلات بيع المشروبات الكحولية والموسيقى والأزياء وصالونات التجميل، وذلك بهدف إغلاق أمثال هذه المحلات، كذلك تعرضت النساء المسيحيات إلى التهديد إذا لم يقمن بتغطية رؤوسهن على الطريقة الإسلامية،وحدثت عمليات اغتيالٍ لعدد من المسيحيين بشكل عشوائي. أصيبت المسيحية السوريّة بدورها بالهجرة خاصًة عقب الازمة السورية منذ 2011 من نتائج تصاعد التطرف الديني وما رافقه من خطابات وعمليات طائفية وسيطرة التنظيمات الاسلامية المتشددة وابرزها داعش على مناطق ذات كثافة مسيحية، ما أدّى تزايد الهجرة بشكل متسارع.