الكنيسة الجامعة عند القديس مكسيموس المعترف (+ 662).
اِعتراف الإيمان الأرثوذكسي كمِعيار إكلزيولوجيّ أساسيّ، بحسب القديس مكسيموس المعترف.
للأب البروفيسور جان كلود لارشيه
(في القرن السابع ظهرت بدعة المشيئة الواحدة التي هي في الواقع بدعة الطبيعة الواحدة ولكنها تحت شكل آخر لذلك سُمّيت هذه البدعة ببدعة “الحرباء”. بدء بمحاربتها بطـريرك أورشليم صفرونيوس الذي قال أن هذه البدعة هي في جوهرها مونوفيسيتية وبعده جاء قديسنا مكسيموس المعترف).
يشدّد القديس مكسيموس المعترف، على نَحوٍ مُتَكَرِّرٍ، على اعترافَ الإيمان الأرثوذكسيّ كمِعيارٌ إكلزيولوجيّ أساسيّ. يُحَدِّد اعترافُ الإيمان الأرثوذكسيّ الانتماءَ إلى الكنيسة أو عَدَمِهِ، الخروج عنها أو استعادة الوحدة معها، وبالتالي الشَّرِكة أو عدم الشَّرِكة معها. ينطبق هذا المبدأ على علاقة الأشخاص بالكنيسة، كما على علاقة الكنائس المحليَّة بالكنيسة الجامعة. إن كانت الشركةُ تشهد للوحدة، وتُجَسِّدُها، وتُظهِرُها في كمالها، إلَّا أنَّ الاتحاد بالكنيسة الجامعة غير محدَّد ولا مشروط بالشركة (التي هي الغاية لا الوسيلة)، بل بالاعتراف بالإيمان الحقّ.
يميّز القديس مكسيموس، من حيث طريقة التعبير، بين الكنيسة الجامعة والكنائس المحليَّة. بالنسبة للقدّيس مكسيموس، لا تتماثل الكنيسة الجامعة مُسبَقًا مع الكنيسة المحليَّة ولا مع الكنيسة العالميَّة.
الكنيسة الجامعة بالنسبة للقدّيس مكسيموس هي الكنيسة التي أسَّسها الله، كنيسة المسيح، حيث هو حجر الزاوية (أفسس 2: 2012)، وحيث هو الرأس وهي جسده أيضًا (كولوسي 1: 18-2413)، وهي الكنيسة التي أسَّسها بنفسه على أساس الاعتراف المستقيم للإيمان به، والتي هي واحدة وفريدة. تتميَّز الكنيسة بشكلٍ أساسيّ، باعتبارها جامعة، بحقيقة اعترافها بالإيمان الأرثوذكسي. «الكنيسة الجامعة هي اعتراف الإيمان المستقيم والخَلاصيّ بإله الكون». يضع القديسُ مكسيموس مُصطَلحَ «الكنيسة الجامعة» في أغلب نُصوصِه، حين يَستخدِمُه، ضمن سياقٍ يسلّط الضوء على الإيمان الأرثوذكسيّ بمواجهة الأفكار الهرطوقيَّة. فبالنسبة له، إنَّ اعتراف الإيمان الأرثوذكسيّ هو الذي يؤسّسها ويشكّلها.
إذًا، إنَّ مصطلح ’جامعة’ καθολικός لا يعني ’عالميَّة’ οἰκουμενῐκός: يميّز مكسيموس، كغيره من الآباء القدماء، بين المفهومَين، ويُظهر توافقًا مع استخدامهما القديم. على الرَّغم من تميُّز الجامعيَّة عن العالميَّة، إلَّا أنَّها تشتملها بمعنى معيَّن. إذا كانت الكنيسةُ الجامعةُ عالميَّةً، فعالمِيَّتُها ليست جغرافيَّة ولا سُلطَوِيَّة، بل عالميَّةٌ تشمل كلَّ حقائق الإيمان الأرثوذكسيّ في كلّ زمانٍ ومكان، وكلَّ الذين اعترفوا وما زالوا يعترفون بهذا الإيمان. فبهذا الاعتراف المشترك بهذا الإيمانِ عَينِه بالثالوث نفسه، وبالمسيح نفسه، تتّحدُ الكنائس المحليَّةُ ومؤمِنوها بالكنيسة الجامعة عَينِها؛ بهذا الإيمان الذي يوحّد المسيحيّين المنتشرين في كلّ أنحاء العالم وفي كلّ القرون، «تجمع الكنيسةُ الجامعة كلَّ ما هو تحت السماء، وتستمرُّ بِجَمعِ كلِّ ما تبقّى إلى ما قد سبق وجمعته، ناشرةً، بقوّة الرُّوح القدس، روحًا واحدةً ولغةً واحدة، من أقاصي الأرض إلى أقاصيها، باتّفاق الإيمان وائتلاف التعبير عنه».
لكن، علينا أن ندرك أنه، في لحظة تاريخيَّة معيَّنة، عندما انتشرت الهرطقة في جميع الكنائس. فمن يعترف بالإيمان الأرثوذكسيّ، يكون في شركةٍ مع الكنيسة الجامعة أو يعود إلى الشركة معها؛ الذي يعترف بعقيدةٍ لا تتوافق مع الإيمان الأرثوذكسيّ، يَفرُزُ نفسَه عن الكنيسة، ويجب أن يُفرَز عنها. هذا المبدأ ينطبق على الأفراد كما على الكنائس المحليَّة أيضًا. تنتمي الكنائس المحليَّة إلى الكنيسة الجامعة، أو بالأحرى تكون الكنيسة الجامعة، طالما تؤمن إيمانًا أرثوذكسيًّا، إلَّا أنَّها تُقصى عنها عندما تعترف بعقائد غريبة عن الإيمان الأرثوذكسيّ كما حدَّده الرّسل والآباء والمجامع (حتّى ولو بقيت مؤسّساتيًّا بشكلِ كنائس وحملت تسمية كنيسة).
إذًا، إن كانت أبواب الجحيم لا تقوى على الكنيسة، فهذا يكون بنعمة الله التي تتلقّاها كونها جسد المسيح، لِنَنجو من هجمات الأعداء. لا يُمكن للكنيسة الجامعة أن تفقد استقامتها وجامعيّتها لأنَّها، جوهريًّا، حقيقة مستيكيَّة، إنّها جسد المسيح.
المصدر: Saint Gregory Palamas القديس غريغوريوس بالاماس
اترك تعليقاً