اللجنة الدولية للصليب الأحمر
اللجنة الدولية للصليب الأحمر
تعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ك“حارس للقانون الدولي الإنساني”، وهو دور معقد ذو صلة وثيقة بتأسيس اللجنة نفسها، وعهد به إليها فيما بعد رسمياً من قبل المجتمع الدولي. وتقدم هذه المقالة الجوانب المتعددة لهذا الدور وتدرس نطاقه في السياق المعاصر.
مقدمة
اللجنة الدولية للصليب الأحمر معروفة أولاً وقبل كل شيء بعملياتها الميدانية في مساعدة ضحايا النزاع المسلح والعنف الداخلي في أنحاء العالم كافة
والمعروف بدرجة أقل هو نطاق دورها ” كحارس ” للقانون الدولي الإنساني، وهو القانون المنطبق في حالات النزاع المسلح. وهذه الوظيفة المعقدة ذات صلة وثيقة بتأسيس اللجنة الدولية، وقد عهد بهذا الدور إليها لاحقاً من قبل المجتمع الدولي. وتحاول هذه المقالة تحديد دور الحارس بصورة أدق وإعطاء مفهوم أكبر لدلالته.
أولاًـ النشأة والتطور
يرتبط إنشاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر كغيرها من المؤسسات، بأوضاع تاريخية معيّنة، إلاّ أنّ ما قد يميّزها من سواها هو انطلاقها من ميادين القتال، ومواكبة أعمالها للحروب، منذ ما يناهز قرناً ونصف قرن من الزمن. ونبعتْ فكرة إنشاء هذه المنظمّة من ميدان معركة دارت رحاها بين الجيش النمساوي والقوات السّاردية المتحالفة مع الجيش الفرنسي في 24 حزيران 1859، في سولفيرينو الواقعة في شمالي إيطالية.
انجلتْ المعركة، بعد ست عشرة ساعة من القتال، عن سقوط أربعين ألف ضحية، بين قتيل وجريح، وصادف ذلك وجود مواطن سويسري من جنيـڤ ساقه القدر إلى مشاهدة الجثث والأشلاء المتناثرة في ساحات القتال والجرحى الذين راوح مصيرهم بين الموت والحياة. هذا الرجل كان اسمه “هنري دونان” الذي طرق باب امبراطور فرنسا، نابليون الثالث، الذي كان يقود جيشه في تلك المعركة، سعياً للحصول على تسهيلات عقارية في منطقة سطيف الجزائرية، إذ كانت الجزائر ترزح تحت نير الاحتلال الفرنسي، وشُغل دونان عن مسعاه لدى نابليون الثالث بمساعدة الجرحى والمرضى ومناشدة الأهالي بذل ما في الوسع لإنقاذهم والتخفيف من آلامهم، أيّاً كان الطرف الذي ينتمون إليه. وأوحت له مشاهداته الأليمة وضع كتاب بالفرنسية سمّاه “ذكرى من سولفيرينو”، نشره في جنيـڤ عام 1862.
ضمّن هنري دونان كتابه اقتراحيْن اثنين، دعا أولهما إلى إنشاء جمعيات إغاثة زمن السلّم تضمّ متطوّعين مستعدين لرعاية الجرحى ومساعدتهم زمن الحرب، وثانيهما إلى إبرام اتفاق دولي يكفل حماية المتطّوعين العاملين في الخدمات الطبية العسكرية.
تشكيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر
تشكلت لدراسة هذين المقترحين والعمل على تنفيذهما. ومهد كتاب هنري دونان الطريق بدرجة جيدة للغاية لدرجة أن الاقتراحين كليهما كانا ناجحين للغاية. وفي نهاية 1863، في نفس العام الذي تأسست فيه اللجنة الدولية، تأسست أول جمعيات مساعدة تطوعية – “الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر المستقبلية”.
في 22 آب من العام التالي، 1864، اعتُمدت “اتفاقية تحسين حال جرحى الجيوش في الميدان”. وكانت هذه الاتفاقية هي منشأ “القانون الدولي الإنساني.”
إذن تأسست “اللجنة الدولية للصليب الأحمر” في 1863 لدراسة مقترحات هنري دونان في كتابه ” تذكار سولفرينو ” . فإنه بعد أن وجد دونان نفسه فجأة في ميدان المعركة الفظيع هذا بالصدفة، استجاب لما رآه بنفس الطريقة تماماً التي أصبحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تستجيب بها لحالات الحرب طوال تاريخها.
كانت فكرته الأولى هي تقديم مساعدة عملية للجرحى. ومن غير سابق تفكير، طبق (مبدأ الإنسانية – السعي) ” لمنع وتخفيف المعاناة أينما وجدت “– الذي ما زال (المبدأ الأساسي لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر بأكملها)، وقام فورا بعمل كل ما باستطاعته لتنظيم المساعدة لآلاف الجرحى الذين تُركوا ليموتوا حيث سقطوا. وأُطلق على اللجنة اسم “اللجنة الدولية لإغاثة الجرحى العسكريين”، وقامت هي نفسها بتغييره إلى اسم “اللجنة الدولية للصليب الأحمر”، بموجب قرار صادر أواخر العام 1875. وأصبحت تلك التسمية شائعة منذ عام 1880.
وتأييداً لأفكار دونان، تولّت “جمعية جنيڤ للنّفع العام”، وهي مؤسسة خيرية أهلية، تأليف لجنة من خمسة أعضاء للنظر في مقترحات دونان. وإضافة إلى هذا الأخير ضمّت “لجنة الخمسة” الحقوقي “غوستاف مونييه”، وقائد الجيش السويسري سابقاً “غيوم هنري دوفور” والطبيبيْن “لوي آپيا” و”تيودور مونوار”.
ومنذ قيامها، دعت لجنة جنيـڤ إلى عقد مؤتمر دولي لبحث المقترحات الواردة في كتاب دونان المذكور، وعُقد المؤتمر في جنيـڤ في أكتوبر 1863 وحضره مندوبو ستّ عشرة دولة وأربع مؤسسات خيرية. ومن ضمن توصياته، أقرّ المؤتمر شارة “صليب أحمر على رقعة بيضاء”، وهي العلامة التي بادرت إلى اتخاذها اسماً ورمزاً جمعيات وطنية، أسّست في أوربا انطلاقاً من فكرة دونان، قبل أن تعتمدها اللجنة الدولية. وظلّت عبارة “الصليب الأحمر الدولي” ردحاً من الزمن تطلق على حركة عالمية تضمّ أيضاً جمعيات “الهلال الأحمر” إلى أن اعتمدت الحركة ذاتها تسميتها الرسمية الحالية وهي “حركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية”. (طبقاً لقرارات المؤتمر الدولي الخامس والعشرين لحركة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية، جنيڤ 1986).
وتلبية لتوصيات مؤتمر 1863 نظّمت الحكومة السويسرية مؤتمراً دبلوماسياً في جنيـڤ عام 1864 شارك فيه مندوبو اثنتي عشرة حكومة وأقرّوا معاهدة دولية حملت اسم “اتفاقية جنيڤ لتحسين حال العسكريين الجرحى في الميدان” (القوات البرّية)، وذلك في 22/8/1864، وهي أولى معاهدات القانون الدولي الإنساني الحديث الذي عرف تطوراً تدوينياً ملحوظاً حتى كتابة هذه السطور.
ثانياً ـ الطبيعة القانونية
عند نشأتها في أواسط القرن التاسع عشر، اتخذت “لجنة جنيـڤ” صفة “دوليـة” انطلاقاً من عملها الذي اقترن بوقائع الحروب خارج بلد المنشأ، سويسرا. ولفظ الدولي لم يكن له آنذاك المدلول الذي يعينه اليوم، إذ كان يقتصر على العلاقات بين الدول، وهذا ما حدا حقوقياً ودبلوماسياً بارزاً على القول: “لا أعرف أيّ جزء من علم القانون أو من العلم الإنساني يمكن أن تلحق به المؤسسة المدعوّة لجنة جنيـڤ (الروسي دومارتنز: «1845ـ1909»). وبصفتها منظمة خاصة فإنها، كسائر الجمعيات في سويسرا، تخضع لأحكام القانون المدني السويسري، وتحديداً المادة (60) من هذا القانون وما يليها. إلاّ أن هذا الارتباط ببلد المنشأ والمقرّ لا يُلغي صفة اللجنة الدولية، سواء من حيث عملها أو علاقاتها القانونية بالدول والمؤسسات الدولية. وليس صحيحاً أنّ اللجنة الدولية مجرّد “منظمة دولية غير حكومية” (NGO)، لكنها أيضاً ليست منظمة دولية حكومية، إذ لا عضوية للدول فيها، وهي لا تمثّل الدولة السويسرية أو مجموعة دول معيّنة. والحقيقة أنّ طبيعة اللجنة الدولية للصليب الأحمر مركّبة؛ أي إنها مزيج من الوطني (الانتماء والمقرّ) والدولي (الوظائف والعلاقات). ولا بدّ من الإشارة إلى أن هذه المؤسسة وسيط إنساني محايد في حالات النزاع المسلّح والحالات الأخرى التي تعمل فيها. وسندها القانوني للعمل لفائدة ضحايا الحروب هو مواثيق القانون الدولي الإنساني، أي المعاهدات الدولية التي منحت الأطراف المتعاقدة بموجبها صلاحيات محدّدة للجنة الدولية. أما في الحالات الأخرى فإن عمل اللجنة الدولية يستند إلى اتفاقات بينها وبين الدولة أو الدول المعنية، إضافة إلى إجراءات التنسيق والتبادل بين هذه المنظمة والمؤسسات الأخرى داخل حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولية أو خارجها.
واستناداً إلى ذلك كله تتمتّع اللجنة الدولية بالشخصية القانونية الدولية التي تمنحها وضعاً يمكّنها من حصانات وامتيازات لأداء مهامّها، مثل الإعفاء من الضرائب والرسوم الجمركية وحصانة مقارّها وممتلكاتها والحصانة القضائية شأنها في ذلك شأن المنظمات الحكومية، كالأمم المتحدة ومؤسساتها والمنظمات الإقليمية، علماً بأن اللجنة الدولية مستقلّة أيضاً عن مثل هذه المؤسسات. وهذا الوضع الخاص (sui generis) باللجنة الدولية مكّنها من عقد اتفاقيات مقرّ مع الدول التي لها فيها بعثات، وينطبق ذلك على اتفاقية المقرّ التي عقدتها مع الحكومة السويسرية، لأن مقرّ اللجنة العام يقع في جنيـڤ (عقدت اللجنة الدولية اتفاقية مقرّ مع الحكومة السويسرية عام 1993). ومنحت الأمم المتحدة اللجنة الدولية صفة مراقب لدى الجمعية العامة (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 45/6 بتاريخ 16/10/1990)، وبعدها لاتحاد جمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولي (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 49/2 بتاريخ 27/10/1994 الذي منح الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر صفة مراقب لدى الجمعية المذكورة). وللّجنة وضع مماثل لدى عدّة منظمات دولية حكومية إقليمية أو غيرها.
ودعّمت قرارات قضائية وطنية ودولية صفة اللجنة الدولية وطابعها الدولي الخاص بتأكيد الحصانة القضائية وإعفاء موظفي اللجنة السابقين وغيرهم، من الإدلاء بشهادتهم أمام المحاكم، وعلى سبيل المثال فرّقت المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة بين وضع اللجنة الدولية ووضع المنظمات الدولية الأخرى بناءً على وظائف اللجنة الدولية وطبيعتها القانونية الدولية وحقها في عدم الإدلاء بشهادة أمام القضاء بسبب ما قد يكون لذلك من آثار وعواقب وخيمة على الضحايا أو أسرهم (قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة في قضية المدعّي العام ضد سيميتش ومن معه، بتاريخ 27/7/1999، الصادر عن الدائرة الابتدائية). وهو ما أيّده واضعو قواعد الإجراءات والإثبات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية (القاعدة 73).
ثالثا ـ الإطار التنظيمي
1ـ الجمعية
طبقاً لنظام اللجنة الدولية الأساسي تمثّل “جمعية” (Assembly) اللجنة أعلى جهاز فيها لرسم ملامح سياستها العامة والإشراف على نشاطاتها وتحديد أهدافها العامة وخططها، والموافقة على الميزانية والاطّلاع على الأمور المالية. ويمكن للجمعية تفويض مجلسها للقيام ببعض مهماتها. وتتكون الجمعية من أعضاء اللجنة، ويراوح عددهم بين خمسة عشر وخمسة وعشرين عضواً جميعهم من السويسريين يُعيّنون بالاختيار، ويجري انتخابهم كل أربع سنوات. ويمكن للعضو أن يُنتخب ثلاث دورات، وما زاد عليها يوجب الحصول على أغلبية ثلاثة أرباع أعضاء اللجنة كافة. ويمكن انتخاب أعضاء شرف.
2ـ مجلس جمعية اللجنة الدولية
هو جهاز يعمل تحت إشرافها ويتخذ القرارات التي تقع في إطار صلاحياته، وهو قناة الاتصال بين الجمعية والإدارة، ويرفع إلى الجمعية تقاريره بانتظام. ويتكون المجلس من خمسة أعضاء تنتخبهم الجمعية.
3ـ الرئيس
يتولّى رئيس اللجنة الدولية رئاسة الجمعية ومجلسها، وهو المسؤول الأول في المؤسسة عن علاقاتها الخارجية. وعليه الحفاظ على الفصل بين صلاحيات الجمعية وصلاحيات المجلس، ويستعين في أداء مهمّاته بنائب قارّ ونائب مؤقت. وبصفته أحد أعضاء اللجنة فإن فترات عضويته فيها هي ذاتها التي تقدّم ذكرها.
4ـ الإدارة
هي الجهاز التنفيذي في اللجنة الدولية وتتولى مسؤولية تنفيذ أهداف المؤسسة العامة وخططها وضمان تنفيذها، كما تحدّدها الجمعية أو مجلسها. والإدارة هي المسؤولة عن تسيير عمل دوائر اللجنة بسهولة ونجاعة، ويشمل ذلك عمل جميع موظفي اللجنة. وتتكون الإدارة من مدير عام وعدد من المديرين يراوح بين ثلاثة وخمسة (وهو الرقم الحالي إضافة إلى المدير العام). ويتولّى المدير العام رئاسة الإدارة.
5ـ المراجعة الداخلية
يتولّى المراجعة الداخلية جهاز مستقل عن الإدارة يرفع تقاريره مباشرة إلى الجمعية ويؤدي واجباته من خلال مراجعة داخلية للبرامج والحسابات. ويشمل عمله جميع أقسام اللجنة الدولية في المقرّ وفي الميدان. وهدفه هو الوقوف على إنجاز المهمّات الموكولة إلى الموظفين ومدى ملاءمة الوسائل المتخذة للخطط المرسومة من قبل المؤسسة، ويعمل مستقلاً عن الأجهزة الأخرى. وفي الجانب المالي يُكمّل دور المراجعة الداخلية ما تقوم به شركات تدقيق الحسابات المتخصصة المعيّنة من قبل الجمعية.
رابعاً ـ المبادئ الأساسية والمهام
المبادئ الأساسية
تشترك اللجنة الدولية مع مؤسسات حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدولية في نواح عدة، لعلّ من أهمّها المبادئ الأساسية. وهذه المبادئ جزء من النظام الأساسي لكل عضو من أعضاء الحركة ومن نظام الحركة الأساسي ذاتها، وتمّت صياغتها في مؤتمرها الدولي العشرين (ڤيينا، 1965) بعد ما يربو على قرن من عمر الحركة. وما المبادئ السبعة التي أقرّها المؤتمر المذكور إلاّ ترجمة وجيزة لتجارب طويلة عاشتها المنظمات المنتمية إلى الحركة وخلصت إلى اعتمادها للسّيْر وفق مقتضياتها في عالم متعدّد الثقافات، مُتابين الرّؤى، مختلف السبل تنتابه الصراعات والنزاعات وتجتاحه الكوارث أيّاً كان مصدرها وحجمها. وبعد جهود متنوعة واجتهادات فقهية، من أبرزها ما دوّنه أحد روّاد القانون الدولي الإنساني وخبراء اللجنة الدولية الراسخين في معرفة تاريخ الحركة ونُظمها، ونعني جان بيكتيه (1914ـ2002)، وافقت الحركة على الالتزام في عملها بالمبادئ التالية:
الإنسانية، عدم التحيّز، الحياد، الاستقلال، الخدمة الطوعية، الوحدة، العالمية.
ولما كانت اللجنة الدولية جزءاً من الحركة، بل إنها مؤسًستها فإن عليها مراعاة تلك المبادئ في نشاطاتها كلّها. ومن المفيد التذكير بمضمون المبادئ السبعة الوارد في وثائق مؤسسات الحركة المعتمدة.
ـ الإنسانية
إنّ الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر التي وُلدت من الرغبة في إغاثة الجرحى في ميادين القتال من دون تمييز بينهم، تسعى سواء على الصعيد الدولي أو الوطني إلى منع المعاناة البشرية حيثما وُجدت والتخفيف منها. وهدفها حماية الإنسان وصحته وكفالة احترامه. وهي تسعى إلى تعزيز التفاهم والصداقة والتعاون والسلام الدائم بين جميع الشعوب.
ـ عدم التحيّز
يجب ألا تمارس الحركة أي تمييز على أساس الجنسية أو العنصر أو المعتقدات الدينية أو الحالة الاجتماعية أو الآراء السياسية، بل ان تعتمد الشفافية في تقاريرها وتكون ذات مصداقية ولا تخضع لأي ابتزاز، فواجبها أن تسعى إلى التخفيف من معاناة الأفراد على أساس واحد هو مدى حاجتهم إلى العون، مع تقديم الحالات الأشدّ إلحاحاً على ما سواها.
ـ الحياد
حتى تحظى الحركة بثقة الجميع، تمتنع عن اتخاذ أي موقف لمصلحة طرف ضد آخر في أثناء الحروب. وتحجم عن إقحام نفسها في مجادلات ذات طابع سياسي أو عنصري أو ديني أو عقائدي.
ـ الاستقلال
الحركة مستقلّة، وإذا كانت جمعيات الهلال الأحمر والصليب هيئات مؤازرة للسلطات العامة في بلادها وتخضع للقوانين الوطنية السّارية، فإن عليها الحفاظ على استقلالها باستمرار لأداء عملها وفقاً لمبادىء الحركة في جميع الأحوال.
ـ التطوع
خدمات مؤسسات الحركة طوعية وهي لا تستهدف الربح المادي بأي شكل من الأشكال.
ـ الوحدة
لا تقوم في أي بلد من بلدان العالم غير جمعية واحدة تنتمي إلى الحركة (هلال أحمر/ صليب أحمر). ويجب أن تكون مفتوحة أمام الجميع وأن تمارس عملها في كامل الإقليم الوطني بلا استثناء.
ـ العالمية
الحركة عالمية، وحقوق الجمعيات الوطنية المنتمية إليها متساوية، وتلتزم جميعها بمؤازرة بعضها بعضاً.
ونشر هذه المبادئ وشرحها وضمان اتباعها جزء من مهام اللجنة الدولية
المهام
لئن ارتبط ظهور اللجنة الدولية بالسعي إلى مساعدة ضحايا الحروب، فإن نطاق عملها اتّسع بمرور الزمن وتشعبات النزاعات المسلّحة وامتداد آثارها زماناً ومكاناً. وهذا ما يظهر من خلال المهام الموكولة إليها كما عدّدها نظامها الأساسي، وعلى الخصوص:
ـ الحفاظ على مبادئ الحركة والعمل على احترامها ونشرها.
ـ الاعتراف بالجمعيات الوطنية الجديدة أو التي يعاد تأسيسها طبقاً لشروط الاعتراف الواردة في نظام الحركة الأساسي.
ـ حماية ضحايا الحروب ومساعدتهم بناء على التفويض الممنوح لها من الدول الأطراف في معاهدات القانون الدولي الإنساني والعمل على تطبيق أحكام هذا القانون بأمانة وتسجيل أي شكوى تستند إلى مزاعم بشأن انتهاكات أحكامه.
ـ ضمان سير عمل وكالة البحث عن المفقودين التابعة لها والمنصوص عليها في اتفاقيات جنيـڤ لحماية ضحايا الحروب.
ـ المساهمة، تحسباً لنشوب نزاعات مسلّحة، في تدريب العاملين في المجال الطبي وإعداد التجهيزات الطبية بالتعاون مع جمعيات الهلال الأحمر والصليب الأحمر الوطنية والوحدات الطبية العسكرية والمدنية وسائر السلطات المختصة.
ـ العمل على توضيح مفاهيم القانون الدولي الإنساني ونشره وتطويره.
ـ المهام المنوطة بها من قبل المؤتمر الدولي لحركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر.
وإلى جانب عملها في إطار النزاعات المسلّحة وما يترتب عليها من آثار، يجوز للجنة الدولية القيام بأي مبادرة إنسانية تندرج ضمن صلاحياتها بصفتها هيئة ووسيطاً محايديْن مستقليْن، وبحث أي مسألة من مشمولات أنظارها.
حق المبادرة الانسانية وآليات العمل
كما تقدّم، منحت الدول الأطراف في أهم معاهدات القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيـڤ لسنة 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لسنة 1977) اللجنة الدولة حقّ القيام بالنشاطات التي من أجلها أُسّست وقبلت بها الدول. وهذا هو السند القانوني لعمل اللجنة في أثناء النزاعات المسلّحة الدولية وغير الدولية ومعالجة آثارها في ما يتصل بالجوانب الإنسانية.
وفي حالات العنف المسلّح الأخرى والأوضاع التي يمكن للجنة أن تضطلع فيها بمهام تتفق بشأنها مع الدول المعنية، تستند اللجنة الدولية إلى “حق المبادرة الإنسانية” المشار إليه أعلاه والوارد في نظامها الأساسي ونظام حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الأساسي.
لقد حتّمت النزاعات المسلّحة والأزمات الأخرى على اللجنة الدولية اتّباع معايير وضوابط معيّنة لأداء مهامها، من دون إخلال بالهدف العام وهو حماية الضحايا، وتتوخى اللجنة الدولية عدّة سبل لحماية من هم في دائرة اختصاصها ومساعدتهم. ومن المعروف عنها أنها لا تلجأ إلى الإدانة والتنديد والشجب وغير ذلك من الوسائل العلنية التي تستخدمها منظمات دولية أو وطنية.
وليست اللجنة الدولية وبقية عناصر الحركة الأخرى منظمات مناهضة للحرب ولا هي مؤيّدة لها، ولكنّها تدرك واقع نشوب النزاعات المسلّحة ويمكن أن تتوقع آثارها العاجلة والآجلة، ولذلك تستعدّ لمواجهة آثار الحروب على الإنسان ومرافق عيشه. وتُعير اللجنة الدولية اهتماماً بالغاً للعمل الوقائي الرّامي إلى الاستعداد، وقت السلّم، لمواجهة تجاوزات النزاعات المسلّحة عند حدوثها. وقد مرَّ أن توضيح مفاهيم القانون الدولي الإنساني ونشر مبادئه والتعريف به وإدراجه في مناهج التعليم المدني والعسكري تمثّل نشاطات وقائية مهمّة تشارك اللجنة في إنجازها أو الحثّ على إنجازها في جميع البلدان التي توجد فيها أو تُدعى إليها للمشاركة في نشاطات من هذا القبيل، ويشمل ذلك جميع مناطق العالم.
والأصل في عمل اللجنة الدّولية هو الحوار المباشر والمساعي لدى كل طرف على حدة لإقناعه بوجوب احترام حماية من يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية وتمكين القائمين بها من أداء واجبهم من دون عرقلة. وترفع اللجنة توصياتها إلى السلطات المعْنية وتتابع تنفيذها. وربما لجأت اللجنة إلى طرف ثالث أو منظمات دولية أو جمعيات الهلال الأحمر أو الصليب الأحمر الوطنية لدعْم مواقفها ومساندتها في المطالبة بوفاء طرف ما بتعهّداته، وقدْ تفصح علناً عن حالة مساعيها لدى دولة ما لضمان احترام حقوق الأشخاص المحميين بالتعهدات ذات الصلة. وسرية مساعي اللجنة الدولية لا تعْني الصّمت أو انقطاع المبادرات من جانبها، بل يبْقى اللجوء إلى إعْلان مواقفها وشجبها لأعمال تناقض التعهدات المبْرمة وارداً، وفق شروط حدّدتها اللجنة بنفسها، في ضوء دروس مستفادة من تجربة طويلة في مجال العمل الإنساني. وعموماً، لا يمكن للجنة الدولية، استناداً إلى علّة وجودها (خدمة الضحايا) وحق المبادرة الإنسانية الّذي تتمتع به، أن تقف موقف المتفرج إزاء انتهاكات المبادئ والقيم الإنسانية، سواء أعلمت بها بواسطة مندوبيها أم انتهت إلى علمها عن طريق مصادر أخرى. وفي جميع الحالات، تتحّرى اللجنة الدولية صدق المْعلومات وصحّة مضمونها.
ويُلاحظ اليوم ظهور لجان التحقيق والمحاكمات المسْتندة إلى انتهاكات أحكام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، وفرض العقوبات المختلفة على بعْض الأطراف المتّهمة بارْتكاب مثل تلك الانتهاكات، بل هناك من يطالب بالتدخل العسْكري لفرض احترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان. ومعروف أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر بحكم وضعها القانوني وقواعد عملها تنأى بنفسها عن الْقيام بدور المحقّق أو الْقاضي، وتسلك مسْلك تمكين الضحايا من حقّهم في المساعدة الإنسانية من دون ازدواجية أو مآرب أبعد ما تكون عن العمل الإنساني الخالص.
الفاعلية
باستعراض مجمل نشاطات المنظمة موْضوع هذا البحث، يمكن أن ملاحظة مدى اتساع نطاق عملها، وقد بدأ بخطوات يسيرة اقتصرت على حماية “الجرْحى العسكريين” التابعين للقوات البّرية. أما اليْوم، فإن عمل اللجنة الدولية أصبح مشتملا على حماية ضحايا الحرْب من عسكريين ومدنيين، وتقديم المساعدة لهم وزيارة المحرومين من حريتهم بسبب النزاع المسلّح أو حالات أخرى، وإعادة الرّوابط الأسرية التي فكّكتها الحروب والبحث عن المفقودين ومساعدة النازحين وتمكين بعض الفئات كالّلاجئين وعديمي الجنسية من وثائق السفر ومساعدة الأسر على تبادل الأخبار مع أفرادها المحتجزين بسبب النزاع المسلح وغيره من الأزمات، والمساهمة في توفير الحدّ الأدنى من مرافق الحياة الأساسية للمتضررين كالماء والغذاء والدّواء والبحث عن حلول طويلة الأمد لمشكلات الجوع والبطالة والأوبئة والأمية والأضرار البيئية الناجمة عن الحروب والأزمات الأخرى، والمساهمة في نزع الألغام وإعادة تشغيل شبكات المياه، وتوفير الأطراف الصّناعية لضحايا الألغام، وإيواء من فقدوا مساكنهم بسبب الحروب في أماكن تلبي حاجاتهم الأساسية أو مساعدتهم على إعادة بناء ما هدمته الحْرب. وتهتم اللجنة الدولية اهتماماً خاصاً بسكان الأراضي المحتلة، ولا سيما في الحالات التي يطول فيها أمد الاحتلال بكل ما يحمله من وطأة وقسوة وتضييق وقيود على السكان وحرّياتهم ومرافق عيشهم وممتلكاتهم جميعاً.
هذا على صعيد العمل الميداني في المناطق المتضررة من الحروب والأزمات الأخرى. وتكمّلُ اللجنة الدولية ذلك بالعناية بالمنظومة القانونية التي يسْتند إليها عملها، سواء في إطار المؤتمرات الدّولية المتعلقة بتطوير القانون الدولي الإنساني أو داخل حركة الهلال الأحمر والصليب الأحمر الدّولية. وقد أُشيرَ آنفاً إلى التوازي بْين ظهور اللجنة الدولية وبوادر تدوين القانون الدولي الإنساني الحديث، وما منْ مرْحلة تدوينية في تاريخ هذا الفرْع من فروع القانون الدولي إلاّ واكبتها اللجنة الدولية بصفتها خبيراً في معرفة خبايا أحكام النزاعات المسلحة وما تحتاج إليه من تطوير، سواء في موضوع قواعد حماية الضحايا أو أحكام وسائل القتال وأساليبه. وفي إطار حركة الهلال والصليب الأحمر، من الطبيعي أن تبذل اللجنة الدولية قصارى جهدها بالتعاون مع مؤسسات الحركة الأخرى، بُغية دعم العمل الإنساني وأدائه على أسس قانونية وقواعد سلوك متينة واضحة تواكب طبيعة النزاعات المسلحة والأزمات الأخرى في العالم المعاصر.
الخاتمة
وبذلك كانت اللجنة الدولية دائماً على علاقة وثيقة خاصة مع القانون الدولي الإنساني، وحتى يومنا هذا عملت بشكل ثابت وفقا للمراحل المتعاقبة لتجربة هنري دونان. لقد عملت في ميادين المعارك، وكانت دائماً تسعى إلى تكييف عملها وفقا لأحدث تطورات الحرب. وكانت بعد ذلك تقدم تقارير عن المشاكل التي تواجهها، وعلى هذا الأساس قامت بتقديم اقتراحات عملية لتحسين القانون الدولي الإنساني. وباختصار، فإنها قدمت إسهاماً مباشراً للغاية لعملية التقنين، التي درست أثناءها اقتراحات اللجنة وأدت إلى مراجعة دورية وتوسيع للقانون الدولي الإنساني، وعلى الأخص في الأعوام 1906، و1929، و1949 و1977
يُعترف بدور اللجنة الدولية الخاص هذا الآن رسمياً في النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمرالذي اعتمده عنصرا الحركة المحكي عنهما، وكذلك الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف، أي، عملياً كل دول العالم.
وتنص المادة 5 من النظام الأساسي على أن دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر هو ” الاضطلاع بالمهام الموكولة إليها بموجب اتفاقيات جنيف، والعمل على التطبيق الدقيق للقانون الدولي الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة الدولية، وتلقي أية شكاوى بشأن الانتهاكات المزعومة لذلك القانون ” (المادة 5 – 2 ج،) وكذلك “العمل على توضيح ونشر القانون الدولي الإنساني المنطبق في المنازعات المسلحة وإعداد أي تطوير له ” (المادة رقم 5 – 2 (ز
هذه هي أصول هذا الدور الفريد الذي قامت به مؤسسة خاصة والتعبير الحالي عنه في النظام الدولي. “حارس القانون الدولي الإنساني” في عالم اليوم.
وان تعتمدها – وظيفة ” التعزيز” أي مناصرة القانون، والمساعدة في نشره لتنفيذه في الوظائف التالية:
-وظيفة “الملاك الحارس” – أي الدفاع عن القانون الدولي الإنساني ضد التطورات القانونية التي تتغاضى عن وجوده أو التي ربما تنزع إلى إضعافه.
-وظيفة “العمل المباشر” – أي القيام بإسهام مباشر وعملي لتطبيق القانون في أوضاع النزاع المسلح
– وظيفة “المراقبة” – أي الإنذار بالخطر أولاً بين الدول والأطراف الأخرى المعنية مباشرة في النزاع المسلح وبعد ذلك في المجتمع الدولي ككل أينما حدثت انتهاكات خطيرة للقانون.
ملاحظات ختامية على اداء اللجنة الدولية للصليب الأحمر…
سورية مثالاً
يتضح مما تقدم أنّ اللجنة الدولية اكتسبت على مر العقود والأجيال من الخبرة في مجال العمل الإنساني ما مكّنها من اعتراف الدول قاطبة بدورها في تخفيف معاناة ضحايا الحروب والتقليل من آثارها الضّارة. ولعلّ تكيف اللجنة الدولية وفق وقائع النزاعات المسلحة وملاءمة عملها لمتطلبات الحاجات الإنسانية الناجمة عن الحروب والأزمات الأخرى يسْعفان المتأمّل في الأوضاع الدولية في البحث عن إدراك قيمة منجزات هذه المنظمة والمبادئ والقيم التي تسير عليها.
ولكن شتان احياناً مابين النظرية والتطبيق، فقد وجدنا في آلية عملها في سورية تسييساً وخضوعاً لسياسة الدول الراعية للارهاب واذرعها في ادلب والشمال السوري من خلال منظمة ارهابية في العمق وهي منظمة الخوذ البيض التي تستقي اللجنة الدولية معلوماتها…
وكم فندت الخارجية السورية هذه الادعاءات، مايعني ان تتبصر هذه المنظمة الدولية التي نحن متفقون على انها حارس للقانون الدولي الانساني ان تكون حقاً كذلك لاتخضع لاملاءات من يمول عملها…
يجب أولاً وقبل كل شيء أن ينظر إلى دور حارس القانون الدولي الإنساني كعمل نابع من الإيمان. وسيكون من غير المحتمل العمل في غمرة النزاع عندما يكون المرء محاطاً بأهوال الحرب دون تمني مستقبل أفضل ودون إيمان بالإنسانية. إن حارس القانون الدولي الإنساني يجب كذلك أن يقف إلى جانب الذين يكونون بالرغم من كل شيء وحتى عندما تكون الأشياء في أسوأ حالاتها مصممين على الإيمان بالقيم التي بني عليها القانون وعلى الدفاع عنها.
إن قيمة المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني تذهب إلى أبعد من نطاقها وأهميتها الأساسية. إن الإنسانية في الحرب، والتعاطف مع الضحايا، وعدم التحيز، ومعنى عدم التمييز المجحف على أساس الجنس، أو الأصل العرقي، أو العقيدة، أو الطبقة الاجتماعية أو أي عامل آخر يمكن، بل ويجب اعتمادها كقيم أساسية في وقت السلم كذلك. ومن المؤكد أن احترام كل إنسان، والتعاطف مع الذين يعانون.
قيم يجب أن يبنى عليها مستقبل العالم، ومن خلال الدفاع عن هذه القيم حتى في أوقات الحرب، وبكل الشفافية وبدون تحيز وشراء الضمائر كما هو حاصل في عملها بسورية وتبنيها شعارات اطلقتها كتلة الحرب الدولية على سورية لمنافعها السياسية والاقتصادية، والشعب السوري هو الضحية، دول معادية لسورية مع منظمات ارهابية تدعي العمل الانساني وبالرغم من وضوح أكاذيبها ومع ذلك وبدون تحقق تتبناها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، فصارت تكذب كذبهم كما في تقاريرها الأخيرة في جنيف وبدون سند قانوني او الدفوعات التي قدمتها سورية…
ومع ذلك نبقى متفائلين بدورها…
د.جوزيف زيتون
دكتوراة في القانون الدولي العام
اترك تعليقاً