المجامع المسكونية السبعة
المجامع المسكونية السبعة
توطئة
يمكن تعريف المجمع المسكوني ب:
” انه مجمع حازت تحديداته وقوانينه القبول في المسكونة كلها.”
وكان هذا التحديد مقبولاً حتى 1054مسيحية وهو عام الانشقاق الكبير بين الغرب والشرق، اما الشرق فقد حافظ عليه حتى يومنا هذا ولم يدع بعد ذلك الى عقد مجمع مسكوني، في حين ان كنيسة رومية توسعت في التحديد، وعقدت عدة مجامع أضفت عليها لقب المجامع المسكونية.
ماهو معيار اعتبارها مسكونية؟
ويرى الكتاب الرومانيون (اتباع رومة) المتأخرون” أن المجامع المسكونية هي التي يُدعى اليها الأساقفة ومن لهم حق التصويت من كل انحاء العالم والتي تعقد برئاسة البابا أو أحد مندوبيه، ويجيز مراسيمها فيتحتم على المسيحيين لذلك وجوب التقيد بأوامرها.”
وليس من الضروري ان يكون عدد الأساقفة الحاضرين وافراً بل يكفي ان يكون المجمع قد دُعي وعُقدَ على ان يكون مجمعاً مسكونيا كما هي الحال في المجمع القسطنطيني الأول، وليس من الضروري ان تكون كل أقطار العالم كلها ممثلة فيه، أو أن يكون اساقفتها قد دُعوا اليه.
إن كل ما يُطلب لاعتبار المجمع مسكونياً أن يصير الاعتراف به في كل انحاء العالم انه مجمع مسكوني، ولا بد من القول ان عدة مجامع عمومية التأمت ولم تُوصف بأنها مسكونية، فليس هناك الا سبعة مجامع تعتبر مجامع مسكونية بلا منازع.
أما المجامع العمومية فهي عديدة وقد سقط عدد غير قليل من المجامع البدع، ويكفي ان نذكر منها المجمع اللصوصي الذي عُقدَ في أفسس، والمجمع السابع الكاذب (الباطل) الذي عقده محاربو الأيقونات.
إن المجامع المسكونية تنسب الى ذاتها الحصانة من الخطأ في تعاليمها في العقائد والآداب اعتماداً على الوعد بحلول الروح القدس على المجتمعين فيها والهامه لهم.
والمجمع المسكوني لا يدَّعي اعلان حقيقة جديدة، بل يُحدد بصورة ثابتة لايعتريها تغيير الايمان المسَّلَّمْ للقديسين، وتعد تحديداته مسكونية لكونها تُعرب عن رأي وتفكير الجسم الكامل للمؤمنين من اكليريكيين وعلمانيين. ولأنه بحسب تعليم الكنيسة كان اتفاق الرأي في المسكونة يعتبر منّزَّهاً عن شبهات الضلال مصوناً بوعد السيد الرب له المجد:” أن ابواب الجحيم لن تقوى على كنيسته وهذا هو معنى كلمة ” كاثوليكس” او الجامع في اثبات عصمة المجامع المسكونية، وكانت هذه المجامع تنظر الى ذاتها كأنها تحت اشراف العناية الالهية التي يعصمها من الضلال او الخطأ في تعليم الايمان والآداب المسيحية.
إن اللاهوتيين يحسبون ان تحديدات المجامع المسكونية ككل القوانين والمراسيم التشريعية في الدولة المدنية، يجب ان تُراعى الدقة في وضعها. وان القضية عُرضت رسمياً للمذاكرة وهي التي تعتبر بأنها تحددت.
اما الملحوظات العابرة في مجمع عظيم فلا شك أن لها قيمة كبيرة، ولكن لايجوز ان نعتبرها في منزلة موضوع البحث الذي أصدر المجمع تحديده بشأنه فصار شرعة مسكونية.
اما بالنسبة لمعرفة ورضى بابا رومية فلم يشترط ذلك وفق ادعاء الترؤس، فالمجامع المسكونية السبعة دُعيت الى الاجتماع بأوامر ومشيئات امبراطورية من اباطرة بيزنطة من دون معرفة بابا رومية على الأقل من جهة المجمع القسطنطيني الأول، وبدون استشارته عند دعوة المجمع النيقاوي الأول، وخلافاً لإرادته التي صرح بها – على الأقل – عند دعوة المجمع الخلقيدوني، وإن كان قد أعلن موافقته متأخراً بعد أن اصدر الأمبراطور مركيانوس مرسومه بالدعوة الى عقده السنة 451 مسيحية، ومن هذا لنا البرهان التاريخي ان المجامع المسكونية كان في الامكان دعوتها وعقدها بدون معرفة ورضى كرسي رومية.
ولكن في اعتباره مسكونياً يعني أنه نال القبول من كل الكنائس لأننا يجب أن نذكر أنه لم يكن في غرب الأمبراطورية البيزنطية (وحتى الآن) إلا بطريركية واحدة هي بطريركية رومة، بينما كان في شرق الأمبراطورية كانت هناك اربع بطريركيات هي حسب التسلسل: القسطنطينية، الاسكندرية، انطاكية، واورشليم.
ويجب بالتالي ان نذكر ان موافقة الأمبراطور على قرارات كل مجمع مسكوني كانت مطلوبة، وتُنشر ويُشار اليها بنفس الاهتمام، إن لم يكن بأشد منه، ويؤكد الواقع التاريخي ان رومة قبلت بكل هذه المجامع المسكونية السبعة.
كيف أظهر كل من هذه المجامع السبعة نوع علاقته بكرسي رومية؟
1- ان مجمع نيقية الأول 325 مسيحية عُقد بدعوة من الأمبراطور قسطنطين الكبير وقد أخذ قانوناً يُستدل منه ان المجمع كان ينظر الى بعض حقوق كرسي رومية بأنها على المستوى ذاته مع حقوق المطارنة معلناً انها تستند على العرف أوالعادة.
وكان البابا هو سلفستروس، وكان الامبراطور هو اقترح عقد هذا المجمع للنظر في بدعة آريوس الذي جدَّفَ على الاله الابن الكلمة- كلمة الله- وقال عنه انه مخلوق وغير مساوٍ للآب في الجوهر، وقد رذل المجمع بدعته…
الأمبراطور لم يترأس بشخصه المجمع فقد يكون قد ترأسه اسقف قرطبة.، في حين ان البابا فيلكس الثالث 483-492 مسيحية يُعلن في رسالته الخامسة ان افسطاثيوس اسقف انطاكية كان هو رئيس ذلك المجمع.
ومع ذلك فهذا امرٌ لا يُؤبه له كثيراً، إذ ليس من ينكر على اسقف كرسي رومية أن يترأس مجمعاً مسكونياً للكنيسة جمعاء.
2- ان الأمبراطور العظيم ثيوذوسيوس الكبير دعا الى عقد المجمع المسكوني الثالث السنة 381 مسيحية بدون علم البابا داماسوس ولم يدعوه اليه، ولم يكن اول رئيس لهذا المجمع في شركة مع كنيسة رومية في ذلك الحين، وقد أصدر هذا المجمع بدون استشارة الأول بين البطاركة اي البابا قانوناً أجرى فيه تبديلاً في رتبة الكراسي البطريركية القديمة باعتباركرسي القسطنطينية هو الثاني بعد كرسي رومية.
ان البروتستانت لا يعيرون هذه القضية اهتماماً خاصاً، لأن التقسيمات الادارية في نظرهم ورُتبُ التقدم بها بما فيها اولوية كرسي رومية هي من الشؤون الادارية والتنظيمات الكنسية التي لاتمت بشيء الى العقائد عند من يقرأ فكر الكنيسة الانجيلية بخصوص المجامع المسكونية قراءة مجردة عن الغرض والهوى…
القانون الثالث لهذا المجمع يرى بكل جلاء أنه كما ان التقدم في الرتبة حازه كرسي رومية بسبب كونها العاصمة الأولى للأمبراطورية، حازه كرسي العاصمة الثانية القسطنطينية، او بالتالي يجب ان تحوزه، وقد صارت هي عاصمة الأمبراطورية ، وإذ صح هذا التفسير فهو ينقض مطلب رومه في ان الرئاسة الأولى لقداسة البابا هي شرع الهي.
3- قبل ان يدعى الأمبراطور ثيوذوسيوس الثاني المجمع المسكوني الثالث للاجتماع السنة 431 مسيحية كان البابا كيلستين الأول قد حكم على نسطوريوس بالبدعة وأمر باسقاطه وحرمه. ولما اجتمع المجمع بعد ذلك وقبل وصول مندوبي البابا، اعتبر نسطوريوس بأنه لايزال متمتعاً برتبة البطريركية وتجاهل كل التجاهل الحكم الذي أصدره بابا رومية باسقاطه وحرمه. ونظر المجمع في القضية بعد ان دعا نسطوريوس للمثول امام المجمع والدفاع عن نفسه، ثم حكم عليه ونشر الحكم حالاً، وفي 10 تموز اي بعد اسبوعين وصل مندوبا البابا وعقدت جلسة ثانية فتم تبليغهما ماجرى، فوافقوا على كل شيء.
4- والمجمع الخلقيدوني الرابع الذي عقد في السنة 451 مسيحية زمن الأمبراطور البيزنطي مركيانوس وامبراطور الغرب الجرماني فالنتيان الثالث، والبابا لاون الأول، ابى هذا المجمع ان يعتبر قضية اوطيخة قد انتهى امرها بصدور حكم رومه أو أن يقبل حكم البابا بدون فحص ودرس للتحقق من استقامة رأيه.
نضيف الى ذلك انه أصدر قانوناً في جلسة رفض مندوبو البابا حضورها، أثبت فيه ترتيب البطريركيات بحسب حكم المجمع القسطنطيني الأول معلنين ان الآباء قد جروا وفق النظام بمنحهم الامتياز لرومة القديمة لأنها عاصمة الأمبراطورية الأولى كما منحوا الامتياز نفسه للقسطنطينية عاصمة الأمبراطورية الثانية.
5- رفض المجمع الخامس المسكوني السنة 553مسيحية زمن الأمبراطور يوستنيانوس قبول رسائل في ايضاح العقائد من البابا فيجيليوس، ومحا اسمه من الذبتيخة، وهي الرق المزدوج لأسماء الأحياء والأموات التي تذكر على المذبح ورفض الشركة معه.
6- المجمع المسكوني السادس وهو القسطنطيني الثالث ( 680-681 مسيحية) زمن الأمبراطور قسطنطين بوغونايوس ( اللحياني)، هذا المجمع حرم البابا اونوريوس وكان هذا قد مات من عدة سنوات، وذلك لأنه كان من القائلين ببدعة المشيئة الواحدة.
7- مما لاريب فيه ان البابا ادريانوس لم يكن له يد في دعوة المجمع المسكوني السابع وكان الداعي الأمبراطور قسطنطين السادس والملكة ايريني. وكان طاراسيوس هو الذي ترأس هذا المجمع وليس مندوبو البابا…
وهذا مايستنتج باختصار من وجهة نظر المجامع المسكونية في ما يُعرف بالمدعيات البابوية لذلك لا نستغرب ان بعض المتطرفين من المدافعين عن السلطة البابوية قد تورطوا في الادعاء بأن قسماً كبيراً من وقائع المجامع وأعمالها وتحديداتها هو مزوّضر أو قد جرى فيه تلاعب او تحريف الغرض منه انكار الحقوق البابوية. ولو صحت هذه الدعوى لوجب ان يكون التزوير واسعاً على ان يعسر ان نتصور كيف يمكن ان يكون قد حدث مثل هذا التزوير والتحريف في اعمال المجامع المسكونية بنصيها اليوناني واللاتيني.
عدد المجامع المسكونية
قد يكون من الحق يسأل عن الداعي لحصر المجامع المسكونية السبعة، ولسنا في حاجة الى تقديم اي برهان على ان المجامع الاربعة الأولى وهي النيقاوي والقسطنطيني الأول والأفسسي والخلقيدوني هي مجامع مسكونية وقد اعتبرت كذلك منذ ايام القديس غريغوريوس اللاهوتي الكبير فقد قال عنها:” انني اعتبر المجامع المسكونية الأربعة كاعتباري للبشائر الأربع.”
ولم يوجد من ينكر ان القديس في قوله هذا قد اعرب عن رأي الكنيسة في عصره ولايشك أحدٌ في كون المجمعين الخامس والسادس من المجامع المسكونية وان حدث بادىء الأمر بعض الاضطراب في قضية الاعتراف بالمجمع الخامس في بعض الأماكن.
ولا تختلف الكنيستان الشرقية والغربية في اعتبار المجمع السابع مسكونياً في مدى نحو الف سنة، فلا يُشك اذن في ان المجامع السبعة هي مجامع مسكونية وقد يتساءل البعض قائلين: “لماذا لايضاف اليها غيرها من المجامع التي يمكن ان تتمتع بالحق في هذا الوصف على مثال مجمع سرديقية (348م) والمجمع الخامس –ترولو- (692م) والقسطنطيني (869م) ومجمع ليون (1274م) ومجمع فلورنسا (1439م)…؟”
ان اسباب رفض اعتبار مجمع سرديقية
نجدها في ماوضعه من قوانين.
ومثل هذا نقول بشأن مجمع ترولو ( الخامس-السادس) ولاينكر ان المجمع القسطنطيني الرابع الذي عقد السنة 869م اعتبر لمدة قصيرة مجمعاً مسكونيا في الشرق والغرب، ولاتزال الكنيسة اللاتينية تعتبره كذلك حتى اليوم.
اما الكنيسة الارثوذكسية اي في شرق اوربة والكراسي الارثوذكسية في انطاكية والاسكندرية واورشليم، فما لبثت ان رفضته وعقدت مجمعاً آخر في السنة 879 نقض أكثر ما وضع في مجمع سنة 869م.
على ان قيادات الكنيسة الارثوذكسية في كل الأحوال لا تدعي الصفة المسكونية للمجمع الذي عقد في السنة 879م وهكذا لم يزد عدد المجامع المسكونية في الكنيسة الأرثوذكسية عن سبعة مجامع لاغير.
والسبب ذاته دفع بالكنيسة الارثوذكسية بعدم الاعتراف بالصفة المسكونية لمجمعي ليون وفلورنسة مع كونها كانت ممثلة فيهما…!
في هذين المجمعين توصل الحاضرون ان هذا الاتفاق رفضته الكنيسة الارثوذكسية. وبهذا لم يتسم المجمعان بالطابع المسكوني…
اترك تعليقاً