«هو المهاجر الفاتح، هو المهاجر الذي أعلى اسم السوري في بلاد كولومبس، هو المهاجر الذي شرّف الفقر بالعمل حتى أغناه جهاده، فشرّف المال بالبذل والسخاء». هذا بعض مما قاله الأديب المهجري “ندرة حداد” عن المحسن والوطني الكبير “أسعد عبد الله حداد”.

وقيل عنه أيضاً: «رجل عصامي تجلت فيه الرجولة بأكمل مظاهرها وتمثّلت فيه الإنسانية بأروع صورها، هذه سيرة “أسعد عبد الله حداد” الذي صنع بأفكاره الثاقبة وشمائله الرفيعة وأعماله الصالحة جانباً هاماً من تاريخ السوريين في العالم الجديد، وشاد صرحاً كبيراً من صروح الحضارة في البرازيل…». مما كتبه الدكتور “جورج حداد” رئيس قسم التاريخ في الجامعة السورية (سابقاً) في مقدمة كتابه (أسعد عبد الله حداد حياته ومآثره) الذي ألفه عام /1956/ بالاشتراك مع الأستاذ “شاكر الدبس” القائم بأعمال المفوضية السورية بالبرازيل سابقاً.

بعض من السيرة الذاتية

ولد “أسعد عبد الله حداد” في مدينة “حمص”، في ( 26 / آذار/1870) ونشأ حتى نهاية العقد الأول من عمره في مدينته دون أن تسنح له ظروف المدينة أن ينل حظاً وافراً من العلم والثقافة، ذلك لعدم وجود معهد يمكن للمرء أن ينل منه العلم الصحيح في تلك الفترة.

المحسن الكبير المغترب اسعد عبد الله حداد وزوجته المحسنة كرجية حداد
المحسن الكبير المغترب اسعد عبد الله حداد وزوجته المحسنة كرجية حداد

إلاّ أن شمائله ومزاياه ومواهبه الفريدة وضيق الأحوال المادية وشعوره بالمسؤولية البنوية نحو والديه، والأخوية نحو شقيقته القاصرة وثقته بنفسه…. جميع هذه العوامل دفعته إلى تيار العمل وهو في الثانية عشرة من عمره، فأقدم على أشق الأعمال بقوة وجرأة مما أكسبه ثقة أرباب العمل.

وقد ظهرت فيه موهبة التخطيط المعماري والهندسة وسائر ما يتصل بالبناء والأراضي منذ كان يافعاً. وبعد أن مارس مهنة البناء ردحاً من الزمن في صباه، دعته بلدية “حمص” إلى العمل في تجميل شوارع المدينة وأزقتها فقام بمهمته خير قيام. وفي هذه الفترة اشترى أرضاً في ضاحية المدينة وبنى فيها بيتاً في لأوقات فراغه وصار يؤجره. كما عمل لفترة بالحياكة في صغره. فكان هذان العملان اللذان تعاطاهما في “حمص” صغيراً بدء عملين جبارين قام بهما في بلاد هجرته فيما بعد.

بجانب تمثال "أسعد حداد" في "سان باولو" امام الكاتدرائية التي بناها اسعد حداد
بجانب تمثال “أسعد حداد” في “سان باولو” امام الكاتدرائية التي بناها اسعد حداد

هجرته إلى العالم الجديد..

عندما بلغ “أسعد حداد” الخامسة والعشرين من عمره كان اسم “أميركا” يتردد بكثرة على الأفواه وبكثير من الإغراء، فسافر إلى “طرابلس” ومنها ركب البحر إلى “أميركا” ووصل إلى مدينة “سان باولو” في البرازيل بتاريخ 15/كانون الأول/1895.

سكن مع عدد من رفاقه في غرفة واحدة، ولم يتورع أن يحمل على ظهره صندوقاً كبيراً يبيع فيه ما يحمل من أقمشة وأمتعة وهو يتجول في الشوارع بقصد توفير أجرة الحافلة الكهربائية. إلاّ أن كفاحه لم يدم طويلاً ففي عام /1896/ تجمّع لديه شيء من المال استخدمه في التحول إلى المرحلة التجارية الأولى. حيث عقد شركة تجارية في بداية حياته التجارية مع نسيبه “نجيب سالم” و”ناجي حداد” شقيق زوجته السيدة “كرجية حداد” و”سليم سلمون”.

دامت الشركة ست سنوات انفصل عنها “ناجي حداد” و”سليم سلمون”. وبقيت الشركة مع “نجيب سالم” مدة ثلاثين سنة اهتم خلالها السيد “أسعد” بشراء الأملاك وتخطيطها وبناء البيوت والمحال التجارية.

ومن أهم مغامراته أنه في عام /1912/ اشترى في ضواحي “سان باولو” مليون متر مربع، وهي اليوم تؤلف الأراضي الممتدة من شارع “سيلوغرسيا” إلى نهر “تياته”، حيث كانت المنطقة مهجورة لم تذللها يد الإنسان العصري بعد. فقام السيد “أسعد حداد” بتخطيطها وشق الشوارع فيها وبنى المنازل ثم مد الكهرباء لها. وهكذا أضاف إلى المدينة حيّاً جديداً يعرف اليوم باسم حي “حديقة سان جورج” دون أن ينسى وطنه الأم “سورية” فأطلق على الجادة الرئيسية في هذا الحي اسم “شارع سورية”.

تطوّرت أعماله ومشاريعه بعد عام /1932/ موجهاً نظره إلى الصناعة وأشرك معه نجليه”نبيه” و”وجيه” ثم انضم إليهم ابنه الأصغر “ارنستو” حيث ابتاع الوالد بعد ذلك مصانعاً للغزل والنسيج في عدة مدن مزوّداً إياها بأضخم الآلات وأحدثها.

وطنيته وأعماله الخيرية…

اسعد حداد
اسعد حداد

تبرع المرحوم “أسعد حداد” بمبلغ ثلاثين ألف ليرة سورية للجامعة السورية في “دمشق” فابتنت بهذا المبلغ جناحاً خاصاً في دار العيادات والمشافي في الجامعة السورية، وأقامت نصباً تذكارياً للمتبرع الوطني السخي، ينطق بفضله هذا، وعندما زارت أرملته “كرجية حداد” سورية في صيف /1951/ وجدت أن مبلغ الثلاثين ألفاً لا يكفي للغاية التي سينفق لأجلها فرفعت المبلغ إلى (150) ألف ليرة، وخصصته لإنشاء دار للتمريض والقبالة في كلية الطب بجامعة “دمشق”، ووضع حجر الأساس لهذا المشروع في نيسان من عام 1952 وتم تدشينه في 20/9/1954.

ومن تبرعاته أيضاً وأعماله الخيرية مساهمته في بناء الكاتدرائية الأرثوذكسية الأكبر في العالم وهي كاتدرائية القديس “بولس” الرسول في “سان باولو”، حيث أنفق ما يزيد على (600) ألف ليرة سورية لهذا العمل الخيري.

كما ساهم في تشييد المصح السوري في البرازيل، الذي كان يتقبل الفقراء من السوريين واللبنانيين مجاناً، وتبرع أيضا عام 1931 بمبلغ كبير للنادي الحمصي في البرازيل لابتياع بناية كبيرة تليق بالجالية الحمصية في “سان باولو”، وقد انتخبته إدارة النادي الحمصي منذ مطلع عام 1934 رئيساً شرفاً له، ظل كذلك إلى نهاية حياته،و في 17/2/1935 أقامت جمعية الشبيبة الحمصية في البرازيل حفلة وضع حجر الأساس لصرح المحسن “أسعد عبد الله حداد” في واحدة من أبنية الميتم السوري.

وتعد مآثر صاحب الترجمة ومساهمته في نشوء الميتم السوري في البرازيل؛ بتبرعه بنفقة البناء بالكامل، وكذلك في التبرع للنادي الرياضي من أعظم نواحي إحسانه، فتبرع بالكثير لهذا الميتم وانتخبته إدارة الميتم رئيساً فخرياً لها.

المحسنة كرجية حداد وساعة حمص
المحسنة كرجية حداد وساعة حمص

الأوسمة الرفيعة …

قدّرت الحكومة السورية لصاحب الترجمة أعماله الإنسانية ووطنيته وخدماته الطيبة فمنحته وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الأولى، وأصدرت مرسوماً بذلك رقم (56) تاريخ 9/1/1949 وقامت وزارة الخارجية السورية بتبليغ المرسوم بواسطة قنصليتها في “سان باولو”. وحصل على وسام القبر المقدس من رتبة “كومندادور” منحه إياه مثلث الرحمات البطريرك “ألكسندروس طحان” بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس. غير أن القدر المحتوم لم يتح له أن يقلد هذين الوسامين الرفيعين في حياته، فتقلدهما وهو مسجى في نعشه، وقد ألقى وزير سورية المفوض “عمر أبو ريشة” لدى تعليق الوسام على صدر الفقيد الكريم كلمة نقتطف منها: «ما جئتك لأعزي بك أهلك وأحبابك، فإن لهم من حياتك الزاهرة بالخير والحق والجمال، أصدق عزاء، ولكنني جئتك لأفض على سمعك حسرة أمّتك عليك، في وقت هي أحوج ما تكون فيه على أمثالك من أبنائها المؤمنين العاملين، الذين لا يفرّقون بين مذهب ومذهب وبين دين ودين. وعزّ عليّ أن أحمل وسامها الرفيع الذي كنت أريد أن أعلقه على صدرك وأنت في ميدانك الإنساني الكبير، وأراد القدر أن أعلّقه عليك وأنت مسجى في هذا النعش الصغير، فلتطمئن به روحك، إنه رضى أمّتك عنك، وشكرها لك وافتخارها بك. إنه أكرم ما حملت بين يدي الله».

مطران حمص الكسندروس جحا
مطران حمص الكسندروس جحا

تخليداً لذكره..

توفي  علمنا العظيم “اسعد حداد” في نيسان من عام /1950/ وشيع جثمانه إلى مقره الأخير حيث اشتركت في المأتم الهيئات الرسمية البرازيلية، والسلك القنصلي العربي والأجنبي، وعدد كبير من كبار رجال الدين ومئات الألوف من أبناء البلاد والجاليات العربية.

وتخليداً لذكره أطلق اسم المرحوم “اسعد حداد” على شارع رئيس من شوارع مدينة “حمص” في حي “الحميدية” منذ عام /1950/، وهو الشارع الموصل بين شارع “الحميدية” وشارع “أمين الجندي”.

وتخليداً لذكره أيضاً قرر مجلس المعارف السوري في تموز من عام /1951/ تسمية مدرسة تجهيز البنين الثانية في “دمشق” باسم (ثانوية أسعد عبد الله حداد)، وصدر بهذا المجال مرسوم وقّع عليه الرئيس “هاشم الأتاسي” ورئيس الوزراء “خالد العظم”.

كرجية حداد
كرجية حداد

زوجته كرجية حداد

ولدت في حمص عام 1890، ثم هاجرت مع عائلتها إلى البرازيل عام 1902 ضمن موجات الهجرة السورية الكبيرة في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وتزوجت من أسعد حداد عام 1903، وأنجبا عشرة أولاد (ثلاثة ذكور وسبع إناث)، وكانت شريكة لزوجها في أعماله الخيرية وعمله التجاري.[2]

وعندما زارت أرملته “كرجية حداد” سورية في صيف /1951/ وجدت أن مبلغ الثلاثين ألفاً لا يكفي للغاية التي سينفق لأجلها فرفعت المبلغ إلى (150) ألف ليرة، وخصصته لإنشاء دار للتمريض والقبالة في كلية الطب بجامعة “دمشق”، ووضع حجر الأساس لهذا المشروع في نيسان من عام /1952/ وتم تدشينه في 20/9/1954.

مدرسة التمريض في جامعة دمشق التي تبرعت ببنائها المحسنة كرجية حداد
مدرسة التمريض في جامعة دمشق التي تبرعت ببنائها المحسنة كرجية حداد

و من أعمالها أيضا

♡بناء ساعة حمص الجديدة.

في عام 1951 تبرعت المغتربة الحمصية في البرازيل السيدة كرجية_حداد بمبلغ 30000 ليرة سورية لإنشاء برج ساعة في مركز المدينة أمام السرايا
وفي أيلول عام 1957 أي بعد ست سنوات من تاريخ التبرع
وبعد إنشاء البرج الذي أصبح جاهزاً بدون جهاز الساعة عام 1959، أبلغوها أن المبلغ لا يكفي لشراء جهاز الساعة فالقيمة الشرائية للنقود قد انخفضت بعد هذه المدة الطويلة فلم تتردد بإرسال 30000 ليرة سورية إضافية لاستكمال العمل
وفي صباح يوم الجمعة في 14 آب 1964وصل موكب السيدة كرجية إلى الموقع حيث كان هناك مطران حمص وتوابعها للروم الأرثوذكس الكسندروس جحا كون التبرع في المرتين تم بمساعيه فهي وعائلتها من رعاياه بالاصل بالإضافة إلى رئيس البلدية، ومحافظ حمص وقائد المنطقة الوسطى وقائد الشرطة ورؤساء الطوائف المسيحية الاخرى وكبار الموظفين
وقد عزفت موسيقا كشاف فوج الثانوية الغسانية الأرثوذكسيةالنشيد الوطني ليكون بذلك الافتتاح الرسمي للساعة.
♡بناء الميتم الأرثوذكسي.
♡تمويل جمعية الطالبات القديمات.
♡تبرعات لمنظمة الهلال الأحمر في سوريا.
♡بناء معهد القبالة والتمريض في الجامعة السورية بدمشق (جامعة دمشق حاليا).
♡التبرع لمأوى العجزة في حمص.
ساعة كرجية حداد
ساعة كرجية حداد

تكريمها

كرمت مرات عديدة من أدباء ومثقفين سوريين في سورية والمهجر، وأُطلق اسمها على أحد شوارع دمشق (شارع 29 أيار، جادة كرجية حداد).

خاتمة

صحيح انها وزوجها المحسن الكبير اسعد عبد الله حداد تغربا الى البرازيل بسبب الفقر لكن نفسيهما كانتا تحملان كل الخير والاريحية والمحبة  وخاصة للوطن السوري عموما، ولحمص العدية منبت الاصالة والانتماء من مغتربيها لها خاصة والوطن السوري عامة…
هذه المأثرة التي حتى الآن والى الابد تفتخر بها مدينة حمص ساعة كرجية حداد هي نبذة صغيرة جدا مما قدمته هي وزوجها للوطن السوري ولمدينتها حمص و للبطريركية في دمشق ولابرشية حمص ولابرشيتنا الانطاكية الارثوذكسية في البرازيل وكان الله يعوضهما اضعافا…
عندما نكتب عن هؤلاء العظماء الذين تركوا الوطن بداعي الفقر وحملوا الكشات على ضهورهم وطافوا في مجاهل بلاد الاغتراب وونتذكر ما قاسوه من حرمان وهلاك نقف عاجزين عن وصفهم وبالأخص ماقدموه للوطن الذين فارقوه مرغمين لكن الوطن لم يغادر قلوبهم وعقولهم فأسعفوه باحساناتهم  التي للجميع بغض النظر عن الدين والمذهب والاثنيات التي تعيش فيه، فوجب على الوطن شعبا ودولة ان لاتنساهم بل تضعهم دوما كما افعالهم كالقنديل الموضوع في المنارة ليهتدي بهم الضالون…
ليكن ذكركما مؤبدا اسعد وكرجية حداد…فعلا اسمان من ذهب
الذهب السوري العتيق الذي لايقدر بثمن…