معركة فتح القدس

المسيحية الشرقية والحملات الصليبية (الفرنجة)

المسيحية الشرقية والحملات الصليبية(1) (الفرنجة)

كلمة لابد منها

عانت المسيحيّة الشرقيّة الكثير من الحملات الغربيّة الصليبيّة (أو حملات الفرنجة) التي غزت شرقنا (ابتداءً من العام 1908 للميلاد) باسم الدفاع عن المسيحيّين والمسيحيّة في وجه الاضطهادات والعذابات التي سبّبها الخلفاء والسلاطين والأمراء المسلمون لأبناء المسيحيّة الشرقيّة أو لمنعهم الحجّاج الغربيّين من الوصول إلى القدس (أو بيت المقدس). لا ريب في أنّ قادة الحملات الصليبيّة قد استغلّوا العامل الدينيّ لتبرير حروبهم تلك، ذلك أنّ ثمّة أسباباً أخرى، اقتصاديّة وتجاريّة وغيرها، دفعتهم إلى تلك الحروب، وبخاصّة أنّ المسيحيّة الشرقيّة قد استُهدفت كما استُهدف المسلمون.

احتلّ  الفرنجة القدس، لفترة قرنٍ تقريباً، إلى أن استرجعها صلاح الدين الأيّوبيّ بعد معركة حطّين العام 1187، كما استولوا على موانئ المنطقة الشرقيّة لحوض البحر الأبيض المتوسّط، وهي منافذ التجارة وبوّاباتها إلى الكثير من أسواق القارة الآسيويّة. وأقام الصليبيّون مملكة هي مملكة القدس، وثلاث إمارات أو كونتيّات هي: طرابلس وأنطاكية والرها (إديسّا)، استفادوا منها لبسط سلطتهم وإخضاع شعوب المنطقة.

لقد أوقعت الحروب الصليبيّة ببلادنا من الضرّ والأذى ما لم توقعه حروب أخرى قبلها. فحمَلة الصليب الغربيّون أثاروا بتصرّفهم السياسيّ والتجاريّ والدينيّ النفور بين المسلمين والمسيحيّين المحلّيّين الذين هم أبناء الديار وعاشوا لحقبة طويلة تحت حكم الخلافة الإسلاميّة، والذين عانوا بعض الاضطهادات أو الأذى هنا وهناك وفي فترات متقطّعة، لأنّ المزاج الرسميّ للحكّام المسلمين قد اقتضى ذلك. في الواقع الذي يؤكّده التاريخ أنّ غالبية المسيحيّين المشارقة لم تقف إلى جانب المسيحيّين الغربيّين ضدّ المسلمين لأنّهم اعتبروا أنّهم هم أيضاً مستهدَفون بهذه الحملات، ولأنّ إيمانهم كان مستهدَفاً أيضاً. هنا، ينبغي ألاّ ننسى أنّ الانشقاق الكبير بين الكنيستين الشرقيّة والغربيّة قد تمّ العام 4501،أي قبل حوالى خمسٍ وأربعين عاماً من الحملة الصليبيّة الأولى. لذلك اعتبر المسيحيّون الشرقيّون أنّ من أهداف (الحملات الصليبيّة) حملات الفرنجة إخضاعهم لسلطة البابا الروحيّة والزمنيّة. أمّا الذين وقفوا إلى جانب الغزاة القادمين من الغرب فهم فئة صغيرة وكانت لهم منافع وفوائد في تحالفهم مع الصليبيّين….

كاتدرائية انطاكية في مدينة انطاكية
كاتدرائية انطاكية في مدينة انطاكية

ما جعل المسيحيّين الشرقيّين يقولون بأنّهم مستهدفون بالحروب الصليبيّة أنّ الغربيّين قد قاموا بعدّة أعمال تشير إلى أنّهم يريدون إخضاع الكنيسة الشرقيّة، منها: أُبدلت بالبطريركيّة الأرثوذكسيّة المقدسيّة بطريركيّة لاتينيّة، فالتجأ البطريرك سمعان الثاني إلى قبرص ثمّ من بعده خلفاؤه إلى القسطنطينيّة، ولمّا دخل صلاح الدين القدس عاد البطريرك الأرثوذكسيّ إلى كرسيّه في مدينته. والأمر ذاته جرى مع بطريرك أنطاكية الأرثوذكسيّ يوحنّا الخامس الذي خلع بعد سقوط أنطاكية (العام 1098) فالتجأ إلى القسطنطينيّة، لأنّ اللاتين نصّبوا غيره بطريركاً. ونصّب الصليبيّون مطارنة لاتيناً على الأبرشيّات التالية: صور وقيصريّة فلسطين والناصرة والبتراء. ولم يقتصر الأمر  في الكرسيين الانطاكي والاورشليمي على الاستيلاء على مناصب البطريرك والأساقفة بل استولوا على الأوقاف واستثمروها وجنوا أموالها. كما بدّلوا الطقوس والشعائر حيث أصبح كلّ شيء لاتينيّاً، وهذا ما جعل العداوة تتنامى عند الأرثوذكس نحو اللاتين.

هذا ما فعلته الحملات الصليبيّة على مستوى الكنائس، أمّا على مستوى الناس فقد دفع المسيحيّون الشرقيّون باهظاً ثمن حملات شركائهم في الدين. فقتال الصليبيّين وصدّ اعتداءاتهم بالنسبة إلى الدولة الإسلاميّة الحاكمة اقتضى الزيادة في النفقات، ممّا استوجب زيادة الضريبة على الشعب، فقيل يومها إنّ الدولة تدافع عن البلاد ضدّ غزاة مسيحيّين لذلك يجب أن تُجمع الأموال الإضافيّة من المسيحيّين، وكان ذلك بمثابة مصيبة على الكنيسة وعلى المؤمنين. وكان الصليبيّون يحاولون اجتذاب المسيحيّين المحلّيّين إلى صفوفهم، فلم ينجحوا إلاّ قليلاً، وإنّه لمن الثابت أنّ المسيحيّين كانوا يقاتلون إلى جانب صلاح الدين في فتح القدس وفي حصار عكّا. من الطبيعيّ أن نفهم لماذا لم يلبِّ المسيحيّون الشرقيّون نداء التعاون مع الغربيّين، فبالإضافة إلى شعورهم بالانتماء إلى الشرق وناسه رأوا ما فعلته أيدي الصليبيّين بقياداتهم الكنسيّة في القدس وفي أنطاكية.

المسيحية الشرقية والحملات الصليبية (الفرنجة)
المسيحية الشرقية والحملات الصليبية (الفرنجة)

إنّه لمن الثابت أنّ دعوى حماية المسيحيّين من الظلم الذي يحيق بهم كان فيها الكثير من التلفيق. فخضوع الشرقيّين للبابويّة كان الشرط الأساسيّ لدعم البابا للحملات الصليبيّة ضدّ الشرق كلّه، بكلّ ناسه، بمسلميه ومسيحيّيه. الصليب ليس شعاراً يحمله أحد علامةً للحرب والكره والبغض والمصالح التجاريّة والشخصيّة أو لصراع بين حضارات أو ثقافات. لا يمكن الصليب أن يكون علامة للحرب ضدّ أيّ كان. مَن يشاء أن يحارب فليبحث عن شعار آخر غير الصليب.

نشرة رعيتي
الأحد 7 تشرين الأول 2001
العدد 40 بتصرف

هذا هو رأي كنيستنا الارثوذكسية ومنها رأينا (1) وابقينا على تسمية الصليبيين وان كان في ذلك مخالفة لرأينا بهذه التسمية المخالفة للواقع  والمسيسة ضد المسيحية والظالمة لنا نحن ابناء الصليب فقط  لتوضيح المعنى (د.جوزيف زيتون)

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *