المطران باسيليوس الدبس … متروبوليت ابرشية عكار 1903-1938
مدخل…
ثمة أعلام في المجالات كافة يُسكت عن الاضاءة عليهم رغم ماقدموه من جهادات ونجاحات وخدموا في كل الامكنة في الوطن والمهجر…
من هؤلاء كان مطران ابرشية عكار المترامية الاطراف مثلث الرحمات المتروبوليت باسيليوس الدبس
السيرة الذاتية
هو أمين بوسف بن حنا بن جرجس، والده يوسف الدبس بيروتي الأصل طرسوسي المولد.
ولد علمنا أمين في 1 تشرين الأول 1868 في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى من ولاية أضنة وهي من اعمال ابرشية كيليكيا.
كان والده يوسف من كبار تجار طرسوس المعروفين والذين لهم اعمال تجارية مع كل المناطق، وكان وكيلاً لقنصل ايران في المدينة، والدته مريم عبد الله الشامي التي توفيت السنة 1881 مأسوفاً على شبابها وعلى اربعة اولاد صغار تركتهم، كان بكرهم علمنا أمين، مالبث امين واخوته الا فُجعوا ثانية بفقدهم الوالد يوسف بعد سنة اي في عام 1882وكان عمره فقط 14 سنة وكان قاصراً عن امكانية رعاية اخوته، فانتقل بهم الى بيروت الى كنف عمه جبران الدبس، في تلك الاثناء حاول الانخراط فيسلك الرهبنة فمانعه ذووه، فظل في بيروت يتعاطى الأشغال، ويعتني باخوته، وكان يتردد على الشماس غريغوريوس حداد شماس مطران بيروت غفرئيل شاتيلا ( مطران طرابلس ثم بطريرك انطاكية 1906-1928).
نشأت بينهما صداقة متينة، وكان ميله الى الحياة الرهبانية يزداد يوماً اثر يوم، ولا يصادف من اهله الا زيادة التمنع والممانعة…
دعته ظروفه للسفر الى مصر حيث أقام ردحاً من الزمن، ثم عاد عام 1892 الى بيروت، وكانت كل قواه منصرفة الى اعتناق الرهبنة.
كان اخوته قد بلغوا رشدهم مماشدد عزمه وثبت أفكاره على الرغم من الممانعة.
رهبنته
غادر بيروت قاصداً صديقه غريغوريوس حداد الذي صار وقتئذ مطراناً لأبرشية طرابلس، والذي كان منهمكاً بتهيئة مايلزم لافتتاح مدرسة كفتين الاكليريكية في دير سيدة كفتين، فوصل الدير في 12 آب 1892، وتلقى فيه مبادىء الرهبنة تحت ملاحظة واشراف مطران طرابلس غريغوريوس، وانصب بكليته على الدرس والمطالعة.
حياته الاكليريكية
في سنة 1894 أدخله المطران غريغوريوس بمعيته الى طرابلس، وفي يوم السبت الكبير من الأسبوع العظيم المقدس الواقع في اول منيسان 1895 رسمه راهباً قانونياً في كنيسة القديس جاورجيوس الأرثوذكسية في اسكلة (ميناء) طرابلس ودعاه أفرام وفي اول كانون الثاني سنة 1896 رسمه أنا غنوسطاً ( شماساً مبتدئاً)، وفي 21 ايار من العام ذاته رسمه شماساً انجيلياً بالاشتراك مع نيقوديموس مطران عكار في كنيسة القديس جاورجيوس الارثوذكسية في طرابلس المدينة.
في 23تموز 1897 انتدبه المطران غريغوريوس مطران الابرشية وكيلاً لدير سيدة الناطور، ثم في سنة 1898سافر الى دمشق وزار الصرح البطريركي والكاتدرائية المريمية، وتابع الى دير سيدة صيدنايا البطريركي حيث تبرك بزيارته وزيارة بقية أديار وكنائس البلدة.
في 3 أيار من السنة ذاتها، وبناء على طلب السيد غريغوريوس مطران الأبرشية رسمه السيد اثناسيوس عطا الله ملاك حمص قساً.
في أميركا الشمالية
بناء على طلب الارشمندريت روفائيل هواويني رئيس الارسالية السورية الأرثوذكسية في اميركا الشمالية ( مطران بروكلن – القديس) عُيِّنَ مرسلاً أنطاكياً في اميركا الشمالية، فقام في 21 تموز 1898 من طرابلس قاصداً نيويورك تاركاً أحسن الأثر في نفوس ابناء طرابلس.
وصل نيويورك في 9آب1898، فقام بخدمته التي انتدب لأجلها خير قيام، وبعد خمسة أشهر تأسست بهمته أول كنيسة أرثوذكسية في مونتريال بكندا.
وصلت أخبار جهاداته الرعوية وغيرته الارثوذكسية ونشاطه إلى أسماع المطران تيخون الروسي مطران آلاسكا وسائر اميركا الشمالية. وكان كل الحضور الارثوذكسي، رعايا واكليروس وانتشار، وخاصة الانطاكي منه، برعاية بطريركية موسكو والقيصرية الروسية، فسمح له مطران الأبرشية تيخون بتعليق الحُجرْ والصليب، وتم تدشين الكنيسة في 6 حزيران 1898 بحضوره ورئاسة المطران تيخون والارشمندريت روفائيل هواويني رئيس الارسالية وكل كهنة انطاكية وروسيا والكنيسة الارثوذكسية… وكان تدشين هذه الكنيسة الاولى في مونتريال عرساً انطاكياً روسياً ارثوذكسياً بامتياز.
العودة الى الوطن
ظل في خدمته الروحية مندفعاً حتى 26 كانون الثاني 1900، حيث اضطرته دواع صحية الى مغادرة اميركا والعودة الى بلده فوصل الى بيروت في 22 تشرين الثاني 1900 ومنها قفل راجعاً الى طرابلس ابرشيته الأم وكان ذلك في 6 كانون الثاني 1901 ، فأقام فيها مدة، واستأذن مطرانها ان يزور مسقط رأسه مرسين وزيارة أهله فيها، وزارهم ولقي استقبالاً محموداً حيث كانت أخبار نجاحه الرعوي قد سبقته اليها فالتفت حوله الرعية كلها والاهل والأصحاب، وتمنوا عليه البقاء لديهم وخدمتهم.
لقائه بالبطريرك ملاتيوس
من مرسين عاد الى طرابلس، وقام بخدمة رعاياها باقتدار تحت اشراف وملاحظة معلمه مطران الأبرشية غريغوريوس.
في صيف عام 1901 زار صيدنايا وتبرك بديرها المقدس ثم زار الصرح البطريركي في دمشق وتبرك بلثم انامل البطريرك ملاتيوس الدوماني، الذي اعجب به وقد نال منه كل رعاية ومحبة ولطف.
وكيلاً بطريركياً في عكار
بعد وفاة مطران عكار نيقوديموس في 4/10/1901 عيَّنه غبطته وكيلاً بطريركياً على ابرشية عكار بطرس بركة وتكليف بطريركي مؤرخ في 8/10/1901 وصادر عن المقر البطريركي بدمشق.
في 16 منه سافر الى ابرشية عكار، فقام بواجبات الوكالة خير قيام، بالرغم من مواقف البعض، ومع ذلك سار بالأبرشية الى ميناء السلامة.
ارشمندريتا
وفي 7 نيسان دعاه البطريرك ملاتيوس الى دمشق، ورقاه باحتفال كبير في الكاتدرائية المريمية الى رتبة ارشمندريت، وعاد الى مهمته في الوكالة البطريركية بأبرشية عكار.
مطراناً
في 25 نيسان 1902 انتخبه المجمع الانطاكي المقدس مطراناً على ابرشية عكار،
تأخرت رسامته عدة اشهر لوجود تيار معارض في الابرشية أزعج البطريرك ملاتيوس والمجمع المقدس، وفي 2/2/1903 صدر أمر من غبطته برسامته مطراناً على ابرشية عكار في مدينة حمص وتم ذلك في كاتدرائيتها كاتدرائية الاربعين شهيداً على يد مطارنة حمص اثناسيوس عطا الله وحماة غريغوريوس جبارة وطرابلس غريغوريوس حداد ودخلوا معه الى ابرشيته حيث تسلمها برعاية الله وبقي فيها حتى وفاته في 17/2/1938.
سبب التأخير
أوجب القانون الأساسي لبطريركية انطاكية وسائر المشرق أن يتم انتخاب مطران الأبرشية بترشيح من شعبها ، حيث ترفع رعايا الابرشية اسماء مرشحيها الثلاثة بعرائض حسب الاصول الى البطريرك والمجمع المقدس حيث يتم اختيار ثلاثة مرشحين حازوا على اغلبية الاصوات.
ومنذ الاعلان البطريركي بموجب التكليف البطريركي لعلمنا بالوكالة البطريركية قام هو برعاية وتنسيق مشروع انتخاب مطران الابرشية، وقد عمدت كل مجموعة من الرعايا على تقديم عريضة ترشح بها من تشاء من الاكليريكيين، وانهالت العرائض من كل جهات الابرشية العكارية على المقر البطريركي بدمشق، وكان القسم السوري قد رفع عرائض مؤيدة لعلمنا وكان هناك معارضة شديدة له…
قامت البطريركية بتهدئة الاجواء، وتهيئة مايلزم لرأب الصدع، فكلف البطريرك وعلى التتابع العديد من الوفود البطريركية وكان في مقدمها الأكسرخوس نقولا شحدادة موفداً بطريركياً، ثم تبعه وفد ثانٍ ضم الخوري الياس المر والقس جبرائيل فيعاني.
ثم انتدب غبطته والمجمع المقدس المطرانين غريغوريوس مطران حماة وارسانيوس حداد مطران اللاذقية لحل الاشكال وارضاء النافرين المعارضينن ولكن كل ذلك لم يؤدي الى الوفاق المطلوب والاتفاق على المنتخب باسيليوس،
واخيراً فعلت الارادة الالهية فعلها وتم كل شيء بأمان.
انجازاته
ابرشية عكار وبالرغم من انها الأبرشية الأكبر جغرافياً فهي تشتمل على ارجاء واسعة في سهل عكار بقسميه السوري واللبناني ( لم يكن لبنان قد أُجد) وهي الخزان الارثوذكسي الأكبر في كل الكرسي الانطاكي المقدس الا انها فقيرة مادياً مع قحط روحي، مع نشاط كبير للكاثوليك قام به مطران طرابلس مع دعم مادي وتعليمي كبير، ومثله كانت بوادر غزو بروتستانتي للمنطقة، وعلى هذا فإن الابرشية كانت بحاجة ماسة الى نهضة كبيرة بكل شيء يتوجب على مطارنتها وكهنتها القيام به وهو ماكانت تفتقر اليه بالكلية لذلك نشطت كما اسلفنا الارساليات الكاثوليكية والبروتستانتية زمن سلفه اليوناني بالرغم من ورعه وسعيه…
لذا شمر علمنا عن ساعد الجد وبالرغم من معارضة الذين عارضوا ترؤسه الابرشية واستمروا وقام بنهضة روحية حتى في اصغر قرية من قرى الابرشية واوجد لها كنائس حيث ان معظم الكنائس القديمة فجددها واضاف اليها كنائس جديدة في قرى لم يكن فيها كنائس واوجد لها كهنة ضمن الامكانيات المتوفرة كما تشير رسائله المتواترة الى البطريرك ملاتيوس الدوماني وخليفته غريغوريوس حداد.
اقام في اول مطرانيته دار مطرانية لائقة نسبياً مع كنيسة على اسم القديس باسيليوس شفيعه في حلبا، جددها مطران الابرشية الحالي المطران باسيليوس منصور.
ورتب أمور الاوقاف التي كان الكثير من الأغوات المحليين وسواهم ومنهم من ابناء الرعية يضعون ايديهم عليها ونظمها لتدر ريعية ثابتة.
كما بنى كنيسة رقاد السيدة في حابا – صافيتا وكذلك في عهده كمطران للأبرشية، وهي من الحجر الأبيض النحيت الجميلوبناؤها على طراز العقد وهي تتوسط القرية.
الخاتمة
يعد علمنا من اوائل الذين حدثوا هذه الأبرشية الفقيرة والمترامية الاطراف وبالرغم من ندرة الموارد والقحط الروحي استطاع بصمود وصبر ان يصنع الكثير من لاشيْ.
وقد اتصف اضافة الى الورع اتصف بالمعرفة وهو بنى ذاته بذاته ومن خلال جهد فردي عبر منهج التثقيف الذاتي، كما اتصف باحكمة وطول الاناة وكان البطريرك غريغوريوس يوفده لرأب الصدع في الكثير من الابرشيات…
ليكن ذكرك مؤبداًفلقد تركت هذا الذكر في كل مكان خدمته يداك وروحك.
مصادر البحث
– الوثائق البطريركية بدمشق، وثائق أبرشية عكار…
– مجلة الصخرة
– د. اسد رستم كنيسة انطاكية
– الأب المؤرخ نايف اسطفان” الحقائق الجلية في الوثائق البطريركية “
Beta feature
اترك تعليقاً