المعلم داود قسطنطين الخوري 1860 ـ 1939
المعلم داود قسطنطين الخوري 1860 ـ 1939
مقدمةمن اعلام حمص في الكنيسة والادب و القصة والشعر والمسرح، ناظم ترنيمة القديس إيليان الحمصي الشهيرة شعراً ولحنا التي مطلعها ويطرب معها المرتلون وخاصة ان كان جميلة اصوات المرتلين وافراد الجوقة ويتقنون الترتيل، ويطرب السامعون ويتمايلون وانا في الحالتين منهم
لكِ ياحمص افتخارٌ ثابت طول الزمان …………………………….أنتِ للأبــرار دارٌ أنت منشا يوليـانفي بعض من السيرة الذاتية
وُلِدَ داود بن قسطنطين الخوري في مدينة حمص محلة بستان الديوان في حمص القديمة يوم الخميس في 2 شباط سنة 1860، والده الاديب والشاعر الحمصي قسطنطين الخوري من وجهاء وأراخنة أبرشية حمص، والدته السيدة زهراء لوقا 1860 في بيت ككل البيوت الحمصية والعائلات الارثوذكسية، منتمٍ الى الكنيسة وممارس لطقوسها سواء في البيت وكذلك في الكنيسة صحبة والديه. ولذلك عشق الترتيل الرومي منذ طفوليته، فكان يرتل وبصوت شجي منذ طفوليته، ويقوم بالخدمة ككل رفقته في هيكل الكنيسة بتشجيع من والديه.
علمه وثقافته
تلقّى في حمص علومه الأوليّة مبكراً في كتاب من الكتاتيب، حيث لم تكن بعد مطرانية حمص قد احدثت المدارس الغسانية الارثوذكسية الشهيرة (احدثها مثلث الرحمات مطران حمص اثناسيوس عطا الله في منتصف العقد الثامن من القرن 19) كما أخذ عن والده اللغة العربية وآدابها وفتن بشعر ابيه، وكذلك علمه والده اللغة التركية، وألم باليونانية عن استاذ يوناني زائر لمدينة حمص اودعه والده لديه لتعليمه اليونانية كونها لغة طقسية في الكنيسة الارثوذكسية الانطاكية تفيده في الترتيل الرومي البديع بشقيه العربي-اليوناني.
ولكن علمنا منذ طفوليته كان عاشقا للقراءة والتثقف بمفرده وبجهوده ومايقع تحت يده من مخطوطات وكتب في العبادة المسيحية الارثوذكسية وفي شتى انواع العلوم والمعارف، يبادر الى اقتنائها بتسهيل ودعم من والده معتمداً على نفسه منهج التثقيف الذاتي ككل ابناء عصره، لذا كانت مطالعته الشخصية هي مدرسته الكبرى.
ظهرت ميوله الأدبية مبكرة، فاقتنى من الكتب المخطوطة والمطبوعة ليزيد من غذاء نفسه الروحي والعلمي ما أشبع فيه تطلعه وأرضى أشواقه، وتكونت لديه ثقافة أدبية علمية تاريخية فأصبح كوكباً ساطعاً في سماء الترتيل ونظم التسابيح الكنسية الارثوذكسية، وفي الأدب والفن والتأليف والتمثيل والشعر فكان سريع الخاطر، متوقِّد الذهن واسع الخيـال وتفتّتحت عبقريته عن شِعْرً رقيق وفنّ تصويري رائع، وذاع صيته حتى في الأقطـارالعربية.
عمله
عمل مدرساً للغة العربية والتاريخ والموسيقى الكنسية والشرقية في المدرسة الأرثوذكسية بحمص (1888) – إلى أن دخلت تركيا الحرب فأغلقت المدرسة من 1914-1918، كما انقطع عن التحرير في جريدة حمص التي توقفت عن الصدور بسبب الحرب أيضاً.
بعد أن توقفت الحرب العالمية الاولى وتحررت سورية من النير العثماني، واستؤنف النشاط التعليمي والصحفي آثر أن يعمل مع أبي خليل القباني في مسرحه بدمشق، فألف له علمنا المعلم قسطنطين بعض المسرحيات، غير أنه عاد إلى حمص حين تعرض مسرح القباني لمعارضة قوية من المشايخ والبيئة الشامية المحافظة.
عمل في بداية عهده موظفاً في الدوائر الحكومية ثم أُستاذاً للرياضيات والفــن والموسيقى في المدارس الأرثوذكسية بحمص عام 1888، وتخرَّج على يديــه ما لايُحصى من التلاميذ.
هجرته
هاجر إلى البرازيل عام 1926 حاملاً معه مسرحياته وأشعاره، وهناك ترأس “النادي الحمصي” الشهير الذي كان واحة ادبية، وواصل نشاطه المسرحي حتى رحيله.
توجهه القومي
أسهمت مسرحياته في إيقاظ الروح العربية وبعث الاعتزاز القومي، ولكن دون إثارة ومبالغة، وهذا الاعتدال سبب نجاته من المصير الدامي الذي واجهه القوميون استشهاداً ونفياً على يد السفاح التركي جمال في بلاد الشام.
يعد علمنا من الذين أضحوا بعدئذ من أرقى رجالات مدينة حمص وسورية والمغترب السوري عِلْماً وثقافة وأخلاقاً وبعضهم وهو منهم آقاموا في المهجر.
عضوية الجمعية الامبراطورية الروسية
وتقديراً لنبوغــه وخدماته الكبيرة لوطنه وللمدارس التي عمل بها عيّنتــه “الجمعيــة الإمبرطورية الفلسطينية ـ الروسية الارثوذكسية” التي كانت تنشيء وتدير المدارس الأرثوذكسية على نفقتها في معظم ارجاء الكرسيين الانطاكي والاورشليمي ـ عضواً في مجلس إدارتها.
كما ومنحته الحكومة الروسية وسام القديس فلاديمير عام 1907 وهو من ارفع اوسمتها سواء في الدولة القيصرية الروسية، أوفي روسيا الحالية…
بقي معلمنا داود يعمل في مجال التدريس في مدارس الغسانية الارثوذكسية في حمص، ومديراً لتحرير جريدة حمص إلى أن دخـلت تركيـا الحرب العالمية الأولى سنة 1914 فانقطع عن التدريس لسبب إقفال المدارس وتوقّفْ جريدة حمص عن الصدور. فعمل بعدها بالتجارة والصناعة.
مواهبه المتعددة
كان آية باهرة بالذكاء والنباهة فاستثمر قلمه ومواهبه في سبيل النفع العام وخدمة المجتمع، وقد حباه الله حنجرة ذهبية فيها النغم الطروب واللحن الحزين والاداء المتقن، وكان يرتل الالحان الرومية ممزوجة بالالحان والمقامات الشرقية بجزالة وهو احد اهم مرتلي حمص، ويكاد يكون كذلك في الكرسي الانطاكي المقدس في عهده وبين معاصريه، ويكفي انه ترك لحمص وللكرسي الانطاكي القطعة البديعة شعراً ولحنا للقديس ايليان الحمصي:” لك ياحمص افتخار…”
ولعلمه وولعه بفنون التمثيل والتأليف وسبك الحقائق في قالب الخيال المُمَّثلْ على خشبة المسرح كانت رواياته الشهيرة المذكورة أدناه غنائية من نوع الأوبريت:
(العفاف في رواية الأميرة جنفياف ـ اليتيمة المسكوبية ـ الصدف المدهشة ـ عمر بـن الخطّاب والعجوز ـ الإبن الضال ـ جابر عثرات الكرام ـ العشر عذارى ـ السامـري الشفيق ، وله أيضاً مع المعلِّم يوسف شاهين ( 1853 ـ 1944 ) روايتان هما : (يهوديت وسمير أميس) وكانت أناشيد هاتين الروايتين وألحانهما من وضعه وكثيراُ ماكان ينظم ويُلحِّن في ليلة واحدة أُغنية وأُغنيتين، كما لاقــت الروايتان: (العفاف في رواية الأميرة جنفياف، واليتيمة المسكوبية) نجاحاً كبيراً. فالأولى مُثِّلَت في حمص عام 1890ومُثلت مئات المرّات في جميع الأقطار العربية من قِبَل ممثّلين محترفين وهواة، كما مُثِّلَت في البرازيل عام 1900 من قِبَل تلاميذه في المهجر.
اسرته
تزوّج داود من كرياكي إبنة الخوري ابراهيم السمان سنة 1892 ورُزِقا بثلاثة بنين وثلاث بنات هم:
توفيق ـ عبد المسيح (البرتو) ـ عفيف ـ مفيدة ـ أديل ـ عفيفة.
وبطلب من ولديه في البرازيل توفيق وعبد المسيح (ألبرتو) سافر إلى البرازيل (سان باولو) عام 1926 ورحّبت به الجالية الحمصية هناك وأكرمته بما يليق بمقامه.
مكانته
لم يترك مناسبة في الوطن والمهجر إلاّ وكان من مدعوّيها ومُلقياً بشعره بتلك المناسبة متجلياً ومحفوفاً بالتقدير وعلى سبيل المِثال لاالحصر مناسبات:
– اليوبيل الفضي للميتم السوري في سان باولو
ـ تهنئة بشارة محرداوي بعيده الخمسيني
ـ قصيدة بمناسبة تبرع أسعد عبدالله حداد بمكتبة فاخرة للنادي السوري
ـ تهنئة المطران أثناسيوس عطاالله بيوبيله الفضي عام 1911 بحمص
– تهنئة صديقه المعلِّم يوسف شاهين بيوبيله الفضي بحمص.
وفاته
توفي المُعَلِّم داود قسطنطين في سان باولو يوم الخميس في 16 شباط سنـــة 1939. وتميز تشييعه بمظاهرة سورية وحمصية ووطنية في كاتدرائية سان باولو بحضور كل الاكليروس من كل ارجاء البرازيل وحضور اكليريكي وشعبي من الكنائس الشقيقة وكل المغتربين.
كما أقامت له الجاليات العربية في ارجاء البرازيل، والارجنتين وكل الاغتراب في اميركا الجنوبية وابرشياتها أو في الولايات المتحدة الأميركية وابرشيتها ورابطاتها الادبية السورية المغتربة حفلات تأبينية ورثاه أُدباء المهجر مثل نسيب عريضة، ندرة حداد، بدري فركوح، نظير زيتون، نصر سمعان، ميشيل مغربي، سلوى سلامة أطلس… وغيرهم بقصائد شعرية تليق بما قدّمه في حياته من أعمال عظيمة. كما استلمت عائلتـه في سان باولو مئات البرقيات ورسائل التعزية منها رسالة تعزية من مؤرخ حمص الخوري عيسى أسعد(1878ـ 1949) حيث كان زميله في التعليم وفي تحرير جريدة حمص، كما نعته صحف المهجر كافة. و نشر الكاتب الكبير نظير زيتون على صفحات جريــدة (الفجر) الحمصية مقالاً نفيساً شرح فيه حياة الفقيد وأدبه ونبوغه ونشرت جريـدة (حمص) في عددها 439 الصادر بشهر تموز سنة 1960 مقالاً تحت عنوان:
” اليوبيل المئوي للخالد الذكر المغفور له العلاًمـة الكبير رجل التضحيـــة: داود قسطنطين الخوري” وفي المقال نبذة عن حياة الفقيد وخدماته العديدة الصادقة لحمص وبعض من قصائده.
وصيته
أوصى المرحوم أن يكتب على قبره ومن نظمه البيت التالي:
“تفنى الجسوم ورسمها يفنى على مرّ الزمن…………….فابْرِرْ فليس يدوم إلاّ اللـه والذكر الحسن”
تكريمه في الوطن و تخليداً لذكراه:
1 ـ عمل المجلس البلدي لمدينة حمص على تسمية الشارع الكائن في حي باب السباع الذي يمتد من شــارع ( محمد عبده)الى شــارع (أميّة) بإسم علمنا: داود قسطنطين الخوري وذلك بتاريخ 29 تشرين أول 1953.
2 ـ كما أن وزارة الثقافة أحيت ذكراه بإصدار كتاب سنة 1964 بعنوان : المُعَــلِّم داود قسطنطين الخوري( تراثه الكامل في الرواية والشعر والأدب) .
ونورد فيما يلي مقتطفات من أعماله:
1 ـ عمل على نظم ترنيمة القديس إيليان الشهيرة شعراً ولحنا التي مطلعها ويطرب معها المرتلون وخاصة ان كان جميلة اصوات المرتلين وافراد الجوقة ويتقنون الترتيل، ويطرب السامعون ويتمايلون وانا في الحالتين منهم:
لكِ ياحمص افتخارٌ ثابت طول الزمان …………………………….أنتِ للأبــرار دارٌ أنت منشا يوليـان
2 ـ كما أنه بعد أن تمّ بناء وتجديد كنيسة القديس إيليان وتدشينها عام 1845 في عهد المطران متوديوس فقد أرَّخ التدشين المرحوم والده قسطنطين الخوري بعدّة أبيات من الشعر التي أصلحها نجله داود محتفظاً بمعانيها الأصلية والمثبّتة الآن على لوحة رخامية بمدخل الكنيسة وكان مطلعها:
” لشهيد حمص شيّد ذا الدير الذي أضحى مزاراً للبعيـد وللقريبِ
فلتفخر هذي المدينة إذ بهــا قد أشرق القديس إيليان الطبيب”
رواية الأميرة جنفياف
ـ من قصيدة الحنين إلى سورية
لي لذّة في ذكْر مجد ربوعي لكنه ذكّرٌ يُسيل دمــــوعي
ذكْرٌ به أرجو لقلبـي راحةً فيثير نارَ الوجـد بين ضلوعي
أن أنسى سورية فما أنا بإبنها ـ الوافي وما حُبّي لها بطبيــعي
فأنا الولوع بحبّها في صبْوتي والبُعد عنها لايُزيل ولوعــي
ياأيّها الدهـر الذي أقصيتني اتجود لي يومـاً بحسْن رجوع؟
ـ من ترتيلة وطنية
حيّ الديار الســورية بعواطف حب وطنيــة
تلك الجِــنان العربية ما أحــلاها لاأنسـاها
مادام لي نفس حيّة
سورية مغنــى أُنْسي مستوطني منشأ غرسـي
في أفقها لاحت شمسي وأبصرت فيـــها نفْسي
نور الحيـاة الحبيّة
ـ من قصيدة يفتخر بعروبته
ألا يامعشر العرب الأكـابر وياأهل المـآثر والمفاخر
لكم لغة حوَت أسمى الجواهر بدّر اللفظ والمعنى غنـية
ــــــ
فإن لم أحترم لغتي وجنسي أضع قوميّتي وجلال غرسي
فيا لغـة الجدود فدتك نفْسي فدومي ياحيـاة العرب حيّة
ــــــ
ـ كما نظم الأناشيد والتراتيل الوطنية والدينية مثل: نشيد النادي السوري نشيد النادي الحمصي ـ ترتيلة الإتحاد الوطني ـ ترتيلة موجّهة لسوري والبلاد العربية ـ نشيد وطني سوري ـ أناشيد أدبية ـ أناشيد مدرسية- أناشيد دينية مسيحية وغيرها.
الخاتمة
يعد علمنا من رجالات عصر التنوير الشامي بأبعاده الوطنية والقومية في الثلث الاخير من القرن التاسع عشر ومن الرواد في الهاب المخيلة الوطنية والقومية للتحرر من عصر الاحتلال التركي وطغيانه، اثبت نبوغاً في مجالات الانتماء الكنسي في الوطن والمهجر وفي الادب والشعر والموسيقا والمسرح وحسنا فعل الوطن عموما وحمص خصوصا في تكريمه وان كان التكريم محدودا وينبغي الاضاء عليه ليعرفه ابناء كل الاجيال وهو ماقمنا به في تسليط الضوء عليه وامثاله في موقعنا.
المـــراجع
ـ إنارة الأذهان في ترجمة الشهيد الحمصي إيليان : الخوري عيسى أسعد 1928
ـ تذكار اليوبيل الفضي للمطران اثناسيوس عطاالله : رزق الله نعمة الله عبود 1911
ـ المعلِّم داود قسطنطين الخوري : وزارة الثقافة 1964
ـ أدباء المهجر : جورج صيدح 1957
ـ تاريخ حمص ج2 : منير الخوري عيسى أسعد 1984
ـ الجذر السكاني الحمصي ج5 : نعيم الزهراوي 2003
– داوود قسطنطين الخوري / المهندس جورج فارس رباحية
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً