المهندس انيس شباط
أنيس بن حنا شباط (1908-1986) مهندس سوري ارثوذكسي من دمشق، كان مديراً لمواصلات دمشق ما بين 1948-1958 ثم أميناً عاماً لوزارة الاشغال العامة في عهد الوحدة السورية المصرية أولاً ثم في مرحلة الانفصال، ورئيساً للجنة الدائمة للمواصلات في جامعة الدول العربية. هذا الرجل الذي ترك أثراً في عصره ومجتمعه المشرقي الأرثوذكسي عبر حياته الحافلة بالانجازات على الأصعدة المهنية والثقافيةوالاجتماعية والدينية.
البداية
ولد أنيس شباط في دمشق عام 1908 في حارة آيا ماريا ( القيمرية) عام 1908 من عائلة قَدِمت خلال القرن 19 من حاصبيا، ولها فروع في جبل لبنان ومنطقة بشري في شمال لبنان الحالي، وتلقى علومه في مدارس الآسية الدمشقية الارثوذكسية أولاً ثم في مدرسة الآباء العازايين في منطقة باب توما،
تأثرت طفولته كثيراً بوفاة شقيقته رمزا، وبعد بضعة أيام بوفاة والده حنا، فنشأ وترعرع على يد والدته وردة الصيفي في فترة صعبة، شهدت احتضار الأمبراطورية العثمانية، والانتقال المضطرب الى الانتداب الفرنسي، ممادفع أخويه الأكبرين للهجرة الى الولايات المتحدة عام 1910. وهو لم يلتق بهما مجدداً حتى عام 1950 خلال زيارة عمل قام بها ال اميركا، اي بعد اربعين عاماً.
كانت طفولته إذاً مكرسة للدرس والصلاة، متبعاً نصائح والدته. نال البكالوريا الفرنسية في بيروت (بفرعيها الرياضيات والفلسفية) بدرجة جيد جداً. وحصل بعدها على شهادة الهندسة المدنية من الجامعة اليسوعية في بيروت، ونال المرتبة الاولى في دورة 1929 مماجعله يُلقي باسم الطلاب خطاب لدورة أمام ممثل المفوض السامي الفرنسي ورئيس لجنة الامتحان.
حياته العائلية
تزوج من السيدة سيلفا جبران توما، من جوار الكاتدرائية المريمية، وكانت تجمعه بها عدة قواسم مشتركة أهمها الايمان ، والتربية المسيحية، وفقدان رعاية الوالد منذ الطفولية وهي نشأت على يد والدتها استيفاني ديمتري دبّاس، والعائلة المختلطة اللبنانية السورية، وحسب الأديرة وخاصة دير سيدة صيدنايا، ودير القديسة تقلا في معلولا.
رزقهما الله اربعة اولاد: ماريا زوجة الدكتور جورج جبور، مي زوجة المهندس جبران عويشق، دلال زوجة الدكتور ابراهيم قروشان، وسامر.
ارتكزت تربيته لأولاده على تفضيل العلم والعمل والايمان على التسلية وحب المال.
حياته المهنية
عاد إلى دمشق وعُين مهندساً في وزارة الاشغال العامة لغاية تسميته رئيساً لمكتبها الفني عام 1946. وفي سنة 1944 أصبح رئيساً للأشغال العامة في المنطقة الجنوبية، قبل تعيينه مديراً للمواصلات في زارة الاشغال العامة سنة 1948. كان مقرباً من رئيس الجمهورية شكري القوتلي وفي سنة 1947 وضع كتاب عن منجزاته بعنوان العهد الوطني في ثلاث سنوات 1944-1946.
عمل علمنا لأكثر من نصف قرن في مجال الهندسة والتطوير والانماء في سورية والعالم العربي. شغل خلال هذه الفترة عدداً من المناصب الرسمية في سورية بين عامي 1958 و1963، حيث عين امينا عاما لوزارة المواصلات في الاقليم الشمالي في عهد الوحدة بين مصر وسورية
بقي في منصبه طيلة سنوات الوحدة وفي مرحلة الانفصال، ليستقيل سنة 1963 وينتقل للعيش في لبنان.
لم يتدخل أنيس شباط في السياسة في حياته، ولم ينتم لأي حزب من الأحزاب وفي سنة 1958
المهندس انيس شباط
في لبنان
بعد عام 1963 عمل في لبنان مستشاراً لعدد من الشركات الكبرى، وبين عامي 1970 و1980 انتخب رئيساً لمجلس ادارة ” الشركة اللبنانية للمشاريع المتعلقة بالسياحة”.
وكانت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية قد انتخبته رئيساً للجنة الدائمة للمواصلات بين عامي 1954 و1968، ومن نشاطاته فيها تنظيم المؤتمرات الدورية لوزراء المواصلات العرب.
كان استاذاً في كلية الهندسة العليا في بيروت، ومستشاراً إقليمياً لها بين عامي 1963 و1975.
كما اسس 1965روترأس الجمعية اللبنانية للوقاية من حوادث الطرق، وانتُخِب عضواً في “اللجنة الدائمة للجمعية الدولية للوقاية من حوادث الطرق” في باريس.
قام بدراسة المواصلات في بعض الدول العربية بطلب من منظمة الأمم المتحدة لغرب آسيا، بالاضافة الى تعيينه مستشاراً فنياً لوزير المواصلات في السعودية بين عامي 1977 و1978.
له العديد من المؤلفات والمقالات والمحاضرات في مجال المواصلات.
انتماؤه الارثوذكسي واعماله الخيرية والدينية
كان علمنا محبا لخدمة الله عبر خدمة كنيسته الارثوذكسية، وكان عضواً في عدد من الجمعيات الخيرية الارثوذكسية الدمشقية، وعضوا لمدة طويلة في اللجنة التنفيذية للمجلس الملي الارثوذكسي حتى عام 1963 حين غادر سورية وسكن في لبنان.
كرّس وقته وجهده وعلمه وخبراته كمهندس في خدمة المشاريع العمرانية الخيرية الكثيرة في تلك الحقبة الزمنية. فكان يرسم تصاميم الأبنية ويشرف على تنفيذها، حتى تأتي المنشآت غاية في الجمال والتقنية. وهو كان يؤدي كل هذا العمل بتبرع مطلق وبدون مقابل، بل كان يتبرع شخصياً ببعض التكاليف، ويساهم في البحث عن متبرعين.
من اهم المشاريع التي اشرف عليها مباشرة
– تجديد بناء الكاتدرائية المريمية في دمشق عام 1953، فكان عضوا في اللجنة التنفيذية للمشروع والمشرف الرئيسي على تنفيذه.
– إعادة بناء خان النحاس ( وقف المدارس الأرثوذكسية الدمشقية) إذ انه أشرف بنفسه على انجاز هذا المشروع العمراني الخيري الارثوذكسي العملاق بيي 1955 و1960.
– بناء درج جديد لدير سيدة صيدنايا البطريركي بجانب الدرج القديم، فقد قام بهندسته كاملا، وبالاشراف على تنفيذه مما سمح باستيعاب الأعداد المتزايدة للزائرين والحجاج، وقد دُشِّنَ عام 1961.
– بناء معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند، قرب الدير ، والمدرسة الاكليريكية الثانوية، فقد كان النائب الثاني لرئيس مجلس الأمناء التأسيسي، وشارك في المشروع على امتداد مراحله. ونعيد للذكرى ان اقامة المعهد اللاهوتي، وانشاء جامعة البلمند كانت حلم مثلث الرحمات البطريرك اغناطيوس الرابع منذ كان أسقفاً لبلميرا، ورئيساً للدير وقد سعى لتحقيقه وتم ذلك، وأن المتروبوليت انطونيوس بشير راعي ابرشية نيويورك واميركا الشمالية، وخليفته المتروبوليت فيليبس صليبا، وقد تبنيا نفقات هذا المشروع العمراني اللاهوتي الانطاكي العظيم الذي دام من عام 1965 وحتى الافتتاح الرسمي لمعهد اللاهوت عام 1971.
– وهناك أعمال اخرى ساهم فيها علمنا ، ومنها أعمال التجديد الاول للدار البطريركية واحداث الجناح الجنوبي وباسم القصر البطريركي في عهد البطريرك الكسندروس الثالث، واعمال الصيانة والتجديد لأوقاف البطريركية في دمشق، وفي ديري سيدة صيدنايا والقديسة تقلا في معلولا البطريركيين.
أعماله الاجتماعية والثقافية
كان علمنا من مؤسسي نقابة المهندسين في دمشق، ومثّلَ سورية في العديد من المؤتمرات الهندسية. وقد عمل على تطوير مهنة الهندسة”في العالم العربي، ووضع قاموساً هندسياً تقنياً باللغات العربية والفرنسية والانكليزية بعنوان:” من رسالة الطرق الى القاموس التقني للطرق” مؤلف من 120 صفحة، اصدار المكتب الدائم لتنسيق التعريب في العالم العربي، جامعة الدول العربية، الرباط، 1967.
عمل عضواً ومحاضراً في كل من الجمعية اللبنانية لتقدم العلوم وندوة الدراسات الانمائية وجمعية المستقبلييّن في باريس. Futuribles.
أعماله الأخرى
كان يخصص وقت فراغه النادر لاهتماماته الثقافية الأخرى، التي كتب عنها ايضاً المقالات والدراسات في المجالات التالية: حماية البيئة، النقد الذاتي، التطور المستقبلي للمجتمعات، دراسة الاديان السماوية ومايجمع بينها ولاسيما المسيحية والاسلام، فن العمارة في الكنائس،…
اتصف بالجدية في عمله وخارج عمله، لكنه كان ايضاً يحب الكلام المأثور، وإسداء النصيحة على شكل قصة أو طرفةذات مغزى، ولم يكن يبخل حتى بأوقات فراغه وراحته لاستقبال اي شخص كان يقصده في خدمة او نصيحة او حتى لاستماع حديثه…
انبس بك شباط
هكذا كان يعرف به في البطريركية الارثوذكسية وكذلك في العمل الوظيفي السوري، عين عضوا في العديد من الفعاليات الارثوذكسية في ابرشية دمشق وفي عضوية المجلس الملي للأبرشية/ لجنة المدارس، وكان من كبار مستشاري البطريرك الكسندروس طحان الدمشقي حيث انه في خلال سنوات خدمته في الدولة السورية، كما سبق بيانه اعلاه، قدم خدمات كبيرة للصرح البطريركي ولأبرشيات الكرسي في سورية، والأديرة البطريركية ومنها اديرة سيدة صيدنايا ودير القديسة تقلا معلولا ودير القديس جاورجيوس الحميراء ودير النبي الياس شويا البطريركية…
وهنا نذكر بكل الواجب واستنادا الى وثائق الدير المحفوظة في امانة الوثائق البطريركية بدمشق، ان كل البنيان الحديث لهذا الدير دير النبي الياس شويا في ثمانينات القرن ال20 تم بفضله وبدون اي مقابل فقد اسند له البطريرك الياس الرابع دراسة واقع الدير ومايتوجب لاصلاحه وفعلا وكما نقول بالتعبير الدارج قام بنفض الدير وانشأه بحلة حديثة ( ابنية الدير وكشط السقف الخشبي للكنيسة المتداعي واعاد صبه بالاسمنت المسلح واعاد تركيب القرميد مجددا والصالون الكبير والغرف وطرقات الدير …) وكله لوجه الله. وتفيد وثيقة من وثائق البطريركية التي تختص باعادة بناء الدير انه كان ينتقل اسبوعيا اما من دمشق ان كان فيها، او من بيروت موطنه، الى الدير لمتابعة اعمال المتعهدين وهو لم يوقع اي فاتورة او كشف حساب مالي، وقد جاء كتابه هذا ردا على احد المنتقدين اخبره به احد السادة المطارنة( دون ذكر اسمه) من اعضاء لجنة المشاريع البطريركية، فأفرد بالحرف ماقام به من وضع المصورات وخطوات التنفيذ ومراقبته، وان له في هذه الاعمال بكل مكان في ابرشيات واديار الكرسي في الوطن بدائرته في سورية ولبنان منذ 35 سنة، خدم بها البطريركية وبقية الاديرة والكنائس، والمساعدة في شق الطرقات اليها ضمن حدود الانظمة الادارية السورية دون تجاوز الاصول القانونية، وتحديدا في شق الطريق الحالي بين دمشق وصيدنايا لخدمة السكان والحج المسيحي الى دير سيدة صيدنايا البطريركي، وطلب من المطران الصديق ان يقرأ تقريره في جلسة المجمع الانطاكي المقدس لبعرف الجميع من هو المهندس انيس شباط، وماذا فعل وكله لوجه الله تعالى، ولم يقرب المال اطلاقا….كما فعل الشيء ذاته في كل الشأن الوطني العام في سورية، وفي خدمته وخدمة الكنائس الأخرى مما شكل ذكريات محمودة عنه سورياً ومسيحياً وامتدادا لعراقة اسرته الدمشقية ولازلت اتذكره لماكان عضوا في مجلس ادارة جمعية القديس يوحنا الدمشقي الارثوذكسية ومدرستها في القصاع التي درست بها صغيرا ًمرحلتي الحضانة والابتدائية…
كما انه كان عضوا فاعلا ممثلا لمجلس ملي دمشق في المجلس الملي العام للكرسي الانطاكي المقدس زمن البطاركة الكسندروس وثيوذوسيوس والياس واغناطيوس وكان صديقه بتجرد وفق روايات جدي وابي رحمهما الله.
الوفاة
توفي عن عمر ناهز 78 عاماً سنة 1986 وجنز في كاتدرائية القديس جاورجيوس الارثوذكسية في بيروتورئس خدمة الجنازة المتروبوليت ايليا راعي ابرشية بيروت منابا من البطريرك اغناطيوس الرابع وعدد من مطارنة الابرشيات.
الأوسمة التي نالها
– وسام الكرسي الانطاكي المقدس/ وسام القديسين بطرس وبولس برتبة كومندور.
– وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الاولى.
– وسام الارز اللبناني من رتبة كومندور.
– وسام الكوكب الاردني من الطبقة الثانية.
– وسام الجمهورية التونسية من رتبة كومندور.
– الوسام البرازيلي من رتبة كومندور.
– وسام القبر المقدس/ زسام بطريركية اورشليم الارثوذكسية من رتبة كومندور