الميلاد المقبل
منذ عيد دخول السيّـدة والـدة الإلـه الـى الهيكـل نبـدأ بترتيـل: “الـمـسيـح ولد فمجدوه…”. ننتظـر الـمـولـود الجديـد. ومنذ عيد القـدّيس الشّهيد إغنـاطيوس الأنطاكي في 20 كانـون الأوّل يقـوى اتّجاه الصّلـوات إلى العيد. وعشيّـة الـمـيلاد نقيـم البارامون وهــو الوقفـة الروحيــّة والإنشاديّـة لاستقبال الـمخلص. الكنيســة تشدنـا إلى الفادي الآتي طفلًا لينـمو بيننـا كواحدٍ منـّا، يقاسمنا أوضاعنا وشقاءنا، وفي وسطها يقدّم لنا الفرح.
كيف نستعدّ لـه؟ هذا هو السؤال الكبيـر.
عندنا أنّ الكـون كلّـه والأزمنـة السّابقـة كلّهـا كانت تنتظـره، وأنّ الفلسفـة والديـانـات اليهـوديّـة والـوثنيـّة كانت ترجـوه. فهل يكون العيد لنـا مجرد ذكرى نقيمها مع أطفالنا بالهدايـا والطّعـام والشّراب والرّموز الـمـستورَدة التي اخذنا نألفها، أم نصبـح أعمـق من ذلك فيصير القـلب هو الـمــذود والتـّوبـة هي الـرؤيـة والتجدد هو القـرار والالتـزام؟
غير أنّ أهميـّة هذا العيد ليست في العيد نفسـه ولـكن بمعنـاه: إنّه إطلالـة الله علينـا بمـوسم وبغيـر مـوسم، فالحياة فيها الحزن الشـديـد والإخفاق يتـلـو الإخفاق وفيـها الخطايا الكثيرة. والكآبة الكبرى هي أنّ نفوسنا تتعهّد الصّلاح وربّما تعهّدت الكمال ومع ذلك تراها تتسكّع أو تقع في الطّريق. فإنّ أحدًا منّا لا يصل إلى القامة الرّوحيّة التي يريدها لنفسه، وقد لا يشتـهي الأكثـرون التقدّم في الصّلاح، وقـد لا يتمنّى الأكثـرون الكمال، وربّما لا يتحرّك العديـدون بفكـرة الـمحبــّة ولا يحلمـون بتحقيـق الفضيـلـة فيـهم. منكبــّون على الـمـال والـمجد والـلّذّات من هنـا ومن هنــاك، يكتفـون بيـوميـّاتهم وينظـرون حولهم فإذا بالنـّاس محدودون بشهوة الطّعـام وشهوة الجنـس. ليس من ناريٍّ واحد ولا من طامـحٍ في القداسة. هم سعداء إذا لـم يمرضوا ولـم يمـوتـوا وكأنّ الـمـسيـحَ لم يـأتِ ولـم يتكلّم ولـم يمـت ولم يقـم من بين الأمـوات. إذا كانوا لا يغيّرون ما في أنفسهم فكأنّهم لم يقتنعوا أنّ يسوع جاء ليغيّر الكون.
ولعـل الجرح البليغ ليس في هذا، ولكنّـه في أنّنا ننظر إلى الكنيسـة في حالها الحاضرة ولا نرى أنّها تغيّرت بالقدر الكافي الذي يغيّرنا. فالضعف في كلّ مكان وكذلك الكسل والجهـل وإرادة البقاء في الجهـل.
اللّاهـوت يقول إنّ الكنيسـة مدخل إلى الـمـلكوت. بأيّ معنى؟ أعضاؤها فيهـم ملكـوتيـّون وفيهـم من نـزل إلى الجحيم ولا ينـوي الخروج منها. فالإنطباع العام هنا وهناك أنّ الفتور هو المناخ العام المسيطر على المسيحيّين، وأنّ ثمّة بقاعًا صغيرة فيها الملتهبون بالحبّ الإلهيّ والغيرة على تغيير العالم بإنجيل يسوع المسيح.
هل الكنيسة مؤلّفة فقط من هؤلاء؟
اللّاهـوتيون الـمـدركون عمـقَ الأرثوذكسيـة يقـولـون إنّ الـمـألوه، اي الذي الله ساكنـه، هو وحده ينتمي إلى الكنيسـة، الـمـؤمن الذي الله ملازمــه ومـن كان الـربّ نفحتــه وقـوّتـه ومـداه. أمّا البـاقـون فقد اختـاروا أن يعيشـوا بلا إلـه ولـو حضروا قداسًا أو عمّـدوا اطفالـهم أو تنـاولـوا إكليل العرس.
الكنيسة هي في الأخير هذا الـمــسيـح الحي الذي ينعشنـا كلّ يوم ويقيمنـا من موت مع سحابة الشّهود الّذين كانوا له جدّيًّا، وكلّ المغمورين العائشين بالتّواضع على صورة من انطرح في المذود وجاوره هناك بسطاء القوم.
للمطران جورج خضر
Beta feature
اترك تعليقاً