اليك ياشفيعي القديس يوسف الرامي واليكن ياحاملات الطيب…
اليك ياشفيعي القديس يوسف الرامي واليكن ياحاملات الطيب…
يا ايها القديس المنسي وانت الاعظم من كل القديسين، لقد طلبت من بيلاطس ان يعطيك هذا الغريب لتؤويه، بعدما تركه الجميع…
وقد طلبت من بيلاطس الجسد الطاهربرجائك له:” اعطني هذا الغريب لأؤويه…”
هذا الغريب الذي لم يكن لديه مكاناً يؤويه او يسند اليه رأسه…
نعم ياسيدي الرامي لقداضجعت الرب الغريب عن خطايانا، وعن جحودنا له المنزه عن الاثم بعدما قتله اليهود كفاعل اثم… نعم يا ايها الجريء الذي اعترفت بيسوع بعدما نكره الجميع وانزلت الجسد الطاهر من على صليبنا نحن الأثمة، واضجعته بيديك الطاهرتين في قبرك الجديد الذي كنت قد اشتريته لذاتك ففضلت عليها هذا الغريب ولسان حالك يقول ان من يدفن غريباً لا احد لديه ينال الاجر المزدوج…
“ان يوسف المتقي احدر جسدك الطاهرمن العود ولفه بالسباني النقية وحنطه بالطيب وجهزه واضجعه في قبر جديد”.
ايها الاحبة
في الأحد الثاني للفصح نعيد لقديس هو الاعظم يوسف الرامي الذي حمل يسوع جسداً مشوها، لا يقل اهمية عن يوسف الصديق الذي حمل يسوع طفلاً…وكلا اليوسفين يكاد يكون ذكرهما باهتاً لذا قامت كنيستنا الارثوذكسية بالتعييد ليوسف الرامي ولحاملات الطيب، حيث تضع الكنيسة الارثوذكسية أمامنا شخصيات هي من الأهمية بمكان حتى أنها ذُكرت في هذا التوقيت: يوسف الرامي وحاملات الطيب…
الأول دخل إلى بيلاطس وطلب منه أن يعطيه جسد يسوع هذا الغريب بعد موته ليقوم بتجنيزه ودفنه بشكل لائق. أما النسوة الحاملات الطيب فذهبن إلى قبر يسوع بعد دفنه يحملن معهنّ الطيوب حسب العادة، وعندما وصلن إلى القبر وجدنه فارغاً وطلب إليهنّ الملاكُ أن يسرعن ويخبرن التلاميذ بالقيامة.
كأن المسيح قد غُلب وأن الموت والرفض والإهانة والكراهية قد انتصرت، هذه الشخصيات الانجيلية تحلّت بالأمانة والشجاعة: الأمانة من القلب والشجاعة المتولدة فقط من الحب…
في لحظة الصلب، كل التلاميذ هربوا عدا واحدٌ، وهو يوحنا الحبيب الذي وقف عند أقدام الصليب مع والدة الإله. الكل تخلّوا عن المسيح عدا مجموعة صغيرة من النسوة اللواتي وقفن على مسافة قصيرة من الصليب. وعندما مات يسوع أتين ليدهن جسده الذي قد طلبه من بيلاطس يوسفُ الرامي غير خائفٍ من أن يُعرفَ كتلميذٍ له، لأنه سواء في الحياة أو في الموت، المحبة والأمانة قد انتصرتا.
كان يوسف الرامي من الأغنياء و من بلدة الرامة وكان قد حفر لنفسه قبراً جديدا في اورشليم ولقد كان يوسف الرامى واحداً من الذين آمنوا بالمسيح وقد قام بطلب جسد يسوع من بيلاطس.
وقد اشترى الكفن من الكتان الغالي ليكفن به الجسد الطاهرفكفنه به، فأذن له بيلاطس بأن يأخذه فقام الرامي بإنزاله عن الصليب وبدفنه في قبر كان قد نحته لنفسه.
ولكن يبقى السؤال:
لمَ كل هذا التكريم؟ لماذا تقيم الكنيسة تذكاراً ليوسف الرامي وحاملات الطيب في هذه الفترة الخلاصية الهامة، وفي الأحد الثاني للفصح مباشرة؟ مالذي فعلوه ومالذي ميّزهم؟
قراءة متمعّنة في الأحداث تُظهر أن يوسف وحاملات الطيب قد برزوا في وقت غاب فيه الباقون، قد التصقوا بالسيد في الوقت الذي انفض عنه الجميع، وابتعدوا عنه، حتى تلاميذه اختبؤوا خائفين ومذهولين وحائرين بأن معلمهم قد مات…!
نعم، إنها الجرأة التي نعيّد لها اليوم ومن أجلها نكرّم أصحاب الذكرى
يوسف الرامي “تجرّأ ودخل على بيلاطس وطلب جسد يسوع”. هذا الإنسان الذي كان “هو أيضاً منتظراً ملكوت الله” علماً أنه لم يكن إنساناً بسيطاً فقيراً، وإنما كان متنفّذاً وغنياً، يتشجّع ويتقدّم من بيلاطس، متحديّاً كل المخاطر، ومجاهراً بإيمانه في الوقت الذي غاب فيه صوت الإيمان، ويطلب جسد الرب لأنه أراد أن يكرّمه في دفنه بعد موته على الصليب…
كذلك فعلت النساء، بجرأة يذهبن إلى القبر متجاوزات كل الصعوبات:
الخوف، الحراس، والحجر الكبير الذي على باب القبر.. هذه كلها لم تعد عائقاً. حبّهم للسيد وتعلّقهم به جعلهم يلحقون به إلى قبره.
هنا تُعلن القيامة وينكشف مضمونها وعمقها ولاهوتها: “ليس هو ههنا لكنه قد قام”. من الآن لم يعد يسوع ميتاً، ولا هو إله أموات، وإنما هو حي وإله أحياء. من الآن لا تطلبوه بين القبور، ولا تبحثوا عنه في عالم مائت، وإنما ابحثوا عنه في حياتكم وفي قلوبكم.
لقد قام ليُظهر أن الحب لا ينتهي بالموت خاصة إذا كان موجّهاً إلى سيد الحياة والموت.
لقد قام ليعلن بداية جديدة…
والخوف أن نفهم، نحن المسيحيين، القيامةَ على أنها نهاية حياتنا، وعلى أنها الخاتمة التي سننتهي إليها. هذا مفهوم ناقص، لأنه في كثير من الأحيان ترتبط أواخر الأمور ببداياتها، وترتبط النتائج بالإنطلاقات. المسيحي ينطلق من القيامة وليس فقط يؤول إليها.
القيامة بالنسبة لنا، ليست مجرّد الخاتمة والنهاية والمصير، وإنما هي المنطلق والبداية، هي بداية جديدة وزمن جديد وشخصية جديدة وتوبة جديدة وصفات جديدة تبدأ من هذه الحياة، يعيشها المؤمن ويبدأ بها كل مرة.
إن لم تكن القيامة هي البداية لحياتنا وتفكيرنا وتصرفاتنا ومصالحاتنا فلا نتوقّعنّ أن تكون النهاية إلاّ مخيّبة للآمال.
القيامة، البداية، الإنطلاق، تحتاج إلى جرأة، ولهذا نعيّد اليوم ليوسف الرامي وحاملات الطيب، هؤلاء حدّدوا هدفهم وانطلقوا نحوه بجرأة. نحن اليوم نعيش في ظروف تشابه إلى حدّ ما تلك الظروف التي عاش فيها يوسف وحاملات الطيب. نحن اليوم في عالم يُبعِد عنه يسوع، عالم يحتجز المسيح وكأنه يضعه في قبر، يبعد الناس عنه، عالم يريد أن يقنع البشر أن يسوع ميت، وأن رسالته قد انتهت، وتعاليمه لم تعد تعمل، ولم تعد تنفع. نحن في عالم يقنعنا أن الحجر الذي يغلق قبر المسيح كبيرٌ جداً لايمكن لأحد أن يزيحه، وبالتالي لا يمكن للمسيح أن يخرج ويساعدنا. نحن في عالم أصبح الناس فيه يتخلّون بسهولة عن دينهم وعن مسيحهم، يخجلون به، وما نشاهده من سلوكيات منافية للسلوك الكنسي تعطينا دليلاً وضاءًعن هذا التخلي.
في هذا العالم الصعب والزمن الصعب، نحن بحاجة إلى جرأة كي نطلب المسيح. بعد موت يسوع وقيامته نحن بحاجة إلى رجال، ليس بمعنى الذكورية، ولكن الرجولة كموقف يتّخذه الإنسان، كل إنسان. الرجولة هي موقف، هي قرار، هي اختيار، هي جرأة كما فعل يوسف الرامي، أن نطلب جسد الرب وحياته وقيامته دائماً وفي كل الظروف.
بهذا المعنى، إن كنا رجالاً، ننتقل مع حاملات الطيب إلى تطيّيب العالم كله.
من السهل أن نكون تلاميذ للمسيح عندما نكون على قمة الأمواج بمعنى عندما نكون في حماية بلدانٍ لا اضطهاد فيها، ولا رفض لنتحمله، ولا خيانة ممكن أن تقودنا إلى الاستشهاد أو أن نصبح ببساطة ضحايا للسخرية والاستهزاء.
دعونا نفكّر بأنفسنا ليس بالنسبة للمسيح فقط بل بالنسبة لبعضنا البعض، لأن المسيح قد قال أنه مهما فعلنا لبعضنا البعض وللأصغر والأقل أهمية نكون قد فعلناه له. دعونا نسأل أنفسنا كيف نتصرف تجاه شخص قد رُفض، قد استُهزئ به، قد رُفض من جماعته، قد أدين من الناس أو من أناسٍ يعنون لنا. هل نبقى أمناء له؟ وهل عندنا الشجاعة لنقول: هو كان وسيبقى صديقنا إن قبلتَه أو رفضتَه؟ ليست هناك من أمانةٍ أعظم من الأمانة والإخلاص التي تتجلى عند الهزيمة.
دعونا نعتبر ذلك، لأننا كلنا منهزمون بطريقة ما. لكننا نجاهد بما عندنا من طاقة صغيرة أو كبيرة، لنكون كما يجب أن نكون، ونحن منهزمون في كل لحظة.
يجب ألا ننظر إلى الآخر بعطفٍ فقط بل بأمانة الأصدقاء المستعدين للوقوف إلى جانب الشخص الذي يسقط، يسقط بعيداً عن النعمة، يسقط بعيداً عن مثاله، ويخيّب كل الآمال والتوقعات التي قد وضعناها عليه. حينئذٍ دعونا ندعمه ونقف إلى جانبه، دعونا نكون أمناء ونبرهن أن حبنا ليس مشروطاً بأمل النصر لكنه عطية قلبية مجانية عظيمة ومغبوطة من ربنا الناهض من القبر، والدائس بموته على الموت والمانح ايانا القيامة ونحن في القبور.
المسيح قام.. حقاً قام
اترك تعليقاً