قلعة حصينة منيعة، ومعلم كان سياحيا قبل الحرب في سورية. لـ “قلعة حلب” طابع معماري فريد من نوعه، سبب لعلماء الآثار والمهندسين المعماريين الدهشة والإعجاب بسبب روعة البناء. فرغم ويلات الحرب، لاتزال تقف صامدة في حلب كأقدم وأكبر قلاع العالم على الاطلاق.
وتقع قلعة حلب فوق رابية وسط مدينة حلب السورية وتعتبر نواة المدينة القديمة في عهد اليونان، ثم تحولت في العهد البيزنطي إلى قلعة حصينة، وهي تقع على مرتفع نصفه طبيعي، وآخر صناعي. ولا غرو في ذلك فحلب العاصمة الاقتصادية في مختلف العصور وهي اقدم مدينة عامرة في التاريخ وتتصف بكل الصفات التي تُحسد عليها…
ماذا تعرف عن قلعة حلب
أولا: الضاحك الباكي
على باب القلعة يوجد مجسمين لأسدين يسميان “الضاحك والباكي”، يدلان على رمز للشجاعة والقوة. هذا التقليد موجود قبل تشييد القلعة بنحو أربعة آلاف سنة، وتبيّن أيضاً أن كل اللوحات التي كُشفت في الألف الثالث والرابع قبل الميلاد كانت آنذاك مهمة “الملك” والكاهن الأكبر أن يُجلس الأسدين لحماية الثور والذي كان رمزاً للإنجاب والقوة والحراثة، وهذا هو التفسير العلمي لباب الأسدين، وكذلك التفسير الحقيقي لوجود المجسمين على عكس الاعتقاد الشعبي الخاطىء الذي يعتبر الأسد الضاحك دليل على النصر والباكي على الهزيمة.
ثانيا: سجن الدم
“قاعة حبس الدم” توجد إلى يمين الداخل إلى “قلعة حلب” وذلك بعد خروجه من الحصن الكبير أو الباشورة ببضعة أمتار. وتُعتبر من المعالم التاريخية البارزة في القلعة إضافة إلى العشرات من المعالم التي تعود إلى مختلف العصور التاريخية وهي عبارة عن خزان كبير للماء بناه البيزنطيون وتم استعماله في العصور الإسلامية المتلاحقة، حيث تشير الدلائل الموجودة على الجبس أنّه اُستخدم خزاناً للمياه في عصور تاريخية مختلفة.
البلاط والحبس
إن كنت زائرا للمرة الأولى، لا يسعك إلا أن تتوقف وسط قاعة العرش بكل ما تحمله من هيبة وجمال، وتترك لخيالك استحضار أبرز القادة والملوك، الذين جلسوا على عرشها، تتخيّلهم في بلاط الحكم بكل سطوتهم ونفوذهم زمن الحمداني، سيف الدولة والظاهر غازي وغيرهم.
في مقابل نشوة البلاط، ينبغي ألاّ يفوت زوار القلعة مشاهدة أكثر الأماكن رعبا فيها، ورؤية سجن القلعة المعروف بـ”حبس الدم”، كأحد أكثر الأماكن الخفية في جنباتها الممتدة.
الهبوط إلى الرعب
ان تجولت في “حبس الدم”، ورصدت هذا المكان المخيف، الذي كان سجناً للخارجين عن القانون والخطيرين، وللملوك والأمراء والقادة المخلوعين أيضا، ومنهم من قضى نحبه تدرك ماهو هذا المكان الموحش.
يروي مدير قلعة حلب والباحث التاريخي، أحمد غريب، ما لذلك السجن من أهمية عبر التاريخ، مشيرا إلى أن قلعة حلب، وباعتبارها مقراً لحكم المدينة، وعبر عدة عصور، خصصت أيضا كسجن للخارجين عن القانون والذين يشكلون خطرا على أمن الدولة في تلك العهود.
وللولوج لهذا المطرح الخطير، لابد من الهبوط لحوالي ثلاثين درجة والوصول إلى قاع السجن السفلي، ومع كل درجة تطأ بها قدماك إلى الأسفل تشعر بقشعريرة تنسلّ إلى أرجائك وتتملّكك الرهبة، علاوة على رطوبة تسري إلى جلدك المكشوف.
التسمية المثيرة
ويقول الباحث غريب” في حديثه لـ “سبوتنيك” إن اسم السجن “جاء لكونها تسمية شعبية ومعروفة لدى أهل حلب عبر تاريخهم، وتعني يحبس الدم في الإنسان لشدة عمقه وظلامه، والموقع الذي أصبح متاحا للزيارة بعد القيام بتأهيله، يمتد من الشرق حتى حدود قصر الطواشي ضمن القلعة، وتقدّر مساحته بأكثر من 800 متر مربع تقريباً”.
ويضيف غريب: “اكتسب حبس الدم أهميته لأنه كان يُعدّ سجناً للملوك والأمراء والخارجين عن القانون، حيث سجن فيه أمير أنطاكيا وأمير بيت المقدس، وذلك زمن الظاهر غازي، لقيامهم بالتعرض لقوافل الحجيج”.
أبرز نزلاء “حبس الدم”
يعدد مدير القلعة الأستاذ غريب أبرز الشخصيات، التي ألقيت في زنازين “حبس الدم”، وقال: “سُجن ومات فيه شهاب الدين السهروردي، رائد المدرسة الإشراقية، وذلك بتحريض من فقهاء العصر الأيوبي، فقام الظاهر غازي بسجنه في حبس الدم حتى وفاته في العام 632 هجرية”.
وكان هذا السجن بالأصل خزاناً للمياه، ويعود إلى عهودٍ قديمة وتدلُّ الكلسة القرميدية على جدرانه استخدامه كخزان مياه، كما يضم في إحدى زواياه بئراً دائرياً له فتحة يستعمل كمنهل.
الزنزانة الموحشة
ويشرح الباحث غريب أقسام “حبس الدم” قائلا: “له مدخل خارجي، يليه دهليز واسع مقبي السقف، وفي نهايته من الشرق عدة درجات توصل إلى ردهات واسعة بُنيت فيها قناطر دائرية”، ويردف قائلاً : “شيدت ركائز القناطر من الحجر الكلسي، أما القناطر مع بعض السقوف، فبنيت بالآجر الناري، وفي زاوية القاعة من الجهة الشمالية الغربية هناك سلم حجري يؤدي إلى قاعة عميقة مظلمة، ربما استخدمت كزنازين منفردة، وهي عميقة جداً ومظلمة وتموج منها ذكريات المعاناة والموت أما السجناء العاديين وأسرى الحرب، فقد أعد لهم الظاهر غازي غرفاً خاصة في واجهة الخندق الدفاعي للقلعة من الجهة الجنوبية”.
وزودت الزنزانات من الخارج والداخل بما يسمى “فخاريات الجدران”، وفق الباحث غريب، وفائدتها تؤمن للمكان الهواء المناسب داخل السجن كونه لا يوجد تهوية مع رطوبة طبيعية زائدة.
سجن فرنسي
ألهم سجن القلعة الأدباء والكتاب للحديث عنه، ومنهم الأديب الدكتور “نضال الصالح” رئيس اتحاد الكتاب العرب الأسبق إذ أصدر رواية تحمل اسم “حبس الدم” بمئتي صفحة من القطع الكبير.
وذكرت الرواية “حبس الدم” على أنه سجن بارد يقع إلى يمين الطريق المؤدي إلى قلعة حلب، ذكر فيه أن الفرنسيين استخدموا السجن البارد الذي تنزّ الرطوبة من جدرانه، كمعتقل لمعارضيهم، وفي كثير من الأحيان، منعوا الطعام والشراب عن نزلائه الأكثر معارضة لهم، ليموتوا برداً وعطشاً.
في العهد العثماني، تم فصل الخزان وذلك بتقسيمه إلى قسمين، بقي القسم الجنوبي يُستخدم كخزان للمياه بينما تم استخدام القسم الشمالي منه كسجن أما في خلال فترة الانتداب الفرنسي فقد اقتصر استخدام الخزان كسجن، ولذلك سمى بـ “سجن الدم”.
ثالثاً: قاعة العرش
بنيت داخل القلعة قاعة العرش فوق برج مدخل القلعة الرئيسي، ويُنزل إليها بواسطة 7 درجات، في منتصف القاعة (بحرة ماء) أيوبية كانت جدران القاعة مغطاة بالفريسكو، وفي أعلى كل جدار نافذتان، حالياً الجدران والأعمدة مغطاة بالخشب المحفور والملون إلى ارتفاع معين.
فيها نافذة كبيرة تُطل على المدينة وعلى مدخل القلعة، أما النوافذ الأخرى وعددها عشرة، ثلاثة على كل جانب من النافذة الكبيرة، واثنتان في كل حائط جانب. سقفها خشبي محفور ومدهون ومزين بزخارف نباتية، ويتدلى من السقف 10 ثريات خشبية يزينها الخط العربي والحشوات الفاطمية. إحداها عبارة عن حجرات كبيرة تتدلى من منتصف القبة. وقد لا يعرف الكثيرون أن أرضية قاعة العرش رخامية ذات أشكال مختلفة أُخذت من “بيوت حلبية قديمة”.
رابعاً: سراديب القلعة
يوجد شبكة كبيرة من “السراديب” تربط أجزاء المدينة القديمة ببعضها البعض، وكل منزل عربي قديم في محيط القلعة يتصل بقناة حيلان ومتفرعاتها حيث كانت تستخدم كبراد لحفظ الطعام لبرودتها وجريان الماء فيها ووجود عدد من السراديب بينها قناة حيلان، تصل القلعة بالخارج، وأحدها مثلاً كان يستخدمه خازن بيت المال في العصر الايوبي لنقل المال من وإلى القلعة.
قبل الحرب التي مزقت حلب لايعرف الكثير أيضاً أنه تم اكتشاف “سراديب” مؤلفة من ثلاثة فتحات اثرية أمام قلعة حلب “امام باب القصر العدلي تحديدا”، وبالصدفة خلال حفر الطريق حول القلعة واثناء قيام (بلدوزر) بالعمل بمشروع محيط قلعة حلب قام بازالة الطبقة الزفتية عن الشارع بعمق حوالي المتر، وباقتلاع ثلاثة طوابق حجرية ضخمة متتالية كشفت عن ثلاث فوهات يبدو انها تؤدي الى سراديب مجهولة، ويفصل كل فوهة عن الأخرى، نحو عشرة امتار على طول الشارع، منحوتة عموديا عميقا في الصخر بعمق يبلغ حوالي عشرة امتار، سراديب القلعة كثيرة ويعتقد أنه وبالمستقبل يمكن اكتشاف سراديب قد تؤدي إلى خارج المدينة ايضا.
البلاط والحبس
إن كنت زائرا للمرة الأولى، لا يسعك إلا أن تتوقف وسط قاعة العرش بكل ما تحمله من هيبة وجمال، وتترك لخيالك استحضار أبرز القادة والملوك، الذين جلسوا على عرشها، تتخيّلهم في بلاط الحكم بكل سطوتهم ونفوذهم زمن الحمداني، سيف الدولة والظاهر غازي وغيرهم.
في مقابل نشوة البلاط، ينبغي ألاّ يفوت زوار القلعة مشاهدة أكثر الأماكن رعبا فيها، ورؤية سجن القلعة المعروف بـ”حبس الدم”، كأحد أكثر الأماكن الخفية في جنباتها الممتدة.
الهبوط إلى الرعب
تجولت وكالة “سبوتنيك” في “حبس الدم”، ورصدت هذا المكان المخيف، الذي كان سجناً للخارجين عن القانون والخطيرين، وللملوك والأمراء والقادة المخلوعين أيضا، ومنهم من قضى نحبه في ذلك المكان الموحش.
يروي مدير قلعة حلب والباحث التاريخي، أحمد غريب، ما لذلك السجن من أهمية عبر التاريخ، مشيرا إلى أن قلعة حلب، وباعتبارها مقراً لحكم المدينة، وعبر عدة عصور، خصصت أيضا كسجن للخارجين عن القانون والذين يشكلون خطرا على أمن الدولة في تلك العهود.
وللولوج لهذا المطرح الخطير، لابد من الهبوط لحوالي ثلاثين درجة والوصول إلى قاع السجن السفلي، ومع كل درجة تطأ بها قدماك إلى الأسفل تشعر بقشعريرة تنسلّ إلى أرجائك وتتملّكك الرهبة، علاوة على رطوبة تسري إلى جلدك المكشوف.
التسمية المثيرة
ويقول الباحث غريب” في حديثه لـ “سبوتنيك” إن اسم السجن “جاء لكونها تسمية شعبية ومعروفة لدى أهل حلب عبر تاريخهم، وتعني يحبس الدم في الإنسان لشدة عمقه وظلامه، والموقع الذي أصبح متاحا للزيارة بعد القيام بتأهيله، يمتد من الشرق حتى حدود قصر الطواشي ضمن القلعة، وتقدّر مساحته بأكثر من 800 متر مربع تقريباً”.
ويضيف غريب: “اكتسب حبس الدم أهميته لأنه كان يُعدّ سجناً للملوك والأمراء والخارجين عن القانون، حيث سجن فيه أمير أنطاكيا وأمير بيت المقدس، وذلك زمن الظاهر غازي، لقيامهم بالتعرض لقوافل الحجيج”.
أبرز نزلاء “حبس الدم”
يعدد مدير القلعة الأستاذ غريب أبرز الشخصيات، التي ألقيت في زنازين “حبس الدم”، وقال: “سُجن ومات فيه شهاب الدين السهروردي، رائد المدرسة الإشراقية، وذلك بتحريض من فقهاء العصر الأيوبي، فقام الظاهر غازي بسجنه في حبس الدم حتى وفاته في العام 632 هجرية”.
وكان هذا السجن بالأصل خزاناً للمياه، ويعود إلى عهودٍ قديمة وتدلُّ الكلسة القرميدية على جدرانه استخدامه كخزان مياه، كما يضم في إحدى زواياه بئراً دائرياً له فتحة يستعمل كمنهل.
الزنزانة الموحشة
ويشرح الباحث غريب أقسام “حبس الدم” قائلا: “له مدخل خارجي، يليه دهليز واسع مقبي السقف، وفي نهايته من الشرق عدة درجات توصل إلى ردهات واسعة بُنيت فيها قناطر دائرية”، ويردف قائلاً : “شيدت ركائز القناطر من الحجر الكلسي، أما القناطر مع بعض السقوف، فبنيت بالآجر الناري، وفي زاوية القاعة من الجهة الشمالية الغربية هناك سلم حجري يؤدي إلى قاعة عميقة مظلمة، ربما استخدمت كزنازين منفردة، وهي عميقة جداً ومظلمة وتموج منها ذكريات المعاناة والموت أما السجناء العاديين وأسرى الحرب، فقد أعد لهم الظاهر غازي غرفاً خاصة في واجهة الخندق الدفاعي للقلعة من الجهة الجنوبية”.
وزودت الزنزانات من الخارج والداخل بما يسمى “فخاريات الجدران”، وفق الباحث غريب، وفائدتها تؤمن للمكان الهواء المناسب داخل السجن كونه لا يوجد تهوية مع رطوبة طبيعية زائدة.
سجن فرنسي
ألهم سجن القلعة الأدباء والكتاب للحديث عنه، ومنهم الأديب الدكتور “نضال الصالح” رئيس اتحاد الكتاب العرب الأسبق إذ أصدر رواية تحمل اسم “حبس الدم” بمئتي صفحة من القطع الكبير.
وذكرت الرواية “حبس الدم” على أنه سجن بارد يقع إلى يمين الطريق المؤدي إلى قلعة حلب، ذكر فيه أن الفرنسيين استخدموا السجن البارد الذي تنزّ الرطوبة من جدرانه، كمعتقل لمعارضيهم، وفي كثير من الأحيان، منعوا الطعام والشراب عن نزلائه الأكثر معارضة لهم، ليموتوا برداً وعطشاً.
اترك تعليقاً