بانياس – قيصرية فيليبس/مدينة الله
من جولاننا الحبيب المحتل
هي لوحة بانورامية فريدة، بنبعها الجميل، ونهرها الغزير، وكهفها اللغز، وموقعها الرائع في حضن حرمون (جبل الشيخ)، وآثارها الوثنية والمسيحية والإسلامية، وبقايا سورها، وقلعتها…
بانياس
تدعى بانياس الحولة تمييزا لها عن بانياس الساحل، وهي تقع في محافظة القنيطرة السليبة، ومن أجمل وأقدس المحافظات السورية…
جمعت بانياس مزيجاً ممتعاً من الطبيعة الخلابة، والتاريخ الحافل بالأحداث والثقافة الثرية بتنوعها، فصارت أحد أشهر المواقع القديمة ليس فقط في الجولان وحده بل في المنطقة كلها.
تقع بانياس عند الأقدام الجنوبية الغربية لجبل الشيخ على بعد 18 كم شمال غرب مدينة القنيطرة و15 كم جنوب شرق مرجعيون
إسمها
أما اسمها فقد اشتق من اسم إله الرعاة والغابات (بان)عند الإغريق، كما أن فيليبس ابن هيرودس حاكم اليهودية أطلق عليها لقب قيصرية تكريماً لطيباريوس…
أما أغريبا الثاني ملك اليهودية أسماها نيروناس تكريماً للإمبراطور نيرون، وقد أُطلق لاحقاً لقب قيصرية فيليبس عليها. كما ورد في الإنجيل المقدس.
و حصلت في الدولة البيزنطية على لقب المدينة العظيمة مدينة الله مع تأسيس أبرشية بانياس وقيام أسقف عليها.
أما اليعقوبي فقد اسماها مدينة الجولان وذلك في القرن التاسع المسيحي.
بعض تاريخها
ظهرت في القرن الثالث قبل الميلاد في العصر الهلنستي، وقد نقل السلوقيون إليها عبادتهم، وأساطيرهم الدينية، لأنها شبيهة بموطنهم الأصلي “بلاد اليونان”، وشيدوا معبداً للإله الوثني “بان” اله الغابات عندهم، ولكن من الجدير ذكره أن موقعها يعود إلى العصرين البرونزي والحديدي، ثم خضعت للحكم السلوقي، وانتصر فيها انطيوخوس الثالث على جيش بطليموس الخامس المصري، ثم تحولت إلى النفوذ الروماني عام 64 ق.م بيد بومبيوس القائد الروماني الذي فتح سورية.
جعل منها تيطس السنة 70مسيحية قاعدة عسكرية منها انطلق وفتح القدس بعد إخماده ثورة اليهود وتدميرها وحرثها بالمحراث عقاباً لها، كي لاتقوم لها قائمة بعد ذلك، وساق من بقي حياً وخاصة من الشباب والصبايا بموكب النصر الى روما سيراً على الأقدام.
مسيحيتها
وبعد مرسوم قسطنطين الكبير الذي أطلقه عام 313 من ميلانو وفيه أباح للمسيحيين حرية العبادة، أصبحت أسقفية وحضر أساقفتها المجامع المسكونية الأول في نيقية 325م ، والرابع في خلقيدونية 451م…
سكنها الغساسنة ودخلها العرب المسلمون 636 م محتلين بتسهيل من الغساسنة، واحتلها الفرنجة الغزاة عام 1130 م، وحررها السلطان نور الدين محمود، ثم وقعت بيد المغول عام 1260 م ودمروها مع قلعة الصبيبة المجاورة، وانتزعها منهم الظاهر بيبرس ورفع من مكانتها بنقل المسلمين اليها بعد ترحيله مسيحييها كعادته وكما فعل في انطاكية والقلمون الغربي وقارة، كما وانتقل المسلمون ثانية للسكنى فيها بعد ان سقطت طرسوس بيد نقفور الرومي في حروب الفرنجة.
احتلال الكيان الصهيوني لها
بقيت بانياس آهلة بسكانها إلى أن احتلها الكيان الصهيوني وطرد سكانها في عدوان 5 حزيران عام 1967
آثارها
بانياس ثرية جداً بآثارها المسيحية العريقة الواقعة في وسط أخضر رائع الوصف وخاصة كاتدرائيتها التي يجب أن تتم المحافظة عليها من التداعي بعد تحرير الجولان الحبيب.
أبرشية بانياس التأسيس والأهمية
ترد في وثائق الكنيسة أخبار عن أبرشية “بانياس” باعتبارها جزءاً من ولاية “فينيقيا” الرومانية وقاعدتها صور الساحلية، وقد حضر أساقفتها جميع المجامع المسكونية التي أسست للديانة المسيحية. فما قصة هذه الأبرشية؟ وما أبرز محطاتها؟ وما موقعها في تاريخ المسيحية؟؟
أبرشية “بانياس أقيمت في بداية تأسيس النظام الكنسي أي في مطلع القرن الرابع المسيحي، بعد براءة ميلانو التي اطلقها الامبراطورقسطنطين السنة 314 مسيحية. حيث حضر أسقفها “فيلوكالوس” مجمع “نيقية” المسكوني الأول 325 مسيحية الذي رئسه الإمبراطور قسطنطين ووضع فيه القسم الاول من “دستور الايمان النيقاوي- القسطيني” اي مايختص بنيقية. وهو ما يؤكد أن المسيحية كانت منتشرة في الجولان خلال ذلك الزمن المبكر، وأن ابرشية بانياس هي واحدة من أمهات الكنيسة.
ونظراً لأهمية بانياس الروحية حيث وصل اليها الرب يسوع في تجواله بفلسطين، ومنها دعى العديد من تلاميذه، فكانت منذ ذاك العهد أبرشية روحية ترعى شعب هذه الجغرافيا المطلة على طبريا والموصلة بين اقليم فلسطين وبقية سورية الجنوبية والموصلة الى دمشق، فكان كرسي الأبرشية في مدينة بانياس، التي كانت تلقب بـ”المدينة العظيمة” و”مدينة الله” ويرجح انه تبعاً لهذه الاهمية أن تاريخ تأسيس هذه الأبرشية، وقيام أسقف عليها، يرتقيان إلى عهد الرسل.
كانت “بانياس” كرسياً أسقفياً لأبرشية في القرن الرابع، ودخلت ضمن تبعية فينيقية الأولى (البحرية) وقاعدتها مدينة ومتروبوليتية صور، الخاضعة لبطريركية إنطاكية، في نهاية القرن الرابع، ومطلع القرن الخامس، واحتلت المرتبة الثانية عشرة، في سلم الأسقفيات التابعة لصور، وتميزت عن هذه الأسقفيات الاثنتي عشرة بأنها كانت الوحيدة، التي لا تقع على البحر، وتظهر العودة إلى سجل إعادة تنظيم إدارة الأبرشيات، في البطريركية الإنطاكية، وفي صلاحيات هذه البطريركية في القرن العاشر (910 ـ 968) أن “بانياس” كانت أيضاً تابعة لميتروبوليتية صور الكبرى، والتي بلغ عدد أسقفياتها ثلاث عشرة أسقفية.
أبرشية بانياس مونوفوستية
وقد انتشرت النزعة الآريوسية بين بعض أبناء المنطقة، حتى أن “نرقيس” أسقف بانياس، اتهم بها في العقد الرابع من القرن الرابع، وتأثرت الأبرشية بعض الشيء بالمونوفيسية في القرنين الخامس والسادس، لوقوعها تحت حكم الغساسنة اللاخلقيدونيين اصحاب بدعة الطبيعة والمشيئة الواحدة، وذلك رغم أن الأسقفيات الجنوبية (الفينيقية الأولى) كانت خلقيدونية، بعكس الأسقفيات الشمالية (من بيروت إلى الشمال)، التي انضمت إلى المونوفيسية، عنوة أو اختياراً، ومع هذا بقيت بانياس مركز مقاومة ضد المونوفيسية، التي تزعمها (المونوفيسية) ساويروس بطريرك أنطاكية المونوفيسي (512 ـ 518م)
واعتمد الدكتور أسد رستم في تأريخه للكرسي الانطاكي المقدس وتبناه الباحث “تيسير خلف” بقوله: “إن الفتح الإسلامي “لبانياس” تم بعد معركة اليرموك مباشرة، حيث سلمت الأبرشية التي كانت تتبع للروم الملكيين إلى الكنيسة السريانية التي تظهر وثائقها أنها عينت أسقفا سريانياً فيها ودخلت ضمن نظام الكنيسة السريانية باسم أسقف الجولان”
بدورنا نبرر ذلك الفعل
لأن اليعاقبة اللاخلقيدونيين* لكرههم مذهبيا للروم الخلقيدونيين كانوا عوناً للمسلمين في فتح بلاد الشام كما كان الاقباط اللاخلقيدونيين عوناً للمسلمين في فتح مصر ولم يلقوا مقاومة الا في الاسكندرية بسبب غالبية شعبها الهليني كل ذلك كان نكاية بالروم وبمذهبهم الخلقيدوني، فنالوا الحظوة والتقريب من المسلمين الفاتحين بداية الأمروقد بدأت مع الفتح الاسلامي لدمشق عام 634م الى معركة اليرموك وانحيازهم الى جيش المسلمين وقد جرت المعركة في 15 آب 636م فقد انحازوا الى جيش خالد في معركة اليرموك بعد انتقالهم من قوات الروم البيزنطيين، حيث كانوا حماة تلك المنطقة، فانقلبوا من مساعدين الروم في حماية الجنوبفي وجه المسلمين الى نصرتهم، كما فعلوا حين نصرالراهب يونان رئيس اليعاقبة في دمشق خالد بن الوليد في فتح الباب الشرقي بدمشق 635م فأدخلهم خلسة من نافذة بيته الكائن على سور دمشق بالقرب من الباب وهو اي البيت في حرم كنيسة اليعاقبة السريانية (كنيسة الارمن الارثوذكس اليوم) فدخل رجال خالد خلسة من النافذة وقت تبديل الحرس منتصف الليل وفتحوا الباب لجيش خالد حرباً وتحولت كنائس المنطقة الشرقية الى مساجد كونها منطقة حرب (انظر مقالنا الكاتدرائية المريمية و كاتدرائية دمشق ي موقعنا هنا)، خان يونان الوجيه الدمشقي سرجون النصراني الذي كان يفاوض اباعبيدة بتسليمه المدينة صلحاً حقناً للدماء وكانت تلك الخيانتين دمشق واليرموك ضداً للروم الخلقيدونيين وللخلاص من الحكم الرومي، لذلك كافأ المسلمون اليعاقبة وعددهم فقط 70 في دمشق بتسليمهم كاتدرائية دمشق الارثوذكسية ( كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان- لذلك نرى بطريرك السريان اليعاقبة يأمر بحبس الشاعر اليعقوبي الأخطل في برج الكنيسة) وبقيت الكاتدرائية بحوزتهم لفترة من الزمن نكاية بالمسيحيين الروم الذين هم على ذمة الدولة البيزنطية وضايقوهم جداً بعكس مافعلوه بالسريان الذين قربوهم الى اجهزة الحكم، كما لاحظنا فان ابرشية بانياس استولى عليها اليعاقبة مؤقتاًغير أن تبعية هذه الأبرشية عادت للخاقيدونيين الارثوذكس بعد ذلك بدليل الوثائق الكنسية للروم الأرثوذكس التي بقيت تتناول هذه الأبرشية في سجلاتها إلى مرحلة ما قبل حروب الغزاة الفرنج (الصليبية).
قضى الغزاة الفرنج على هذه الأبرشية التي عاشت في ظل الدولة العربية الإسلامية لخمسة قرون.
شخصيات من الابرشية
وتشير الوثائق الكنسية إلى عدد من الرموز الجولانية في التاريخ المسيحي بهذه الأبرشية ومنهم: الأسقف “فيلوكالوس البانياسي” حضر مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325 م ممثلاً لأبرشية “بانياس”. الأسقف “نرقيس” حضر مجمع إنطاكية سنة 324م كان من كبار الأساقفة في مجمع نيقية سنة 325م، واشترك في تكريس كنيسة إنطاكية المثمنة، وشارك في مجمع إنطاكية المحلي سنة (341)، من أعضاء الوفد الخماسي والذي أرسله مجمع إنطاكية سنة (342) إلى الإمبراطور قسطنطين من أجل نقل دستور إنطاكية الرابع إلى سرميوم، ثم شارك في مجمع سلفكية ايصورية، بقرب الساحل الكيليكي سنة 359م.
الأسقف “مرتيريوس” كان أسقفاً إبان الردة الوثنية ضد المسيحية، التي ترأسها الإمبراطور “يوليانوس الجاحد” [360-363م]، والذي حطم تمثالاً للسيد المسيح في بانياس، وأقام مكانه تمثالا لنفسه، كما أنه أحرق الأسقف مرتيريوس.
“باروخيوس” حضر مجمع القسطنطينية المسكوني الثاني عام (381م)
“أوليمبوس” حضر مجمع خلقيدونية المسكوني الرابع عام (451م). القديس “أراستس” من التلاميذ السبعين، قال عنه “بولس” الرسول إنه كان “خازن المدينة” [رو 16/23]، ربما مدينة “كورنثوس”، أو مدينة القدس، بحسب مصادر أخرى، وصار فيما بعد أسقفا على بانياس، تقيم له الكنيسة البيزنطية تذكاراً في العاشر من شهر تشرين الثاني.
القديس “بروكوبيوس البانياسي” المعترف قاوم بشدة “هرطقة لاون الايصوري”، في حرب الأيقونات، تعرض لأشد العذاب، وسجن في سبيل الإيمان، وخرج منه بعد أن مات ذاك الملك، وتذكاره في السنكسار الارثوذكسي في يوم السابع والعشرين من شباط
القديس “غريغوريوس البانياسي الديكوبوليتي” ولد في بدايات النصف الثاني من القرن الثامن، في مدينة “بانياس” الجولانية على الأغلب، ولقب بالديكوبوليتي، نسبة للمدن العشرة [الديكابولس]، كان يتوق إلى حياة التنسك، والانفراد، والصوم، والصلاة، ورغب في الترهب، انتقل إلى أفسس في تراقيا، بعد عيش في البراري، ثم توجه إلى “سيراكوزا” في جزيرة صقلية، ثم إلى تسالونيكي، ومن هناك إلى كلابريا فروما، ثم إلى القسطنطينية، وكانت حياته موعظة حية للمؤمنين ومات في عام (842 م) بعد مرض. تقيم له الكنسيتان الارثوذكسية واللاتينية تذكاراً سنوياً في العشرين من شهر تشرين الثاني.
وعن آثار الأبرشية يقول”خلف“: “عثر على آثار كنيسة الأبرشية إلى الشمال من نبع “بانياس”، حيث نجد ساحة رئيسة، مبنية على شكل أقواس، وتقوم على صخرة ملساء، وتتشابك في جدرانها أعمدة، ومداميك قديمة، إضافة إلى صخرة منحوتة ملساء، تقع إلى الغرب من الساحة، وترتفع عدة أمتار، وقد عثر بالقرب منها على مذبح صغير، وربما حوض تعميد، يعود إلى العهد البيزنطي ويبلغ ارتفاعه نحو 80 سم، ويلاحظ في وسطه حفرة مربعة، وهو جميل جداً وغني بالزينات المحيطة به، من كافة الجوانبن ويعتقد أن هذا الحوض وهذه المساحة هما من مكونات كنيسة بانياس.”
حواشي البحث
* مذهب الطبيعة الواحدة. انتشر في القرون الأولى في الشرق المسيحي وهو يقول بأنّ في المسيح “طبيعة واحدة”. ولقد اتّخذت المونوفيزيّة أشكالاً مختلفة جداً، فهي تنشأ، عند أبوليناريوس اللاذقيّ، عن عدم وجود ناسوت كامل في المسيح، في حين أنّها لا تفترض ذلك عند أوطيخا. أمّا بعد انعقاد مجمع خلقيدونية (451) الذي أدان المونوفيزية، فالمقصود عند ساويرس الأنطاكيّ مثلاً، هو مسألة صيغة، إذ إنّ اللاخلقيدونييّن يكتفون بعبارة “طبيعة” كما استعملها كيرلّس الإسكندريّ، ويرفضون الصيغة الخلقيدونيّة (طبيعتان)
من المراجع
– تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى د. اسد رستم
– موقع القنيطرة…ابرشية بانياس الجولان…من هنا انطلق النور والباحث تيسير خلف
– الكاتدرائية المريمية – د.جوزيف زيتون – موقعنا
– كاتدرائية دمشق – د.جوزيف زيتون – موقعنا
اترك تعليقاً