تذكار أعجوبة السيد المسيح في بيروت
وَرَدَ ذكر هذه الأعجوبة، التي حَدَثَت سنة ٥٩٣، بالتفصيل لدى مؤرخَين هما أغابيوس المَنبِجي وأغاثياس سخولاستيكوس، الذين عاشا بين القرن السادس الميلادي ومَطلَع السابع.
تَجدُرُ الإشارة إلى أن أغاثياس كان من طلاب مدرسة الحقوق في بيروت وقد كتب كثيراً عن المَدينة لا سيما عن فترة ما بَعد زلزالها المُدَمر سنة ٥٥١.
ثمة مؤرخين آخرين أتوا أيضاً على ذكر هذه الأعجوبة، لاحقاً، ولكن الأبرَز أنه خلال الجلسة الرابعة من أعمال المَجمَع المسكوني السابع (سنة ٧٨٧) روى قصتها بطرس المُتَقَدس أسقف نيقوميذيا، في مَعرض إثباته لضرورة إكرام الأيقونات.
قصة الاعجوبة
أما قصة الأعجوبة فهي كما يلي. كان أحد البيارتة المسيحيين ساكناً في بيت استأجَره من مالك يهودي، وكان البيت ملاصقاً لأحد مَجامِع اليهود في المدينة.
أراد المسيحي الانتقال إلى بيت آخر فأخلى المأجور ولكنه نسي، وهو ينقل أمتعته، في البيت أيقونة للسيد المسيح “الضابط الكل”. تلاه في المَسكَن مستأجر يهودي لكنه لم يُعِر الأيقونة اهتماماً، إلى أن زاره يوماً حاخام المَجمَع المُجاور.
هذا رأى الأيقونة فاشتعَلَ غضباً على المُستأجر قائلاً “كيف يُمكن وأنت يهودي مؤمن مُتَدَين أن تخالف وصايا الله مخالفة كهذه، وأن تُهين بهذا الشكل دين آبائك؟”.
إذذاك طرد اليهود الرَجُل من بيته، ومن المَجمَعِ أيضاً، أخذوا الأيقونة ورموها في باحة الدار. هناك اجتمع عليها شيوخٌ وبعض شعبهم، وصاروا يُحَقرونها مُستَهزئين بالسيد المَسيح المُصَوَر عليها قائلين:
“قديماً أذَلَه آباؤنا، واليوم سوف نُذله نحن أيضاً”. بَلَغ بهم الحقد حد الهستيريا الجماعية وصاروا يزايدون بعضهم على بعض في تحقير الأيقونة، هذا دَوساً والآخر ركلاً وذاك بَصقاً وشتائم، والكل في نشوة من الهُزء الحاقد.
حتى إن واحداً منهم أتى بما يُشبه الأشواك وغَرَزها على جبين السيد، وآخر أحضر اسفنجة مملوءة خلاً وضعها على فم السيد.
هنا استل أحدهم خنجراً وضرب به الأيقونة مكان جَنب السيد المسيح.
للوقت، وكما حدث على الجُلجُلة في ذالك اليوم الرهيب، نَفَرَ من مكان الطعنة دم وماء.
المُتَحَلقون حول الأيقونة جَمَدَتهم الصدمة، لكن كبير الحاخامات الحاضرين استلحَقَهم قائلاً:
“أتباع يسوع الناصري يَدَعون أنه يشفي المَرضى وسائر ذوي العاهات.
فلنجمع هذا السائل، ولنأخذه إلى المَجمَع، ولنَدَع خَبَر ما حدث هنا ينتشر. عندها سوف يأتي إلينا الناس بمرضاهم لنمسَحَهم بهذا السائل، وعندئذ نرى إن كان يسوع الناصري بالفعل يَشفي، أو تنكشف أكاذيب أتباعه للعَلَن”. بالفعل، انتشر الخبر بسرعة وصار البيارتة، وسواهم من خارج المدينة أيضاً، يأتون إلى المَجمَع بمرضاهم وذوي الأسقام والعاهات لديهم، يَدهَنونَهم من الدم والماء الذين فاضا من جنب السيد المسيح في الأيقونة، وكانوا كلهم يشفَون.
إن هي بضعة أيام على هذه الحال، حتى ابتدأ يهود المدينة، من كبار كهنتهم حتى الشعب، يُعلنون إيمانهم بالمسيح قائلين: “المجد لك أيها المسيح، يا مَن صُلبت بيد آبائنا قديماً، وقد أعدنا صلبَك نحن اليوم في أيقونتك الشريفة. المجد لك يا ابن الله العلي يا من استعلنت لنا بهذا الأعجوبة الباهرة.
ها نحن نُعلن إيماننا بك رباً وإلهاً ومُخَلِصاً، فأظهر رحمتك علينا واقبل الخراف الضالة من بيت إسرائيل، كما قُلتَ أنتَ قديماً”.
فيما بعد ذهبوا برئاسة أكبر كهنتهم إلى أسقُف بيروت، حاملين إليه الأيقونة الشريفة ووعاء الدم والماء، واعترفوا أمامه بما اقترفوه.
شَعَر الأسقف بصدق توبتهم فقَبِلَهم كمَعوظين وكلف كهنة يهيؤنهم حتى حان أوان اقتبالهم المعمودية المُقَدَسة.
هذا وما إن تم تعميدهم، كرس أسقف بيروت المَجمَع الذي جرت بقربه الأعجوبة كنيسة على اسم “يسوع المسيح المُخَلص”. ومجامع أخرى في بيروت تَلَتَ وتكرست كنائس مسيحية، بطلب من اليهود أنفسهم، وسُميَت بأسماء قديسين شُهداء.
هذا ويَختُم النص التاريخي قائلاً: “وحصل في تلك المدينة فَرَح عظيم، ليس فقط لأن أناساً كثيرين شفيوا من أمراضهم وعاهاتهم، بل وعلى الأخص لأن نفوساً كثيرة انتقلت من سجون الضلالة إلى ملكوت الحياة الأبدية”. تجدر الإشارة إلى أن بعض المصادر التاريخية، غير المصدرين الأساسيين، تذكر أن هذه الأيقونة الشريفة هي من صنع القديس نيقوديموس، الذي كان أحد رؤساء اليهود وتلميذاً مُستَتِراً للمسيح (يوحنا ٣: ١-٢١).
العظة المستوفاة
في بُعد أعمق من تفاصيل الحَدَث بحد ذاته، لا بد لنا من التوقف عند بعض من تحمله إلينا هذه المُعجزة من تعليم. لعل أقوى ما في هذه الأعجوبة، بل وذروة الإعلان الإلهي فيها، أن قوة المسيح الناقلة من الموت إلى الحياة اعتلنت حيث كان هو يبدو الأضعف:
بينما كان اليهود يمعنون في شخصه، عبر الأيقونة، تحقيراً وإذلالاً لم تنزل عليهم نار من السماء ولا يبست أذرعهم ولا تزلزلت الأرض وابتلعتهم.
“ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ”، كما يقول النبي إشعياء (٥٣: ٧).
لم يرُد على شرهم بالشر.
انهالوا على أيقونته تحقيراً، فظهر أمامهم “مُصاباً مَضروباً من الله ومَرذولاً”، فازدادوا حقداً وتشنيعاً.
انفجَر من جنبه الطاهر دم الحياة، ففهموا إذذاك أنه بالحقيقة “مجروحٌ لأجل معاصينا، مسحوقٌ لأجل آثامنا”، وأنهم بهذا الجُرح سوف يشفَون (إشعياء ٥٣: ٥).
هذا هو ناموس المسيح.
مكان الاعجوبة حاليا
مكان الأعجوبة الحالي، جامع الأمير عساف، مقابل بلدية بيروت، وكانت هناك الكنيسة المذكورة في قصة العجيبة. وهي كنيسة يسوع المسيح المخلص وبني الجامع المذكور زمن المماليك في موقع الكنيسة واكيد بعد ان صادرها المماليك وحولوها الى جامع كما فعلوا بالكثير من كنائسنا في دائرة مصر وبلاد الشام وكان حكمهم والفاطميين من اسوأ العهود ظلما وظلاماً على المسيحيين.
الجمعية الثقافية الرومية
اترك تعليقاً