دمشق

دمشق

دمشق

موقع دمشق واهميته

في هذه البقعة الجميلة الواقعة على خط طول 36،18 شرق غرينتش، وعلى خط 33،21 شمالاً، وعلى ارض ترتفع عن سطح البحرنحو 690م، وجدَ ذلك الانسان القديم كل ما من شأنه أن يجذبه اليها، ويربط مصيره بمصيرها، ويُغنيه عن حياة الصيد والتنقل والترحال. وهكذا أقام ذاك الانسان- مع افراد اسرته- عليهاواستفر فيها. فشكلت مساكن اولاده واحفاده فيها قرية صغيرة، يُعتبر تاريخ بنائها سراً من اسرار تاريخ ماقبل التاريخ والتأريخ.

تميز موقعها بخصب الارض، مع امكانية التوسع في استيطانها وإعمارها من جهة، ولقربها من شريان حياتها نهر بردى العظيم من جهة اخرى، وعلى الطرق الطبيعية الرئيسة التي صارت عالميةوالتي تقطع البلاد من الشمال الى الجنوب، ومن الشرق الى الغرب.

وكان للصراع الدولي منذ فجر التاريخ بين امبراطوريات وممالك العالم القديم، في هذه المنطقة الجغرافية أثره وتفسيره في ذكر اسم دمشق في نصوص إيبلائية ومصرية وبابلية وآشورية، وآرامية وعبرية، واغريقية ولاتينية ، ومختلف لغات العالم…

ماقيل في اسم دمشق وفي بانيها وفي هويته

تحدث كثير من الباحثين عن اسم (دمشق) ومحاولة تفسيره وذلك بالاعتماد

آ-على اسم بانيها الذي يعتبر أحد الآلهة أو أحد الأبطال.

ب- او عن طريق الاشاقاق اللغوي من (فعل) أو (حادث ما).

فقد قال استفانوس الرومي في القرن 6 المسيحي ، أن اسم دمشق يرجع الى اسطورة البطل الاغريقي دامسكوس (إبن اله) وقد اتى من بلاد الاغريق وبناها.

– وهناك اسطورة البطل آسكوس الذي ربط رب الخمر (ديونيزوس) وطرحه في النهر، فعوقب على ذلك بسلخ جلده وصنع زق منه صار يستخدم لحفظ الخمر. وهذا مايؤلف اسم دمشق (دمسكوس) المؤلف لفظها من مقطعين (درما= جلد) و (آسكوس ) وهو اسم ذلك البطل.

-وهناك اسطورة أخرى متعلقة بقصة رجل لم يعتبر الشجرة ككائن حي، يجب الترفع عن الإساءة اليه، فقد قام ذلك الرجل فقطع بسكينه (شجرة الكرمة) التي كان رب الخمر ديونيزوس قد زرعها في سورية، فما كان من ديونيزوس إلا أن لحق به وعذّبه بسلخ جلده وصنع منه زقاً للخمر.

-وأسطورة داماسDAMAS الذي رافق رب الخمر (ديونيزوس في رحلته الى سورية التي اسس فيها دمشق، فأهداه خيمة SKENE عُرفِت باسم “خيمة داماس DAMAS-KENE “.

ان تحليل هذه الأساطير يدل على حب قدماء اليونان ( الاغريق) لهذه المنطقة المتوسطية في العالم القديم، ومحاولتهم تأكيد الصلات معها، وذلك بخيل في اسهام واسع من آلهتهم في نشوئها، وتحدثهم عن اعمالها كمؤسِسة للمدن القديمة ذات الأثر الحضاري في البشرية.

كما نجد محاولات عند المؤلفين العرب تهدف الى تفسير اسم دمشق، وتحديداً اسم مؤسسها. فقد تحدث ياقوت عن دمشق التي سميت بهذا الاسم لأنهم “دمشقوا في بنائها” اي “اسرعوا”، وعند العرب عبارة “ناقة دمشق”، واعتبر “دار نوح” كانت مكان دمشق، وأن  أول جدار ، أو سور شُيِّدَ على الأرض بعد الطوفان هو سور دمشق وحران.

اما ابن عسكر فقد قال بأن بانيهاهو دمشقش الذي رافق الاسكندر في حملته. وعن احد حكماء الروم الذي قال له: ان دمشق سميت باللغة الرومية، وان اصل اسمها مسكوس اي مسك مضاف وذلك لطيبها، ثم عُرّبَتْ فعُرفت باسم دمشق . وكان الآراميون يسمونها درمسق او درمسوق اي حصن دمشق ، او الارض المسقية.

كذلك يقول ياقوت الحموي بأن بانيها هو دوما شق بن قاني بن مالك بن ارفخشذ بن سام بن نوح. وايضاً ينسبها الى اليعازر الدمشقي مالك بيت ابراهيم، ورأى غيره بأن بانيها هو جيرون بن سعد بن عاد…

دمشق
دمشق

ماقيل في وصف دمشق

تعتبر دمشق جَدَّةْ المدن، وقد قيل فيها الكثير من قبل مؤرخين وجغرافيين ورحالة ومهندسين، وشعراء وفنانين وعلماء ودبلوماسيين وكتاب وسائحين ومستشرقين…فقد قال ابو الحسن الغرناطي

أما دمشق، فجنة ……………………………………………..ينسى بها الوطنَ الغريبُ

أُنظر بعينيك هل ترى………………………………………… إلا مُحباً أو حبيب

وقال آخر

ليس في الحسن للشام نظير…………………………….. لايغرنك في البلاد الغرور

كل  ماتشتهيه  نفسك  فيها ……………………………..وبها البشر والهناء والسرور

قلت للصحب منذ أنخنا عليها…………………………….. وتراءت  ولدانها  والحور:

هذه الجنة، ادخلوا  بسلام  …………………………….. بلد طيب ورب غفور

واعتبر شوقي بداية مجد العرب من دمشق فأنشد قائلا

لولا دمشق لما كانت طليطلة…………………………. ولازهت ببني العباس بغدان

وتحدث عنها الكاتب الفرنسي موريس باريس 1862-1923 قائلاً

” في دمشق يتلاقى الشرق والغرب، لا ليتنابذا ويهدما بعضهما، لكن ليتحدا ويتفاهما. أجل  أليست دمشق عتبة الصحراء، وينبوع الجنة، إن حلما قديماً كالدهر يربض في خلال حورها البديع على جوانب نهرها الجميل.

دمشق هذه الفتّيةَ الهرمة، تبسط للناظرين بروائعها عظمتها الخالدة، وتبدو بأخليتها انهالنعيما موطن الشعر والفن والجمال بل قصرٌ من قصورِ الروحْ…ورأى الكاتب الفرنسي بيير لوتي في تاريخ دمشق، ملخص تاريخ الانسانية فقال:” اننا ونحن على الجبل، نمتع أبصارنا برؤية دمشق الخالدة، ونضارة جنات النعيم التي ترافقها، وكانت العصور المادية وآلاف السنين السريعة تذوب في مخيلتنا كأنها ثوان…”

دمشق
دمشق

ووصف لامارتين 1790-1869  رحلته الى دمشق قائلاً

” بلغت دمشق، فإذا بي أرى منظراً مدهشاً لاحدود له، مدينة محاطة بحصونها الرخامية مابين أخضر واسود، وعلى جانبيها أبراج مربعة لايُحصى عددها، وقد اعتلى مفرقها تاج من شرفات قصورها، وغابة مختلفة الأشكال من مآذنها. وهي مخططة بخطوط براقة من سبعة انهارها، وشبكة اماسية من جداول مياهها، منبسطة امامي على مد البصر، في سهل آفيَّح من البساتين ورياحين الزهر، وقد بسطت ذراعيها العظيمتين  من هنا وههنا، ولاقتها الغوطة من كل جانب على مسافة عشرة فراسخ، وهكذا تجلت أمامي صحراء من الجنائن والقصور، وجداول المياه بحيث تتلاشى أشعة النظر في جنبات هذا المنظر، فلا تقع على ماهو أجمل منه…

وتحدث اوجين ملكيوردو فوجويه قائلاً

” من اراد أن يتأثر بمنظر دمشق، فلينظر اليها من جبل قاسيون ، يراها كأنها بقعة حليب أبيض في واحة خضراء…

ويميز دمشق ذلك النطاق الأخضر الذي يحق بها، ويضغط على الجبل. اما الجهات الأخرى، فتفسح لها المجال حتى تترامى على اعتاب البادية.”

وأوحت دمشق للكاتبة ميريام هاري فقالت:

” نشرف على دمشق من مرتفعات الصالحية، فأول مانرى منها طولها المفرط، بحيث يخيل الينا انها نجم مذنب، نواته بلدة دمشق القديمة، وهذا النجم محدب بالقباب ومزروع بالمآذن. ونرى دمشق كغريق في بحر من الخضرة، وهو شاحب اللون ومتغير حيث لاتكاد العين تتبينه، فيحسب المرء نفسه أنه يرى مدينة الاحلام، أو مدينة الف ليلة وليلة. وحينما تميل الشمس للغروب، نرى الخضرة قد فصلت وتغيرت قليلاً قليلاً، ثم تلاشت في الشبكة اللماعة التي تمثلها أنهار المياه. وعند ذلك تبدو دمشق لعينك كأنها حورية شقراء اللون مستلقية بين الأنهار، رأسها مستند الى جبل قاسيون، ورجلاها متجهتان نحو باديةحوران، ياجنائن دمشق يابساتينهاالسماوية، انت التي كنت حلماً للأنبياء، وفردوساً تلجأ اليه القوافل ومازلت الى اليوم تعزية للنفوس الطاهرة الملتهبة، ورعاً وإيماناً، كما ان اوربيين عشاق جمالك، إذا رأوك ايتها البساتين القديمة تعّزوا برؤيتك عن رؤية دمشق الجديدة التي شوهتها حضارة اوربية.”

وتحدث رينان 1823-1892 واصفا دمشق وغوطتها فقال:

” إن هذه البقاع الخصبة لم تعرف منذ أقدم أزمنة التاريخ إلا اسماً واحداً، ولم توحِ الا حلماً واحداً، ذلك انها جنة الله…”

وهنأ الكاتب الفرنسي بوجولا سكان دمشق والمقيمين فيها بقوله الجميل هذا:

” طوبى لمن يسعده الحظ، وتوافقه السعادة ليصرف ايام عمره في هذه المدينة (الجنة الارضية)…”

وأحسن الرحالة الاندلسي ابن جبير في وصف دمشق بقوله:

” أحدقت بها البساتين إحداق الهالة بالقمر، والأكمام بالثمر،وامتدت بشرقيه،غوطتها امتداد البصر. لله در القائل: ان كانت الجنة في الارض فدمشق لاشك هي هي، وان كانت في السماء فهي تساويها وتحاذيها…”

ورأى ياقوت انه لم تُوصف الجنة بشيء ومن المحال أن يطلب بها شيء إلا وهو فيها،…، اما العلامة محمد كردعلي فيصفها بمدينة السحر والشعر.

ودعا احد الشعراء الآخرين الى زيارة دمشق لأن من يبصر دمشق ليس كمن يسمع عنها، وفي ذلك يقول:

” يا ابن الكرام: ألا تدنو، فتبصر ماقد حدثوك، فماراءٍ كمن سمعا.”

دمشق
دمشق

ختاما في دمشق

يحلو لي القول كدمشقي وافتخر:” مدينتي الحبيبة اقدم عاصمة في التاريخ لاتزال باقية وتتمدد، ومن اوائل المدن التاريخية التي كانت ولاتزال تثرى بحضاراتها التي تعاقبت عليها، وُلدت مع التاريخ فلديها من كل عصر من عصورهخبر. ترابها مدفن الزمن، طبقة بعد طبقة. ولقد كانت دوما عاصمة ومركزاً فتارة للآراميين وطورا للهلنستيين والرومان والروم والعرب وخضعت لاحتلالات انتصرت دوما بالتحرر منهم، كانت مرة عاصمة الدنيا يوم احتضنت عرش الامويين ومعاوية، ومع ذلك فهي البلد الرضي المشرق والآمن. الذي يسكنه الناس لصقاً بسوره الروماني، ويتاجرون حول قلعته الفريدة في العالم فهي التي على سوية الارض، ويمرون مسبحين وعابرين عند باب القديس بولس وكنيسة حنانيا ومريمية الشام وقبر هامة القديس يوحنا المعمدان، ويحج المسلمون الى كاتدرائية دمشق الأكبر في العالم ووريثها الجامع الأموي ولينظروا في باحته الجميلة خزينة بيت مال المسلمين وفيها اقدم نسخة للمزامير وكانت خزينة بيت مال المسلمين، ويزوروا قبر صلاح الدين ومدافن الصحابة، يسير الناس في ازقتها التي مر منها شاول الأعمى المقهور من الرب والذاهب ضعيفاً ليعتمد وعليه حلت قوة العشق الالهي ليصبح مستيراً بالعماد المقدس ومجاهداً للمسيح ومشرعا اولاً للمسيحية.

ان دمشق مقصد الحج الديني، ومتحف مصغر للانسانية ومطرح العشق الابدي الخالد.

 


Posted

in

by