دمشق في القرن 18

دمشق في عيني الرحالة الفرنسي فولني القرن 18

دمشق في عيني الرحالة الفرنسي فولني القرن 18

مقدمة واجبة

للشرق سحر لطالما استهوى المستشرقين والرحالة الاجانب منذ القرون المسيحية الاولى بسبب من قداسة المكان، حيث تواردوا في الحج المسيحي الى الاماكن المقدسة، ومنهم من سلك طريق دمشق، هذا الطريق الذي غيَّرَ العالم مع تحويل شاول المضطهد الى بولس هامة الرسل وناشر المسيحية في العالم ورسول الأمم والمشرع الاول في المسيحية، ومشى في شارع  دمشق المستقيم واعتمد من حنانيا الرسول، وكاتدرائية دمشق العظمى القديس يوحنا المعمدان الشهيدة، والكاتدرائية الوريثة مريمية الشام لكونها اقدم كنائس العالم 35-36 مسيحية…

ثم مع حملات الفرنجة خلال القرنين 12 و13م فمنهم من رافق هذه الحملات  ودونوا مشاهداتهم عن سير تلك الحملات ووصفوها، كما وصفوا حال المشرق والسكان ومعيشتهم واديانهم وكل مايهم المجتمع المحلي…

وبعد طرد هذه الحملات، ولكون بلادنا  المتجذرة بمسيحيتها وآثارنا المسيحية فيها شاهد حيّ عبر كل الازمان والعصور الى قيام الساعة، وخاصة فلسطين المقدسة  وهي القلب في سورية الطبيعية والمشرق، فقد كانت مطرحا للسياحة الدينية المسيحية، بالرغم من بطش الفاطميين  والمماليك وتعصبهم الشديد ومضايقاتهم التي لاتحتمل بحق المسيحيين ومافعلوه من دمار للكنائس والاديار والتجمعات المسيحية كمدينة انطاكية والمدن المنسية بسهول حلب مثلاً، وماتلاه من الانخفاض المريع في نسبة مسيحيي المشرق من 60% الى 20% الا ان الرحالة الاوربيين بقوا يتوافدون الى بلاد الشام ومنها الاماكن المقدسة في فلسطين وقد وصفوها وصفا دقيقا …

ومع قدوم الحملات التبشيرية البابوية الى المنطقة بعد مجمع ترانت واعتبار مسيحيي المشرق مطرحا لتبشيرهم  بقصد كثلكة ارثوذكس الكرسيين الانطاكي والاورشليمي، وخاصة مع الاحتلال العثماني لمنطقة سورية وسائر المشرق،  والتسهيلات المقدمة من السلاطين والولاة العثمانيين الى هذه الحملات التبشيرية بالتنسيق مع ملك فرنسا في القرن 16، فقد غدت حلب  والتي هي من اقدم مدن التاريخ الحية ولاتزال مزدهرة عامرة بالصناعة والتجارة، اضافة الى وقوعها على طريق التجارة القديم والمعروف بطريق الحرير، هي قاعدة القناصل والرهبنات التبشيرية ورحّالتها.

ومع اطلالة القرن 15صار الشرق مقصدا للقنصليات التجارية  واغلبها  من الامارات الايطالية والتي ترافقت مع تلك البعثات التبشيرية التي سبقتها في المجيء والاستقرار فيها، ثم صارت هذه الرهبنات بحماية القناصل، وكانت هذه البعثات ترفع تقاريرا دورية الى بابا الفاتيكان عن المسيحيين خاصة ورئاساتهم الروحية ورافقهم الرحالة والمستشرقون الذين دونوا مشاهداتهم بتقارير استفادت منها تلك الدول اللاتينية استكمالا  لما قام به الغزو الفرنجي (الصليبي) والصرح البابوي للغايتين التجارية والتبشيرية وخاصة الأخيرة وهي الاساس.

وقد تزامن ذلك مع انفتاح  الحكام المعنيين وفي مقدمهم فخر الدين الاول ثم الثاني في بيروت وجبل لبنان مع امارة توسكانا الايطالية فحصل معها الشأن ذاته وخاصة من كون بيروت عروس وميناء الساحل السوري، بينما تأخرت دمشق بسبب من طبيعتها الاجتماعية المنغلقة عن عيون الرحالة والمستشرقين الى مطلع القرن 18  او بعد  ذلك بقليل وايضا لعدم محبة الدمشقيين وقتها للأجانب ، سيما وهم يعتبرون مدينتهم  ومكة المكرمة تؤامين مقدسين، فدمشق منطلق الحجيج الاسيوي الى الديار المقدسة الاسلامية في الحجاز ونجد… ومع ذلك ثمة اشارات عن محاولات قام بها رحالة  اجانب متنكرون الى مكة والمدينة.

وزار سورية  بعض الرحالة الكنسيين كالسائح بوكوك فدّون ابحاثه عن الكنائس والاديرة والآثار المسيحية، وترك لنا ارثًا معرفياً غنياً، وزارها ممن زارها فرسان معتزلون كالفارس الرحالة دارفيو وغيرهما… من الذين وصفوا هذه المواقع وصفا دقيقا ممتعا  كأديار صيدنايا والقلمون والفاروس في اللاذقية، وكان بعضهم جريئاً حاول التغلغل في الحياة الاجتماعية المتزمتة ونقلوا صورة واقعية رافقتها رسومات خطتها ريشة كل منهم للسكان والبناء والواقع المعيشي وخصوا اديان المجتمع وطوائفه ومذاهبه بما كتبوه في رقعة الشام الكبرى.

القرن 18

وكان  القرن 18 حافلا برحلات الرحالة والمكتشفين والمستشرقين الى مصر وسورية مرورا بفلسطين، كان منهم الرحالة الفرنسي قسطنطين فولني (مطرح تدوينتنا) في الثلث الاخير من القرن 18، فوصف كل مكان في مصر وبر الشام ووصف حلب ودمشق تحديدا والحياة في الاخيرة بكتابه الذي ضمنه اخبار رحلته الى سورية ومصر،  كما تناول قصصا عن واليها اسعد باشا العظم قلما نجدها في ادبيات رحلات الرحالة المعاصرين…اما القرن 19 عشر فكان قرن الاستشراق الذي كان المانيا وروسيا منظماً، وهنا يرد ذكر المستشرق الدمشقي العلامة جرجي مرقص الحائز من امبراطور روسيا على الجنسية الروسية وصار رئيس معهد الاستشراق الروسي والمعلم الأول للغة العربية وآدابها والتاريخ المشرقي(1).

وكما قلنا فان ادبيات الرحلات كانت عبارة عن تقارير استفاد منها الغرب وخاصة بعد تشكل ممالكه الوطنية، واستفادت منها البابوية في نشر العقيدة الكاثوليكية، لذلك فان نابليون بونابرت استفاد من كتاب فولني في حملته ” الحملة الفرنسية على مصر وبلاد الشام 1899-1902) وكذلك وصف حلب وكانت قبلة القنصليات التجارية والأوربية والرهبنات اللاتينية بكثاف كما اسلفناة.

من هو الرحالة فولني؟

قسطنطين فرانسوا ڤولني ( بالفرنسية: Constantin-François Chassebœuf)‏ ولد في 3 شباط 1757

توفي في 25 نيسان 1820 م

هو  فيلسوف، مؤرخ رحالة،  مستشرق وسياسي  افرنسي. يشتهر باسم ڤولني، وهو دمج بين كلمتي  فولتير وفيرني.

زار  المشرق وكتب عن رحلاته. جاءت كتابته عن  مصر مليئة بالنقد لأحوال الشعب والبلاد.

وصف حلب عام 1783 عندما كانت اجمل الامبراطورية العثمانية.

آثاره المكتوبة

له الكثير من التصانيف بالفرنسية، وقد نُقل من كتابيه إلى العربية كتابان وهما:

فولني، قسطنطين فرنسوا – «سوريا ولبنان في القرن الثامن عشر». ترجمة حبيب السيوفي (صيدا 1949 م).

س. ف. فولني – «ثلاثة أعوام في مصر وبر الشام». ترجمة إدوار البستاني وزارة التربية الوطنية والفنون (بيروت 1949 م).

تحدث فولني في رحلته هذه وبجزئها الثاني عن ولاية دمشق في ذاك الزمن وعن التقسيمات الادارية في الدولة العثمانية، واورد معلومات تكاد قلما تحدثت عنها المصادر التاريخية التقليدية وبخاصة عن والي الشام اسعد باشا العظم والذي كان قد بنى قصره الشهير وخانه الشهير وهذا مايؤكد عليه المؤرخون اضافة الى فترة ولايته على حماه وبنائه قصره العظيم الشهير ايضا بقصر العظم.

والملاحظ ان ادبيات الرحالة والمستشرقين الآخرين من سابقين ولاحقين لفولني  لم تتحدث  عن خصوصيات رافقت حكم اسعد باشا ولاعن طريقة عزله من ولاية دمشق ثم قتله خنقا في حمام بسيواس، كما لاتتحدث عن هروبه الى الصحراء المجاورة لدمشق ومعه عائلته، ولا تتداول قصة الضريبة التي اورها فولني بكتابه، والتي على الارجح كان قد سمعها من شهود عيان معاصرين، وهي قصة تسجل لأسعد باشا العظم الذي فضل اخذ اموال المتنفذين في دمشق بدل ان يفرض ضريبة ظالمة على رعيته من المسيحيين الدمشقيين.

قسطنطين فولني
قسطنطين فولني

التقسيمات الادارية العثمانية لبلاد الشام وفق وصفه

بشالك دمشق

بشالك دمشق، البشالك الرابع والأخير في سورية، ويشتمل تقريباً على كل الجهة الشرقية من سورية، حيث يمتد من المعرة شمالا على طريق حلب وصولاً الى الخليل في جنوب شرق فلسطين، وتحده من الغرب الجبال الساحلية، ومنابع نهر الأردن، ويتبع انحدار النهر مروراً ببلاد بيسان ويضم القدس ونابلس والخليل، وتحده من الشرق الصحراء  حيث لاحدود واضحة ولكنه يمتد حيث توجد الارض المزروعة، وهو الاقرب من الجبال الساحلية، فيما عدا تدمر التي تمتد لمسافة خمسة ايام باتجاه الشرق.

التربة والمحاصيل متنوعة سهل حوران وسهل العاصي يضمان اخصب الأراضي فهي تنتج الحنطة والشعير والذرة والسمسم والقطن.

بلاد الشام والبقاع الاعلى أرضهما تصلح لزراعة الفواكه والتبغ اكثرمن الجنوب فالجبال مزروعة بأشجار الزيتونوالتين والتوت وكذلك باعنب  في بعض المناطق حيث يصنع منه المسيحيون النبيذ ويصنع منه المسلمون الزبيب.

والي دمشق هو امير الحج

الباشا يتمتع بكل الحقوق التي يضمنها له مركزه كخليفة للسلطان، لكن والي الشام تحديدا يتمتع بميزة لا يمتلكها احد من الولاة غيره انها لقب امير الحج الشامي العالي المقام والاحترام، فالمسلمون يعقدون كثيرا من الاهمية على رحلة الحج السنوية هذه بحيث ان الباشا الذي يقودها بسلام يتمتع باحترام وحرمة تشابهان تلك التي يتمتع بهما السلطان ذاتنفسه ويصير دمه حراماً!

لكن الباب العالي ينجح دائماً في التوفيق بين هذه القاعدة وضرورة التخلص من والي وتجريده من منصبه ولكي لايهدر دمه فان الباب العالي يوعز بخنقه وهكذا يكون قد احترم الأعراف فلم يهدر دمه وفي الوقت ذاته يكون قد اقتص منه، ويوجد عدد من الامثلة  على هذا السلوك!.

منحة الوالي من السلطان لاتتجاوز خمسين كيساً وهو مُكلف مع ذلك بكل مصاريف رحلة الحج التي تقدر تكاليفها بألف كيس، وتتكون من ذخيرة من الحنطة والشعير والرز…الخ وكذلك مصاريف كراء الجمال المرافقة للقافلة وهناك ايضاً ثمانية عشر كيساً تُدفع للقبائل البدوية التي على طريق الحج، من اجل ضمان مرور آمن للقافلة، ويعوض الباشا مصاريفه الثقيلة هذه من (المال ميري) وهي الضريبة المفروضة على الارضوالتي يشرف على تحصيلها الدفتر دار اي كبير المحاسبين، وهناك من البنكجرية من يدفع للدفتردار لكي يضمن من ان يكون ضمن قافلة الحج.

الباشا هو الوريث الشرعي والوحيد لكل من يموت من الحجاج اثناء رحلة الحج، وهذا الامر ليس قليل الأهمية إذا علمنا أن عدداً كبيراً من الأغنياء دائماً مايشكلون أغلبية قافلة الحج، أخيراً فإن لدى الباشا صناعته الخاصة وهي إقراض التجار بالفائدة ، ويمكنه أيضاً أن يجرس من يريد ويشّلحه أمواله وهذا يسمى ” البلص”.

تتألف القوة العسكرية المرافقة للباشا من سبعمئة بنكجري في حالة جيدة من  التسليح والعتاد، ومن ثمانئة أو تسعمئة خيال، وفي سورية تعتبر هذه القوة العسكرية ضرورية ومهمة رغم صغرها، فهي التي ستقمع من تسول له نفسه الاعتداء على قافلة الحج، وايضاً للحفاظ على الخزنة والأموال الطائلة التي تكون بحوزة القافة في كل عام، وقبل موعد مسيرقافلة الحج بثلاثة أشهر يقوم الباشا بما يسمى ” الدورة” وهي قافلة مسلحة بقيادة الباشا على جميع مدن وقرى ولاية دمشق وتوابعها لجمع مايسمى ” الجردة” وهي مؤونة قافلة الحج في أثناء عودتها وهي مهمة ليست سهلة ولاتنتهي دائماً بلا مشاكل بسبب تعديات بنكجرية الباشا وطمعهم الزائد فينتفض القرويون وغالباً مايدفع المنتفضون من دمهم ثمن هذا الغضب وسكان نابلس وبيت لحم والخليل على الأخص معتادين على هذا النوع من الانتفاضات، ولكن الباشا لاينسى عندما تسنح له الفرصة أن يجعلهم يدفعون ديونهم أضعافاً مضاعفة ومع الفائدة ايضاً.

عائلة العظم

ولاية دمشق بسبب موقعها الجغرافي المتاخم للصحراء هي الأكثر عرضة لهجمات البدو، ومع ذلك فإننا نلاحظ أن ولاية دمشق هي الأقل هجرة وخراباً من باقي الولايات، والسبب أن الباب العالي بدل أن يجعل ولاية الباشا على دمشق مؤقتة مثل بقية الولايات فإنه أعطاها له مدى الحياة، وفي هذا القرن (الثامن عشر) سيطرت عائلة واحدة من اغنياء دمشق على منصب الوالي على مدى نصف قرن( الأب وثلاثة من ابنائه تعاقبوا على الحكم آخرهم كان أسعد باشا الذي استمر في الحكم مدة خمسة عشر عاماً قام خلالها بقيادة قافلة الحج بنجاح وبكل امان، وقد غرس في جنوده نوعاً من الطاعة والنظام، هوايته مثل معظم الناس في الدولة العثمانية هي اكتناز الأموال، لكنه لايكدسها في الصناديق بل يقرضها للناس مقابل فائدة محددة.

والي دمشق اسعد باشا العظم
والي دمشق اسعد باشا العظم

تروى عنه انه كان في يوم ما بحاجة الى المال فاقترح عليه المحيطون به أن يفرض ضريبة على ” النصارى” وعلى صناع النسيج (2)، فسألهم اسعد باشا: ” وكم تتوقعون أن تجلب لنا هذه الضريبة؟ من خمسين الى ستين كيساً” أجابوه نعم، فقال اسعد باشا لكنهم اناس محدودو الغنى فمن يستطيعوا ان يأتوا بهذا القدر من المال؟ فقالوا:يبيعون جواهر وحلي نسائهم يامولانا! فقال اسعد باشا : ماذا تقولون لو حصلت المبلغ المعلوم بطريقة أذكى من هذه؟!

في اليوم التالي قام اسعد باشا بارسال رسالة الى المفتي لمقابلته بشكل سري وفي الليل، وعندما وصل المفتي قال له أسعد باشا: نما الى علمنا أنك ومنذ زمن طويل تسلك في بيتك سلوكاً غير قويم وانك تشرب الخمر وتأكل لحم الخنزير وتخالف الشريعة  وان اسعد باشا في سبيله لابلاغ اسلامبول ( اسطنبول) ولكنه فضل أن يخبره أولاً حتى لايكون للمفتي حجة عليه؟! المفتي المفجوع بما يسمع أخذ يتوسل ويعرض ( كما هي الحال هنا) مبالغ مالية على اسعد باشا لكي يطوي الموضوع فعرض اولاً ألف بيستار، فرفضها أسعد باشا فقام المفتي بمضاعفة المبلغ، ولكن اسعد باشا رفض مجداً وفي النهاية تم الاتفاق على ستة آلاف بيستار!.

وفي اليوم الثاني قام باستدعاء القاضي وأخبره بنفس القصة مضيفاً أنه يقبل الرشوة، ويستغل منصبه لمصالحه الخاصة، وانه يخون الثقة الممنوحة له؟! وهنا صار القاضي يناشد الباشا ويعرض عليه المبالغ كما فعل المفتي، فلما وصل معه اسعد باشا الى مبلغ مساو للمبلغ  الذي دفعه المفتي أطلقه ففر القاضي سريعاً وهو لايصدق بالنجاة.

بعدهما جاء دور المحتسب وآغا البنكجرية والنقيب، وشيخ التجار وكبار اغنياء التجار من مسلمين ونصارى، ثم جمع خواصه الذين اشاروا عليه أن يفرض ضريبة جديدة لكي يجمع خمسين كيساً وقال لهم: هل سمعتم بأن اسعد باشا قد فرض ضريبة جديدة في الشام؟ فقالوا: لا ما سمعنا، فقال  ومع ذلك فها انا قد جمعت مئتي كيس بدل الخمسين التي كنت سأجمعها  لو استمعت لكم، فتساءلوا جميعا باعجاب: كيف فعلت هذا يامولانا؟ فأجاب ان قص صوف الأكباش خير من سلخ جلد الحملان والماعز!

آل العظم
آل العظم

عزل اسعد باشا العظم

بعد خمسة عشر عاماً من الحكم تمت إزاحة هذا الرجل عن ولاية دمشق على إثر مؤامرة…

في العام 1755 ميلادية توقف عبد خصي ( الكزلار آغا أحمد ابو قوف، وكزلار آغا اي مسؤول الحرملك) من حرملك الباب العالي في دمشق في طريقه الى مكة لأداء فريضة الحج، فاستقبله أسعد باشا استقبالاً عادياً، وفي طرق العودو كي لايتكررمع العيد ماحصل له في القدوم فقد غير طريقه ورجع عن طريق غزة التي كان واليها حسين باشا والذي عمل استقبالاً ملوكياً للخصي، وعندما رجع الخصي الى اسلامبول لم ينس هذين الاستقبالين استقبال اسعد باشا الفاتر في دمشق واستقبا حسين باشا الحار في غزة، وقرر على إثرها أن يتآمر على اسعد باشا  ويعاقبه وبالفعل فقد نجحت مؤامرته وتم نزع القدس عن بشالك دمشق وضمها لغزة في العام 1756، وفي السنة التالية حصل حسين باشا مكي على دمشق نفسها، أما اسعد باشا فقد التجأ الى الصحراء ومعه جميع أهل بيته خوفا من التشليح والتجريص.

وعندما جاء موعد قافلة الحج، قام حسين باشا مكي بحسب مايفرض عليه مركزه الجديد كوالي لدمشق ان يقود قافلة الحج الشامي، لكن في طريق العودة حصل نزاع بينه وبين القبائل البدوية لأنه رفض أن يدفع  الصرة المقررة لهم، فقاموا بمهاجمته بشراسة والقضاءعلى حاميته وحراسته ثم قاموا بتشليح الحجاج وتركوهم في الصحراء ضحية الجوع والعطش والضواري فمات منهم عشرون الفا، وقامت عائلات هؤلاء القتلى تطالب بالثأر من امير الحج وبتأديب القبائل البدوية.

طالب الباب العالي اولا برأس حسين باشا مكي ولكنه كان مختبأ بشكل جيد فلم يعثر عليه، ولكنه كان خلال فترة اختبائه يتآمر مع حاميه في اسلامبول الكزلار حيث ذكر خبر امتلاك حسين باشا مكي على رسالة حسين باشا مكي على رسالة بخط يد اسعد باشا (حقيقية ام مزيفة) يحرض فيها البدو على حسين باشا وقافلة الحج، وهنا دارت الدوائر وتمت تبرئة حسين باشا واتهام اسعد باشا وصار الباب العالي ينتظر الفرصة المؤاتية للتخلص منه، اما ولاية دمشق فبقيت خالية وهيبة الدولة مهانة، وحسين باشا لايستطيع اعادة الاعتبار اليها.

خان اسعد باشا العظم في القرن 18
خان اسعد باشا العظم في القرن 18

جتجي باشا

وكان الباب العالي يرغب بإعادة تأمين طريق الحج، وترميم هيبة الدولة، فاتجهت أنظار الباب العالي الى رجل دموي، يقتضي التاريخ وتقتضي الأعراف أن نقول في حقه كلمتين: هذا الرجل اسمه عبد الله الجتجي ( الشتجي)  ولد قرب بغداد في ظروف لانعلم عنها الشيء الكثير، والتحق في شبابه برجال الباشا، وقضى جل سنوات شبابه في المعسكرات، وفي الحرب كان فارساً عاديا اثناء الحملة على الفرس ضد الشاه نادر شاه، وكانت الشجاعة والذكاء سمتين بارزتين في عبد الله الجتجي، فأخذ بفضلهما يترقى في الرتب الى ان ةصل الى رتبة باشا وصار والي ولاية بغداد، وعندما وصل الى منصبه هذا فإنه لجأ الى الحزم والحكمة في بسط السلام على البلاد الدخلية والخارجية.

الحياة العسكرية البسيطة والمتقشفة التي كان يحياها لم تكن تجعله بحاجة الى الكثير من المال، ولكن الضباط الكبار في اسلامبول لم يعجبهم هذا التقشف وكانوا ينتظرون اللحظة الحاسمة لنقله من منصبه، وحانت الفرصة عندما علموا أن عبد الله قد حصل على تركة احد التجار الأثرياء وتقدر بمائة الف جنيه فأبلغوا الوزير الذي طالبه بها فوراً، فاعتذر عبد الله بأنه قد صرف مرتبات العسكر من هذه التركة وطلب مهلة للتصرف، لكن الوزير رفض اعطاءه هذه المهلة وطالبه مرة ثانية بالمبلغ فاعتذر عبد الله بأن المبلغ لم يعد في تصرفه، فما كان من الوزير إلا أن ارسل الى بغداد عبد خصي يحمل خط شريف سريا  مكتوب فيه أن يقطع رأس عبد الله جتجي.

ادعى هذا الخصي عند وصوله الى بغداد، انه حضر من اجل النقاهة، ولكن عبد الله الذي خبر كل حيل والاعيب الباب العالي ارسل من يفتش خيمة الخصي بعد ان دعاه الى ضيافته وبالفعل فقد عثر رجال عبد الله على الامر بقطع رأسه مخبأ في طيات ملابس الخصي فعادوا بسرعة الى سيدهم الذي كان يجالس الخصي وطلبوه الى غرفة جانبية وسلموه الخط الشريف فكتم عبد الله غيظه وعاد الى مجلسه مع الخصي وتابع الحديث معه كأن شيئاً لم يكن، فقال متسائلاً: اسمحلي ياكزلار آغا أن استغرب سبب رحلتكم من اسلامبول الى بغداد من اجل النقاهة فالهواء هنا اقل نقاء من هواء اسلامبول واني متأكد أنك لم تأت الى هنا من اجل النقاهة فقط فأصدقني القول، فرد العبد:لقد طلب مني أيضاً أن اطالبكم بمائة الف جنيه، وماذا أيضاً؟ سأل عبد الله، ثم أضاف في هدوء: ألم تأت من أجل رأسي أيضاً؟! اسمع ياكزلار آغا أنت سمعت عني ولاشك وتعرف اني احترم كلمتي واني اعطيك وعد شرف مني أن اطلق سراحك دون ان تتعرض لأذى ان قلت الصدق، وأما الخصي فاستمر على انكاره واورد قصة طويلة مفادها انه لايحمل ضغينة شخصية لعبد الله، فقال عبد الله (حلفتك برأسي) أن تُصدقني القول، فاستمر العبد على انكاره، فقال  عبد الله بحياة رأس السلطان أصدقني القول، ولكن العبد استمر في الانكار، عندها أخرج عبد الله الخط شريف وأراه للعبد وهو يقول: اتعرف هذه الورقة اكيد انت تعرفها جيداً هكذا اذاً تحكمون على الناس في اسلامبول؟

ما انتم الا مجموعة من الاوغاد تتلاعبون بأرواح وحيوات الناس، السلطان والوزير يريد رأساً حسناً فلنرسل له رأس هذا الكلب، وقطع رأس الكزلار وأرسله الى الوزير في اسلامبول، ثم هرب الى جبال الاكراد وبعد فراغ السلطة في دمشق جاءه العفو السلطاني في مكانه في جبال الأكراد مع تكليف بولاية دمشق، وكان عبد الله عند وصول العفو والتكليف قد ضاق ذرعا بغربته، وكان مفلساً تماماً فقبل التكليف فوراً وسار الى دمشق على رأس مائة فارس، وعندما وصل الى حدود ولاية دمشق سمع ان اسعد باشا العظم كان يعسكر في هذه النواحي، وكان قد سمع عن اسعد باشا أنه احد رجالات سورية الكبيرة، فرغب برؤيته، فتنكر واخذ معه ستة من فرسانه ودخل معسكر ابن العظم على هذه الحالة، وطلب مقابلته ولم يتطلب الأمر كثيراً من المراسم في هذا المعسكر فإذا به وجهاً لوجه مع اسعد باشا الذي سأله بعد التحيات ةالسلامات: من اين انت قادم والى أين ذاهب؟ فقال عبد الله انهم مجموعة من الفرسان الأكراد يبحثون عن خدمة وقد سمعوا ان الجتجي سيكون والياً على دمشق فجاؤوا يعرضون خدماتهم عليه.

وهل تعرفون الجتجي؟

نعم …

وأي رجل هو؟ هل يحب المال؟

لا جتجي لايجب المال، ولا الفراء ولا الحرير ولا الجواهر ولا النساء!

ماذا يحب اذاً؟

يحب السلاح الجيد، والخيل الجيدة الأصيلة والحرب، يحب العدالة ويفخر بها، يحمي الأرامل والايتام، يقرأ القرآن، ويتقوت على السمن واللبن!

هل هو كبير في السن؟

سنه أصغر بكثير ممايبدو عليه، بسبب التعب والهموم، وهو مغطى بالجراح، فقد تلقى ضربة سيف جعلته يعرج على قدمه اليسرى، وضربة أخرى على كتفه الايمن، وهنا وقف عبد الله وهو يقول انظر من رأسي الى اخمص قدمي هذه هي صورتي.

ذهل اسعد باشا من هول المفاجأة وايقن بالهلاك ولكن عبد الله طمأنه قائلاً: أخي اطمئن أنا لست مرسولا من باب اللصوص العالي، ولم آت لأخونك أو أخدعك على العكس فإني اذا استطعت أن أخدمك في شيء فأرجو أن تطلبه مني لأننا أنا وانت في الدرجة نفسها عند أسيدنالقد طلبوني لتأديب العربان وعندما يشفون غليلهم سيعودون للمطالبة برأسي، الله أكبر، وقضاؤه سيمضي!

دخل عبد الله الجتجي الى دمشق وهو يحمل هذه المشاعر، فقام بارساء النظام وقمع رجال الينكرجية المتمردين، وقاد قافلة الحج الشامي وسيفه في يده دون ان يدفع بيستارا واحدة للعربان، واثناء حكمه الذي استمر عامين تمتعت البلاد بأقصى درجات الهدوء والامان، حتى ان الناس كانت تنام وابوابها مفتوحة وهذا مايقوله الآن (1785)أهل دمشق أنفسهم، عبد الله بنفسه كان يتنكر بزي بائس ليتأكد من تطبيق العدالة ويروى عنه في هذا حكايات فيقال انه عندما كان يقوم بالدورة وكان في القدس فإنه منع جنوده من أخذ اي شيء من الناس وامرهم ان يدفعوا ثمن مايأخذون، وفي احد الايام كان يمشي في السوق متنكراً في زي فقير ويحمل بين يديه طبق عدس صغير، فرآه احد الجنود وطلب منه ان يحمله على ظهره وبعد قليل من الممانعةوافق عبد الله باشا المتنكر أن يحمل الجندي على ظهره وقد قرر ان يعاقبه ولكن جندياً آخر تعرف على الباشا المتنكر وحذر زميله ففر هذا في احد الشوارع الجانبية فانزعج عبد الله باشا لافلات هذا الجنديالظالم من بين يديه ولكن الجندي الخبيث لم يهرب طويلا من عبد الله باشا حيث وجده يسرق الخضر من حاكورة امرأة فقيرة فقام بقطع رأسه في الحال وفي عين المكان.

اما عبد الله باشا فلم يخطئه القدر الذي توقعه لنفسه، فبعد ان نجا من عدة محاولات اغتيال نجح ابن اخيه في تسميمه، وقد رآه عبد الله وهو على فراش الموت فناداه:” ايها البائس لقد اغواك الاوغاد قتلتني لتتمتع بماذا؟ اني استطيع قبل ان اموت ان احطم كل آمالك وأعاقبك على جحودك ولكني لن افعل اتعرف لماذا؟ لأني أعرف الباب العالي جيدا، هم الذين سيأخذون بثأري منك”.

لقد صحت نظرية عبد الله باشا الجتجي فما ان مات حتى وصل قبجي يحمل أمراً بشنق ابن الاخ القاتل، ان تاريخ الباب العالي يبرز بوضوح تفضيله للخيانات في تصفية الحسابات ولكنه في الوقت نفسه كان يعاقب الخائن.

بعد الجتجي

تعاقب على ولاية دمشق كل من شلق؟ وعثمان ومحمد درويش ابن عثمان الذي شغل منصب الوالي في عام 1784 لم يكن يتمتع بمواهب والده ولكنه حافظ على الطبيعة الاستبدادية له. وهنا نورد هذه الرواية التي تستحق بالفعل أن تُذكر وقد ذكرها فولني:

 اسميناها مجزرة المسيحيين

الكاتدرائية المريمية
الكاتدرائية المريمية

 قال:

“في شهر تشرين الثاني من العام 1784 قامت احدى القرى المسيحية الروم الارثوذكس بدفع ماعليها من مال ميري، ولكن جرى مطالبتها ان تدفعه للمرة الثانية، فقام الشيوخ بمخاطبة المحاسب الذي قبض منهم مال ميري فأنكر مايدعيه اهل القرية، وفي الأيام التالية قامت مجموعة من الجند بمهاجمة القرية وقتل اكثر من ثلاثين شخصا فيها، الفلاحين المساكين حملوا رؤوس قتلاهم وتوجهوا الى دمشق يطلبون العدالة من درويش الذي بعد ان استمع لهم قال لهم ان يضعوا رؤوس القتلى في كنيسة الروم الارثوذكس (3) الى حين انتهائه من التحقيق في هذه الحادثة، وبعد ايام بدأت رؤوس القتلى بالتعفن والتحقيق لم ينته بعد فكان لزاماً دفن هذه الرؤوس ولكن الدفن يحتاج الى تصريح من الباشا ولم يتمكن الفلاحون من الحصول على التصريح الا بعد أن دفعوا أربعين كيساً (خمسين الف جنيه).”

الباشا الجزار

منذ العام الماضي (1785) يتمتع أحمد باشا الجزار بقرار اداري بأن يسدد مال ميري الى الباب العالي مباشرة بعد ان كان يسدده لدرويش وهو الآن يحكم في دمشق ويطالب كما يقال بضم حلب اليه ولكن الباب العالي رفض هذا الطلب الذي سيجعله الحاكم المطلق لسورية الكبرى، عدا عن ان الباب العالي كان مشغولا ب( القضية الروسية) التي لاتجعله مرتاحا في اتخاذ القرارات: كما انه قلق قليلاًمن تمرد موظفيه، ولكن التجربة علمت الباب العالي أنهم اخيراً يقعون  جميعا في الشبكة والجزار ليس استثناء رغم انه يمتلك الكثير من المواهب والبراعة والدهاء، ولم يكن طلب الجزار ضرباً من الخيال  او تمهيداً لثورة كبرى.

الطريقة التي يسلكها الجزار في الحكم هي نفسها طريقة كل من سبقوه لايهتم بالشؤون العامة الا بقدر تداخلها مع مصالحه الشخصية، الجامع الكبير الذي بناه في عكا كان (محض غرور ) والذي يتكلف بناؤه ثلاثة ملايين من الفرنكات دون ان يكون له اي (مردود).

اما السوق المغطى فهو اكثر فائدة حيث الأراضي الزراعية على مرمى طلقة بندقية من عكا، أما معظم مصروفاته فهي على انشاء الحدائق والحمامات وعلى جواريه وقد كان يمتلك العام الماضي ثماني عشرة منهن، وهاته الجواري هن في الحقيقة ترف مفترس (يكلفن كثيراً).

والآن بعد الشبع والتقدم في السن فإنه تعلم أن يقبض يده ويكدس الأموال وهذا ماخلق له كثيرا ًمن الأعداء بين رجاله هذه المرة، وقد حاول بالفعل اثنان منهم أن يقتلاه ولكنه نجا من طلقات طبجاناتهم، عدا عن حقد الناس وطمع الباب العالي فإن هذا هو كل ما استفاده الجزار من تكديس الأموال.

وصف دمشق

لنعد الآن الى وصف هذه الأماكن الرائعة في ولاية دمشق،مبتدئين بمدينة دمشق ذاتها وهي عاصمة الولاية ومقر الباشا، والعرب يسمونها الشام، حسب عادتهم في منح اسم الاقليم للعاصمة، اما الاسم الشرقي للمدينة اي دمشق فهو غير معروف الا للجغرافيين، هذه المدينة تقع في منبسط كبير مفتوح في الوسط على جهة الشرق الصحراوية، وفي الغرب والشمال يضيق بواسطة الجبال القريبة، ويأتي من هذه الجبال عدد من السواقي والوديان تجعل من مدينة دمشق المدينة الأكثر ارتواء والأكثر زهاء في مجمل سورية والعرب يتحدثون  عنها بحماس منقطع النظير ولايتوقفون عن امتداح خضرتها ونضارة بساتينها ولا عن وفرة وتنوع غلالها من الفاكهة، كذلك عن العدد الوفير من قنوات المياه الجارية، وعذوبة ينابيعها وغزارتها، وهي ايضا المكان الوحيد الذي يضم بيوت المتعة.

في هذا الريف الخالي تشكل دمشق حالة استثنائية.

عن باقي التفاصيل فالتربة فقيرة محبة ومحمرة فلا تصلح كثيراً للحبوب، ولكن هذه النوعية من التربة هي الأكثر ملاءمة للأشجار المثمرة، لايوجد مدينة اخرى غير دمشق تحوي هذا العدد من القنوات  والينابيع في كل بيت بحرة وجميع المياه القادمة الى دمشق  يغذيها ثلاثة روافد لنهر واحد الذي بعد ان يسقي البساتين يتابع سيره ليصب على مسافة عدة مراحل الى الجنوب في مستنقع صحراوي يسمى ( بحيرة المرج) وبهذه الصفات فلن نجد احداً يجادل بأن دمشق هي اجمل مدن ( السلطنة العثمانية).

بقي شيء آخير يتعلق بالصحة يجب الاشارة اليه يشتكي الدمشقيون – ومعهم كل الحق- من المياه الباردة البيضاء لنهر بردى، ويقولون انها السبب في بياض أجسامهم وان هذا البياض دليل مرض وليس دليل صحة لأنه بياض باهت، أما الإكثار من اكل الفاكهة وخصوصا المشمش في الصيف فإنه يخلق حالات من الحمى المتقطعة والزحار.

امتداد دمشق طولياً أكبر بكثير من عرضها، السيد (نيبور) الذي قام بعمل المساحة لمدينة دمشق يقول ان مساحتها تقارب الفين ومائةوثلاثة وخمسين سقفا، وهذايعني ان قطرها اقل بقليل من مرحلة ونصف واذا اعتمدنا هذه الاحصائيات وقارناها بحلب فانني اقدر عدد سكان دمشق بثمانين الفا اغلبيتهم العظمى من العرب، ونعتقد ان عدد النصارى يقارب خمسة عشر الفا متعددي الكنائس، الاتراك لايتحدثون عن الدمشقيين دون ان يقولوا انهم الاسوأ من بين شعوب الامبراطورية، والعرب يلعبون على الكلمات وهم يرددون المثل التالي: (شامي شومي وحلبي شلبي).

الدمشقيون يكرهون الفرنسيين ولايمكنك بكثير من الراحة التجول في دمشق بملابس فرنسية، كذلك تجارنا فانهم بالكاد اقاموا موطىء قدم  لهم في هذه المدينة، كذلك نجد مبشرين  وطبيبا غير معلن، هذا الكره للأجانب  سببه ارتباط دمشق بمكة، ويقول الدمشقيون ان مدينتهم مشَّرَّفةْ لأنها باب من ابواب مكة، وهذا صحيح فإنه في دمشق يجتمع الحجاج من شمال آسيا، كما يجتمع في القاهرة حجاج افريقيا، في كل عم يتراوح عدد الحجاج بين ثلاثين وستين الفاً، كثيرون منهم يسيرون اربعة أو خمسة أشهر قبل الموعد، أما الاغلبية العظمى فلا تصل الا بعد نهاية رمضان، وفي هذه الايام تشبه دمشق بسوق ومهرجان كبيرين، لاترى سوى الغرباء من مجمل انحاء تركيا، وحتى من فارس ونرى عشرات آلاف البهائم من جمال وخيول وبغال، محملة بالبضائع، وبعد انقضاء عدة ايام في التحضيرات ينطلق موكب الحج الشامي بمحاذاة الصحراء ويصل الى مكة في خلال اربعين يوما تقريبا، وبما ان طريق الحج يمر بأراضي قبائل مستقلة من العربان فإنه يجب ان يصير التفاهم معهم بأن يزودوا قافة الحج بالأدلاء كذلك يؤمنون لها الحماية، وغالبا ماتحصل نزاعات بين شيوخهم على هذه الامور، فيستغل الباشا امير الحج هذا الامر ويحاول ان يفاصل في السعر، في الغالب فإن قبيلة السردية التي تمتد خيامها على طول سهل حوران هي المرشحة فيقوم الباشا بارسال قطعة سلاح وعباءة وخيمة الى الشيخ وهذه الهدية تعني ( اننا اتخذناك قائداً للقافلة) ومن هذه اللحظة  يقوم الشيخ بتأمين الجمال بأسعار معقولة من قبيلته والقبائل الحليفة ومن ضمن العقد الا يتم التعويض عليه في حال نفوق اي من هذه الدواب، وتحتاج القافة في السنة العادية الى عشرة الاف جمل وهو مايشكل وردا مهما من موارد قبائل العربان، ويجب ألا يظن بأن هذه الاموال التي تدفع وهذا التعب بدافع الاخلاص  وحده، هناك حقيقة أخرى يعرفها كل حاج في هذه القافلة وهي التجارة، عندما يقوم الحاج من مدينته يحمل معه بضائعها ويقوم ببيعها على طريق الحج وفي مكة ايضا تتم المبادلات فتجد شالات من كشمير ولؤلؤ من البحرين وقهوة من اليمن وبهارات من الهند، في بعض الأحيان تقوم بعض القبائل المتمردة بتشليح التجار والحجاج ولكن في اغلب المرات تعود القافلة الى دمشق وقد حقق الحجاج غايتهم.

حواشي

1- جرجي مرقص الدمشقي، انظر سيرته في موقعنا / باب اعلام ارثوذكسيون

2-صناعة سدي الحرير ونسجه كانت حرفة مسيحية في دمشق بامتياز وتمارس في ناحية آيا ماريا (القيمرية والقيمرية تحريف عثماني لتسمية ايا ماريا اي ايا ماريا وهو اسم الكنيسة والتسمية كانت تطول كل المنطق المحيطة برمتها بما فيها زقاق القيمرية وعندما تم اعتماد الكنيات في القرن 17 انشئت الخانات السكانية واعتُمدت تسمية القيمرية خانة عقارية سكنية مسيحية دمشقية وترافقت بمسيحية  “قيمرية مسيحية”.

3- الكنيسة المريمية وهي الكنيسة الوحيدة وقتها للروم الارثوذكس في مدينة دمشق (القديمة) اضافة الى كنيسة حنانيا الرسول في الميدان

…من المراجع

ويكيبيديا

تيسير خلف/ ابواب العدد 22/ 23كانون الثاني 2011

تدويناتنا في موقعنا عن دمشق عبر تاريخها  وخاصة تاريخها المسيحي، و في زمن العثمانيين والحرف عند المسيحيين…والحضور المسيحي الدمشقي… والكرسي الانطاكي المقدس.

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *