دير القدّيسة تقلا معلولا البطريركيّ
بلدة معلولا، محج يستقطب المؤمنين من سورية والدول المجاورة والمغتربين والاجانب بحج ديني منتظم عبر اعياد رفع الصليب المقدس، و القديسة تقلا ، والقديسين سرجيوس وباخوس… وتنتشر فيها المظاهر الاحتفالية الدينية المترافقة مع الفرح الشعبي العارم من عراضات وتتوشى بيوت البلدة كلها باشارة الصليب المقدس المضاءة وكان ذلك قبل كارثة اجتياحها من قبل المجموعات المسلحة والدمار، وبعد التحرير وبالرغم من مظاهر الدمار الشامل والبدء بالترميم عادت معها هذه المظاهر مجدداً لتعطي الامل ولتقول معلولا للجميع انا ابنة التاريخ السحيق والتاريخ المسيحي وباقية بقاء الخلود.
تبعد معلولا خمسة وستّين كيلومترًا عن دمشق إلى الشمال الشرقيّ، ويرتفع ألفًا وستمائة متر عن سطح البحر. معلولا، هذه البلدة الصخرية، استظلّت بآخر سلسلة من السلاسل الجبليّة الثلاث، التي تشكلّ منطقة القلمون، فتمتّعت بعزلة وحماية طبيعيّتين، ما يفسّر، إلى حدّ كبير، ثبات سكّانها على الإيمان المسيحيّ وتمسكهم بالآراميّة الفلسطينية لغة الرب يسوع وهي لغّتهم الأصليّة التي توارثوها من فجر وجود بلدتهم ووجودهم.
معلولا كلمة آرامية لفظها الأصيل (مو علولا) ومعناها المعبر أو المدخل الذي عبرت منه القديسة تقلا في الجبل، وهي بلدة قلمونية تقع كالعقاب في وكره، بيوتها مؤسسة على الصخر متصاعدة بعضها فوق بعض بنسيج عمراني فريد (كثيراً ما استهوى الفنانين فجسدوها في فنونهم واقاموا المعارض عنها في الوطن والمهاجر) حتى يخيل للناظر إليها أنها مبنية بعضها فوق بعض.
يتكلم سكانها الآرامية المحكية والعربية.، ويدلّ على موقع القرية في ثغرة ممرّ جبليّ ضيّق. وقد ذُكر اسم معلولا في المؤلّفات الكلاسيكيّة، كما وجدت في البلدة آثار عدّة من بينها تماثيل وأصنام. والأهمّ من ذلك كلّه، القناطر والمقابر والنقوش من المرحلة الهلينستيّة (الاغريقية الشرقية)، التي عُثر عليها في عدد من المغاور الموجودة فوق البلدة، وبقايا معبد رومانيّ في السهل المجاور.
تضمّ بلدة معلولا العديد من الكنائس القديمة والآثار الرهبانية المبنية على اساسات معابد وثنية لماتنصرت البلدة منذمكلع القرن الرابع، ولكن معظمها اليوم مهدّم وهي: كنيسة السيّدة، كنيسة القدّيس توما، كنيسة القدّيسين قزما ودميانوس، كنيسة القدّيسة بربارة، وكنيسة القدّيس جاورجيوس وسواها.
عند مشارف القرية يقوم دير القدّيسين سرجيوس وباخوس المعروف بدير مار سركيس، وكان يشكّل، في ما مضى، ديرًا واحدًا مع دير القدّيسة تقلا الرهباني البطريركي وسنتحدث عن ذلك في تاريخ الدير وانتشار الرهبنة ادناه)،
ولكن بكل اسف يد التعصب المقيت كان لها الدور الهدام، بالرغم من اننا نحن نبني لكن غيرنا يدمر فلقد تم القضاء على هذا التجمع الرهباني في عهد المماليك وخاصة بيد الظاهر بيبرس في التطهير الديني والديموغرافي والعمراني الذي اجراه بحق المسيحيين في منطقة القلمون قارة ومحيطها بعد دماره لمدينة انطاكية عام 1268 والقضاء على مسيحييها في نهاية حروب الفرنجة المدعوة ظلما لنا نحن المسيحيون (صليبية…)
من الطبقة السفلى للدير الى المقام
دير القديسة تقلا هو دير للراهبات اللواتي كرسن حياتهن للعبادة وخدمة الدير وزواره
بجوار مقام القديسة تقلا ( الدير الاساس) بنى المسيحيون مذبحاً لإقامة الصلوات الإلهية وكان ذلك في القرون المسيحية الأولى ومازال حتى اليوم بمكانه المحفوظ . وكان القاصد زيارة قبر القديسة تقلا يصله صعوداُ على السلالم الخشبية والادراج الترابية، ومع تقدم الأيام آل إلى حالته الحاضرة…
وفي الدير كنيسة واسعة تجدد بناءها منذ 60 سنة ومتحفاً وأبنية خارجية لسكن الزوار والبناء يتجدد إلى يومنا هذا وخاصة بعد الاجتياح التكفيري الهدام بالأمس القريب، كما يوجد قرب الدير فج مار تقلا المحاذي له بما فيه من نتوءات وتجويفات وأماكن واسعة وضيقة أبدعتها يد الخالق ، ويؤم الدير في كل عام و خاصة في هذه الأيام بعد اعادة العمران وازالة آثار اليد التكفيرية الهدامة لأديارها وكنائسها وبعض بيوتها!!! وقد عاد يزورها العديد من السائحين العرب والأجانب المسيحيين واكثرهم يقصد زيارة هذا الدير وزيارة قبر القديسة تقلا وايفاء النذور له وقد انقطعوا عنه خلال الحقبة الاليمة الماضية من تاريخ سورية المعاصر.
القديسة تقلا المعادلة للرسل
وُلدت نحوَ السنة العشرين للمسيح، في مدينة ايقونية ( آسيا الصغرى – كيليكيا) من والدين وثنيين وغنيين. كانت جميلة وذكيّة ومثقفة كثيراً. خُطِبت لشاب لا يقل عنها شرفاً وجاهاً اسمه تاميريس بأمر والديها وكانت بعمر 18 سنة تقريبا. ولما مرّ بولس الرسول في مدينة ايقونية (قونية حالياً في آسيا الصغرى) نحو السنة 45م، سمعته الابنة تقلا وأعجبت بتعاليمه واستنار عقلها بنعمة الله. وبعد أن تفهّمت منه البشرى الإنجيليّة اعتمدت، ونذرت بتوليتها لله، وعكفت على الصلاة والتأمل. ورفضت الزواج من خطيبها، فسألتها والدتها عن هذا التبدّل في حياتها، فأجابتها: إنّه ثمن اصطباغها بماء العماد المقدّس وإيمانها بالمسيح الذي نذرت له بتوليتها. فثارت الأم وغضب خطيبها وأهلها وأخذوا يقنعونها بالكفر بالمسيح ويضغطون عليها لتنكر المسيح، فلم تسمع لهم. فشكتها أمّها إلى حاكم المدينة. فأخذ الحاكم يتملقها، ويتهددها لكنها لم تعبأ بتهديداته. فأمر باضرام النار ليرهبها. فرَمَت تقلا نفسها في النار مسرورة، إلاّ أنّ الله حفظها، بحيث نزل المطر وأطفأ النار وسلمت تقلا، فتركت بيت أبيها ولحقت بالقديس بولس ورافقته في أسفاره حتى انطاكية حيث بقيت تبشّر بإنجيل المسيح معه. فعلم بها والي انطاكية فأمر بطرحها عارية للوحوش. فستر الله عريها، ولم تؤذها الوحوش ابداً. فأعادها الوالي إلى السجن. وفي اليوم التالي ربطوها إلى زوج من الثيران المخيفة فكادت تقلا تموت من شدة الألم. لكن الله خلّصها بأن افلتَها الثوران، فحار الحاكم بأمرها!!!، وألقاها في هوة عميقة مملوءة حيّات سامّة، فلم تؤذها.
دُهِشَ وذهلَ الملك والجميع من هذه الحوادث المعجزة، فطلبها الملك وسألها كيف تنجو من هذه المخاطر؟ فأجابته: “أنا عبدة ليسوع المسيح ابن الله الحيّ. هو وحده الطريق والحقّ والحياة وخلاص من يرجونه”. فأطلقها الوالي أمام الجميع حرّة سالمة فخرجت وأعلمت القديس بولس بكل ما جرى لها فمجّد الله معها.
بعد هذا الاستشهاد الثاني، كرزت تقلا بكلمة الله، ثمّ انسحبت، ببركة الرسول بولس، وفق تقليدنا المحلّي، إلى سلفكية الشام أي معلولا حيث أقامت ناسكة في مغارة، في معلولا إلى سن التسعين. وقد أعطاها الربّ الإله موهبة شفاء المرضى، فتدفّق عليها الناس، وكثيرون اهتدوا إلى المسيح بواسطتها. لكن الأمر لم يرق للأطباء في سلفكية وقد بدأ مرضاهم يغادرونهم إليها. وإذ ظنّ الأطباء أنّ سِحر تقلا هو في عذريتها، أرسلوا رجالاً أشراراً ليذلّوها. هؤلاء طاردوها فهربت منهم ،فحاصروها، فرفعت الصلاة الحارة إلى الربّ الإله واستغاثت به، فانشقّت إحدى الصخور فدخلت فيها، فكانت الصخرة مخبأ لها ومدفناً.
ويظن أنّ رقاد تقلا كان حوالي العام 90 للميلاد، وهي أولى الشهيدات المسيحيات. خبرها مستمد من وثيقة مبكّرة تعود الى (القرن المسيحي الثاني) تُعرف بـ “أعمال بولس وتقلا”.
كُثُرٌ هم الآباء القديسون الذين اعتبروا تقلا مثالاً للعذارى والقدّيسات، وقالوا فيها مدائح عديدة: باسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وأمبروسيوس أسقف ميلان وإيرونيموس. أما القدّيس يوحنّا الذهبي الفم فقد قال فيها: “يبدو لي أنّي أرى هذه العذراء المبارَكة تذهب إلى المسيح ممسكة بعذريتها في يد وباستشهادها في الأخرى”.، كادوا يقبضون عليها عندما بلغت السلسلة الثالثة من جبال القلمون. وجدت الطريق مسدودًا بمرتفع صخريّ شاهق، ولكن ما إن طلبت رحمة الله، حتّى انشقّ الجبل بأعجوبة، فاستطاعت أن تعبر إلى المغارة التي عاشت فيها بقيّة حياتها.
ويؤكد علم الجيولوجيا ومن خلال الذكاء الصناعي وقبله من خلال خبرات العلماء الجيولوجيين انه لو تم تقريب حافتي الفج (عبر ماكيت مماثل لواقع الفج) لأنطبقت الحافتان تماماً وهذا ما اكده الذكاء الصناعي لاحقا، الامر الذي يؤكد وقوع معجزة شق الجبل…
في هذا المخبأ الواقع في كهف مماثل للكهوف الكثيرة التي تنتشر في جبال معلولا والبادية للعيان (والتي كان يلجأ اليها السكان عند الاغارات بواسطة السلالم الخشبية المخيفة، وبعضها يعود الى 50 الف سنة)،
عاشت هذه القدّيسة، سنوات عدّة في المغارة، وحفرت الينبوع لتستقي منه،وكانت مياهه تبرىء المشلول وأمراض المفاصل والعقم للمؤمنين الزائرين وتبشّرهم بالإيمان المسيحيّ، حتّى وفاتها وهي في سنّ التسعين تقريبا في العام 110 مسيحية، ودُفِنت في (سلوقية) اي (معلولا) في منسكها هذا الذي عاشت فيه منذ صباها اي منذ كان عمرها حوالي 30 سنة، وتعيد كنيستنا المقدسة لعيد القديسة تقلا في 24 ايلول من كل عام وفق السنكسار الارثوذكسي.
لذا ومما لاخلاف حوله ان منسكها او الدير الاساس يعد من اقدم الآثار المسيحية ليس في معلولا فقط بل في كل العالم على الاطلاق،فهو يعود الى العصر الرسولي (القرن المسيحي الاول) ولقد وصفت القديسة تقلا بأنها (المعادلة للرسل) وغدا منسكها وقبرها من اوائل المحجات المسيحية قاطبة في العالم، ويعد نبعَاً للنِعمٍ والبركات، وتزايد اقبال المؤمنين على زيارته والتشفع به بالرغم من تاريخ حافل بالنكبات والمآسي والدماء التي عاشتها المسيحية في مشرقنا وكرسينا الانطاكي عبر الألفيتين المسيحيتين المنصرمتين، وبداية الألفية الثالثة للرب يسوع والاجتياح التكفيري الأخير.
تاريخ الرهبنةفي القلمون عموما ومعلولا خصوصا
تنصّرت منطقة القلمون، في مطلع القرن الرابع المسيحي ،بعد براءة ميلان التي اطلقها قسطنطين الكبير عام 313 مسيحية وقام الرهبان الذين اعتنقوا الرهبنة المتسربة من الصحراء المصرية والتي اوجدها ابو الرهبان انطونيوس الكبير ورفيقه باخوميوس في تأسيس طريقة التعبد هذه البديلة عن الاستشهاد بيد الوثنيين في الامبراطورية الرومانية باستشهاد اختياري لقهر اهواء الجسد وتسليم النفس والروح للرب يسوع له المجد، فانتشرت حياة الرهبنة بكهوف فردية يعيش فيها الرهبان متوحدين ولكن تجمعهم الصلاة والكأس المشركة في الصلوات اليومية وفي الاعياد يقيمونها جماعة في كنيسة رهبانية ابتنوها… لقد فعل رهبان معلولا هذا الفعل في اسفل مرتفع مغارة القديسة تقلا عند بدء الرهبنة وانتشارها في سورية الكبرى، وكبرت رهبنة القديسة تقلا لتصبح تجمعا رهبانيا كبيرا من منسك القديسة وضريحها وامتد عبر الفج المقدس /الذي حمل من ذاك الوقت تسمية فج مار تقلا/ الى ظهر الجبل شمالا الى آخر الفج، وكانت قلايات الرهبان تنتشر في هذا المحيط لتصل الى موقع المعبد الوثني الهلنستي – الروماني الواقع على مسطح القمة في السلسلة القلمونية المعلولية الثالثة. الى ان فرض الامبراطور العظيم ثيودوسيوس الكبير السنة 387 المسيحية دينا رسميا في الدولة الرومانية، وأمر بمصادرة المعابد الوثنية في الامبراطورية وتحويلها الى اديار وكنائس كما في معبد جوبيتير الروماني – حدد الآرامي الدمشقي فجُعل كاتدرائية دمشق على اسم النبي السابق المجيد يوحنا المعمدان، (الشهيدة بتحويلها الى جامع بني امية الكبير بيد الوليد السنة 705م) وجعل اوقافها لخدمة هذه الاديرة والكنائس… شمر الرهبان المعلوليون عن ساعد الجد وحولوا كل المعابد في موقعهم الى كنائس ومنها بل واهمها هذا المعبد الوثني الشهير بمذبحه الصخري الذي كانت تذبح عليه الذبائح ومنها البشرية ارضاء للآلهة، وحولوه الى دير ثانٍ كبير يقع في اخر هذا التجمع الرهباني للصلاة الجماعية ( الدير الاول في عتبات منسك القديسة تقلا) وابقوا في كنيسته المذبح الوثني بعد تكريسه دليلاً على انتصار المسيحية بإلهها الحي الرب يسوع على الآلهة الوثنية الكاذبة.
وفي مطلع القرن السادس المسيحي تسمى هذا الدير بارادة امبراطورية من الامبراطور الرومي العظيم يوستنيانوس الاول “دير القديسين سرجيوس وباخوس” اضافة الى تسمية العديد من الكنائس والاديرة في رقعة الامبراطورية الرومية باسميهما تخليدا لفروسيتهما العسكرية ونبلهما اذ كانا من نبلاء روما رغم خلفيتهما الغسانية الحورانية كما يؤكد الحوارنة، وقد شغلا مناصب عسكريّة مهمّة رغم صغر سنّهما في زمن الإمبراطور مكسيميانوس وجاهرا بايمانهما المسيحي وتعرضا للاستشهاد…
ويقال أن أوّل كنيسة بنيت لهما كانت في بصرى حوران السنة 512 م لكونهما من خلفية غسانية حورانية ارثوذكسية خلقيدونية، وذلك طبعا بعد بناء دير سرجيوس في مدينة سرجيو-بوليس ( الرصافة ) في البادية السورية حيث دفن الشهيد سرجيوس، مكان خدمته التي نفي اليها في الصحراء واعدامه بقطع رأسه ،كما بنى الإمبراطور يوستنيانوس كنيستين عظيمتين على اسم القدّيس سرجيوس (سركيس). إحداها في القسطنطينية والأخرى في عكا في فلسطين (القرن السادس)...
وانتشرت الرهبنة خيث عاش العشرات من الرهبان في القلايات الرهبانية في جبال القلمون، وليس فقط في معلولا بل في دير عطية حيث كان دير للقديس ثيوذورس (عطية الله) وفي يبرود حيث ضمت كهوفها عشرات الرهبان وفي قارة والنبك… وبخعا وعين التينة ورنكوس ومنطقة العذراء (عدرا) منذ السماح بالمسيحية كما اسلفنا وامتدت الى صيدنايا بأديارها العديدة (القديس جاورجيوس وخريستوفورس والشيروبيم وسيدة صيدنايا والقديس توما والنبي الياس في معرة وصخرة مارتقلا وهي اعلى قمة في موقع سجن صيدنايا…وعين الصاحب ومحيطها وصولا الى آخر الجرف الصخري عبر بلودان (دير القديس جاورجيوس الرهباني (كنيسة بلودان الارثوذكسية الحالية)) في قمة جبل اليونان المطل على سهل البقاع (سلفكياس) وسرغايا ووادي بردى والبقاع وبعلبك وسائر سلفكية…
لذلك كما اسلفنا اتصل مزار القديسة تقلا وهو الدير الاساس منسكها وضريحها حيث عاشت منذ الثلث الثاني من القرن المسيحي الاول عبر قلالي الرهبان الى دير القديسين سرجيوس وباخوس الذي حمل التسمية لاحقا بأمر الامبراطور يوستنيانوس (كما مر) وكانت الرئاسة واحدة للديرين على غرار تجمع الاديار في جبل آثوس المقدس… وكان رئيس واحد لكل هذه الحظيرة الرهبانية الشاملة هذه للديرين والقلالي يقيم في دير القديسة تقلا ويرأس كهنوت البلدة، ثم صارت مع تمادي الزمان اسقفية ومقر اسقفها في دير القديسة تقلا ويرتبط بمتروبوليت ابرشية سلفكياس، كما انتشرت الاسقفيات في كل الارجا القلمونيةء وكان اساقفتها يرتبطون بمتروبوليت المنطقة في بعلبك قبل انشاء زحلة في القرن السابع عشر.
وكما هي العادة في الاديار الرهبانية كدير القديس جاورجيوس الحميراء مثلا كان المؤمنون يأتون للتعلم من الرهبان لذلك كان المؤمنون قد بدأوا بتبركون بزيارة القديسةت قلا في منسكها ويشفون على يديها ويتعلمون منها الايمان المسيحيي.. لذلك نلاحظ ان المؤمنين تبعوا الرهبان المقيمين في اديرتهم وقلاياتهم ثم مالبثوا ان استقروا حول هذه التجمعات الرهبانية واقاموا تجمهاتهم السكنية فيها فنشأت القرى السكنية مثل معلولا ودير عطية وصيدنايا وبلودان وداريا (دير الرؤيا) ودير الصليب المقدس (كنيسة الصليب المقدس حالياً بالقصاع) ودير العصافير في الغوطة ودير القديس جرمانوس في الغوطة (جرمانا) وبقية الاديار في هذه المنطقة ودير القديس حنانيا الرسول (كنيسة القديس حنانيا الرسول الارثوذكسية في الميدان (حالياً) ودير العشائر بالقرب من وادي بردى…واديار قاسيون كمران والنيربين وبطرس او فقرس والربوة…
بلغ الإسلام تلك المنطقة في القرن السابع، إلاّ أنّه انتشر في القلمون ببطء وتدريجيًّا، واستقرّ في سلسلة الجبال الأولى والسهول، قبل الوصول إلى السلسلة الثانية في القرن التاسع. ثم تغلغل في السلسلة الثالثة خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. فبقي عدد من البلدات والقرى مسيحيًّا، حتّى اليوم، ومنها صيدنايا، المعرّة، ومعرونة ومعلولا التي تضّم أكثريّة مسيحيّة تتوزّع بين طائفتَي الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك هؤلاء الذين عند انشقاقهم بادروا الى وضع اليد على كنائس في البلدة كان منها دير القديسين سرجيوس وباخوس.. وتميز الانشقاق ووضع اليد بالعنف…بكل اسف!!! وصار لاحقاً برعاية الرهبنة المخلصية الكاثوليكية وحتى الآن.
فيما بقي دير القديسة نقلا بيد الروم الارثوذكس وبقي مقرا لأسقف معلولا وانقطعت التؤامة مع دير القديسين سرجيوس وباخوس، وكما اسلفنا كان المماليك قد محقوا في عهدهم كل مظاهر الرهبنة من كهوف ومغاور وانحصر الوجود الرهباني في الديرين…
وفي مدخل دير القديسة تقلا استشهد الاسقف زخريا ابن 80 سنة عام 1850 بيد عصابات آل حرفوش البعلبكية في مذبحة المسيحيين المستمرة من 1849- 1860. والتي عرفت بمذبحة 1860 واستمرت الحياة الرهبانية الرجالية خجولة في الدير مقتصرة على رئيس الدير وراهبين او ثلاثة على الأغلب يقومون بخدمة الدير والاراضي الوقفية الى بدايات القرن 20… واستمر رؤساء الدير يعينون من قبل مطران الابرشية حيث كانت المنطقة تتبع لأبرشية زحلة الى حين الحاق القلمون السوري بقرار مجمعي بالبطريركية بدمشق بناء على طلب البلدات والقرى في القسم السوري عام 1925 لاتساع رقعة ابرشية سلفكياس وقاعدتها زحلة القلمون حتى قارة ووادي بردى وصيدنايا ومحيطها ولصعوبة رعايتها وعدم قدرة مطرانها من رعاية كل هذه المنطقة لذلك كان المطران جرمانوس شحادة مطران سلفكياس جعل دير القديس جاورجيوس في صيدنايا مقرا ثانيا له عام 1905.
الرهبنة النسائية
بدأت الرهبنة النسائية في دير القديسة تقلا البطريركي وهي منبثقة عن رهبنة دير سيدة صيدنايا البطريركي في ستينيات القرن 20 كان يرأس الدير قبلها رؤساء يعينهم البطريرك ولكن من الجدير ذكره ان القديس الشهيد نقولا خشة كان قد اقام وقتا مدبرا لدير القديسة تقلا ومشرفا على اوقافه المنتشرة في يبرود ودير عطية وقارة بتكليف من البطريرك غريغوريوس الرابع بين 1905 و1908 ومكلفا بذات الوقت بالاشراف على “اوقاف دير القديسة كاترينا في سيتاء” في معلولا ومحيطها، وذلك قبل تكليفه برعاية ابرشية كيليكيا كمدبر بطريركي لها اعتباراً من 1908 الى حين استشهاده بيد الاتراك في سجن مرسين عام 1918 تحت التعذيب. ليعقبه في رئاسة دير القديسة تقلا ارشمندريت يوناني من الاكليروس الانطاكي… وآخر الرؤساء كان الارشمندريت اثناسيوس سكاف (مطران حماه لاحقا زمن البطريرك ثيوذوسيوس السادس) وكانت الرهبنة الرجالية قد صارت شبه متوقفة تماماً في الدير، ثم بدأت الرهبنة النسائية منبثقة من رهبنة دير سيدة صيدنايا البطريركي مع الام مريم رحباني لتخلفه الأم بيلاجيا السياف من رهبنة دير سيدة صيدنايا ايضا…
بعد تحرير الدير كلف غبة ابينا البطريرك يوحنا العاشر قدس الارشمندريت متى رزق رئيس دير رؤية القديس بولس في كوكب بتدبير دير القديسة تقلا البطريركي والاشراف على اعادة بعثه من جديد، وقد عمل بهمة موصوفة وبرعاية وتوجيه مباشر من غبطته حتى عاد الدير الى رونقه وفتح ابوابه مجددا لعودة الراهبات والام بيلاجيا التي انتقلت مؤخرا الى الأخدار السماوية وبقي قدس الارشمندريت متى راعيا ومدبرا للدير الذي عاد كما كان محجة مسيحية اولى ومطرحا للسياحة الدينية المسيحية بوصفه يحتضن رفات القديسة تقلا المعادلة للرسل وهو يحظى باحترام السلطات الرسمية السورية وتسهيل كل اموره ككل الاوابد المسيحية الحية…
دير القديسة تقلا الرهباني
فهو كموقع /وكما اسلفنا / من أقدم الأديار الرهبانية في بلاد الشام، يعود إلى القرن الرابع المسيحي ويمكن أن نؤكد أن الدير بُني على مرحلتين، المرحلة الأولى وهي المغارة المتسعة الواقعة في بطن الجبل الشرقي والمطلة على الدير الحالي.
في ركنها الجنوبي يقع مقام وضريح القديسة و الذي سبق لبطريرك أنطاكية العظيم مكاريوس بن الزعيم أن أكّد دفنها فيه. وتناولها ابنه ارشيدياكون الكرسي الانطاكي بولس بن مكاريوس ابن الزعيم في ادبيات اسفار والده اضافة الى مرويات والده. أما في جهة المغارة الشرقية فتقوم كنيسة قديمة مغلقة وفيها مائدة حجرية ومذبحها منقور في الصخر وبين المقام والكنيسة نبع ماء يتبرك المؤمنون بالشرب منه ومسح جباههم بإشارة الصليب المكرّم. وفي الركن الشمالي الشرقي من المغارة ينقط الماء من سقف المغارة إلى صحن مرفوع على قاعدة تماثل العمود بارتفاع متر تقريباً كان يدهن منه المرضى الذين يفدون إلى القديسة للعلاج. وبجانبها شجرة تعود إلى عهود سحيقة ومن الملفت للانتباه أنها نمت في المغارة.
رفعت قناطر من الجهة الغربية للمغارة حيث إطلالة جميلة على الدير الحالي وعلى البلدة.ويمكن الوصول إلى هذا المقام الشريف عبر درج يؤدي إلى ساحة الدير الحالي الداخلية.
أما الدير الحالي فيقع حول المغارة (المخبأ- المنسك والمدفن ) في العام 1906، شُيّدت كنيسة بالقرب من الموقع المقدّس وفوق بقايا كنيسة قديمة لا يُعرف تاريخ بنائها. بدأ بناء الدير في العام 1935 وقد أضيف إليه طابق ثانٍ في العام 1959. الطابق الأرضيّ يحتوي على غرف استقبال وطعام ومعرض المصنوعات الحرفيّة. أمّا الطابق الثاني فمخصّص بكامله لصوامع الراهبات. تحت هذا المبنى مطبخ فيه فرن حجريّ لصنع الخبز، وفوقه يقوم بناء آخر يعود إلى العام 1888، أعيد ترميمه مؤخّرًا ليكون مقراً لبطريرك الأنطاكي. كما شيّد بيت ضيافة لاستقبال السيّاح والزوّار في العام 1934.
فوق سطح مبنى الدير الرئيس ثمّة درج يؤدّي مباشرة إلى مزار القدّيسة تقلا، أي إلى المغارة الصخريّة التي ترقى إلى العصور المسيحيّ الأول. تقسم هذا المغارة إلى نبع مقدّس وكنيستين صغيرتين رمّمتا مؤخّرًا. فمما لا شك فيه أنه بُني في أواخر القرن الثامن عشر حيث قامت متوحدات سبق وعشن في الدير ببناء غرفهن من أموالهن الخاصة ثم وقفنها بعد وفاتهن على الدير. تقع هذه الغرف في الجهة الشمالية وهي مبنية على الصخر. أما في الجهة الجنوبية فتقع كنيسة الدير وهي حديثة وجميلة ولعلها تعود إلى النصف الثاني من القرن الماضي.
أما الأبنية الحديثة التي يستأجرها المصطافون صيفاً وتدر ريعاً للدير كان يستعمل في أعمال الترميم والتحسين قبل كارثة الاجتياح التكفيري فقد بنيت من الناحيتين الجنوبية والغربية.
في الدير نواة مدرسة داخلية لليتيمات كانت أنشأتها رئيسة الدير الأم بيلاجيا السياف قبل الاجتياح ومن المأمول توسيعها مستقبلاً بالإضافة إلى إحداثها لمشغل تمارس فيه المتوحدات والتلميذات أعمال التطريز والخرز والفنون النسوية. وقد قامت بإجراء تعديلات على أنظمة إيجار أبنية الدير بغية زيادة الريعية للقيام بالإصلاحات والإحداثات الجديدة في الدير.
ينتشر تكريم القدّيسة تقلا على نطاق واسع، وشهرة ديرها توازي تلك التي يحظى بها دير سيدة صيدنايا البطريركي (الذي فيه إيقونة أصليّة للعذراء مريم رسمها القدّيس لوقا بيده وهي احدى الايقونات الثلاث التي صورها بيده)، وتجتذب شهرة القدّيسة تقلا، في شفاء الأمراض، العديد من الأشخاص لزيارة ديرها وإيفاء النذور. وكانت الى حين الاجتياح معروضة شاخصات قدمها الذين نالوا الشفاء في دير القديسة تقلا على غرار مثيلاتها في شاغورة دير سيدة صيدنايا البطريركي.
الى ماقبل الاجتياح كان يقيم حجّاج الدير وزوّاره في بيت الضيافة التابع له. أمّا في السابق فكان المتضرّعون وخاصة في عيد القديسة وعيد رفع الصليب المقدس يمضون فترة بعد الظهر والليل في المغارة، ويسجدون فجرًا أمام الإيقونسطاس، ويشربون من مياه الينبوع المقدّسة. وإذا كان المتضرّع امرأة حاملاً، فتقتضي العادة بأن تأكل خصلة من فتيل مصباح الزيت المضاء في المغارة. والذين تحول شدّة مرضهم دون ذهابهم شخصيًّا إلى معلولا، يرسلون صلواتهم المكتوبة بواسطة زوّار الدير ليضعوها عند قبر القدّيسة. واللافت أنّ تكريم القدّيسة تقلا ذائع في سورية، بين المسلمين أيضًا الذين يحجون باكرام الى الدير والمنسك ويشعلون الشموع ويكرمون الضريح ويتبركون بمياه مار تقلا المقدسة. فرغم انتشار الإسلام، في المنطقة حافظ السكّان المحلّيّون على إيمانهم بالقدّيسة تقلا، ما سمح باستمراريّة الدير وازدهاره. ومن الملاحظ أنّ العديد من الصلوات التي ترفع إلى القدّيسة تقلا من المؤمنين، في مغارتها، منها آيات قرآنيّة من المسلمين. وقد نال العديد من المسلمين، جوابًا عن توسّلاتهم الحارّة، بركة إنجاب الأطفال. تاليًا يقوم بعضهم بتعميد أطفاله علامةً على احترام القدّيسة والشفاء من امراضهم المستعصية. وللقدّيسة تقلا أهمّيّتها في لبنان أيضًا، وبخاصّة في قضاء المتن، حيث كرّس العديد من الكنائس على اسمها.
يتبع دير القدّيسة تقلا البطريركيّة الأنطاكيّة في دمشق مباشرة كما اسلفنا، وتقطنه سبع راهبات. وكما في الأديار الأرثوذكسيّة الأخرى، فالصلاة هي قوام حياتهنّ اليوميّة. تصلّي كلّ راهبة في الصباح منفردة، والصلاة الجماعيّة تقام ثلاث مرّات في الأسبوع في الكنيسة الكبرى او المقام. وبما أنّ دير القدّيسة تقلا هو مزار مقدّس يقصده الكثير من سكّان منطقة القلمون، والمسيحيون من سورية والدول المجاورة والسياح الاجانب، فالراهبات مستعدّات دومًا لاستقبال الزوّار ومرافقتهم خلال تطوافهم في أرجاء الدير والشرح. ماقبل الاجتياح ومن ثم بعد التحرير واعادة البناء… من ناحية أخرى، ينظّم الدير نشاطات رعائيّة باستمرار، ويؤمن كاهن الدير خدمة القدّاس الإلهيّ في أيّام الآحاد والأعياد. تعمل الراهبات معًا على تنظيف أبنية الدير والاعتناء بها، ولكنّ التقليد ينصّ على أنّ الاعتناء بمغارة القدّيسة تقلا يُعهد به إلى الراهبة الأكبر سنًّا.
بالإضافة إلى هذه الواجبات، تمارس الراهبات بعض الأعمال اليدويّة كالخياطة والتطريز وصنع المسابح وترصيع الإيقونات باللآلئ. ومنذ تعيين بيلاجيا سيّاف رئيسة للدير، أُسّس ميتم صغير يضمّ اليوم عددًا من الأطفال. الراهبات لا يتركن الدير إلاّ من أجل الإشراف على الأعمال الزراعيّة، في الحقول المجاورة، أو أحيانًا للسفر إلى دمشق من أجل شراء الحاجات التي لا تتوفّر في معلولا.
ايقونات الدير
واقع دير القديسة تقلا في الاجتباح التكفيري2011-…
ينتشر تكريم القدّيسة تقلا على نطاق واسع، وشهرة ديرها توازي تلك التي يحظى بها دير صيدنايا المجاور، وتجتذب شهرة القدّيسة تقلا العديد من الأشخاص لزيارة ديرها وإيفاء النذور. اليوم، يقيم حجّاج الدير وزوّاره في بيت الضيافة التابع له. أمّا في السابق فكان المتضرّعون يمضون فترة بعد الظهر والليل في المغارة، ويسجدون فجرًا أمام الإيقونسطاس، ويشربون من مياه الينبوع المقدّسة. وإذا كان المتضرّع امرأة حاملاً، فتقتضي العادة بأن تأكل خصلة من فتيل مصباح الزيت المضاء في المغارة. والذين تحول شدّة مرضهم دون ذهابهم شخصيًّا إلى معلولا، يرسلون صلواتهم المكتوبة بواسطة زوّار الدير ليضعوها عند قبر القدّيسة. واللافت أنّ تكريم القدّيسة تقلا ذائع في سورية، بين المسلمين أيضاً. فرغم انتشار الإسلام، في المنطقة حافظ السكّان المحلّيّون على إيمانهم بالقدّيسة تقلا. وللقدّيسة تقلا أهمّيّتها في لبنان أيضًا، وبخاصّة في قضاء المتن، حيث كرّس العديد من الكنائس على اسمها. كما يتبع دير القدّيسة تقلا البطريركيّة الأنطاكيّة في دمشق مباشرة، وتشرف عليه أمّ رئيسة هي حاليًّا بيلاجيا سيّاف، وتقطنه عدّة راهبات.
من المصادر
كتاب “أديار الكرسي الأنطاكي”، منشورات جامعة البلمند، 2007.
سنكسار القديسين
رستم، اسد تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى
ابحاثنا تاريخ كنيسة انطاكية ومختصر تاريخ كنيسة انطاكية وابحاثنا التاريخية في موقعنا هنا…
بريك، الخوري ميخائيل /حوليات
شهادات شفهية لمسنين من اهل معلولا
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً