دير القديس جاورجيوس البطريركي للروم الأرثوذكس في مصر القديمة
بطريركية الإسكندرية وسائر افريقيا للروم الأرثوذكس
تشخص الأنظار إلى دير القديس جاورجيوس البطريركي في مصر القديمة، الواقع في منطقة بابليون، والتي أخذت اسمها بعد استيطان الأسرى البابليين الذين جلبهم الفرعون رمسيس الأول إلى مصر.
تقع هذه المنطقة على بعد حوالي خمس كيلومترات جنوب وسط القاهرة، وتقع مقابل أهرامات الجيزة. وتعد اليوم واحدة من أكثر ضواحي القاهرة اكتظاظًاً بالسكان، ويوجد بها الكثير من الأديرة ودور العبادة والمقابر.
يُطلق عليها مصر القديمة،
الدير هو صرح شامخ مهيب للغاية، وبسببه أُطلق على الحي أسم الدير أي “مار جرجس”، وقد ذُكر حصن بابل الروماني الذي أُنشأ عليه الدير في كتب المؤرخ سترابو وكتاب آخرون.
كان هذا الحصن في القرون الأولى يحمي مدخل القناة التي وصلت إلى البحر الأحمر، ويرتبط بناء المنطقة بشكل أساسي بالإمبراطور تراجان، في حين أن الحصن نفسه يعود إلى زمن الامبراطور ديوقلديانوس.
في أحد البرجين العملاقين في الشمال، تم بناء كاثوليكون لدير الروم الأرثوذكس التابع لبطريركية الإسكندرية وسائر أفريقيا، المكرس لإكرام القديس والعظيم في الشهداء جاورجيوس اللابس الظفر، القديس الذي اعترف بحسب التقليد المقدس بإيمانه بالإله الحقيقي في بابليون مصر حيث سُجن وتعذب.
كما يؤكد التقليد المقدس مرور وإقامة العائلة المقدسة لفترة طويلة في بابليون مصر، حيث لا يزال بئر العذراء “ينبوعاً للشفاء” في كنيسة العذراء داخل مدافن الدير.
في القرن الرابع، بدأت عملية استعمال الحصن للعبادة مساراً متزايداً تدريجياً، وبلغ الامر ذروته بعد انتهاء استعمال الحصن كمبنى عسكري في نهاية القرن الخامس.
هناك أيضاً مخطوطات تؤكد وجود دير مار جرجس، وتعود إلى القرن الرابع عشر، ومقياس النيل الموجود إلى اليوم في قاعدة البرج يؤكد وجود الحصن، مقياس النيل الذي كان يُستخدم لتحديد مقدار الضرائب بسبب العلاقة المباشرة بين التقلبات السنوية للإنتاج وتلك الخاصة بتدفق النيل. وأيضاً هناك مخطوطات تؤكد أن الدير في فترات مختلفة على مر العصور كان يُستعمل أيضًا كمدرسة ودار للأيتام ومستشفى ومؤسسات خيرية وتعليمية أخرى.
كما أن قبور الشهداء الجدد جبرائيل وكيرميدولي، واللذان يقعان داخل الدير، يعتبران شهادة حية أخرى على وجود الدير لعدة قرون. وتجدر الإشارة إلى أن قديسين استشهدوا العام 1522 أثناء حبرية بابا وبطريرك الروم الأرثوذكس القديس يواكيم الباني، وكتبوا ووثق حياتهم كل من القديس نيقوديموس الأثوسي وبطريرك الإسكندرية ثيوفيلوس الثاني.
أما الدير فهو مكان استقطاب وواحة روحية، ليس فقط للروم للأرثوذكس، ولكن أيضًا للأقباط الأرثوذكس والكاثوليك وجميع المسيحيين والمسلمين أيضاً، حيث يتوافد اليه الزوار من جميع أنحاء مصر والعالم للصلاة أمام أيقونة القديس جاورجيوس العجائبية، التي حُفظت بطريقة عجائبية من النار التي أحرقت كاثوليكون الدير العام 1904.
وبعدها تم من جديد إعادة بناء الكنيسة المهيبة الموجودة اليوم، والمعروفة أيضًا باسم “Rotunda of the East”، على البرج الروماني المكون من ثلاثة طوابق على عهد المثلث الرحمات بطريرك الإسكندرية فوتيوس في أوائل القرن العشرين، وهي اليوم واحدة من أهم المزارات الدينية في أرض النيل.
التاريخ الحديث للدير
وفي ما يتعلق بالتاريخ الحديث للدير، فقد نور الدير، كما في تاريخ القرون المسيحية الأولى في القاهرة القديمة، مرة أخرى في العام 2015 عندما تم إعادة افتتاح أبواب كاثوليكون الدير المقدس وتم افتتاح جميع المرافق داخل الحصن، وذلك بعد أن تم ترميم كل شيء بالكامل بنعمة الرب وبمباركة وعناية وإلهام صاحب الغبطة والقداسة البابا وبطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا ثيودوروس الثاني وبتبرع من المحسن الكبير أثناسيوس مارتينو.
وبجانب أهمية إنقاذ الدير المقدس وترميمه، وهو الرمز الخالد للبطريركية، فإن لهذه الأعمال أيضاً رمزية خاصة، حيث إنها تعاون متعدد الجوانب بين اليونانيين والمصريين في العديد من المجالات، إذ تضافرت جهود المسلمين والمسيحيين، بتوجيه من البابا والبطريرك ثيودوروس الثاني، لترميم مكان للعبادة، والحصن الذي سُجن فيه القديس جاورجيوس.
وتستمر مسيرة العمل والجهاد الروحي، ويبقى القديس جاورجيوس، قديس المسيحيين، قائداً للضعفاء وحاميهم. ويبقى دير مار جرجس في مصر القديمة، مبنى فريداً بالشرق، ونصبًا تذكاريًا للقاء حضارات عظيمة، ولكنه أيضًا فلكاُ رهبانيًا للأرثوذكسية يواصل رحلته عبر العصور…
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً