دير مار الياس شويا البطريركي
دير مار الياس شويا البطريركي
تمهيد
دير بطريركي يتبع لبطريرك انطاكية وسائر المشرق وكان يعد مقرا بطريركيا صيفبا لاقامة البطريرك بعد دير البلمند.يعود في تاريخه مابين القرنين الرابع والسادس المسيحيين
موقع الدير
على تلّة مرتفعة في منطقة شويّا المتنية تحكي الحجارة المرصوفة عليها قصّة دير مار الياس شويا البطريركي للروم الارثوذكس، وهو أشبه بقلعة شامخة تكلّل القمة بالحجر الرملي. استخرجت حجارته من المرتفع المجاور له وهو يبدو للناظر إليه عن بعد كإمتداد طبيعي للمنحدر الجبلي. أصبح هذا الدير مع الزمن محجّة للمؤمنين ويعود الذكر الأقدم له في المخطوطات الى حوالي 800 سنة قبل المسيح من هنا يرجح أن يكون عمر تأسيسه من عمر تلك المخطوطات.
كنيسة ذات رواقين
بين القرن الرابع والسادس تنسّك ثلاثة رهبان على التلّة التي شيّد عليها دير مار الياس شويا فيما بعد، وحفروا في حينها كنيسة الدير القديمة التي لا تشبه باقي الكنائس الارثوذوكسية الموجودة اليوم فمن يقصد ذاك المكان وتلك الكنيسة بالتحديد يلاحظ الشكل الهندسي المميز لها، فهي وللنظرة الأولى تأخذ المؤمن بالذاكرة الى العقود القديمة سواء بالحجر الصخري القديم الذي صممت منه أو بغياب الايقونوسطاس-الجدار الحامل للأيقونات والذي تميزت به الكنائس الارثوذوكسية الحديثة وأخيراً “بالدهاليز” التي تساعد على العبور من غرفة الى أخرى. هنا يشرح الأخ الراهب بولس رزق أن “العلماء أثبتوا أن هذه الكنيسة هي “ذو رِواقين” أي أن هناك كنيسة وكنيسة أخرى بجانبها، وهي تعدّ من أقدم الكنائس في الشرق الأوسط”، لافتا الى أنه “وبعد حرب الإيقونات في القرن السابع ظهر الجدار الحامل لها، ومن هنا يرجّح أن يعود تاريخ إنشاء هذه الكنيسة الى ما بين القرن الرابع والسابع” المسيحيين.
الهروب من الاضطهاد
يشير الأب أنطونيوس عبر “النشرة” الى أن “الرهبان الذين شيّدوا الكنيسة حفروا في نفس الوقت الدهاليز على شكل غرف وكلما مررنا من واحدة الى أخرى تنخفض “عتبة” الباب تدريجيا”، لافتاً الى أن “فترة اضطهاد المسيحيين وهندسة الدهاليز كانت لمنع وصول العثمانيين الى تلك الغرف خصوصا وأنهم كانوا يدخلون على الأحصنة التي لا
تستطيع الركوع للعبور”، ومضيفاً: “السبب الآخر لتشييد الدهاليز بالشكل الذي هي عليه هو السعي للمحافظة على حرارة الغرفة ومنع الرطوبة من الدخول اليها للمحافظة على المزروعات”.
الايقونة العجائبية
يحتوي الدير على قلّة من الإيقونات المتنوعة، وأقدمها الأيقونة العجائبية التي يعود تاريخها الى حوالي 1100 سنة. ولهذه الأيقونة قصة طويلة، يرويها الشماس أراكيلوس، لافتاً الى أنها “كانت موجودة في الدير إبّان فترة احتلال العثمانيين”،
ومشيرا الى أنهم “دخلوا الدير فوجدوا الرهبان يصلون أمامها فقاموا بالتنكيل بها وطعنها بالسيوف ولا تزال آثار تلك الطعنات بارزة عليها حتى اليوم”، مضيفاً: “جرّوا الرهبان الى خارج الدير وربطوا الإيقونة بالأحصنة لتشويهها أكثر ولإقناع الرهبان بأن لا أهمية لها وأن مار الياس لا يستطيع أن يفعل شيئاً وفي النهاية وضعوها في الحديقة وحاولوا حرقها ليقوموا بعدها بذبح الرهبان واحدًا تلو الآخر ورميهم في فجوة تحت الدير حيث لا تزال عظامهم موجودة هناك حتى اليوم”.
جثمان غير متحلّل
كثيرة هي الأمور التي تميّز هذا الدير وتسمح له أن يكون مقصدا للمؤمنين من كل ناحية ومن أهمّها جثمان مطران غير متحلّل ومسجّى في الكنيسة السفلية له وقد اكتُشِف هناك منذ حوالي تسعين سنة وعمره حوالي 350 سنة ويعود لمطران بيروت مكاريوس صدقة. وهنا يلفت الأخ الراهب بولس رزق الى أنه “تم العثور على هذا الجثمان بعد إكتشاف المقبرة الجماعيّة التي تحتوي على عظام الرهبان الذين نَكّل بهم الأتراك”، ويشير الى أن “وصية المطران كانت أن يدفن في دير مار الياس شويا”.
أثر رهباني روسي ارثوذكس
برز أثر رهباني روسيّ قويّ في دير مار إلياس شويّا مع بداية أواخر القرن التاسع عشر، حيث قَدم رهبان روس في ذاك الوقت الى الدير عندما عاد البطريرك غريغوريوس الرابع حدّاد من روسيا في العام 1913 عندما ترأس احتفالات اسرة رومانوف على مرور 300 سنة تملكهم العرش الروسي، بدعوة من القيصر نيقولا الثاني لغبطة البطريرك غريغوريوس الرابع ، وباذن منه بالتنسيق مع بطريركية موسكو وكل الروسيا بعدما طلبوا الاذن من غبطته ( الوثائق البطريركية) وبقوا فيه ما يقارب خمس سنوات مُدخلين عليه إضافاتٍ وتعديلات عدّة. ويلفت الأب أنطونيوس الى أنهم “شيّدوا مبنى من أربع طوابق الى يمين مدخل الدير: يضمّ كلّ طابق علويّ ثلاث غرف، والطابق الأرضيّ مقسّم إلى إسطبلات وأقبية تستعمل اليوم لتخزين أخشاب الوقود”، ويردف الى أن “الرهبان الروس بنوا مدافئ في جدران الغرف تشتعل بواسطة مواقد صغيرة تعمل على الحطب لا تزال موجودة حتى اليوم”.
جماجم رهبانية
يشكّل الدير مركز الحياة الدينية والثقافية في المنطقة، فهو بصموده كل تلك الاعوام يؤكد أن المسيحيّة التي واجهت عدّة أنواع من الاضطهادات والظلم في الماضي تمسّكت بتاريخها وهي لا تزال وستبقى متمسّكة به رغم الصعوبات التي تلحق بالمسيحيين في المنطقة.
ايقونوسطاس الكنيسة
حامل الإيقونات هو حجاب الهيكل الذي انشق عند صلب يسوع المسيح من أعلى إلى أسفل، فصار يُمثل الوحدة بين الله والناس، حيث العالم المادي والروحي يلتقيان.
وبحسب ترتيب الجدار توضع أيقونة المسيح دوماً على يمين الباب الملكي، وعلى شماله أيقونة والدة الإله “قامت الملكة عن يمينك…”، وعن يمين أيقونة المسيح توضع أيقونة يوحنا المعمدان. أمّا بالقرب من أيقونة العذراء التي هي عروس الله والتي تمثل الكنيسة فنرى أيقونة القديس شفيع الكنيسة. وعلى الباب الملكي ترسم أيقونة البشارة التي فيها حصل اتحاد الله بالبشر، أما على البابين الآخرين ترسم أيقونة رئيسي الملائكة ميخائيل وجبرائيل وفوق هذه الأيقونات التي عادة ما تكون بمقاس الحجم الطبيعي للإنسان، توجد ثلاثة أو أربعة صفوف من الأيقونات الأصغر حجما وعددها يتوقف على كبر الكنيسة أو صغرها.
أطلق كلمة أيقونة على الرسومات ذات الطابع الروحي التي تعكس حقيقة إلهية، وما عداها فهي لوحات وفنون شعبية، ولقد أوجدتها الكنيسة واضعة لها قواعد للرسم لتكون لقاء مع الخليقة الجديدة، والمسيح هو رأسها.
ولد مكاريوس عبدالله صدقة في 12 نيسان سنة 1730 سيم راهباً في دير سيدة الناطور المريسة في في 23 شباط 1757 وأصبح مطرانا على صور وصيدا في آذار من العام 1762 وفي 18 أيار 1774 انتقل الى أبرشية بيروت، وتوفي في 19 آب 1798 في قرية المحيدثة ودفن في دير مار الياس شويا.
موقع الدير
دير مار إلياس شويّا، في منطقة المتن، على بعد واحد وثلاثين كيلو مترًا عن بيروت، أشبه بقلعة شامخة تكلّل قمّة من الحجر الرمليّ. يرتفع الدير ألفًا ومئة وخمسين مترًا عن سطح البحر ويُشرف على مجموعة من المصايف المعروفة كبكفيّا والخنشارة والشوير و على شريط من القرى الواقعة في سفح الجبل كالزغرين وشويّا وعين التفاحة وشرين والجوار. تكسو المنطقةَ بأكملها غابات الصنوبر الجميلة، وتكثر في الأراضي المحيطة بالدير أشجار السنديان والأوكالبتوس والصفصاف وقصب السكر والتفاح والإجاص والخوخ والدرّاق وكروم العنب الممتدّة على الجُلول الجبليّة.
استُخرجت حجارة الدير من المرتفع المجاور، ما يجعله منسجمًا مع الخلفيّة المحيطة به، حتى إنّه يبدو، للناظر إليه عن بُعد، كامتدادٍ طبيعيّ للمنحدر الجبليّ. نبيّ العهد القديم، إيليّا، هو قدّيس لا يكرّمه المسيحيّون فحسب بل أيضًا المسلمون وبخاصّة الدروز. وهو يكوّن، بالإضافة إلى القدّيسين جاورجيوس وميخائيل، ثالوثًا من القدّيسين المحاربين الذين كُرّست على اسمهم كنائس وأديار عدّة في لبنان. فإيليّا المُدافع عن الإيمان لم يتردّد في قطع رؤوس كهنة الإله الفينيقيّ بعل، الذي كان يعبده ملك إسرائيل آحاب وزوجته إيزابيل. ورغم كونه نبيًّا من العهد القديم، إلاّ أنّه يُعتبر مثالاً ساطعًا على الحياة الرهبانيّة، بسبب سكنه الطويل في البرّيّة، حيث كانت طيور الغربان تأتيه بالطعام. يقع هذا الدير الأرثوذكسيّ إلى جانب دير مارونيّ، مكرّس بدوره للنبيّ إيليّا، وتابع للرهبنة المريميّة، التي كانت سابقًا تعرف بالرهبنة الحلبيّة.
دير مار إلياس شويّا هو المقرّ الصيفيّ للبطريرك. وما يزال هذا الدير محجّة للمسيحيّين: ففي العشرين من تمّوز، يوم عيد شفيعه، يأتي الناس من جميع الأنحاء ليشاركوا في الاحتفالات الليتورجيّة التي تقام فيه.
وهو احد الاديرة التابعة لغبطة بطريرك انطاكية وسائر المشرق وهي الاديار التالية
في لبنان
1- ديرسيدة البلمند في لبنان الشمالي للرهبان مع جامعة البلمند وكلية اللاهوت باسم القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتية.
2- دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير للرهبان.
3- دير سيدة صيدنايا البطريركي في حاصبيا ( وهو فرع دير سيدة صيدنايا البطريركي)
في سورية
1- دير سيدة صيدنايا البطريركي في صيدنايا بريف دمشق وهو للراهبات.
2- دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي في وادي النصارى سورية وهو للرهبان.
3- ديرالقديسة تقلا البطريركي في معلولا بريف دمشق وهو للراهبات.
4- دير القديس جاورجيوس البطريركي في صيدنايا وهو للرهبان.
5- دير الشيروبيم في قمة الشيروبيم في صيدنايا الرهباني.
كلا الديرين الاخيرين تخدمهما رهبنة واحدة هي رهبنة القديس جاورجيوس للرهبان.
6- دير القديس خريستوفورس البطريركي في سهل معرة صيدنايا وهو مقر للمؤتمرات.
7- دير رؤية القديس بولس البطريركي في سهل كوكب بريف دمشق الجنوبي للرهبان.
اضافة الى دير النبي الياس البطريركي في دمشق / الطبالة وهو مخصص نزل للطالبات
دير النبي الياس شويا البطريركي في ضهور الشوير
نشوء وتاريخ الدير
تتضارب محاولات التأريخ لبدايات هذا الصرح الديني الهام تبعاً للروايات التي ساقها مؤرخو التاريخ الحديث، فمنهم من جعل تاريخ نشوئه في أواخر القرن السادس عشر، ومنهم من جعله في بدايات القرن السابع عشر، وكل تلك الروايات منقول من الأدب الشعبي أو من تحليل غير مستند إلى شواهد مؤكدة. ولكن في الدير ما يثبت انه يعود إلى القرون المسيحية الأولى وان حركة الترهب والتماس وجه السيد المبارك بقيت تمارس على هذه التلة على الرغم من فقدان الكثير من المخطوطات والشواهد بفعل عوامل الزمن والإهمال والعبث والحروب التي طاولت المنطقة وندرة المراجع الموثقة.
وأقدم لوحة تؤرخ لمرحلةٍ من مراحل وجود الدير هي اللوحة الحجرية البيضاء المثبتة فوق باب الكنيسة الشمالي(وهو المحل القديم للكنيسة)، تحت قبة الجرس، والتي تشير إلى نيسان 1550.
وأقدم مخطوطة تذكر اسم الكاهن الذي خدم في الدير بدايات التاريخ الحديث، هو الخوري بطرس بن الحاج يوحنا بن المعلوف، تعود إلى 23 تشرين الثاني 1524.ش
وأقدم شاهد على الإطلاق يثبت أن الدير كان في البدء ، قبل أن يكون حوله أي بتاء أو قرية وانه ضارب في التاريخ، وهو الكنيسة القديمة في الدير الموجودة في الطابق السفلي الذي استحدث له مدخل في سنة 1992، مع الصوامع الست المعقودة المتصلة بها من جهة الغرب . فالكنيسة ذات رواقين متوازنين متصلين في ما بينها بقنطرتين ، وسقفهما نصف اسطواني، واتجاههما صوب الشرق وهذا الشكل المعماري من الكنائس كان موجودا في هذا الشرق (وفي لبنان خصوصاً) منذ القرنين الخامس والسادس، ثم عاد فازدهر في حوض البحر الأبيض المتوسط خلال غزوات الفرنجة “الغزوات الصليبية” (القرنين الثاني عشر والثالث عشر).
محطات تاريخية من حياة الدير
سنة 1612
أنشأ الراهب الياس مطر الجميّل دير مار الياس للموارنة على قطعة أرض مجاورة للدير الأرثوذكسي، ومع مرور الزمن صار تابعاً للرهبنة الحلبية المارونية.
بين عامي 1724 و1749
بسبب انشقاق الروم الكاثوليك تقلبت ملكية الدير بين الروم الأرثوذكس والروم الكاثوليك إلى أن استرجعه نهائياً أهالي المحيدثة الأرثوذكس في سنة 1749، فتسلمه البطريرك سلفستروس القبرصي وهو اول البطاركة اليونان وتسلم الدفة البطريركية وقت نشوء الروم الكاثوليك وبطريركهم كيرلس طاناس عام 1724 .
في ليل 18 تشرين الأول 1759
ضرب البلاد زلزال قوي فهدمت كنيسة الدير وقلاليه العليا. ولم تسلم إلا الأقلية السفلية.
في 4 نيسان 1760
اعاد رئيس الدير الاشمندريت صفرونيوس (صيقلي) إعادة بناء الدير والكنيسة بمساعدة أحد أعيان بيروت، أبو عسكر يونس نقولا الجبيلي ، في عهد المطران يوانيكيوس مطران بيروت ولبنان. واللوحة المثبتة فوق المدخل الغربي للكنيسة (المدخل الجديد الحالي) تؤرخ لعملية إعادة البناء هذه.
في أواخر القرن الثامن عشر، وطوال القرن التاسع عشر
ازدهر الدير ازدهارا ملحوظاً، فبات يستقطب الودائع من تجار الروم الأرثوذكس الأثرياء في بيروت والبقاع، ويمنح القروض لملاكي الأراضي في المنطقة ولمتعهديها. فاستطاع أن يوسّع أوقافه من خلال استملاك الكثير من الأراضي في منطقتي أبو ميزان وقنّابة برمانا. وبات أيضا مركزاً معروفاً لإنتاج الحرير.
في 19 آب 1798
رقد المثلث الرحمات مكاريوس (صدقة) مطران بيروت ولبنان في مسقط رأسه المحيدثة، فَحُمِلَ على الأكف إلى الدير حيث دُفن. ولا يزال جثمانه غير متحلل. وهو محفوظ في الصومعة الأولى الملاصقة للكنيسة القديمة في الطابق السفلي.
سنة 1841 اضاف البطريرك سنوديوس الى مبنى الدير صوامع عدّة في عهد رئيس الدير النشيط الاشمندريت اليوناني مكاريوس ، وكان الدير حينها يضم ثمانية رهبان وثمانية خدّام. واستمر بناء الصوامع الجديدة حتى أواخر ذلك القرن.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر
بينت في الدير على مستوى الطابق السفلي القديم مدرسة لتثقيف الناشئة، علّم فيها معلمين مشهورين. ثم أنشأ الدير لاحقا مدرستين ابتدائيتين في أبو ميزان وقنّابة برمانا لتعليم أطفال متعهدي الأرض في القريتين.
ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر
ظهر في الدير أثر روسي لافت، فقد بات القناصل الروس يقدمون المنح لمدرسة الدير، وأقام فيه لفترات متفاوتة مستشرقون ورحّالة ودبلوماسيون روس، أمثال بارسكي وباسيلي وكريمسكي وكرشكوفسكي.
في بداية القرن العشرين
أُنجز حفر ايقونسطاس الكنيسة من خشب الجوز بيد النحات بتابوت قسطنطين بيرتيس ويتميز هذا الايقونسطاس بالنقوش المحفورة عليه، فمنها مشاهدي تروي إحداثا كتابية كالبشارة والميلاد والمجيء الثاني للمسيح الدّيان. وملائكة يبّوقون ، والنبي إيليا وهو يقتل كهنة البعل، والغراب الذي كان يأتيه بالخبز، وقطع رأس النبي يوحنا المعمدان ، والإنجيليين، وهامتي الرسل بطرس وبولس، ومنها مشاهد من الحياة الكنسية والرهبانية كالنسر الذي له رأسان (شعار إمبراطورية الروم) ورئيس الدير، وكاهن يحمل الكأس المقدسة، وشماس بثياب الخدمة فضلاً عن أشكال زخرفيه ونباتات (كالكرمة والعنب) وحيوانات.
سنة 1910
عند عودة البطريرك غريغوريوس الرابع (حداد) من روسيا، قَدِمَ إلى الدير رهبان روس، ومكثوا فيه خمس سنوات، حتى 1915. وقد تركوا في الدير لمسات بيّنة خصوصاً من خلال تشييدهم المبنى القائم إلى يمين مدخل الدير، والمؤلف من أربعة طوابق، يضمّ كل طابق علوي ثلاث غرف والطابق الأرضي مقسّم إلى إسطبلات وأقبية.
وقد استحدث الرهبان الروس في هذا المبنى مدافىء في جدران غرفة تشتعل بواسطة مواقد صغيرة تعمل على الحطب. كما استحدثوا نظام ريّ يعمل يدوياً: فتدفق المياه إلى الحدائق والبساتين تنظمه شبكة من الحبال يمكن التحكم بها من الدير.
سنة 1996
أنهى رئيس الدير السابق، مثلث الرحمات الأسقف الياس (نجم)، ترميم الدير بعد تضرره من جرّاء الإحداث اللبنانية.
في آب 1996
أفتتح الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى فرعاً له في الجناح الذي كان مدرسة.
هندسة الدير
الدير بكامله مبنيّ بالحجارة الصفراء المغريّة اللون المستخرجة من المنحدر الجبليّ. وتتبع هندسته أربعة أنماط مختلفة.
1.الطابق السفليّ: العصر الوسيط
يحتوي الطابق السفليّ على غرفتين تعلو كليهما قبّة أسطوانيّة، وتفصل بينهما قناطر، وتستمدّان نورهما من نافذة ضيّقة. تشبه هاتان الغرفتان الكنائس ذات الصحنين الموجودة في شمال لبنان، وربّما كانتا تشكّلان كنيسة الدير القديمة. بمحاذاتهما نجد ستَّ صوامع تعلوها قببٌ معقودة، وتصطفّ كلّها بمحاذاة المنحدر الجبليّ. وقد نُحتت مداخلها الضيّقة، الأشبه بكوّات الحصون، في جدار تبلغ سماكته تسعين سنتيمترًا. هذه الصوامع مرتّبة من الشرق إلى الغرب تصاعديًّا بحسب حجمها. والأبواب التي تصل بعضَها ببعض تصغر تدريجيًّا بدورها بحيث يتوجّب على الزائر أن ينحني ليمرّ عبرها. وترمز هذه المميّزات إلى التدرّب التدريجيّ على الحياة الرهبانيّة المتمحورة حول التأمّل والصلاة. والواقع أنّ هذه الصوامع شديدة الشّبه بالصوامع القديمة الموجودة في دير صيدنايا في سورية. والصومعة الأولى تحتوي على ضريح مكاريوس صدقة متروبوليت بيروت المثلّث الرحمة الذي توفّي، في نهاية القرن التاسع عشر، والذي ما يزال جثمانه غير متحلّل.
لا وجود لأيّة كتابة تحدّد تاريخ الطابق السفليّ، لكنّه على الأرجح يعود إلى القرن الثالث عشر على الأقلّ. وكانت هذه الغرف تستخدم لفترة طويلة كمخازن للحبوب وإسطبلات لكنّها اليوم فارغة. وثمّة شبكة حديديّة على شكل باب تفصل هذا المكان عن درج يقود صعودًا إلى الطابق الأرضيّ.
2.أبنية الطابق الأرضيّ
تشمل أبنية الطابق الأرضيّ الكنيسة، الصوامع، وغرفة استقبال بنيت حول ساحتين داخليّتين صغيرتين، والمجموعة هذه بناها يونس نقولا الجبيلي في العام 1760. ويبلغ الزائر إليها عبر بهو رئيس يمتدّ انطلاقًا من الشرفة الخارجيّة التي تقدّم لعين الناظر منظرًا خلاّبًا للجبل.
الساحة الداخليّة الأولى مثلّثة الشكل، يحدّها جدار الكنيسة الجنوبيّ وإحدى عشرة صومعة مقبّبة تتقدّمها سلسلة من القناطر. هذه الصوامع، التي يفوق حجمها حجم صوامع الطابق السفليّ بقليل، مزوّدة بنوافذ واسعة وبجدار خارجيّ ضخم. يجتمع السكّان المحلّيّون في هذه الساحة أيّام الآحاد والأعياد لقرع الجرس الذي يعلو باب الكنيسة العربيّ النمط. ربّما كان هذا الباب بابَ الكنيسة القديمة التي هدمها زلزال العام 1759. وثمّة لوحة تذكاريّة تشير إلى عمليّة إعادة البناء وتحمل حروفُها العربيّة قيمةً عدديّة رمزيّة تساوي: 4 نيسان 1760. تعلو البابَ واللوحةَ التذكاريّةَ عتبةٌ حُفرت عليها رموز دينيّة. وترتبط الساحة الثانية بالأولى عبر ثلاث درجات. وهي أضيق من الأولى وتحوط بها الواجهة الغربيّة للكنيسة وغرفة الاستقبال وبهو يصل الكنيسة بالبناء الذي شيّده الرهبان الروس في نهاية القرن العشرين.
تتقدّم بابَ الكنيسة الكائن في وسط الواجهة الغربيّة شرفةٌ تشبه زخرفتها زخارف البيوت في دير القمر وبيت الدين. وربّما أتت العناصر الزخرفيّة المستخدمة لتزيينها من إيطاليا، وذلك بعد أن انفتح جبل لبنان على التجارة مع الغرب. ولكن في ما خلا ذلك، فالكنيسة ذات بساطة لافتة: ثمّة نافذتان في الجدار الشمالي ينسلّ عبرهما نور طفيف إلى داخلها. ورغم صغر حجم الكنيسة، تمنحها قبّتُها المضلّعة شيئًا من الاتّساع. وتجتمع أقواس هذه القبّة في وسطها لتشكل نجمًا مثمّن الأضلع تزيّن نقطته المحوريّة زهرةٌ جميلة.
نفّذت أيدي الفنّانين اليونانيّين الدقيقة والبارعة الإيقونسطاس المحفور من خشب الجوز في بدء القرن العشرين. أمّا الباب الملوكيّ فتحدّه من جهتيه إيقونات الرسل الاثني عشر، وفوقها حفر ناتئ يمثّل فيلاً وحمامة وملاكين مزدوجي الرأس يرمزان إلى طبيعتي المسيح وملائكة أخرى ثلاثيّة الرأس ترمز إلى الثالوث، والحمل الذي يرمز إلى المسيح. النقوش الناتئة في المستويين الوسطيّ والسفليّ تصوّر البشارة، وقطع رأس يوحنّا المعمدان، والميلاد، والنبيّ إيليّا الذي يهمّ بقتل كهنة البعل. ويتناسب كلٌّ من هذه النقوش مع موضوع الإيقونة التي رُفعت فوقه. بالإضافة إلى ذلك، نجد في أجزاء الإيقونسطاس، كافّة، أشكالاً من عالم النبات تتشابك معًا وتُحبك بشكل زخرفيّ جميل.
إلى اليمين عرش الأسقف أو رئيس الدير وتكلّله قبّة تزيّنها الأزهار والعربسات وملاك يحمل ثعبانًا، ما يرمز إلى الانتصار على الشرّ. ويقوم إلى اليسار منبر يتلو منه الشمّاس قراءاته، يبلغ ارتفاعه مترين وتزيّنه حمامةٌ تُنـزِل الإنجيل وملاكان يحملان شمعدانين، تحوط بالكلّ زخارف العربسات وأشكال من أنواع الفاكهة. ويبدو أنّ القطعتين من تنفيذ فنّان واحد.
3. مباني القرن التاسع عشر
شيّد بعضَ هذه المباني البطريرك ميثوديوس (1841-1842). وفي فترة لاحقة من القرن عينه، بنيت مدرسة على مستوى الطابق السفليّ القديم تشبه من الناحية الهندسيّة مدرستَي بكفتين والبلمند، رغم أنّها تصغرهما حجمًا. البناء مشغول بدقّة والتنفيذ رفيع المستوى. في المدرسة قاعتان كبيرتان، تعلو إحداهما قبّة أسطوانيّة والأخرى قبّةٌ مضلّعة، وقاعاتُ صفوف كثيرة تمتدّ على طول البهو. والأمر اللافت هو غياب ملعب مركزيّ، ربّما لأنّ برودة الطقس كانت تحول دون القيام بالنشاطات الخارجيّة. ولهذا السبب كان التلاميذ يمارسون نشاطاتهم الخارجيّة في الساحتين الموجودتين في الطابق العلويّ والمتّصلتين بالطابق السفليّ بواسطة درج، أو يقصدون الغابة والبساتين المجاورة. تختلف وظيفة الدرج الداخليّ عن غيره من الأدراج الموجودة في البيوت اللبنانيّة الجبليّة: فهو يسمح لسكّان الطابق العلويّ بجلب الطعام والوقود من القبو من دون الاضطرار إلى الخروج من المنزل. ومن المرجّح أنّ القاعتين استُخدمتا لمنامة التلاميذ، وهذه ميزة شائعة في معظم المدارس اللبنانيّة التقليديّة بسبب ندرة المواصلات أو سوء حالتها. وتحظى كلّ قاعة بإنارة كافية عبر نافذتين كبيرتين تشرفان على الوادي.
4. مباني الرهبان الروس
في العام 1910، وُهب الدير إلى الرهبان الروس. ورغم أنّهم أقاموا فيه فترة قصيرة إلاّ أنّهم شيّدوا مبنى من أربعة طوابق إلى يمين مدخل الدير: يضمّ كلّ طابق علويّ ثلاث غرف، والطابق الأرضيّ مقسّم إلى إسطبلات وأقبية تستعمل اليوم لتخزين أخشاب الوقود. يتكوّن السقف من عارضات خشبيّة متوازية وألواح خشبيّة متقاطعة. وبما أنّ المنطقة قارسة البرودة في الشتاء، فقد بنى الرهبان الروس مدافئ في جدران الغرف تشتعل بواسطة مواقد صغيرة تعمل على الحطب. كما استحدثوا نظام ريّ يعمل يدويًّا: فتدفّق المياه إلى الحدائق والبساتين تنظّمه شبكة من الحبال يمكن التَحكّم بها من الدير.
المخطوطات والإيقونات
كان الدير، في ذروة ازدهاره، مركز الحياة الدينيّة والثقافيّة في المنطقة. فهو يملك ثلاثة وستّين مخطوطًا من بينها أربعة وخمسون كتابًا ليتورجيًّا تصف الاحتفالات والصلوات على مدار السنة. أمّا المخطوطات التسع الأخرى فتحتوي على مؤلَّفات لاهوتيّة كعظات القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، وكتاب القدّيس يوحنّا الدمشقيّ “في الإيمان الأرثوذكسيّ”، و”سلّم الفضائل” للقدّيس يوحنّا السلّميّ. وربّما كان أهمّ مخطوط في الدير هو “تيبيكون” القدّيس سابا وهو قانون قديم ينظّم الحياة الرهبانيّة والليتورجيّة، نُسخ في دير القدّيس يوحنّا – دوما في العام 1595. المخطوط الوحيد غير الدينيّ في المجموعة هو وثيقة حول رحلة أحد أعيان بيروت، فارس أبو حلقة، إلى فلسطين.
الإيقونات الموجودة في دير مار إلياس شويّا قليلة ولكنّها متنوّعة. أقدمها، وهي إيقونة للنبيّ إيليّا، تعود إلى القرن العاشر أو الحادي عشر وقد وُضعت في صندوق زجاجيّ إلى يسار الكنيسة. تعرّضت هذه الإيقونة للتلف ويصعب تاليًا تمييز أسلوبها وطريقة تنفيذها. مع ذلك، يمكننا رؤية النبيّ قاعدًا في مغارة، كما يرد في سفر الملوك، يُحضر له طعامَه غرابٌ مرسل من الربّ. النبيّ إيليّا مرسوم بوضعيّة تأمّليّة، وجنته مستندة إلى يده اليمنى ورأسه مرفوع بعض الشيء. وهو يرتدي جبّة واسعة ثناياها عريضة وألوانها بسيطة.
نفّذ برثانيوس مطران طرابلس في العام 1761، وبعد إعادة ترميم الكنيسة، ثلاث إيقونات من الإيقونسطاس وهي تنتمي إلى المدرسة الحلبيّة لرسم الإيقونات، إذ تتميّز بالكتابة العربيّة ووجوه الأشخاص البنّيّة، وعيونهم اللوزيّة وثيابهم المذهّبة الفاخرة، التي تنمّ عن ذوق المسيحيّين الذين سكنوا المدن السوريّة في ذلك الوقت وعن رغد عيشهم. الخلفيّة من اللون الذهبيّ الداكن المائل إلى البرتقاليّ. ويضفي امتزاج ألوان هذه الإيقونات المضيئة مع لون الإيقونسطاس الخشبيّ الداكن أثرًا دافئًا على جوّ الكنيسة.
الإيقونة الأولى تمثّل المسيح الأسقف، مباركًا بيده اليمنى وحاملاً الكتاب المقدّس المفتوح بيده اليسرى. وهو يرتدي تاج الأسقف وفوقه هالة تزيّنها نقوش العربسات الحلزونيّة وتزيّن جبّته المذهّبة أزهار ومربّعات. وتعجّ الإيقونة بالخطوط المذهّبة اللمّاعة التي تُبرز الشعر والملابس، حتّى إنّها تكاد تشبه قطعة مجوهرات ذهبيّة.
تصوّر الإيقونة الثانية والدة الإله كملكة السموات المكلّلة بتاج ذهبيّ. وهي تشير بيدها اليمنى إلى المسيح الطفل الذي هو أيضًا متوّج. تحمل في يدها اليسرى وردة حمراء، وهي ترتدي جبة ذهبيّة ومعطفًا قرمزيًّا مرصّعًا بالنجوم المذهّبة. الألوان الحمراء والذهبيّة دافئة وحميمة، والوجوه على جمودها تشعّ بجمال هادئ ووقور.
الإيقونة الثالثة هي إيقونة شفيع الكنيسة النبيّ إلياس الذي يهمّ بذبح كهنة البعل. وهو يرفع فوق رأسه سيفًا معقوفًا طويلاً، ويده اليسرى ممتدّة باتّجاه الرؤوس المكدّسة على الأرض. أمّا ثنايا جبّته المرسومة بحدّة لافتة فتعبّر عن حركات جسده.
ثمّة ثلاث إيقونات أخرى رُفعت على الإيقونسطاس وهي ذات أسلوب مختلف جدًّا، وربّما كانت روسيّة الأصل، أحضرها الرهبان الروس معهم إلى الدير، في العام 1910. وهي تمثّل القدّيس جاورجيوس يقتل التنّين والقدّيس يوحنّا المعمدان والقدّيس إسبيريدون. والطريقة التي رُسمت بها الظلال في الإيقونة تضفي عليها نورًا باردًا يتناقض مع الإيقونسطاس الداكن. الوجوه شاحبة وتعابيرها شاحبة.
كما نجد إيقونة تفتقد إلى توقيع وتاريخ ولكنّها على الأرجح رُسمت في بدء القرن التاسع عشر. وثمّة كتابة مرافقة لها تفيد أنّ شخصًا اسمه فرح قد أوقفها للدير عن راحة نفس والده. موضوع هذه الإيقونة فريد إذ نرى فيها أربعة مشاهد من حياة النبيّ إيليّا. ففي الوسط نهر الأردنّ تحوط به من الجانبين تلال بنّيّة اللون؛ إلى اليسار النبيّ إيليّا راكعًا ورافعًا يديه نحو السماء، أمامه عجل مذبوح ومقدّم محرقة للربّ؛ في الأسفل إلى اليمين نرى إيليّا يتفيّأ شجرة يحضر له طعامه ملاك مرسل من الربّ؛ وفي الأعلى إلى جهة اليمين يعاين إيليّا الساجد المسيح الذي يظهر له في دائرة زرقاء يحدّها ملاكان رُسما وسط غمام ورديّ. يحمل المسيح بيده اليمنى رقًّا يُقرأ فيه “رفض شعب إسرائيل الربّ وهدموا هياكله”. وفوق التلّ نرى النبيّ إيليّا يرتفع إلى السماء في مركبة من نار يجرّها أربعة أحصنة، مسلّمًا جبّته المثنيّة إلى تلميذه أليشع الواقف على قمّة التلّ، والذي يهمّ بضرب نهر الأردن، بجبّة معلّمه، كي يتمكّن من العبور بين مياهه المنقسمة من دون أن تبتلّ قدماه. وفي العادة، يوحي موضوع انتقال النبيّ إيليّا بالعربة الناريّة إلى السماء، بالكثير من الرسومات الزخرفيّة. أمّا في هذه الإيقونة فتصميم الموضوع بسيط جدًّا، ولكنّه قويّ ويكاد ينحو إلى التجريد. الألوان خضراء وحمراء وسوداء وبنّيّة أمّا الخلفيّة فذهبيّة
من مراجع المقال
موقع بطريركية انطاكية وسائر المشرق
(تاريخ الدير) اعداد رئاسة الدير
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً