زمن التريودي

زمن التريودي…

زمن التريودي…

“أَيُّها الرّبُّ وسيّدُ حياتي، أَعْتِقني مِنْ روحِ البَطالةِ والفضولِ وحُبِّ الرّئاسةِ والكلامِ البطَّالِ. وأَنْعمْ عليَّ أَنا عَبدُكَ الخاطِئ بروحِ العفَّةِ واتّضاعِ الفكرِ والصّبرِ والمحبَّةِ. نَعَمْ يا مَلِكي وإلهي هَبْ لي أَنْ أَعْرِفَ ذنوبي وعيوبي وألاّ أدينَ إخْوتي، فإنَّكَ مباركٌ إلى دهرِ الدّاهرينَ. آمينْ. ”

(صلاة القدّيس إفرام السوري)

تعريف
“يبدأ زمن التريودي مع أحد الفرّيسي والعشّار، ويستمّر حتّى يوم السبت العظيم.” 

هو زمن خشوعيٍ بامتياز يرجع فيه الإنسان إلى نفسه وإلى الله ليقوم خليقةً جديدةً إن تاب توبةً صادقة.

إنّه زمن تطّهير الذّات وصرخة «يا الله ارحمني أنا عبدك الخاطىء».

هذا ما نقرأه حقيقةً في مطلع سنكسار اليوم الأوّل

“يا مبدع كلّ شيء سماويّاً كان أم أرضياً اقبل أمّا من الملائكة فتسبيحاً ثالوثياً، وأمّا من البشر فتريودياً شريفاً خشوعياً”.

السماء والأرض تؤلّفان جوقاً واحداً، الملائكة والبشر تتآلفان في تسبيح “مبدع كلّ شيء”، الملائكة تنشد تسبيحاً ثالوثيّاً (تريصاجيون)

“قدّوس قدّوس قدّوس… ”

والبشر تجيب بأودية تسبيح ثالوثية (تريوديون) شريفة خشوعية.

يقول كاتب سنكسار التريودي “نيكيفوروس كالستوس”

“إن أوّل ناظمي الأوديات الثلاث هو قوزما المنشئ الذي رتبها كي تكون رسماً للثالوث الأقدس عنصر الحياة، وهذه الأوديات ترتل في الأسبوع العظيم.”

ثم تلاه مؤلفون عديدون منهم ثاودوروس ويوسيف من دير ستوديون في القسطنطينية، وقد ألفا قوانين لأسابيع االصوم الأربعيني.

يتميّز التريودي بثلاث طروباريات ترتّل في صلاة السحر كلّ آحاد الصوم بعد تلاوة المزمور الخمسين بعد إنجيل السحر. هذه الطروباريات تشكّل وحدة  ليتورجيّة مترابطة نستوّحي معناها من المزمور الخمسين وهي:

1-  “افتح لي أبواب التوبة…”

2-  “سهلي لي مناهج الخلاص…”

3-  “إذا تصورت كثرة أفعالي الرديئة…”.

كلمة “تريودي” هي يونانيّة تعني ثلاث أوديات أي ثلاث تسابيح، فكلمة “أودية” ωδή تعني “تسبيح”، وهي من فعل αείδώ “أغنّي”.

تسمّى هذه الفترة هكذا”فترة التريودي” لأنّه يتمّ فيها استعمال (كتاب التريودي الطقسيّ).  (أنظر الشرح في الأسفل في مقطع الأودية).

في هذا الزمن ثلاث مراحل أساسيّة: أ- فترة التهيئة  ب- الصوم الأريعيني  ث- الأسبوع العظيم.

أ- المرحلة الأولى فترة التهيئة للصوم

هي فترة تمتد لشهر وتتضمّن أربعة آحاد هي: الفرّيسي والعشّار – الابن الشاطر – الدينونة (مرفع اللحم) – الغفران (مرفع الجبن).

ملاحظة
– يتخلّل هذه المرحلة سبت الراقدين الذي يأتي قبل أحد الدينونة مباشرةً.

– سبت لعازر وأحد الشعانين يٌحسَبان فترة تهيّة لدخول الأسبوع العظيم المقدّس، بحيث نشاهد يسوع يقيم لعازر من القبر كحدث استباقي للقيامة.
1- أحد الفرّيسيّ والعشّار (لوقا ٩:١٨-١٤)

ايقونة الفريسي والعشار
احد الفريسي والعشار

في هذا الأحد يٌتلى المثَل الّذي ساقه الربّ عن فضيلتَي التوبة والتواضع، مبيّنًا كم هما محبوبتان لدى الله، أكثر من الذبائح والعبادة الظاهريّة المرفقة بروح الكبرياء والتعالي على الآخرين.

بالتالي تنبّهنا الكنيسة أنّ حجر الأساس لفترة الصوم هو التواضع القرون بالتوبة.
المغزى من هذا الأحد الأوّل – الافتتاحيّ – هو التواضع.
لما سُئل القدّيس مكاريوس

” أيّ الفضائل أعظم؟ ”

أجاب ” كما أن التكّبر أسقط ملاكًا من علوّه وأسقط الإنسان الأوّل، كذلك الاتّضاع يرفع صاحبه من الأعماق”.
ويقول القدّيس إسحق السوري عن التواضع

“الذي يتنّهد كلّ يوم على نفسه بسبب خطاياه، خيرٌ من أن يقيم الموتى. والذي استحق أن يبصر خطاياه، خير له من أن يبصر ملائكة”.

قنداق الفريسي والعشار على اللحن الرابع

لنهربنَّ من كلام الفرّيسي المتشامخ، ونتعلّم  بالتنهدات “تواضع العشار هاتفين إلى المخلّص: ارحمنا أيها الحسن المصالحة وحدك.”
2– أحد الابن الشاطر (لوقا 11:15-32)
في هذا الأحد يٌتلى المثل الّذي ساقه الربّ عن الابن الضال الذي بدّد ثروة أبيه ثمّ تاب وعاد إليه. يُدعى “الشاطر” لأنّه “شطر” ميراث أبيه وأخذ قسمه على حياة والده.

ايقونة الابن الشاطر
احد الابن الشاطر

المغزى من هذا المثل محبّة الله اللامتناهية وهو الذي ينتظر عودتنا إليّه.
نحن جميعنا أبناء الله بالتبنّي والتوبة الصادقة الحقيقيّة هي قيامةٌ وحياة.
ومن أجمل ما في هذا المثل ” فرجع إلى نفسه ” الرجوع هو نقطة تحوّل وتصويب. فحينما يهدأ الإنسان من الداخل يبدأ يفكّر في حاله ويكتشف أن لا سلام ولا خلاص ولا طمأنينة إلاّ في العودة إلى البيت الأبوّي الحاضن، وخاصة بعد أن يدرك مرارة التغرّب عن الله وحلاوة العودة إليه.

“لمَّا عصيتُ مجدِكَ الأبويّ بجهل وغباوة، بدّدتُ في المساوي الغنى الذي اعطيته أيّها الآب الرأُوف، لأجل هذا أصرخُ إليك صوت الابن الشاطر هاتفًا، أخطأتُ قدَّافك فاقبَلني تائبًا واجعلني كأحد أُجَرَائك.”
3- أحد الدينونة (مرفع اللحم) (متى 31:25-46)
في هذا الأحد يُتلى إنجيل الدينونة، كما يصف السيّد المسيح نفسه مجئيه الثاني في إنجيل متّى. يشبّه البشر الّذين خلقهم بالماشية، لأنّ صورة الراعي صورة شائعة عن الله في العهد القديم، كما أنّها صورة شائعة عن الكهنة.

وفي العهد الجديد يشبّه المسيح نفسه بالراعي، علمًا بأنّه أيضًا الحمل الّذي يرفع خطيئة العالم.

ايقونة الدينونة
احد الدينونة

ولأنّه تألّم من أجلنا وحدها محبّته نستطيع أن تدين جحود العالم.
المغزى من هذا الأحد أن يدرك المرء أهميّة المحبّة الصادقة تجاه الآخرين لأنّ الآخر هو يسوع نفسه وها نحن نقف أمامه.

الإنسان يدين نفسه بنفسه، فكلّ أعماله تُكشف كما هي أمام حكم الله العادل.

يقول القدّيس جراسيموس (القرن الرابع): “كلّ مرّة تبسط يدك بالعطاء أذكر المسيح. الهيكل الحقيقي للمسيح هو نفس المؤمن فلنزيِّنه ونقدّم له ثيابًا، لنقدِّم له هبات، ولنرحِّب بالمسيح الذي فيه! ما نفع الحوائط المرصَّعة بالجواهر إن كان المسيح في الفقير في خطر الهلاك بسبب الجوع.”

كذلك يشرح القدّيس كبريانوس (القرن الثالث) عن أهميّة الالتصاق بالمسيح في مسيرة حياتنا كلّها: “المسيح نفسه أيها الإخوة الأحيًاء هو ملكوت الله الذي نشتاق إليه من يوم إلى يوم لكي يأتي. مجيئه هو شهوةٌ لنا نودّ أن يُعلن لنا سريعًا. مادام هو نفسه قيامتنا ففيه نقوم، لنفهم ملكوت الله أنه هو بنفسه إذ فيه نملك.”
نتوقّف مع هذا الأحد  عن أكل اللحوم (أكل بلا دم) لندخل رويداً رويداً في حالة ملكوتيّة سلاميّة كالإنسان الأول. 
4- الغفران (مرفع الجبن) (متى 14:6-21)

  • آحد الغفران – ذكرى طرد آدم من الفردوس

في هذا الأحد قبل بدء الصوم الكبير، تتلو الكنيسة إنجيل من العظة على الجبل، وتشدّد على أهمّيّة الرحمة والمصالحة مع الناس قبل تقريب ذبيحة الصوم.

ايقونة الغفران
احد الغفران

المغزى من هذا الأحد إدراك أهميّة الغفران. فنحن نطلب من الله أن يغفر لنا خطايانا بعد أن قمنا بمسامحة الآحرين، وهذا شرط أساسي لا مفرّ منه. لا يمكننا أن نصوم ونحقد!

ولا يقبل الله صلاة الحقود!

إنّ الصوم هو رحلة المصالحة مع الله. ولكنّ الربّ يساوينا بنفسه: لا بل يساوي قريبنا بنفسه، ويقول: إن لم تصالح قريبك لا تستطيع أن تصالحني، والعكس صحيح.

من يخال نفسه أنّه بلا خطيئة يضل نفسه ويكون متكبرًا (ايو 8:1). نحن في احتياج دائم ومستمرّ أن نصرخ لله مع العشار ” اللهم ارحمني أنا الخاطئ (لو 13:18).
فلنذكر دائمًا أننا خطأة ونطلب الرحمة والغفران.
لم يعلّق الرّب يسوع على أيّ طلبة في الصلاة الربانية سوى طلبة طلب الغفران: ” فإنه إن غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أيضًا أبوكم السماوي. وإن لم تغفروا للناس زلاتهم لا يغفر لكم أبوكم أيضًا زلاتكم. (متى 14:6-15) .
إبتداءً من هذا الأحد يبدأ الصوم الكامل بالنقطاع عن الزفرين. انتهت المرحلة الاولى وهي فترة التهيئة وهو الجزء الاول من مقالنا…

يليه الجزء الثاني وهو الصوم الكبير

 

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *