سميراميس الملكة اليمامة…
على ضريحها نُقش
“ان الطبيعه خلقتني امرأة ولكن أعمالي ساوتني بأشجع الرجال …”
هذه حكاية ملكة تحولت إلى أسطورة حية، ورسمها الكثير من الرسامين العالميين، وكتب عنها الكثير من الشعراء والأدباء في أوربة والعالم، وكالعادة، فقد ندر من يعرفهما في بلدها الأصلي.
سميراميس، التي اشتهر اسمها في التاريخ “كملكة المشرق” والتي من أجلها شيّد زوجها الملك حدائق بابل المعلّقة، والتي بدورها إحدى عجائب الدنيا السبع، كما نقلت لنا المدوّنات اليونانية ومن ثم الرومانية.
لقد خلّد الرسام الكبيرروسيني هذه الملكة في لوحة له تمثّلها، كما فعل مع الربّة عشتار.
وكذلك خلّدها المؤلف الموسيقي الإيطالي الكبير فيفالدي في بعض مؤلفاته التي تحمل اسمها. وكذلك فعل العديد من موسيقيي أوربة بعد فيفالدي. كما أن الرسام الكبير الشهير ديجاس خلّدها بلوحة تحمل اسمها وتعود لسنة 1861.
(في التعليق الاول)
وكان الجميع يعتقد أنها ملكة خرافية لم توجد حقاً، بل ابتدعها خيال الشعراء القدامى في آشور وبابل.
ولكن وفي نهاية القرن التاسع عشر بدأت الوثائق المكتوبة تظهر في العراق بعد أن كشف الآثاريون عن العديد من المدن القديمة، وعثروا على ما لا يحصى من النصوص البابلية الآشورية اللغة، والتي بيّنت حقيقة وجود الملكة سميراميس في تاريخنا القديم.
وذكر سميراميس في التاريخ يعود قبل الاكتشافات الأثرية إلى المؤرخ الفينيقي – اليوناني ديودوروس الصقلي القرن الأول قبل المسيح، والذي دوّن حكاية سميراميس كأشهر ملكة عرفها التاريخ، ونسخة (ديودوروس) محفوظة إلى اليوم في الكتاب الثاني من “موسوعة دويدوروس التاريخية”.
وقبل القصة التاريخية، هناك الأسطورة الشائعة عن سميراميس، والتي تقول، وكما نقلها ديدروس، أن سميراميس أبصرت النور في مدينة عسقلون على شاطئ البحر المتوسط في فلسطين أرض كنعان، وكانت أمّها ربّة أو بعلة أو سيدة مدينة عسقلون واسمها (ديرسيتو) التي وقعت في حب شاب جميل الصورة وعشقته وأنجبت منه سميراميس. ولكنها وخجلاً من تلك العلاقة، حملت ابنتها الصغيرة إلى مكان يصفه النص بأنه صحراء وحجارة و تركتها هناك لمصيرها. وبعد أن تخلّت عن ابنتها الرضيعة، رمت نفسها في بحيرة عميقة وتحولت إلى سمكة.
وكان هناك في المكان سرب من طيور اليمام، فأشفقت إحدى اليمامات على الطفلة الصغيرة، وراحت تسقيها وتشربها الحليب، حتى كبرت الطفلة وبلغت سن الشباب، وكانت على درجة عالية من الجمال. وحدث أن قافلة من التجار مرت بالمكان، ورأى سيد القافلة وهو من رجال الملك، الصبية فأذهله جمالها، وكان اسم الرجل كما يذكر ديدروس (سيّما) فحملها معه ومضى بها إلى المدينة وأطلق عليها لقب “اليمامة” ودعاها باسم سميراميس، يعني السيدة العالية المقام أو السيدة السماوية شاميرام ب(الآشورية)، والذي يدلّ وحسب ديودوروس على اليمامة التي ربّتها واعتنت بها في اللغة السورية القديمة كما يذكر.
ومرت الأيام وصارت سميراميس سيدة بهاء، جمالها لا يقارن. وذات يوم أبصرها الحاكم الآشوري، واسمه أوني نائب الملك الآشوري، فوقع في حبّها فوراً، فطلب يدها من سيما الذي تبناها، وتزوج أوني منها وأخذها معه إلى مدينة نينوى، فولدت له ابنين، وعاشا في سعادة، حتى قرّر ملك آشور أن يخوض معركة ضد أعدائه ليستولي على كل الشرق الأدنى ومصر، وطلب من زوج سميراميس أن يلتحق بالجيش فوراً. فأخذ سيما زوجته سميراميس معه، والتحق بجيش الملك الذي يسميه النص “نينوس”.
في إحدى المعارك يعجز الملك عن فتح إحدى المدن، فتشير عليه سميراميس بحيلة يفتح الملك بفضلها المدينة وينتصر عليها… وبعدها يتزوجها الملك فتنجب له ولداً.
ثم يموت الملك، ويترك لسميراميس إدارة شؤون المملكة، بانتظار أن يصل ابنه إلى سن الرشد. فتمسك الملكة بزمام الحكم بيد من حديد وصرامة شديدة ،وتقوم بمشاريع بنائية مذهلة في العاصمة، وتمد قنوات المياه من الفرات إلى المدينة العظيمة بابل، وتبني جسراً على الفرات لتسهل السفر والتنقل.
غير أننا نعرف من وثائق تاريخية أخرى أن بعض تلك الإنجازات تنسب إلى ملوك آشوريين آخرين.
ويقول ديودوروس إن سميراميس عندما شاخت وتقدّم بها العمر تحولت إلى يمامة واختفت إلى الأبد، ولكنها تتراءى في صورة يمامة.
الكثير مما ذكره ديودوروس صحيح اذا ما ازلنا الزخرفة الاسطورية عن القصة.
ولقد ذكر أبو التاريخ هيرودت الذي زار بابل بنفسه في عهد متأخر ملكتين بابليتين عظيمتين الأولى سميراميس، وبعدها بخمسة أجيال ملكة سورية أخرى يطلق عليها اسم نيتوكري وهي الملكة السورية المعروفة في التاريخ باسمها الآرامي السوري “نقية” من النقاء والصفاء، والذي تم نقله إلى اللهجة الآشورية في صيغة “زاكوتو” أو “ذاكيا” الذي يدلّ على النقاء بدوره وعلى الرائحة الطيبة…
مراجع…
*غوستاف لوبون
*موسوعة ديدروس
*سميراميس ملكة آشور وبابل
*سوريون في التاريخ
* مالا تعرفه عن تاريخنا
اترك تعليقاً