شموسية النساء في تراث الكنيسة الارثوذكسية
مقدمة
ميزت الكنيسة منذ العصر الرسولي، وظيفة خاصة بالنساء، كرستها بوضع الايدي/ مرتبة كهنوتية/ وموهبة من مواهب الروح في الجماعة الافخارستية.
شموسية النساء في الكنيسة الاولى، لم تفصل عن خدمة المذبح، كما ان الشماسة لم تكن، على غرار الشماس، في مرتبة “تحضيرية” للكهنوت الأسراري.
شموسية النساء وظيفة خاصة ضمن شركة الكهنوت الاسراري في الكنيسة، لاتدرج فيها. ويجمع اخصائيو التاريخ الكنسي كافة على القول، أن الكنيسة أقامت شماسات ورسمتهن بوضع الأيدي، ليقمن بخدمة خاصة لها أبعادها الطقوسية والارشادية والتعليمية والرعائية، وذلك لتنشئة النساء والأرامل والأطفال والمرضى والمعوزين من ابنائها.
عندنا ادلة واضحة تشير بأن كنيسة القسطنطينية رسمت شماسات مابين القرن السادس والثامن للمسيح، وكن يرتدين الزنار (الأورايون)، ويقبلن الى الكأس المقدسة مع رجال الاكليروس فيتناولن الأسرار الالهية أمام المذبح من يد الأسقف مباشرة بعد مناولة الشمامسة، ثم يستلمن الكأس المقدسة منه ويضعنها على المائدة.(1)
الشماسة بمثابة “مذبح الرب” ( النظام الرسولي 3: 6/3)، من علامات حضور الروح الى جانب الكنيسة العروس، مقامة لكروم الحبيب…عند مساكن الرعاة، تقوم وتطوف في المدينة وفي الأسواق وفي الشوارع”، تطلب الحبيب في كل نفس كما يذكر لنا نشيد الأنشاد (5:1 و2:28). وهي على ذلك “علامة حضور” مستمر في الكنيسة لتلك التي هي “أكرم من الشيروبيم وأرفع مجداً بغير قياس من السيرافيم”، العذراء مريم “الممتلئة نعمة” والتي تستر العالم بوشاح نعمة الرب وحنانه وتنشئنا يوما بعد يوم في سر لطفه الالهي.
في العصر الرسولي
يذكر لنا “النظام الرسولي” في القرن الرابع نص صلاة رسامة الشماسة، وهو شبيه بنص رسامة الشماس(2)، يشبه الشماسة بالعذراء مريم وبعدد من نساء العهد القديم. النص معروف ب “نظام برثلماوس الرسول” وهو يتوجه الى الاسقف بالكلمات التالية:
” تضع يدك على تلك المزمعة أن تدخل مرتبة الشموسية وهي منتصبة داخل الهيكل أمام المذبح وتقول:
ايها الاله الأزلي، اب ربنا يسوع المسيح، انت الذي خلقت الانسان رجلاً وامرأة، ووهبت روحك القدوس لمريم ودبورة وحنة وخلدة، انت الذي شئت ان يولد ابنك الوحيد من امرأة، انت الذي اقمت نساء ليحرسن خيمة الاجتماع وكذلك أبواب هيكلك المقدس، انظر الآن الى أمتكَ هذه المزمعة ان تقرب ذاتها لخدمة الشموسية، وهبها روحك القدوس، وطهرها من كل دنس الجسد والروح(3)، لكي تستحق أن تتمم خدمتها هذه لمجد اسمك القدوس لتسبيح مسيحك الذي له معك ومع روحك القدوس كل اكرام وسجود، الآن وكل اوان والى دهر الداهرين.آمين.
(النظام الرسولي 20،8)
لابد لنا أن نتوقف قليلاً عند النساء اللواتي ترد اسماؤهن في النص كأنماط لخدمة الشموسية
يذكر لنا سفر الخروج أنه بعد أن عبر بنو اسرائيل البحر الأحمر بسلام أخذت “مريم النبية” أخت موسى وهرون الدف بيدها وخرجت جميع النساء، وراءها بدفوف، ورقصن، وأجابتهم مريم: رنموا للرب فإنه قد تعظم. الفرس وراكبه طرحهما في البحر” (خروج15 :20 -22))، كلمات مريم هذه المعروفة ب “ترنيمة موسى” نرتلها للحن الاول في صلاة السحر للآحاد في الكنيسة ( خروج 15 :1-18).
ثم في زمن القضاة ، حين كان بنو اسرائيل في حالة عدم استقرار في بداية دخولهم الى ارض كنعان، ظهرت بينهم “دبورة امر أة نبية” جلست “تحت نخلة بين الرامة وبيت ايل في جبل افرايم” تستمع لشكاوي ابناء الشعب مرشدة اياهم (4) وهي التي قادت باراك على رأس عشرة آلاف رجل في معركته ضد سيسرا على نهر قيشون. ترنيمة دبورة أيضاً، التي أنشدتها بعد انتصار بني اسرائيل على بني كنعان دخلت صلواتنا الطقوسية لفترة السحر:” لأجل قيادة القواد في اسرائيل لأجل انتداب الشعب باركوا الرب…أنا، أنا للرب أترنم… يارب بخروجك من سعير، بصعودك من صحراء ادوم، الارض ارتعدت، السموات أيضاً قطرت. كذلك السحب قطرت ماء. تزلزلت الجبال من وجه الرب وسيناء هذا من وجه الرب اله اسرائيل” (قضاة 5: 1-5)
وفي السنة الثامنة عشر للملك يوشيا ملك يهوذا، يحدثنا الكتاب عن “خلدة النبية” وقد اشتهرت بمعرفتها للكتاب الالهي، وأُعطيت موهبة تمييز علامات الازمنة، بمعنى انها سلطت أضواء النص الكتابي على أحداث معاصرة ودعت الشعب الى التوبة، وابلغت الملك أن الرب قبل توبته، لذلك “تضم الى قبرك بسلام” ( الملوك الثاني 14:22-22).
وأما حنة بنت فنوئيل “التي استقبلت يسوع الطفل في الهيكل مع سمعان الشيخ وكانت لاتفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلا ونهارا” (لوقا2: 25-38).
أنماط من النساء اللواتي نلن موهبة الروح لتقدن الشعب بالتسبيح وترعاهم بالارشاد في الشؤون الحياتية وفي التعليم.
واذا سكبن حياتهن صلاة، يقول لنا نص صلاة الرَسامةْ،”اكتملن” في العذراء مريم التي استحقت أن تحبل بالكلمة الرب يسوع وتقربه للعالم وكأن النص بذلك يوحي بأن الشماسة مدعوة في الكنيسة لتقوم بهذه الوظائف عينها “حارسة” للعقيدة المعلنة وسط الكنيسة المجتمعة، شاهدة لعمل الله الخلاصي في التاريخ الانساني، ومرشدة الى عتبة الصلاة على مثال النساء اللواتي أقامهن الرب في القديم “لتحرسن ابواب خيمة الاجتماع وكذلك ابواب الهيكل” (خروج23 : 7 وصموئيل الأول 2 :22).
العهد الجديد
في هذا العهد نقرأ عن نساء عديدات، قمن بوظيفة الشموسية ايام الرسل، وهن يظهرن بصورة خاصة كمعاونات لبولس الرسول في كرازته. نقرأ مثلا عن ليديا التي فتحت بيتها لبولس، ولاجتماعات الكنيسة في فيليبي وهي امرأة غنية من تجار الأرجوان الصوري ( اعمال 16: 14)، وعن فيبي ” خادمة الكنيسة التي في كنخريا…مساعدة لكثيرين” وعن بريسكيلا امرأة اكيلا، وهما عاملان مع الرسول في المسيح يسوع (رومية 16: 3)، وعن مريم وتريفينا وتريفوسا وبرسيسي وأمى ةالمباس اللواتي كن ” يتبعن في الرب” ( رومية12،6:16). جميعهن تولين خدمة الكنيسة على مثال نساء اورشليم اللواتي تبعن يسوع وكن يخدمنه من اموالهن، والكنيسة تعيد لهن في احد حاملات الطيب اذ أنهن في اخلاصهن نلن فرح البشارة بالقيامة( مرقس15 و16)
نصوص مثل هذه لاتسمح لنا ان نحدد دور الشمامسة في العصر الرسولي بدقة. ثم ما وصلنا من القرون الاربعة الأُوَلْ يشير الى تعددية في الأدوار والوظائف تبلورت شيئاً فشيئاً فذكر لنا التراث الآبائي بعضاً من ملامحها.
في التراث الآبائي
تلقب الكنيسة عدداً من النساء ب”المعادلات الرسل”. مثلاً ان هيبوليتوس في شرحه لسفر نشيد الانشاد وتمشياً مع التراث الكتابي، يدعو المجدلية ” رسولة القيامة للإثني عشر” (5)، كما
وان التراث الكنسي يشير بأن مرتا ومريم ولعازر حملوا بشارة الانجيل الى جنوب بلاد الغال (فرنسا)، ثم أن مريانا ” المعادلة للرسل” رافقت فيليبس الرسول في جولاته التبشيرية والقديسة الشهيدة تقلا المعادلة للرسل ” وهي رفيقة بولس الرسول في الكرازة”(6)
تحدثنا في فقرة سابقة عن صلاة الشماسة كما وردت في ” النظام الرسولي”. وفي مخطوطة من القرن الثالث” وصية ربنا يسوع المسيح” وهي من الاسفار غير القانونية للكتاب ولكنها تقتبس كثيراً من النظام الرسولي، يوصي الكاتب الاسقف برسم ثلاث شماسات على الأل لكل كنيسة محلية(7)
” اثنتان لتواظبان على الصلاة من اجل كل من هم تحت التجربة فترشدان كل واحد على حسب حاجته، والثالثة لتهتم بالنساء اللواتي أقعدهن المرض”.
عندنا هنا اشارة واضحة الى دور الشماسة في الصلاة الجماعية، أو على الارجح ان مايعنيه النص هو الصلاة الطقوسية استنادا الى ماورد في العهد القديم عن دور “النبية” التي كانت تقود الشعب في التسبيح.
من هنا فإنها ليست مجرد صدفة أن من بين الرسوم التي وجدت في المدافن المسيحية القديمة في روما رسم يمثل “الكنيسة المصلية” وهو في شكل امرأة ترفع يديها مبتهلة. اما عن خدمة المرضى، يشير بعض الشراح الى ان المقصود هنا ب “خدمة المرضى من بين النساء” وهو حمل مسحة الزيت المقدس لهن، وهم يستندون في ذلك الى ماورد في النظام الرسولي أيضاً (3 : 2 )(8):
” أرسم أيضا شماسة ممن يشهد لهن بقداسة السيرة والمثابرة في الايمان لكي تحمل الأسرار للنساء لأنك لاتستطيع أحياناً أن ترسل رجلاً الى النساء لئلا يعثر ذلك من هم ضعفاء في الايمان في الرعية”.
ويشير نص ” وصية ربنا يسوع المسيح” الى ان الشماسات يجلسن الى يسارالأسقف خلال القداس الالهي بينما يجلس الشمامسة الى اليمين، ويتناولن الاسرار امام المذبح مباشرة من يد الاسقف وبعد الشمامسة. ومنهن من يقفن في مدخل الكنيسة” حاميات للأبواب” ويحملن القرابين الى النساء المقعدات في احد الفصح، ويعاون الاسقف في اتمام سر المعمودية للنساء. ويرجح البعض ان عاملين أساسيين أديا الى عدم تكريس شماسات ابتداء من القرن 12 في الشرق، وهما انتشار معمودية الأطفال ونمو الحركة الرهبانية.
العامل الاول ألغى وظيفة معاونة الاسقف في اتمام سر المعمودية للنساء واما الحركة الرهبانية فقد تولت القيام بالأمور الأخرى التي أُوكلتْ سابقاً للشماسات.
يذكر اوريجنيس في تعليق له على وظيفة الشماسة حول الرسالة الى اهل رومية
” اوصي اليكم باختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة في كنخريا كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقدموا لها في أي شيء احتاجته منكم لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي انا ايضاً (رومية16: 1-2)”.
هذا النص يذكر بالسلطة التي للرسول بولس ان النساء يرسمن في رتبة الشموسية.
يقول الرسول ان فيبي ساعدت كثيرين وساعدتني أنا أيضاً بتفاني القديسين. أحسنت الضيافة مثل لوط الذي لم يرفض اياً أتاه سائلاً فاستحق ان يضيف ملائكة. كذلك ابراهيم تفانى في خدمة ضيوفه فاستحق يوماً ان يستقبل الرب في خيمته.
يقول بولس الرسول ان نساء مثل فيبي تعاملن كما يحق للقديسين اي بكل اجلال وكرامة، وان على الكنيسة أن”تقدم لهن في اي شيء تحتجنه حتى في احتياجاتهن المادية”.
والقديس يوحنا الذهبي الفم في عظته الثلاثين حول الرسالة الى اهل رومية يتخذ فيي مثالاً في الشموسية ويدعو الشمامسة والشماسات للاقتداء بها. وفي عظته الحادية عشرة حول الرسالة الاولى الى تيموثاوس يقول:
” يجب ان تكون النساء ذوات وقار غير ثالبات صاحيات أمينات في كل شيء (تيموثاوس الأولى11:3): من الواضح أن الرسول لايحدثنا هنا عن النساء عامة بل عن الشماسات في الكنيسة، اذ كيف نفسر استطراداً عاماً له عن النساء في مقطع يركز على ذكر مزايا الأسقف والشماس؟”.
وهكذا فقد اجمع التراث الآبائي على ان فيبي مثال للشماسة. لذا فان نص رسامة الشماسة المتبع مابين القرنين 8 و10، وسنأتي على ذكره في فقرة لاحقة، يبتهل الى الرب أن”امنح امتك هذه المزمعة ان تقرب ذاتها نعمة للخدمة كما اعطيت نعمة الخدمة لفيبي”.
مثال آخر على مكانة فيبي في كنيسة القرون الاولى وهو ماورد في نقش على قبر احدى الشماسات في جبل الزيتون، والنقش يعود الى القرن الخامس:”هنا ترقد صوفيا الشماسة خادمة المسيح فيبي الثانية وقد رقدت على رجاء القيامة بسلام في اليوم الحادي والعشرين من شهر آذار”.(9)
وتقيم الكنيسة في صلاتها تذكار عدد من النساء الشماسات مثل مكارانية اخت القديس باسيليوس الكبير(19 تموز من كل عام) والقديسة ميلاني التي أقامت مضافة للغرباء في اورشليم (31 كانون الاول) والقديسة تيتياني الشهيدة( 12 كانون الثاني – استشهدت عام 218) والقديسة تيسوبيا امرأة القديس غريغوريوس النازينزي (23 شباط)، والقديسة أولمبيا شريكة القديس يوحنا الذهبي الفم في العمل والكرازة (25 تموز)، والقديسة إكساني (24 كانون الثاني- القرن 5)التي اشتهرت بمقدرتها على التمييز الروحي فدُعيتْ “الأم البارة”.
وحول مكانة الشماسة في الكنيسة يذكر النظام الرسولي (2: 26)
” الشماس في مابينكم اعتبروه وأحبوه كما تكرمون المسيح. اما الشماسة فلتكن عندكم في كرامة الروح القدس… كما ان الروح لايتلفظ بشيء من ذاته ولا يفعل شيئاً الا في المسيح يسوع مظهراً مشيئة الآب، وكما ان الروح هو يرشدنا الى المسيح وينشئنا فيه، كذلك فلتكن الشماسات بينكم. لاتُقبل امرأة ما الى الاسقف اوالى المنتدب عنه (اي الشماس) ما لم تصطحبها شماسة اليه وتشرح له حاجتها”.
عندما تحدثنا عن شماسة في العصر الرسولي ركزنا على ميزة الاحتضان هذه التي لها للمؤمنين الذين يأتون اليها بالصعوبات التي تعتريهم في جهادهم الروحي. وفكرة الامومة الروحية شائعة في التراث الآبائي حتى ان الراهب أشعياء (حوالي عام 1200) في المجموعة التي له حول ” أقوال آباء البادية” يذكر أقوال عدد من “الأمهات” (آما) مثل تيودورا وسارة. وظيفة الأمومة الروحية التي لنا في الروح القدس في الكنيسة حسب اللاهوت الآبائي، تجسدت في كنيسة القرون الأولى في من دُعيتْ لتكون “مرشدة” بالمعنى الكتابي للكلمة كما اشرنا سابقاً، اي لتجلس في منصب الكرامة، “تتمخض” بكل من أتى يطلب إرشادها الى ان يتصور فيه المسيح (غلاطية19:4)، وهي بذلك تسير في خطى العذراء مريم التي حبلت بالكلمة وقربته للعالم فداءً وخلاصاً ودفئاً وعزاءً.
واذا ماقارنا مابين نص قانون الرسل ونص النظام الرسولي، نجد أن مسؤولية الشماسة ترد في “الديداسكاليا” مكملة لمسؤوليات الشماس والأسقف وكذلك في النظام الرسولي، مما يؤكد أن الشماسة اعتبرت في الكنيسة الأولى من أفراد الاكليروس. ثم ان القوانين المدنية التي وصلتنا بين القرن الثالث الى الخامس تؤكد ذلك. الكتاب الثالث من “قانون يوستنيانوس” مثلاً يذكر أن من بين أعضاء الاكليروس التي تحقق لهم الخدمة في كنيسة القديسة صوفيا (425 خادماً) (اربعون شماسة.)(10)
ويجمع قانون الرسل والنظام الرسولي على القول ان مسؤولية الشماس الرئيسة هي معاونة الاسقف في اتمام سر المعمودية للنساء(11). بيد ان قانون الرسل يضيف ان الشماسة كالشماس تقوم بكل مايطلبه منها الأسقف (3:16)، وهي مسؤولة بصورة خاصة في الاشراف على الترتيب والنظام بين صفوف النساء في القداس الالهي وعن استقبال كل زائرة تنضم الى الجماعة المصلية (7:20)، تصطحبها الى الاسقف وهي فضلاً عن ذلك تحمل القرابين الى المرضى بتكليف من الأسقف وتقوم بالتعليم والارشاد للنساء، خصوصاً اللواتي ينتمين الى عائلات وثنية حيث يمكن لامرأة أن تقوم بخدمة الارشاد والرعاية لهن من دون أن تثير الشكوك والتساؤلات.
وقد جرت العادة مابين القرنين الخامس والثامن في القسطنطينية أن تكلف الشماسات بتلاوة فصل الرسائل خلال القداس الالهي وبتلاوة فصل الرسائل خلال القداس الالهي، وبتلاوة الانجيل وشرحه، وبتوزيع القرابين المكرسة مسبقاً، في حال عدم وجود كاهن مكرس(12). ثم فان قانون الرسل يشَّبِّهْ الشماسة بالنساء اللواتي كن يخدمن الرب
“خدمة الشماسة في الكنيسة هي تلك الخدمة عينها التي قامت بها النساء القديسات اللواتي تبعن السيد مثل مريم المجدلية ومريم ام يعقوب ويوسي، ومريم ام ابني زبدى ونساء أخريات يذكرهن الانجيل” (قانون الرسل 16 :3).
والشماسة تعاون الاسقف “في امور كثيرة” (قانون الرسل2:9)، وهي تُنتَخَبْ ممن يُشهدْ لَهنَ بحسن السيرة والثبات في الايمان، اذ أنهن يُكلفنَ بأمور التعليم والرعاية والخدمة في الكنيسة.(13).
وباختصار فإن الشماسة “تحمل محبة المسيح يسوع المصلوب، والقائم من بين الاموات الى المرضى والمسنين والأطفال، والى كل من يحتاج الى رعاية وتعليم بروح الخدمة التي يتحدث عنها النظام الرسولي. حياتها ذبيحة تسبيح وشكر مسكوبة على مذبح الرب الذي لمس كيانها بنعمته.”(14)
الوضع القانوني للشماسة
استناداً لما سبق لجهة ذِكرنا نص الرسامة كما ورد في النظام الرسولي، وكذلك النصوص الأخرى بين القرنين 9 و11 في التراث الطقوسي الرومي يذكرها تيودوروس في دراسته حول رسامة الشماسات في الكنيسة الاولى، ومؤكدا انها رسامة في الكهنوت الاسراري أمام المذبح، بوضع يد الاسقف خلال القداس الالهي شرطونية كما شرطونية الشماس، والشماسة تُمنح الزنار(اوراريون) وهو علامة الشموسية، وتتناول جسد الرب ودمه في الهيكل من يد الاسقف مع الفرق في طقس الرسامة ان الشماسة تقف امام المذبح، ولا تركع حانية ركبتها اليمنى، كما يفعل الشماس، هذا فضلاً عما ورد في كتابات عدد من آباء الكنيسة القديسين حول ذلك مثل القديس باسيليوس الكبير وابيفانيوس ويوحنا الذهبي الفم.
اما نص الرسامة المعروفة في رومية الارثوذكسية مابين القرنين 8 و11 فهو التالي (وفق تيودورو في الصفحتين 55-56):
( بعد ان تُبارِكْ القرابين المقدسة في القداس الالهي، اي حينما يقول رئيس الكهنة”، يؤتي بالمزمعة أن تُشرطن شماسة الى رئيس الكهنة أمام المائدة، فيضع يده اليمنى على رأسها ويباركها راسماً شكل صليب ثلاث مرات ويقول:
” النعمة الالهية التي في كل حين تشفي المرضى وتكمل الناقصين هي تنتدب أمة الرب (فلانة) الى درجة الشموسية فلنطلبن من اجلها لكي تحل عليها نعمة الروح الكلي قدسه”.
يرتل اذ ذاك من في الهيكل ” يارب ارحم…” وفي اثناء ترتيلها يبارك رئيس الكهنة رأس المشرطنة ثلاث مرات، ثم يتلو الافشين التالي ويمينه على رأسها: ايها الرب الهنا القدوس القوي، انت الذي باركت المرأة بمولد ابنك الوحيد حسب الجسد من العذراء مريم، يامن ترسل موهبة روحك القدوس على المنتدبين من قوتك رجالاً ونساءً، انت ايهاالسيد انظر الآن الى امتك هذه التي دعوتها لتكون خادمة لمذبحك المقدس. امنحها موهبة روحك القدوس واحفظها في الوقار التام واجعلها تحفظ سر الايمان بضمير نقي لتتمم خدمتها هذه حسب مشيئتك فإن لك الملك والقوة والمجد ايها الآب والابن والروح القدس الآن وكل أوان والى دهر الداهرين آمين”.
وبعد قوله آمين يقول الشماس الطلبات السلامية الآتية ويجيب من في الهيكل يارب ارحم.
بسلام الى الرب نطلب.
وبقية الطلبات السلامية…
من اجل أمة الله (فلانة) المشرطنة الآن شماسة وخلاصها الى الرب نطلب. لكي يمنحها الهنا المحب البشر الخدمة الشموسية بلا دنس ولاعيب فيها الى الرب نطلب.
…
….
اعضد وخلص وارحم واحفظنا يا الله بنعمتك”.
ثم يبارك رئيس الكهنة المشرطنة للمرة الثالثة ويقول الأفشين التالي
” ايها الرب سيدنا، يامن لم تُقْصِ النساء اللواتي قربن أنفسهن لخدمة بيتك المقدس بل قبلتهن لخدمة الشموسية، انت ياسيد املأ امتك هذه ايضا من نعمة روحك القدوس،اذ انها تقرب ذاتها لخدمتك، كما منحت روحك ايضاً لفيبي، جاعلاً اياها متممة للخدمة. هبها كل ايمان ومحبة وقوة وقداسة حتى تقف لديك بلا عيب في يوم دينونتك، وتنال اجر وعدك الصادق.
بنعمة ربنا يسوع المسيح ابنك الوحيد ومحبته للبشر الذي انت معه مبارك ومع روحك القدوس المحيي والمانح الحياة، الآن وكل اوان والى دهر الداهرين آمين.”
بعد ذلك يتناول رئيس الكهنة الزنار ويضعه حول عنق الشماسة متدلياً من الجانبين الى الأمام(15) فتقبل هي يمين رئيس الكهنة وتذهب وتقف الى جانب المائدة من جهة اليسار فيقول الشماس الطلبة:
” بعد ذكرنا جميع القديسين …”
وتتناول الشماسة الأسرار الالهية مع اعضاء الاكليروس وبعد الشمامسة ثم يسلمها رئيس الكهنة الكأس المقدسة فتقبلها وتضعها على المذبح.
وحول وضع الشماسة القانوني فان القانون 19 لمجمع نيقية (المسكوني الأول) يذكر الشماسات من بين صفوف الاكليروس وكن يُنتخبن بعد ” فحص دقيق واختبار صارم”(16). في البداية انتخبت الشماسات من بين الأرامل المتقدمات سناً (ستون سنة كحد ادنى)، ومن بين العذارى المتبتلات للرب (17)، ومن بين النساء المتزوجات اللواتي يرغبن في خدمة الكنيسة وعلى وجه التحديد نساء الأساقفة(18). ومن ثم فقد رُسمت الشماسات من بين لابسات الاسكيم الرهباني حيثما دعت الحاجة الى ذلك في حال عدم وجود كاهن مكرس يحمل القرابين الى اعضاء الرهبانية (19). وحدد عمر الدخول الى مرتبة الشموسية بأربعين سنة، لكن هذا امر تُرك الى رأي الأسقف(20)، وقد عرفت الكنيسة عدداً من الشماسات ممن هن دون الاربعين.
وضع الشماسات العائلي
حول وضعهن العائلي بعد الرسامة فالقانون 15 من مجمع خلقيدونية يذكر:
” اذا قدمت بعد حصولها على نعمة السيامة وقضائها فترة من الخدمة على اعطاء نفسها للزواج محتقرة النعمة الالهية فلتبسل هي والرجل الذي اقترنت به”.
ولكن القانون 16 من المجمع ذاته يضيف مستدركاً:
” ولكننا أمرنا أن يكون لأسقف كل ابرشية السلطة في معاملة أمثالها بالشفقة والرأفة عند الاقتضاء”.
ثم ان القديس باسيليوس الكبير يقول في القانون 44 في رسالته الى امفيلوخيوس اسقف ايقونية، مستندا في ذلك الى القانون 10 من محمع انقيرة (21):
” يسمح بزواج الشماسة برجل معروف بحسن سيرته”.
واما نص القانون 10 لمجمع انقيرة فإنه يذكر:
” يجوز للشماس ان يتزوج اذا كان قد اعلن عزمه وقت سيامته”.
وفي خلاصة قديمة للقانون
” كل من سيم شماساً وأعلن قبل ذلك للاسقف انه لايحتمل البقاء دون زيجة فليسمح له بالزواج مع بقائه شماساً. أما اذا لزم الصمت وتزوج بعد السيامة فليطرح خارجاً.”
وقوانين القديس باسيليوس ذُكرت في القانون الاول للمجمع المسكوني الرابع ثم في القانون الثاني للمجمع المسكوني السابع، كما استعار منها المجمع السادس قوانين عدة جعلها في صلب قوانينه المجمعية.
ولابد هنا من استدراك حول امر زواج الشماسات، هذا لأن القانون 6 من المجمع الخامس والسادس او مجمع ترولو 692 يذكر:
” فليسقط أي شخص مشرطن يعقد زواجاً، اما من شاء ان يتزوج فليفعل قبل السيامة”.
وفي حاشية للقانون
” يقول اريستينوس ان هذا القانون يلغي قانون مجمع انقيرة الذي يسمح للشماس بل وللقس ان يتزوج بعد السيامة ويبقى في الوظيفة بشرط ان يكون قد أعلن وقت السيامة بحضور شهود عن رغبته في الزواج لأنه لايستطيع أن يبقى عفيفاً”.
اما في تعليق لبريسفال حول القانون فهو يذكر
” اجمع علماء القانون على أنه لايمكن اقامة البرهان على وجود أمر رسمي الهي أو رسولي بفرض العزوبة على الاكليريكيين وكل النصوص المأخوذة من الكتب المقدسة أو من الآباء في هذا الموضوع لاتتضمن أمراً بل نصيحة”.
القضية اذن هي تدبير في المحبة، وليست قانوناً بالمعنى التشريعي للكلمة. ومن المرجح ان مادفع الكنيسة الى السماح بزواج الشماسة التمييز الوظيفي كما في نمط المعيشة بين الرهبانيات الناشئة وفئة الشماسات اللواتي كن في اماكن عدة يلزمن حياتهن المدنية التي انتهجنها قبل الرسامة فيَسّْكنَ البيت الوالدي أو الزوجي ويقمن بخدمة الكنيسة المحلية.
ولكن كنيسة القرن الرابع والخامس عرفت ايضاً “اخويات” للشماسات يمكثن معاً في بيوت خاصة وغالباً ماتكون هذه “الأخويات” مسؤولة عن خدمات مؤسسية تابعة للكنيسة المحلية مثل المياتم وبيوت الأرامل والمضافات المنتشرة للسياح والغرباء. وتعهدت الكنيسة المحلية أمر حاجة الشماسة المعيشية شأنها في ذلك شأن الترتيبات المتبعة لسائر أعضاء الاكليروس.
خواطر حول اعادة احياء شموسية النساء
1-الارشاد الروحي والتنشئة المسيحية
” لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدوس”( لوقا 49:1). وفي الايقونة التقليدية الغربية المعروفة ب”تتويج العذراء”، تبدو العذراء مريم في مرتبة الصدارة متقدمة مراتب الأجناد السماوية التي تمثل كهنوت الكنيسة الملوكي، المسيح هو الملك، وكما يذكر المزمور” كرسيك يا الله الى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك… جعلت الملكة عن يمينك بذهب أوفير” ( مزمور 45 : 6 ، 9 ).
وفي الفن الأيقونوغرافي تبدو العذراء حياناً متوشحة ب”الأموفوريون” وتعريبه (ملبوس الكتف)، يلبسه الاسقف على عنقه وكتفه(22) وهو يرمز الى الخروف الضال الذي وجده المسيح، وحمله على منكبيه. وهي بذلك تمثل كهنوت الكنيسة الملوكي الذي يفتدي الطبيعة الانسانية الساقطة، والاموفوريون رمز لهذا الكهنوت. فكأن تراث الكنيسة الفني يشير الى العذراء الكنيسة ” علامة ” افتداء الطبيعة الانسانية الساقطة، تحضنها في امومة مكرسة.
وفي دستور الايمان النيقاوي – القسطنطيني تحديد مهم :” اؤمن …بيسوع المسيح…الذي …تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء وتأنس…” وهكذا فالعذراء مريم، اذ توجت ملكة بحلول الروح عليها توجت العقيدة المعلنة في الكنيسة ومنحتنا بأمومتها فهماً لسر الثالوث.
نرتل في احدى التسابيح المخصصة للعذراء مريم( اللحن الثالث):”ولدت الابن من غير أب الذي ولد من الآب من غير أم”. ابوة الله الآب في سر الثالوث معبرعنها في “امومة” العذراء مريم في سر الانسانية المفتداة بتجسد الابن. الروح القدس الذي ظلل العذراء مريم بقوته لايحل محل الآب لا بل يبدع فيها، وبالتالي في الكنيسة التي تمثل كيان الامومة كطاقة روحية للولادة. الابن الكلمة يجمع في ذاته كمال الحق:
” فيه يحل كل الملء” وهو “الجديد الذي يتجدد للمعرفة… الكل وفي الكل” ( كولوسي1 ك 9 و 2 : 9). واما الروح فانه “يحي”… ويشهد ويعترف بالمسيح ويشير اليه. انه المسحة التي تعلمنا كل شيء (يو الاولى 2 : 27) وهو لايتكلم من نفسه بل كل مايسمع يتكلم به، يأخذ مما للابن ويخبرنا (يو16 : 12 ، 14) يلدنا في المسيح يسوع ويلد المسيح في كل نفس.”
اما الشماسة فلتكن عندكم في كرامة الروح القدس ( النظام الرسولي 2 : 26). وظيفتها بالتالي في الكنيسة في الكنيسة تنبع من وظيفة الروح. انها مدعوةلتلد المسيح في كل نفس بقوة الروح. من هنا فان المسؤولية الملقاة على كاهلها في الكنيسة تقليد مهمةِ تعليم المقبلات على المعمودية، وتعليم الاطفال وتنشئتهم وتلاوة الانجيل والوعظ في حال عدم وجود كاهن مكرس في الرعية المحلية كما رأينا.
2-الصلاة
ثم ان العذراء مريم “أمة الرب” ( لوقا 1 : 28) لأنها أذعنت لمشيئة الرب فتقدست بحلول الروح فيها. والرسول بولس يضيف: ” الستم تعلمون ان القديسين سيدينون العالم. اننا سندين ملائكة فكم بالأولى أمور هذه الحياة”. ( كور 1 : 2 – 3). لذا فالعذراء مريم “أكرم من الشاروبيم وارفع مجداً بغير قياس من السارافيم”، اذ انها بكر الانسانية الممتلئة بالروح القدس وبالتالي فهي وسيطة في حياة صلاة ترفعها من اجل الانسانية بأسرها. ايقونة “العذراء المصلية” التي تحمل الابن المتجسد في جوفها لأن يديها مرفوعتان في صلاة دائمة وفي استدعاء للروح المتنزل عليها توضح لنا ذلك: انها مثال لكل نفس مبتهلة وللكنيسة المصلية التي تحبل بالكلمة وتقربه للعالم.
الآب”اعطى الابن كل سلطان” ليدين الكون بأسره ” لأنه ابن الانسان” (يو 5 : 27). المسيح هو الديان ولكن انسانيته هي قربان العذراء مريم التي تقبلت مشيئة الله الآب فقربت نفسها على مذبح الرب. انها بهذا المعنى “مذبح الرب” ( النظام الرسولي 6 و3).
المسيح وحده وسيط وكاهن الى الأبد. اما العذراء فهي العروس التي تردد مع الروح” تعال ايها الرب يسوع” ( رؤيا 22: 17 -21)
جاء في تعليق البيذاليون على قوانين الحلل الكهنوتية في اعمال مجمع اللاذقية (343 – 391):”يذكر البعض أن كلمة أوراريون ( الزنار) مشتقة من الفعل اللاتيني (اوراري الصلاة) لأن الشماس يرفعه بيده وهو يتلو الطلبات. وقال غيرهم انه مشتق من الاسم اللاتيني اورا ( الساعة) لأن الشماس يعلن الساعة والوقت في الخدمة الالهية(23).
الشموسية حياة صلاة وابتهال دائمين، والشماسة بالتالي تشترك في الترتيل في الجوقة تقليداً وتقود الصلاة الطقوسية خارج القداس الالهي.
3- وظيفة الشماسة النبوية
“فيه (اي في المسيح) يحل كل ملء اللاهوت جسديا” (كولوسي2 : 9) واذاكان الابن خلاصة الحكمة الالهية فالعذراء الكنيسة هي “مكان” سكناه. من هنا نستشف مسؤولية اخرى لتلك التي دعيت لتكون ” علامة” لحضور العذراء مريم في الكنيسة المصلية، الا وهي التعبير عن الحكمة التي لنا في المسيح يسوع. عن “اعلانها” للمؤمنين اكان ذلك من خلال التعليم ام الدراسات ام النشر. وبهذا المعنى فان مسؤوليتها نبوية بمعنى انها تعبر عن سر حضور الله بأقانيمه الثلاثة الآن وهنا او دعوة لتسليط ضوء المسيح على حياتنا في المدينة وفي مفارقها كافة ولاعلان حضوره في كل منحى من مناحي الحياة الانسانية. هذا لايعني طبعا تعبير عقلاني صرف بل ترجمة لما يقصد الرسول اذ يقول بأن الله قد ” عرفنا” في المسيح يسوع بالمعنى الكتابي للكلمة كمثل القول” آدم امرأته حواء فحبلت وولدت قايين… ثم عادت فولدت أخاه هابيل”. (تك 4 : 1 – 2). قول الرسول اذن بأن الله “عرفنا” في المسيح يسوع له مدلول اخصاب. كل نفس اذ تعرف من الله تحبل فتلد المسيح في الآخرين. من هنا قول القديس يوحنا الذهبي للفم في المقالة العشرين التي له في تفسير الرسالة الثانية الى اهل كورنثوس أنه لنا من بعد القداس الالهي مذبحا آخر هو مذبح الفقراء، يقول:” يمكنك ان تجد هذا المذبح في كل مكان وفي الأزقة والشوارع ايضا فتقدم عليه ضحية في كل ساعة لأنك هاهنا ايضاً تكمل ذبيحته.
وكما ان الكاهن، اذا ماوقف، يستدعي الروح، هكذا انت ايضاً تستدعي الروح ليس بالصوت ، بل بالفعل”. هنا الروح القدس هو المحيط بمذبح الفقراء من كل جانب.
على هذا المذبح جسد السيد مطروح فلا جرح في العالم الا جرح المسيح. وبهذا المعنى نحن نعطيه اذا ما “عرفنا” منه اي اذا مانزل علينا من السماء فننصرف، اذ قد اخصبنا بحضوره الى حملة عزاء لكل غريب، وامتلاء لكل محتاج، وشفاء لكل مريض.
وضمت الكنيسة ذكرى حاملات الطيب، او النساء اللواتي أتين ليطيبن جسد المخلص المضجع في القبر، فجر احد الفصح.
والايقونة التقليدية تصورهن وقد انكببن على القبر الفارغ. واما مريم المجدلية فانها في الايقونة تنظر الى الوراء وترى السيد القائم من بين الاموات، فيناديها باسمها ويرسلها لتبشر بالقيامة.
في هذا المنظار فان الشماسة اُوكلت تقليدياً بتنظيم الخدمات الرعائية في الكنيسة والاشراف عليها اذ انها مدعوة لتطيب جسد المخلص المصلوب في كل متألم ومشرد. في الم الوحدة والتشرد تظهر قوة القيامة. الرب يفتقدنا في الألم، يرفعه عنا بقوة صليبه فندرك اذ ذاك فرح القيامة.
الخدمات الرعائية أو “خدمة الموائد” ( اع. ص 6) في المنظور الايماني تنبع من خدمة المذبح ومن خدمة الكلمة (23).
انها ثلاثة اوجه اذا صح التعبير لحياتنا في المسيح ونمونا فيه. بها يحمل العالم بهواجسه وآلامه في شركة جسد الرب، وبها يحتضن الآب الإنسانية في سر حضور الابن المتجسد من خلال كل من اتى مقرباً ذاته ليتحول بفعل الروح الى “مذبح الرب”.
حواشي البحث
1- ان النصوص الرئيسة المعتمدة هنا هي ” الذيذاخي” أو تعليم الرسل الاثني عشر (القرن الثاني)، و” الديداسكاليا” أو (قانون الرسل)
2- يذكر التراث الكنسي أن برثلماوس وهو احد الاثني عشر، حمل انجيل متى الى بلاد الهند واستشهد هناك.
3- كورنثوس الثانية 1:7
4- الكلمة العبرية المستخدمة هنا ” شوفيت” تشير الى من جلس في منصب الكرامة يعطي نصائح لمن اتاه سائلاً.
5- انظر في ذلك يوحنا 20: 1 – 17
6- ” اعمال فيليبس” و” أعمال بولس وتقلا” وهي من كتب الابوكريفا.
7-وصية ربنا يسوع المسيح1 : 34، 83. انظر ايضاً النظام الرسولي الكتاب الثالث.
Jean Danielou,The Ministry of Women in the Churech,-8 the Faith press 1974,p,29.
9- Evangelos Theodorou, Cheirotonia or Cherothesia of-9 Deaconesses Athens 1954, p,79.
Theodorou, op.cit,p. 4410-
11- قانون الرسل 16 : 3 والنظام الرسولي 3: 2.
Dannielou, op. cit, pp. 28-29.12-
13- النظام الرسولي 3 : 1 وقانون الرسل 16 : 3.
Theodorou,op., p. 417. 14-
15- الشماسات في كاتدرائية آجيا صوفيا في القسطنطينية يمنحن هنا ايضاً الكمين ولباس مثل اللباس المخصص لرئيس الكهنة “الصاكوس” وهو قميص قصير يصل الى منتصف الحقوين، عرض الكمين ومشقوق من الطرفين من الابط الى الأسفل تجمع شقيه ازرار. لباس الشماسات ( القميص والزنار والكمين) من الكتان أو القطن الأبيض.
16- القانون 15 من المجمع الرابع المعروف بمجمع خلقيدونيا
17-تيموثاوس الأولى 5 :9-10 والنظام الرسولي 17:6
18- ابيفانيوس “مبادىء الايمان”، ومجمع ترولو القانون 48
Theodorou, op. p. 40ff-19
20- المجمع المسكوني الرابع خلقيدونية القانون 15
21- مجمع انقيرة (انقرا) الذي عقد السنة 314 في عهد الامبراطورين قسطنطين وليكينيوس.
22-جاء في شرح لبرسيفال حول الحلل الكهنوتية في الكنيسة الاولى أن الزنار (الاوراريون) كان يستخدم لأغراض متنوعة دون ان يكون علامة فارقة للرتبة الكهنوتية. والقديس ايسيدوروس اسقف بيلو سيوم اعتمده شيئاً يقابل الأموفوريون الاسقفي فيما عدا ان الزنار كان من الكتان والاموفوريون من الصوف. وينتهي الباحث الى الاستنتاج ان الأموفوريون ( للاساقفة) والبطرشيل (للكهنة) والاوراريون (للشمامسة) تعود الى أصل واحد، “فالشماس يضعها فوق كتفه الأيسر والاسقف والكاهن يضعانها حول العنق” ( الارشمندريت حنانيا كساب/ مجموعة الشرع الكنسي منشورات النور ، بيروت 1975 ص 219-220)
23-المائدة او المذبح في الهيكل في كنيستنا الارثوذكسية ترمز الى قبر المخلص وعليها يوضع كتاب الانجيل، الكلمة المعلن، وعليه توضع القرابين المكرسة او الكلمة المتجسد.
مراجع البحث
– د. رستم اسد ” كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى”
– سميرنوف / تعريب الكسندروس جحا ” تاريخ الكنيسة المسيحية”
– بابا دوبولس/ تعريب استفانوس حداد ” تاريخ كنيسة انطاكية
-د. جوزيف زيتون/ الشماسات في العصور الاولى/ موقعنا هنا، موقع د.جوزيف زيتون
– فريدا حداد ” شموسية النساء في تراث الكنيسة الشرقية” اصدار مجلس كنائس الشرق الاوسط / برنامج المرأة 1983
– حنانيا كساب “مجموعة الشرع الكنسي”
-المجامع المسكونية السبعة / موقعنا هنا “موقع د.جوزيف زيتون”
-” الذيذاخي” أو تعليم الرسل الاثني عشر (القرن الثاني)، و” الديداسكاليا” أو (قانون الرسل)
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً