صفحة مضيئة من تاريخ الارثوذكسية/ الوجود الارثوذكسي في اميركا
ملاحظة (كنا نشرناها في النشرة البطريركية العدد8 آب 1994 ونشرناها تدوينة لنا عام 2014 في موقعنا القديم هنا /الذي خرج بكل اسف/ عن الخدمة لأسباب فنية عام 2023 لايد لنا فيها وزالت موجوداته واضطررنا الى اعادة كتابتها بصبر وشق النفس هنا في موقعنا الحالي الجديد لذلك اضفنا مابين قوسين اضافات عن المستجدات في زماننا الحالي).

نبذة تاريخية في اكتشاف اميركا
في عام 1492 ابحر البحار الايطالي كريستوف كولومبوس بثلاث سفن من اسبانيا وبتمويل اسباني متجها نحو الغرب، في المحيط الاطلسي للوصول الى شرق آسيا الى موطن التوابل.وبعد رحلة استغرقت قرابة شهرين عانى فيهما من تمرد بحارته، وصل الى مجموعة من الجزر، أطلق عليها اسم “جزر الهند الغربية”، وكانت منها جزيرتا كوبا وهاييتي، ولم يكن يعرفُ أنه اكتشف أرضاً جديدة، اذ ان بشرة سكانها كانت تشابه بشرة سكان الهند مع فارق يتمثل باعتماد السكان في هذه المنطقة على تلوين أجسامهم. لذلك أُطلقت عليهم تسمية “الهنود الحمر” Les Peaux Rouges. وقد تمكن في رحلته هذه من الحصول على الذهبمن هؤلاء السكان، ولكنه لم يستطع إحضار التوابل، ثم مات عام 1506 دون ان يعلم انه اكتشف أرضاً جديدة.
وفي عام 1500 أرسل ملك البرتغال بحاراً إيطالياً جديداً هو أمريكو فسبوشي لاستطلاع الأراضي التي كشفها كولومبوس، فرسى على شاطىء البرازيل ( اليوم) وعندها ايقن أن ماوصل اليه كولومبوس ليس آسيا أو جزر الهند الغربية، إنما هو عالم جديد، مالبث أن أُطلق عليه اسمه ” اميركا” تكريماً له.
التبشير المسيحي في اميركا الجنوبية
نظراً لغنى هذه الأرض الجديدة بالذهب، بدأت طلائع المغامرين والمهاجرين الطامعين بالثراء تصل الى اميركا، وكانوا في غالبيتهم من طريدي العدالة وقطاع الطرق بالاضافة الى المحكوم عليهم بالنفي الى هذا العالم الجديد. وكان هؤلاء يواكبون القوات الاسبانية والبرتغالية في فتح هذه البلاد الجديدة، والتوغل في مجاهلها. وسرعان مالحق بهم المبشرون اليسوعيون والفرنسيسكان ثم بقية الرهبنات التبشيرية اللاتينية، حيث بدأوا بتنصير اليهود الحمر، وبنوا الكنائس، وزينّوها، مستفيدين من مناجم المعادن الثمينة المتوافرة بكثرة في هذه الارض البكر.
وبعد استتباب فتح القارة الجنوبية والهيمنة عليها عسكرياً واستعمارياً من الاسبان والبرتغاليين، دخلت وبكثافة بقية الارساليات والرهبنات اللاتينية الكاثوليكية البابوية ( الاسبانية والايطالية والبرتغالية والفرنسية…، فتثقف عليها السكان الاصليون والمهاجرون فانتشر تبعاً لذلك المذهب الكاثوليكي اللاتيني، ولذلك دُعيت هذه القارة بأميركا اللاتينية تبعا للمذهب اللاتيني.

الوجود الأرثوذكسي في اميركا الجنوبية
يرجع الفضل في وجود الكنيسة الأرثوذكسية الأولى في أميركا الجنوبية الى الأمبراطور الروسي الكسندر الثالث ” حسن العبادة” وكان ذلك بتاريخ 14 تموز 1888 في بيونس آيرس عاصمة الأرجنتين، استجابة لطلب الجالية الأرثوذكسية المهاجرة من سائر ارجاء الكرسي الأنطاكي واليونان وصربيا… وابرشيات الكرسي الاورشليمي، وقد قام وقتئذ الخوري ميخائيل إيفانوف والشماس سيزيمسكي باستئجار منزل متواضع في أحد أحياء بيونس آيرس ، وأقاما فيه أول قداس الهي في 1كانون الثاني 1889.
وبعدعامين اثنين عادا الى روسيا، فبقي الشعب الأرثوذكسي هناك بدون راعي الى أن حل محلهما المتقدم في الكهنة الخوري قسطنطين أرزتزوف الملحق بالسفارة الروسية في هولندا. وصل الى بيونس آيرس في 16 نيسان 1896، وكان هو الكاهن الأرثوذكسي الوحيد في كل اميركا الجنوبية.
استفاد هذا الكاهن النشيك من صفته الدبلوماسية هذه في تعميق الاتصالات مع رجال الحكم في الأرجنتين من رئيس البلاد، الى رجالات الدولة، فالاكليروس اللاتيني، وكان يُدعى الى الاحتفالات الرسمية ، لذلك كان يناقش اولئك في الكنيسة والعقيدة الأرثوذكسية التي تكاد تكون مجهولة تماماً لديهم، وسهل لهم بذلك الاطلاع عليها، وكان يقول دوماً إن الكنيستين الارثوذكسية والكاثوليكية غصنان في شجرة واحدة، وتباعدا بأسف منذ أجيال لأسباب من صنع البشر.
اسس هذا الكاهن النشيط الجمعيات الخيرية الأرثوذكسية التي كانت من أهم أهدافها إنشاء الكنائس أولاً ومساعدة المحتاج من كل الجاليات الأرثوذكسية في هذا الوطن الجديد ثانياً, لذلك كان وعلى الدوام يراسل المجمع الروسي المدبر والقيصر الروسي شارحاً لهم واقع الحال، والحاجة الماسة الى بناء الكنائس الأرثوذكسية لضم هذا القطيع الارثوذكسي وخدمته روحياً.
فأرسل له الأمبراطور الروسي الكسندر الثالث مبلغ ثمانية عسر الفاً ومائة روبل ذهبي، استفاد منها الخوري قسكنكين مع ماجمعه من الارثوذكسيين المقيمين في بناء منزل ليستغل اجرته في سد النفقات الضرورية للعمل الرعائي.
ثم سافر الى روسيا عام 1898 حيث قام بجمع التبرعات هناك بإذن من المجمع الروسي المدبر، وعاد الى بيونس آيرس حيث بنى كاتدرائيتها الارثوذكسية الفخمة ودشنها في 6 تشرين الاول 1901 بحضور رئيس الجمهورية واعضاء السلكين السياسي والدبلوماسي في الارجنتين.

اسباب الوجود الأنطاكي في أميركا
يمكن ان نلخص ذلك بالأسباب التالية:
اولا الأسباب الاقتصادية:
كانت الاوضاع الاقتصادية المتردية لمسيحيي بلاد الشام هي الباعث الرئيس في الهجرة، فقد أدى شق وتدشين قناة السويس في مصر عام 1863 الى زعزعة معظم الحرف والصناعات التي اختص بها مسيحيو بلاد الشام، وكانت الحرف كلها مسيحية بامتياز وعائلية وكان اربابها وخاصة منها الفنية والدقيقة كلها وخاصة الدمشقيين منهم، ومن اهمها صناعة الحرير الطبيعي من تسدية ونسيج ومايلزمها ونحاس وسيوف والمفروشات والصدف والموزاييك وصياغة الذهب والمعادن الثمينة، وقد اختصت بها اسر دمشقية عريقة تتوارثها عبر القرون والاجيال… وقد قضي على اربابها في مذبحة 1860 الطائفية الكارثية بحق المسيحيين في جبل لبنان وزحلة والبقاع وبالأخص في دمشق.
من الصناعات المميزة كانت صناعة المشروبات الروحية والخمور ذات الشهرة العالمية في الاسواق الأوربية لجودتها، وقد اهتزت لإصابة كروم العنب بآفات زراعية، فتأثر معظم الوضع الاقتصادي في بلاد الشام، واصيب المسيحيون بشكل أعمق في الصناعات الشهيرة التي ابتدعوها كالموزاييك وحصروها بأنفسهم وعائلاتهم وطوائفهم.
ثانياً الأسباب السياسية:
كانت سياسة الولاة العثمانيين جائرة بحق المواطنين عموماً وخصوصاً المسيحيين، فهؤلاء كما اسلفنا فنانون واصحاب حرف مهرة، وهذا يعني زيادة في مبلغ الضرائب السنوية (وما اكثر هذه الضرائب وتنوعها في الدولة العثمانية، والابتزازات الدائمة من الولاة وكبار الموظفين وجباة الضرائب ومتعهدي الاعشار ، واستيفاء الضريبة السنوية وغيرها عدة مرات في السنة لارضاء الباب العالي في الاستانة عليهم وابقائهم في مناصبهم، بعيداً عن العزل او النقل او السجن او القتل، وكان ذلك يتم فجأة بدون سابق انذار نتيجة المؤمرات في البلاط العثماني والصدارة العظمى في الأستانة، الا اذاكان الوالي قادراً على جمع الأموال الأميرية بما يُغني خزينة السلطة العثمانية، ويضمن الرضى الهمايوني… وكانت مقادير عظيمة من هذه الأموال تذهب ايضاًالى جيوب الولاة وأعوانهم بأساليب شتى من المضايقات والابتزاز والافتراءات الكيدية.
بصدور خط كلخانة في عام 1836 من القرن 19 والخط الهمايوني 1960 الذي ساوى رعايا السطنة في الحقوق والواجبات بغض النظر عن الجنسية و الدين والمذهب، برزت مشكلة جديدة للمسيحيين في بلاد الشام ، تمثلت في خدمة العلم أو دفع البدل النقدي…فخدمة الجندية كانت تعني القضاء على الشاب المساق للجندية، فقد كانت خدمته في الولايات البعيدة كالروملي واليمن وترعة السويس… علما ان ذلك شكل نقمة عند المسلمين فهم من يتحمل وحدهم خط الجهاد فيما يتسنى للمسيحيين دفع البدل والنجاة وهذ مازاد من الاحتقان بحق المسيحيين (وحالة الغنى التي بدأت تظهر عليهم..) وخصوصاً في عهد حكومة الاتحاد والترقي الطورانية المتعصبة تركياً وضد الاثنيات المحكومة منذ انقلاب حزب تركيا الفتاة على السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908 وعزله، هذا اذا أخذنا بعين الاعتبار عدم وجود مدة حقيقية للخدمة، وربما يقضي هذا الشاب نحبه في مناطق بعيدة غريبا بسبب الحروب والثورات المتعددة التي قامت بها العديد من القوميات المحكومة والمطالبة بالاستقلال والحرية، لذلك كان الاهل يفضلون دفع البدل النقدي الى مأموري الجباية بواسطة مخاتير القرى والبلدات ورؤساء الملل المسيحية في المدن، ومن ثم يركبون البحر الى المقلب الآخر من العالم (العالم الجديد)، هرباً من تكرار الدعوة او الخدمة الاحتياطية، او النفير العام، واستمرار تركيا في حروب لاتنقطع كما حصل في الحرب العالمية الاولى ونتائجها الكارثية واهمها مجاعة سفر برلك حيث كان الجنود جائعين بالمعنى الحقيقي للكلمة.

ثالثاً الأسباب الاجتماعية:
تركت احداث 1860 الطائفية وحجم الضحايا والاضرار في دمشق ومحيطها تحديداً وكل بلاد الشام، وقبلها الفتنة المماثلة في حلب والقلمون …1850، تركت غصة واثراً نفسياً مراً في نفوس مسيحيي جبل لبنان وزحلة والبقاع وبقية المدن والارياف في سورية الكبرى، لأنهم لم ينسوا أن عشرات الألوف من ذويهم كانوا وقوداً لفتنة طائفية قذرة عامة ومدمرة للوجود المسيحي، وكادت ان تقضي تماماً على هذا الوجود بتغذية تحريضية من حتى البلاط العثماني للتخلص من الامتيازات المذهبية التي فرضتها الدول الاوربية على السلطنة العثمانية ( الرجل المريض)والصهيونية العالمية التي كانت قد بدأت بالتشكل بزعامة تيودور هرتزل واليهودية المحلية التي تعرف كيف تستفيد من كل الخضات وتحصل على المكاسب المرجوة، اضافة الى التعصب الذي كان سائداً وخصوصاً في دمشق وحلب…فالمتعصبون الجهلة لم يرق لهم بموجب نظام الامتيازات ان يصبح المسيحيون مساوين لهم في الحقوق والواجبات بعد ان كانوا مواطنين من الدرجة الثالثة في كل العهود الاسلامية وخاصة في عهد الانحطاط العثماني…!
امام هذا الواقع الاجتماعي الذي افرز قلقاً دائماً من تجدد هذه الفتنة المؤلمة، بادر العديدمن الأسر المسيحية الدمشقية الى الهجرة مؤقتاً الى بيروت في طريقها الى أماكن أخرى أكثر أماناً، ولتحقيق ذلك نشأت في وسط هؤلاء المهاجرين الدمشقيين البؤساء جمعية خيرية تهتم بتأمين فرص عمل مؤقتة لهم في بيروت ومساعدتهم مادياً، واهتمن بتزويج الفتيات اليتيمات منهن، وكان اسم هذه الجمعية الفاضلة” أخوية العائلات الدمشقية الأرثوذكسية المستورة في بيروت” (واعتقد انها لاتزال موجودة الى الآن) ورئسها لفترة طويلة الخوري اسبر الباشا الدمشقي وكيل مطران بيروت غفرئيل شاتيلا الدمشقي.
كما هاجر العديد من رجال الأعمال والحرف والأديار وارباب النهضة العلمية من رواد عصر التنوير الشامي الى مصر واحة الحرية والتنور وقتذاك في المجالات كافة الاقتصادية والسياسية والانفتاح الديني والفكرية في ظل حكم اسرة محمد علي باشا والي مصر ثم اولاده الخديوية.
وقد شكل المهاجرون الشوام الى مصر من الارثوذكس ماسمي ب”كنيسة الوطنيين الارثوذكسيين في مصر (الاسكندريةوالقاهرة ومدن القناة والساحل المتوسطي وانشأوا كنائس ارثوذكسية انطاكية التبعية وبولاء مشترك للكرسي الاسكندري ايضاً، وكان البطريرك الانطاكي يوفد كهنة لهم الى مصر بصفة معتمدين لدى بطريرك الاسكندرية ويقومون برعاية القطيع الانطاكي الارثوذكسي.
وتولى الشوام الارثوذكس مناصب رفيعة في الادارة السياسية والبلاط الخديوي وفي الاقتصاد والصحافة وريادة المجتمع محاطين باحترام الحكم والشعب بكل اطيافه. والكثيرون اليوم منهم من النخب الاقتصادية في مصر ولهم مكانة رفيعة في جمهورية مصر العربيةأمثال اسرة الامير لطف الله…
لكن بقيت انظار سكان بلاد الشام من مسيحيين وسواهم ترنوا بشغف الى القارة الاميركية، فهي ارض الحرية وارخاء، مع ان الواقع الذي صادفه المهاجرون لأكثر من ثلاثة اجيال كان مريرا من جوع وفقر وتشريد وحتى القتل بيد قطاع الطرق وخاصة في مناطق الغرب الاميركي المتوحش، وبعضهم التهمتهم القبائل المتوحشة وأكلة لحوم البشر وخاصة في اميركا الوسطى والجنوبية في مجاهل الادغال. وخاصة انهم امتهنوا مهنة البيع المتجول وكانوا يتنقلون بين القرى النائية في المجاهل الاميركية وهم يحملون على ظهورهم او الحمير كشات السلعلبيعها لدى سكان هذه القرى، ان مانلاحظه اليوم عند رعيانا الانطاكية في الاميركيتين من غنى ومكانة علمية مرموقة كانت بداياتاته وفق هذا الواقع المؤلم والمرير…!
ومع ذلك فهؤلاء لم ينسوا عقيدة الآباء والأجداد الأرثوذكسية ولم ينسوا انطاكية العظمى التي ينتمون اليها بافتخار وايمان، والتي افرزتهم، حيث كان فرحهم لايوصف بمجيء طاهن ارثوذكسي انطاكي يحمل اليهم الزاد الالهي ويقيم لهم الخدمات بعمادة اولادهم ورفع اكاليل على رؤوسهم ويصلي للراقدين ويقيم لهم القداسات الالهية، فيتركون العمل ويلتفوم حوله بفرح كما سنرى.

الوجود الارثوذكسي الأنطاكي في اميركا الجنوبية
تنقسم اميركا الجنوبية الى ابرشيتي البرازيل والارجنتين(يوم كتابة هذا النص 1994)، ومعلوم انهما من الابرشيات الأنطاكية الكبيرة عددياً ومادياً يضاف اليهم معتمديات بطريركية (سفارة بطريركية) في تشيلي والريودو جانيرو…ثم تحولت تشيلي والمكسيك الى ابرشيتين جديدتين وبذا شملت الرعاية كل اقطار اميركا الجنوبية بهذه الابرشيات ومعتمدية الريو…
مع بدايات الهجرة الأنطاكية في اواخر القرن 19، ومع ازديادها مطلع القرن 20 والوصول الى حدها الأعظمي في منتصف الثلاثبنات، وفي الحرب الأهلية اللبنانية من (1974-1990) ومشاكل الشرق الأوسط ومادعي ثورات الربيع العربي ومعاناة سورية منذ 2011- الآن ( عند اعادة كتابة هذه التدوينة) تنامت الهجرة المسيحية من سورية الى كل الاتجاهات ومنها الى اوربة الغربية وتم انشاء ابرشيات جديدة في بريطانيا والمانيا ومعتمدية في السويد… فانخفض الوجود المسيحي عموما والارثوذكسي خصوصا بشكل حاد، الى اقل من 5% من مجموع السكان بعد ان كان يمثل مع بداية القرن 20 مابين 25%-32% وكذلك الحال في لبنان والعراق وفلسطين والاردن…
لذا ظهرت الحاجة ملحة جداً لتأسيس ابرشيات جديدة في كل مكان وصلت اليه هجرة المسيحيين الأنطاكيين، وعلى اساس جغرافي بحيث تشتمل على دول كالبرازيل والارجنتين (وحاليا تشيلي والمكسيك)وتشرف على مناطق اخرى في اميركا الجنوبية، اذ كانت بدايات التواجد في تجمعات المهاجرين واحدة حصراً، ويرعاها راعٍ واحد، لذلك سنرى اسماء بعض المهاجرين ونصفهم بالمجاهدين من الأعلام الاكليريكيين الأنطاكيين الاوائل وقد قاموا برعاية كل هذا الفريق المنتشر في حدود جغرافية واسعة في دول البرازيل والارجنتين وتشيلي وغيرها بآن معاً اذ كان يصعب وقتها تحديد اسقفية جغرافية خاصة بهم. ومعلوم مايعنيه ذلك من اتعاب جمة وتبشير في مناطق مترامية الاطراف ونائية ومجهولة وليس فيها من طرق المواصلات ووسائل الاتصالات ماهو بالحد الأدنى لذلك، فإن هذا العمل البشاري-الرعائي الذي قام به هؤلاء الأعلام يقارب في مستواه التبشيري العمل الرسولي الأول في القرن المسيحي الاول الذي قام به الرسل القديسين وتلاميذهم، وخاصة لأن الكثيرين منهم عاشوا وبشروا وخدموا وقضوا آجالهم ، وكانوا لايزالون مغمورين، لابل أصبحوا في ذمة النسيان ( نحاول نحن وسوانا ترجمتهم اعترافاً بفضلهم وجهادهم في سبيل أنطاكية العظمى) والواجب علينا رعية ورعاة ان نفخر بهم قديسين أنطاكيين جدد كالقديس روفائيل هواويني ومن عمل معه في كل الارجاء وكانوا قلة!!!، قدموا كل هذا الألق الانطاكي الأرثوذكسي الساطع وحافظوا على البيعة هناك وابقوها ملتصقة بأنطاكية الام والوطن وسائر المشرق.

ابرشية الارجنتين
ان اول راعٍ ارثوذكسي انطاكي وطئت قدماه ارض اميركا الجنوبية، وبدأ من الارجنتين هو الخوري جرمانوس شحادة (مطران سلفكياس وتوابعها لاحقاً عام 1905…1924) وكان ذلك في اواخر القرن 19 ثم خلفه الخوري بولس الخوري (مطران صور وصيدا)، ثم مطران صور وصيدا ايليا ذيب وهو من اصل فلسطيني الذي زار المنطقة للحصول على التبرعات من مغتربي ابرشيته في اميركا الجنوبية، لكنه بقي في تشيلي، ولم يعد الى ابرشيته، وشمل برعايته كلالمغربين في اميركا الجنوبية.
في عام 1913 كتب المغتربان الحمصيان السيدان فؤاد انطونيوس حداد وشاكر حبيب شقرا الى مثلث الرحمات متروبوليت حمص المتقدس اثناسيوس عطا الله يرجوانه بل يسترحمانه ارسال قدس الارشمندريت ملاتيوس فركوح ليقوم بالخدمة الروحية في بيونس آيرس للمغتربين الحماصنة الارثوذكس خاصة والمغتربين من انطاكية العظمى وباللغة العربية، فأجابهم برسالة رقمها 495 تاريخ 11 حزيران 1913 مصدرها من دوير حمص معتذرا في الوقت الحاضر لسببين اثنين:
1-وجوب اخذ موافقة الرئيس الروحي للارسالية الروسية الارثوذكسية المتقدم في الكهنة الاب قسطنطين ارتزروف ( المحكي عنه اعلاه) بصفته رئيساً للوجود الروحي الارثوذكسي في اميركا الجنوبية، ولأن الكنيسة الروسية تمتعت بهذا الحق منذ عام 1792، باعتراف البطاركة الارثوذكس الاربعة.
2- ليس من يسد محل الارشمندريت فركوح في حمص حالياً وسيعمد الى تهيئة بديل يكون خليفة له في حال تحقق موافقة الأب قسطنطين على أن يرسله الى بيونس ايرس.
قام السيدان المذكوران بأخذ موافقة المتقدم في الكهنة الاب قسطنطين المشار اليه، لكن قيام الحرب الكونية الاولى 1914-1918 حال دون قدوم الارشمندريت فركوح وجاء غيره من الآباء للخدمة في سائر الارجنتين.
وفي عام 1920 وصل مجاهد الكرسي الانطاكي المقدس في العصر الحديث، صاحب الخبرات الرعائية في الوطن… وثم المعتمد الانطاكي في موسكو القديس المنسي الارشمندريت اغناطيوس ابو الروس البيروتي الذي كان له الفضل في تأسيس هذه الابرشية، وكان مزوداً برسائل توصية من قديس انطاكية المنسي في القرن 20 البطريرك غريغوريوس الرابع (1906-1928)، وكان يتقن الروسية والافرنسية اكثر من العربية بدلالة رداءة خطه في العربية وركاكة اسلوبه في الكتابة وصعوبة قراءة رسائله الوفيرة في الوثائق البطريركية بدمشق!!!، وكان قد شُرطن عام 1905 في موسكو ارشمندرياً بحضور أعظم رجالات الدولة في روسيا، وبعطف ظاهر من الامبراطور الروسي نيقولا الثاني، بصفته رئيسا للأمطوش الأنطاكي ومعتمداً بطريركيا انطاكياً في موسكو وكل الروسيا.
كان المرحوم ابو الروس طاهر القلب وديعا محباً للجميع عفيف النفس، وفقير المال وكريم اليد، ومحبته مسيحية صرفة مع كرم اخلاق ومثالية موصوفة، كان مجاهدا بكل ماتحمله كلمة الجهاد في سبيل انطاكية والارثوذكسية، في كل مكان، ولم يحصر جهاده في الارجنتين عموماً وبيونس آيرس تحديداً، بل عممه على الأورغواي والباراغواي… وكان مساعدا للخوري قسطنطين الروسي رئيس الارسالية.
بهمة المجاهد ابو الروس وافرادالجالية الانطاكية الارثوذكسية تم استئجار كنيسة في الحي السوري، وكانت عبارة عن منزل واسع في شارع باراغواي في العاصمة بيونس ايرس رقمه 483 بقيمة 600 ريالاً ذهبياً، وأقام فيه أول قداس الهي في 5 آب 1923بمشاركة الابوين قسطنطين ارتزروف الروسي والخوري موسى الحجار.
ثم شكل لجنة لتقوم بادارة الكنيسة وتنظيم شؤونها المالية في 0 آب 1923 برئاسته وعضوية السيد فؤاد حداد اميناً للسر وجبرائيل مجدلاني أميناً للصندوق وغيرهما، وكانت هذه اللجنة على اتصال دائم بالبطريرك غريغوريوس تناشده بأسقف يسوس الرعية، ويضع حجر الاساس لأبرشية انطاكية جديدة ومستقلة عن الارسالية الروسية. لكن كانت اجابات غبطته تدعو للتريث ليتم التحقق من تبعية اميركا هل هي للكرسي المسكوني أم للكرسي الروسي؟
عاد ابو الروي الى بيروت، فأبر البطريرك غريغوريوس الى تلميذه النجيب المطران ميخائيل شحادة (من صيدنايا) المقيم في البرازيل لزيارة بيونس آيرس وسائر الارجنتين لدراسة احوال الرعية الانطاكية، ووضع دراسة مفصلة عن واقعها واحتياجاتها.
قام المطران ميخائيل مجاهدا بتنظيم وتبويب القوانين الكنسية، وتجميع التبرعات ، وشراء اول قطعة ارض لبناء اول كنيسة أنطاكية ارثوذكسية هناك. ولم يطل الامر فانتقل هذا العلم مبكراً الى جانب سيده يسوع المسيح عام 1933، فخلفه بعد رقاده الارشمندريت ميخائل خلوف ( المطران لاحقاً) من بملكة /طرطوس، فالعلامة القانوني الارشمندريت حنانيا كساب الدمشقي، ومن باب الانصاف يجدر بنا، ذكر الأب باسيليوس خرباوي وجهوده في سبيل هذه الابرشية.

ولمعرفة احتياجات هذه الابرشيات بعد تنامي الأصوات الارثوذكسية فيها، والمطالبة بصيرورتها ابرشيات، اوفد البطريرك العلامة المعمار الكسندروس طحان الدمشقي (1931–1958) وفداً بطريركياً برئاسة متروبوليت حماه المطران اغناطيوس حريكة عام 1946 لاستطلاع احتياجات الأبرشية، وفي عام 1949 أوفد المجمع الأنطاكي المقدس الاسقف سرجيوس سمنة الدمشقي الى الارجنتين، ثم المتروبوليت نيفن سابا ( من انطاكية) راعي ابرشية زحلة في عام 1950.
ولعل أطول فترة كانت تلك التي قضاها متروبوليت عكار ابيفانيوس زائد (من ديرعطية) في كل اميركا اللاتينية، حيث دامت عامين ونصف العام بدءاً من سنة 1954.
وفي جلسة المجمع الأنطاكي المقدس التي عقدت في الدار البطريركية بدمشق في تشرين الثاني 1955 تم انتخاب الوكيل البطريركي بدمشق الاسقف ملاتيوس الصويتي اسقف ايديسا ( وهو من صحنايا /ريف دمشق) متروبوليتاً على الارجنتين، وأُحدثت بالتالي ابرشية الارجنتين وتوابعها، وكان هو اول متروبوليت لها والباني الفعلي لطول مدة رعايته لها وصدق خدمتها.
ان انتخابه اول راعٍ لهذه الابرشية في الانتشار ، كان اعترافا بالاجماع بطريركيا ومجمعيا وشعبيا لقدراته الرفيعة في العلم والادب والروحانية واللاهوت، وبنجاحه المتميز في الوكالة البطريركية بدمشق زمن البطريرك الكسندروس الثالث، بالرغم من قصر مدته كأسق وكيل بطريركي بدمشق، هذا النجاح هو جعل ابرشية الارجنتينتصّر على المطالبة به. وكان قبل انتخابه اسقفا على ايديسا/ وكيلاً بطريركيافي 21 تشرين الاول 1951يخدم كنيسة السوريين الارثوذكسيين في الاسكندرية معتمداً بطريركياً انطاكياً لدى البطريرك الاسكندري منذ الثلاثينات بنجاح واقتدار.
ذهب المتروبولين صويتي الى الارجنتين لاستلام مهامه الرعوية لهذه الابرشية، وكان من اوائل اعماله هناك القيام باصلاحات داخلية من تأليف لجان لبناء الكنائس، وتأسيس جمعيات جديدة، وتشجيع الجمعيات المؤسسة سابقاً لأعمال الخير، وقيامه بزيارة رعاياه في جميع المدن والقرى الداخلية التي كانت محرومة من العناية ليحثها على العمل البّناء في خدمة الأبرشية.
ولتوحيد الجهود اقام مؤتمرات جمع فيها المجالس الملية في مدن الابرشية ومناطقها، وأنشأ علاقات مع رئاسة الكنيسة الكاثوليكية وهي الكنيسة الرسمية بغية الحصول على دعمها لدى الدولة وتم له ذلك. ومد جسور مع البعثات الدبلوماسية وخاصة السورية واللبنانية والمصرية واليونانية… وكل العرب وممثلي البعثات الاجنبية في بيونس ايرس…
وبمجرد وصوله تأسس برعايته في 28 حزيران 1956 اتحاد الشبيبة الارثوذكسية في بيونس ايرس وكوردوبا U.J.O ، ومع ودود مجموعات ارثوذكسية قوية في مدن داخلية أخرى كروساريو وتوكومان تأسست فروع لاتحاد الشبيبة الارثوذكسية بالاضافة الى فرق الارشاد الروحي والتعليم الديني للأطفال والكشافة الارثوذكسية وكانت تابعة لاتحاد الشبيبة الارثوذكسية. ونشير اى انه وفي تاريخ هذه الابرشية انه منذ عام 1908 كانت الجمعيات والأخويات والمؤسسات الارثوذكسية تتشكل كالجمعية الخيرية في بيونس ايرس وجمعية النجدة واستمر تأسيسها حتى عام 1078 مثل جمعيتي الآباء والامهات، ولاتزال…
وكان دور هذا الراعي الحكيم توجيه هذه المؤسسات لاحتضان القطيع، فاستطاع ان يجمع ابناء الرعية بمحبة كما سبق وفعل في الاسكندرية وفي دمشق اثناء وكالته البطريركية، اذ كان يزورهم ويعلمهم ويحثهم على الايمان والارتباط اكثر بالوطن الام، ويرسم الكهنة ويسعى الى تأهيلهم ما امكنه ضمن ظروفه والابرشية.
اتسم بلطف المعشر والتواضع وكان دائم الابتسامة حتى في زعله عندما كان لي شرف التعرف عليه في العقد السابع وثم لما عاد نهائيا الى الوطن متقاعداً زمن البطريرك اغناطيوس الرابع.
لا مجال للشك في أن الأرثوذكس في الارجنتين توصلوا لأن يكونوا ذوي قدرة اقتصادية ومستوى رفيع في المجتمع.
إن من السلبيات التي صادفها المطران ملاتيوس أن المهاجرين كانوا لايعرفون الأرثوذكسية الا بالممارسة التي تقلصت في ايام العمل الطويلة التي عاشوها في الارجنتين، وخصوصاً لأن الاكليروس كان غير كاف ٍ في بعض الأحيان، وفي افضل الأحوال كان هناك كاهن واحد لكل مدينة، وكان يشكو من نقص في التأهيل الاكليريكي الارثوذكسي.
المشكلة التي طُرحتْ بقوة في وقته ولاتزال قائمة، أن أبناء المهاجرين الذين كانوا يجهلون الارثوذكسية كلياً، لم تكن تكفيهم المشاركة في ساعة القداس الالهي الاسبوعية وحدها لاشباع احتياجاتهم الروحية.

واذا قرأنا معاهدة التعاون التي وقعها المتروبوليت صويتي ومتروبوليت البرازيل اغناطيوس فرزلي سنة 1959، لأدركنا مدى تحسس هذا الراعي الصالح للهموم سالفة الذكر، وانه كان ومنذ البدء واعياً لها. تضمنت المعاهدة بين الراعيين القديرين والحامليَّن هم الارثوذكسية ووجوب الحفاظ عليها واعادة تألقها بين صفوف رعايا الارجنتين والبرازيل المهاجرة في وطن جديد غريب كل البعد عنها،تضمنت عدة مشاريع مرتبطة بالتربية المسيحية الارثوذكسية (معهد اللاهوت – مجلة للابرشية – برنامج تعليم ديني ومدرسة في كل رعية)، إلا ان هذه المشاريع الحيوية مُنيتْ بالفشل لأن الأنطاكيين وإن كانوا قد بنوا ابنية كثيرة، الا انهم لم يتلقوا تبشيراً وتربية حقيقية.!
عاد المطران ملاتيوس نهائياً الى دمشق في تشرين اول 1981 بعدما طلب وبالحاح من البطريرك اغناطيوس الرابع (1979- 2012) ومراراً قبول استقالته من الابرشية بداعي التعب الشديد لرحلة جهاد طويلة مضنية في سبيل انطاكية قضاها في تنظيم الانتشار الانطاكي، وخاصة في بنائه البناء الحديث لأبرشية الارجنتين وما ادى اليه من اوضاع صحية، اقعدته او كادت عن مزاولة عمله الرعائي، وانضم الى اسرة المقر البطريركي محفوفا بمحبة البطريرك اغناطيوس الرابع وكل الاكليروس وكل من عرفه ( ونحن منهم)، وتوفي بدمشق في 23 ايلول 1983.
وللعلم كان البطريرك اغناطيوس يتريث في اجابته بالايجاب لملتمسه ليرسل البديل الكفؤ ليتابع عمل مابذله هذا الراعي الصالح والارثوذكسي الغيور والانطاكي المعلم، وليهيء له مكانا في الصرح البطريركي بدمشق يليق به وكان الصرح وقتها لم يتابع في تجديده بواقعه الحالي والذي اكمله غبطته في ذاك العقد.
ولدى عودته حل محله الأسقف كيرلس ضوماط (من حلب) ادارة الابرشية بصفة معتمد بطرركي (لأنه في حالة وفاة متروبوليت الابرشية، او وقوعه في مرض الموت، او استقالته كما حصل، ترتبط الابرشية بموجب القانون والشرع الكنسي بغبطة البطريرك الأنطاكي الرئيس الأعلى لكنيسة انطاكية فيوفد معتمداً من قبله لتسيير شؤونها يدعى معتمداً بطريركياً ويضع غبطته بتقارير مستمرة ويتلقى منه التوجيهات). وتشير تقارير الاسقف كيرلس التي كان يرسلها الى غبطته باستمرار عن نجاحه في متابعة هذه الابرشية عظيمة الأهمية، وقد قرر المجمع تثبيته في الارجنتين بصفة متروبوليت.
( بعد وفاته انتخب المجمع الانطاكي المقدس المتروبوليت يعقوب الخوري اللبناني وكان احد المسؤولين في معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في جامعة البلمند، وهو كسلفاه يتصف بالطيبة والروحانية والحكمة والاقتدار و تم استقباله عند دخوله الابرشية بحفاوة بالغة من الرعية في كل الارجنتين وبقية الكنائس والدولة والسلكين السياسي والدبلوماسي، وتشير الاخبار عن نجاحات حققها…).

ابرشية البرازيل
كان فضل تأسيس هذه الأبرشية الواسعة والأكبر مساحة وعدداً، يعود للعلامة القدير الارشمندريت سلبسترس الصغير، حيث كان قد افتتح في سان باولو في عام 1904 اول كنيسة ارثوذكسية في البرازيل.
وكانت قد تأسست مع بدايات القرن 20، جمعية ، أخذت على عاتقها بناء الكنيسة الملمع اليها اعلاه وهي: “جمعية القديس نيقولاوس” وقامت ببناء الكنيسة فعلاً، وكان اول رُعاتها الخوري المرحوم موسى حيدر ثم الارشمندريت جرمانوس شحادة حيث حل محل المتقدم في الكهنة الايكونوموس نقولا الصفدي وكيل ابرشية زحلة عندما انتخب المجمع الانطاكي شحادة مطرانا على زحلة وسلفكياس وتوابعها، تلاه الارشمندريت باسيليوس شاهين، وفي عام 1922 ندب البطريرك غريغوريوس الرابع تلميذه النجيب الارشمندريت ميخائيل شحادة (الصيدناوي) لرعاية هذه الابرشية المهمة جدا والغنية، فساسها بحكمة وسداد واسس الجمعيات والكنائس ، الى أن اختاره الرب الى جواره بعد عمل مضن في سنة 1933. فبكى الجميع مناقبه وسجاياه الرفيعة وبقيت هذه الأبرشية برعاية المعتمد البطريركي الارشمندريت المعمار ايصائيا عبود رئيس دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي الذي تابع خطى سلفه، وتولى رعاية هذه الابرشية الارشمندريت الياس معوض من ارصون ( البطريرك)، ومالبث ان انتخبه المجمع المقدس متروبوليتا على ابرشية حلب والاسكندرونة، وللأمانة بقناعتنا ان اقدر من حمل المسؤولية في بناء هذه الابرشية كان المتروبوليت اغناطيوس فرزلي الذي خلف الارشمندريت الياس معوض الذي منذ وطئت قدماه ارض هذه الابرشية ، شمر عن ساعد الجد والاجتهاد في ضم شمل ابناء الرعية ، وساسها بكل حكمة وحزم واقتدار وهي صفاته الضاربة، وكان قد عرض وزميله الصويتي متروبوليت الارجنتين ومطران اميركا الشمالية فيليبس صليبا في رسالتهم المشتركة المرفوعة الى البطريرك ثيودوسيوس السادس (1958-1970) والمجمع الانطاكي عام 1962 اوضاع المهجر في الاميركيتين، والاقتراحات واجبة التنفيذ بشأن التواجد الانطاكي هناك.

وتلبية لطلبه وبترشيح من البطريرك اغناطيوس الرابع قرر المجمع الانطاكي المقدس تسقيف الارشمندريت الصديق قريبنا دامسكينوس منصور من عربين ( ريف دمشق) وهو النشيط جدا في مجال رعاية الشباب و المتميز في الموسيقى الكنسية الرومية، تلميذ غبطته في البلمند، اسقفاً شرفاً على ايديسا، حيث تم ذلك في الكاتدرائية المريمية بدمشق السنة 1992، وعُيِّن اسقفا مساعداً للمتروبوليت فرزلي، فاهتم اولاً بالشبيبة الارثوذكسية واحدث جوقات الترتيل وهي المحببة عند الشبيبة وجمهرة المؤمنين ، وهو البارع بهذا الفن الروحي الرومي، وفي رعاية الشباب…
وعند وفاة المتروبوليت فرزلي انتخب المحمع الانطاكي المقدس الاسقف دامسكينوس متروبوليتا على ابرشية البرازيل والابرشية في عهده تسير من نجاح الى نجاح وقد ازداد عدد الكهنة المؤهلين في البلمند، ودور الجمعيات وعدد الكنائس وتماسك الرعية وارتباطها انطاكياً.
تشهد الآن سائر ابرشيات ومعتمديات اميركا الجنوبية نهضة ارثوذكسة عظمى سيما وقد بدأت بوادرها بعد زيارة البطريرك الياس الرابع (1970-1979) ورافقه فيها الارشمندريت رومانوس جوهر الذي أعدَّ تقريره الشامل، وفيه اقتراحات هامة من اجل رفعة الكرسي الانطاكي المغترب.
وتصاعدت وتيرة النهضة بشكل ملحوظ بالتنسيق الشامل مابين المطارنة والاساقفة هناك، وخاصة بعد زيارة غبطة البطريرك اغناطيوس الرابع واطلاقه صرخته المعروفة ب” صرخة أغناطيوس وعنصرة الاغتراب الانطاكي”.
نلاحظ هنا في هذه العجالة ان عدد الانطاكيين هناك بعد اكثر من ستة اجيال ومن الاغتراب والشتات يبلغ على سبيل المثال خمسة ملايين ارثوذكسي تقريباً في البرازيل وحدها، وجميعهم تقريبا من الفعاليات الهامة في المجتمع البرازيلي ومنهم في المناصب الحكومية والعسكرية والاكاديمية والاقتصادية ومنهم من ترشح لمنصب رئيس البلاد ومعاونيه و ووزراء واعضاء مجلس الكونغرس البرازيلي،
جميعهم بكل جنسياتهم الام يتطلعون الى دمشق عاصمة الكرسي الانطاكي المقدس. وكان المعاون الأسقفي الاسقف دامسكينوس منصور قد قام في عام 1994 بتدشين الخطوة الاولى من المشروع الروحي المعماري الضخم وهو مشروع بناء الكاتدرائية الارثوذكسية الانطاكية في برازيليا العاصمة الثانية للبرازيل، ( واليوم تعد هذه الكاتدرائية من اكبر الصروح الدينية الارثوذكسية في البرازيل).
معتمدية الريو دي جانيرو
نظرا لخصوصيتها حيث تقول رعيتها بأن التجمع الانطاكي الاغترابي الاول قد تم فيها مطلع القرن 20، ووفقا لرغبتهم، فقد ابقي على وضعها كمعتمدية بطريركية مرتبطة بغبطة البطريرك بدمشق، (بعد ان تم اجراء تغييرات قانونية وادارية ومالية بنتيجة ايفاد البطريرك اغناطيوس الرابع المعاون البطريركي الاسقف لوقا الخوري الى المعتمدية ومعه توجيهات غبطته، ومن ثم زيارة وفد الجمعية الخيرية للريو وهي التي تشابه المجلس الملي الى البطريركية في دمشق بطلب من غبطته منتصف العقد الأخير من القرن 20)
آلت المعتمدية زمن مطرانية المتروبوليت اغناطيوس فرزلي للبرازيل، آلت تحت رعاية المعتمد البطريركي الارشمندريت ( الأسقف جورج الحاج) الى حين وفاته، (وقد تناوب على المعتمدية عدد من الارشمندريتية الى ان استقر حاليا بالاسقف تيودور غندور من زحلة، وقد اوفده غبطة البطريرك الحالي يوحنا العاشر في منتصف العقد الثاني من القرن 21 الحالي. وهو يحظى بالاجماع الشعبي في معتمديته).
معتمدية تشيلي
وكما سبق التحدث عنه في عموميات العمل الانطاكي في اميركا الجنوبية، كان لمطران صور وصيدا الاسبق المستقيل من ابرشيته ايليا ذيب دور رئيس في جمهورية تشيلي وترتيب امور كنيستها الانطاكية، وكانت بعد وفاته تخضع في رعايتها لمتروبوليت الارجنتين ملاتيوس صويتي بين السنوات 1964- 1971، وكانت تقاريره المرفوعة الى البطريرك ثيوذوسيوس السادس ثم البطريرك الياس الرابع والمجمع المقدس في هذين العهدين ، وتقارير زميله متروبوليت البرازيل اغناطيوس فرزلي تنادي بتصييرها ابرشية كونها تتنامى عدديا وامكانيات، وكان قد تولاها معتمداً بطريركيا الاسقف أثناسيوس سكاف ( اسقف شرف على ايديسا) ومساعداً للمتروبوليت صويتي لشؤون تشيلي بين السنوات 1966-1969، حيث انتخبه المجمع الانطاكي المقدس متروبوليتا على ابرشية حماه بعد وفاة مطرانها حريكة في العام 1970، ثم رعاها المعتمد البطريركي الاسقف سرجيوس عبَّدْ، بعد ان سبق للاسقف غفرئيل فضول ، أن رعاها لفترة قصيرة نسبياً وبدأ بارسال الشمامسة الى معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي في البلمند حيث تخرجوا منه والتحقوا بالمعتمدية 1994 ومنهم ابن شقيقه الكاهن النشيط جورج عبَّد وبقرار من المجمع الانطاكي المقدس تم رفع وضعها الى ابرشية وهو صار متروبوليتا، وتشهد حاليا نشاطاً روحياً وعمرانيا مشهودا.
معتدية ( ابرشية) المكسيك
ارتبطت المكسيك منذ البداية بالارسالية السورية الارثوذكسية في بروكلن زمن مؤسسها القديس روفائل هواويني كما سنرى في الجزء الثاني في معرض حديثنا عن ابرشية بروكلن وسائر اميركا الشمالية، وبقيت مرتبطة بها الى عام 1966، حيث جعلت معتمدية في زمن البطريرك ثيودوسيوس السادس، برئاسة المعتمد البطريركي الأسقف انطونيوس الشدراوي اسقف قيصرية منذ 28 كانون الثاني 1966، وشملت ولايتها المكسيك وفنزويلا وهندوراس وكولومبيا وكوبا والسلفادور وترينداد وسانتو دومينكو، وساعده الارشمندريت ديمتري حصني الذي عاد الى دمشق مع بدايات عهد البطريرك اغناطيوس الرابع,
وفي وقت لاحق تم تصيير المعتمدية ابرشية وصار معتمدها الاسقف انطونيوس الشدراوي متروبوليتا على ابرشية المكسيك وتوابعها، (وحاليا انتخب المجمع المقدس الارشمندريت اغناطيوس سمعان ( من دير عطية في ريف دمشق) متروبوليتا لها في عهد غبطة البطريرك الحالي يوحنا العاشر (2012-…لتكن سنوه عديدة))

الواقع الحالي للكنيسة الأرثوذكسية التابعة للكرسي الأنطاكي المقدّس في بلدان أمريكا اللاتينية (أوروغواي، باراغواي، هندوراس، كوبا، وبنما) مع بعض المعلومات المتوفرة عن الكهنة والأساقفة:
1. أبرشيّة أمريكا الوسطى والكاريبي
-
الكنائس الأنطاكية في هذه المنطقة تندرج تحت الأبرشية الأنطاكية في المكسيك، فنزويلا، أمريكا الوسطى، وجزر الكاريبي، وهي جزء من بطريركية أنطاكية وسائر المشرق
-
تشمل هذه الأبرشية بلداناً عديدة، ويُشار إلى أن ليس لكل منها حضور واسع أو منظمة كاملة.
2. كوبا
-
ظهرت أولى المجتمعات الأرثوذكسية الأنطاكية في كوبا منذ افتتاح كنيسة القديسة نيقولاوس في هافانا العاصمة.
-
تطوّرت إلى مجتمع نابض بالحياة مع تزايد عدد المؤمنين المحليين، بفضل جهود بعض الكهنة (بتعاون كولومبي وكوبيين أربعة) رغم التحديات المالية والقانونية المتعلقة بالحيازة.
3. هندوراس
-
توجد كاتدرائية سان خوان المعمدان الأرثوذكسية الأنطاكية في سان بيدرو سولا، تأسّست عام 1963، وهي أول معلم أرثوذكسي شرقي في أمريكا الوسطى.
4. باراغواي
-
عدد من الكنائس الأرثوذكسية الروسية تعمل في باراغواي، أبرزها كنيسة “حماية السيدة العذراء” في أسونسيون، إلى جانب العديد من المجتمعات الريفية الأخرى.
-
خدمة الكنيسة تمت بدعم كهنة مثل: ميخائيل كلياروسفكي، بورفيري بيريوكوف، فاسيلي فاخترومايف، فارلاام فيملوف، وأليكسي يابلوتشف تحت رعاية الأسقف إنوكينتي (بتروف) حتى عام 1987.
5. أوروغواي
-
تحتضن مدينة مونتيفيديو كنيسة أرثوذكسية روسية ضمن أبرشية أمريكا الجنوبية، يعود تأسيس أبرشية أمريكا الجنوبية للكنيسة الروسية خارج روسيا إلى فترة أربعينيات القرن الماضي. أسقف مونتيفيديو في الماضي كان فيتالي أستينوف (1951–1954).
6. بنما
-
يرأس الأبرشية في بنما حالياً الأسقف لويس ليفيا فريدمان بصفته “المدير الرسولي” للأبرشية الأرثوذكسية في بنما، بعد رحيل الأسقف خوليان كاستيلو (توفي عام 2021) كاتدرائية القديس انطونيوس .
-
كذلك، الكاهن الراهب أنتوني (زهوكوف) يُدير أبرشية وسط أمريكا، وله دور بارز في دعم الحياة الروحية للأفراد وأسر الكنيسة هناك كاتدرائية القديس انطونيوس.
-
الحياة المجتمعية في بنما تتسم بالحيوية، حيث يتشارك المؤمنون الوجبات بعد الصلاة ويمضون وقتاً طويلاً في التواصل والمحبة.
-
دار البطريركية بدمشق حاليا ملخص مقارن سريع
البلد | الوضع الأرثوذكسي الأنطاكي | أسماء بارزة |
---|---|---|
كوبا | نشاط نشط رغم التحديات، كنيسة القديسة نيقولا | كهنة كولومبيون وكوبيون (4 أشخاص) |
هندوراس | أول كنيسة أنطاكيّة (1963) في أمريكا الوسطى | غير محدد |
باراغواي | مجتمعات روسية، كنيسة حماية، كهنة من زمن إنوكينتي | كهنة متعددون، الأسقف إنوكينتي |
أوروغواي | كنيسة أرثوذكسية روسية في مونتيفيديو | الأسقف فيتالي أستينوف |
بنما | أبرشية نشط |
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature