عندما حاول اللاتين مرَّتين إخراج النور المقدس!
على الرغم من الإنشقاق الكبير الذي حدث سنة 1054 الذي فصل فيه الغربيون اللاتين أنفسهم عن شركة الكنيسة الأرثوذكسيّة الجامعة، إلاّ أنه أِستمر قبولهم حقيقة أُعجوبة أِنبثاق النور المقدّس، من القبر الخلاصيّ، ولم يُشكك أحدٌ منهم بمصداقيتها. وكان ممثِّلوهم في الشرق يشتركون بمراسم السبت العظيم المقدّس في كنيسة القيامة بكلّ إحترام ٍ وخشوع.
حملات الفرنجة
في عام 1095م أطلق البابا أوربانوس الثاني (Urbanus II) الدعوة لبدء الحملات الصليبية، وكان أهمّ أهداف هذه الحملات، هو إِخضاع الكنيسة الشرقيّة الأرثوذكسيّة للسُلطة البابوية بالإكراه والقو؟ة، كما والسيطرة على الأماكن المقدّسة، ومنع المسلمين من العبث بها وتخريبها، مُشدِّداً أنّ واجبه هو الحفاظ على كنيسة القبر المقدّس التي يحصل فيها إنبعاث النور المقدّس في السبت العظيم من كل سنة.
في 15 يوليو سنة 1099م سقطت المدينة المقدّسة أورشليم بأيدي الصليبيين، وجعلوا من أرنولف شوك (Arnulf Choques) أول بطريرك لاتيني عليها، وطُرد الأسقف الروميّ سمعان من البطريركيّة، فلجأ إلى جزيرة قبرص. وفي مارس سنة 1100 أُنتُخِبَ دامبرت (Dainbert) بطريركاً لاتينيّاً على أورشليم، وقد كان قبلاً مطران مدينة بيزا في إيطاليا.
مالذي جرى في السبت العظيم؟
في السبت العظيم من سنة 1100م أِجتمع في كنيسة القيامة حشدٌ غفير من اللاتين والروّم، وترأس البطريرك اللاتيني دامبرت الخِدمَة، ودخل هو القبر المقدّس، وصلّى كالعادة، وانتظر، ولكن لم يظهرْ النور المقدّس إلاّ بعدما غادر الكنيسة في المساء. فشعر اللاتين بأنها علامةٌ إلهيّة تدعوهم للتوبة عن كل الجرائم التي إقترفوها خلال حملتهم العسكريّة على أورشليم.
وفي السنة التالية1101م قام البطريرك اللاتيني دامبرت باستبعاد الروم من دخول كنيسة القيامة، وترأس أيضاً بنفسه مراسم النور المقدّس.
دخل دامبرت القبر المقدّس، وركع على ركبتيه وصلّى وبكى، وانتظر مع الإكليروس والشعب اللاتيني الواقفين في الخارج، لكن النور المقدّس لم ينبعثْ إطلاقاً.
وفي وقت متأخر من الليل، أخلى الصليبيون كنيسة القيامة ليعود الجميع إلى منازلهم.
رجع اللاتين في صباح أحد الفصح، وبدؤوا صلواتهم من جديد، ولكن النور لم يظهر! فغادروا الكنيسة… وعلى الأثر أِغتنم الرّوم الفرصة وشرعوا بإقامة الخدمة والصلوات، التي ترأسها رئيس دير القديس سابا، عوضاً عن البطريرك الأرثوذكسيّ سمعان، المنفي في قبرص. فانبعث النور الإلهيّ من القبر الخلاصي.
على أِثر ذلك قرّر الصليبيون تسليم كنيسة القيامة إلى الروّم من جديد، فسلّموا مفاتيحها إلى رئيس دير القديس سابا.
من الذي شهد؟
أخبرنا بكل ذلك المؤرّخ الفرنسي فولشر (Fulcher) في كتابه عن تاريخ الحملات الصليبية. وأكّده أيضاً مؤرّخ آخر، لاتيني إسمه بارتلوف (Bartlof) ومؤرّخ إيطالي يُدعى كافارو (Caffaro) والمؤرخ الألماني إيكيهارد (Ekkehard) وراهب ألماني اسمه ويليام مالمسبري (William Malmesbury) والمؤرّخ الأرمني متّى الراهاوي، ومؤرخ فرنسي اسمه جيلبيرت (Guilbert)
بعد هذه الفترة مباشرةً، بين عاميّ 1106 و 1107م زار أورشليم كاهن روسيّ إسمه دانيال، رئيس دير تسرنيغوف (Tsernigov) قرب كييف، وكان دامبرت قد أُقِيل من منصبه، وحلَّ مكانه إفرمار (Evermar) بطريركاً لاتينيّاً، وكان بالدوين الأول (Baldwin I) حاكم أورشليم.
ويشير الراهب الروسّي دانيال أن اللاتين كانوا متفرّجين هذه المرّة، ولم يترأسوا الخِدم، بل انتظروا النور من القناديل المضاءة من نور القبر مثل سائر الشعب، الذي سلّمهم إياه رئيس دير القديس سابا.
والآن السؤال الذي يطرح نفسه:
لو كان البطريرك الأرثوذكسي يُشعل الشموع التي يحملها من قنديل مضاء، داخل القبر المقدّس، كما يزعم معظم الغربيين اليوم. فلماذا إذاً لم يقمْ بطريرك اللاتين دامبرت في المرَّتين بإشعال الشموع التي كانت معه من قنديل يضيؤونه داخل حجرة القبر المقدس، ويخرج بها ليعطي النور للشعب؟ ولماذا انتظر اللاتين حتى مساء السبت العظيم، خروج النور المقدّس، وكان انتظارهم دون جدوى؟
ولماذا أعادوا المحاولة من جديد في السنة التالية، ولكنهم فشلوا مرة أخرى؟!
ألا يعني ذلك أن الغربيين – حتى ذلك الوقت – كانوا مؤمنين وعارفين وواثقين أن النور المقدّس هو أعجوبة حقيقية وليست خداعاً أو احتيال، كما يشيعون اليوم بين أبناء رعاياهم؟
المرجع
Haris Skarlakidis, Holy Fire: The Miracle of the Light of the Resurrection At the Tomb of Jesus. Seventy Historical Accounts (4th – 16th C.)
بقلم: الأب رومانوس الكريتي .
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً