قراءة الرمز و حلّ اللغز في مدخل كنيسة الأربعين
منذ إنشائه ولأجيال متعاقبة، يمرّ به أناس كثيرون، وإن لم يكونوا من أبناء الحيّ وسكّانه، فيجتذب الأنظار ويستلفت الانتباه، ولا يغادرهم قَطّ الشعور بعظمة هذا الصرح وجماليته الفائقة، بما فيه من إبداع عمراني وفنّي بآن.
ولدى الجميع، بمن فيهم كاتب هذه السطور، شعورٌ أكيد بأن هذا المدخل ليس مجرّد بوابة نجتاز بها إلى قدس أقداس كنيسة الأربعين شهيداً، فكلاهما فريد من نوعه بالعالم. هي الكنيسة الوحيدة في العالم التي تحمل اسمهم وشفاعتهم والقائمة في هذه المدينة منذ استشهادهم في القرن الرابع، في حين أننا لو فتشنا مداخل كنائس الشرق والغرب قاطبةً، لما عثرنا أبداً على ما يماثل مدخل الأربعين وما يشابه هذه التحفة الفنية الفريدة، التي تجمع مابين الأقدمية (العصر المملوكي تحديداً) والحداثة.
ولطالما تملّكنا الشعور بأن هناك سرّاً ما في هذه البوابة، لم نتمكن بعد من إدراكه أو سبر غوره، رغم مرور نيف ومئة عام على تشييدها. وكثيراً ما حاولنا فكّ لغزها، فما أسعفتنا فطنة ولا ساعدتنا حكمة. وذلك لسنين كثيرة، إلى أيام قليلة خلت، ففكرنا في ساعة صفا هكذا:
إذا كان حتى شعراء وأدباء ذاك العصر (تحديداً عام 1920، تاريخ تشييده) يستندون إلى حروفٍ بمدلولاتها الرقمية في نظم بعض أشعارهم، لم لا يكون مصمّم هذا الصرح أيضاً كذلك، فكان هذا النحت الرائع بما فيه من لغزٍ دفين وبيانٍ أمين؟ لكن من أين نبدأ في استجلاء كنه هذا السرّ وما لنا حيلة، وكيف نستقرئ أحجية هذه اللوحة الفنية التي تكاد تنطق، رغم كلّ هذه الرموز؟
انطلقنا من نظرية أن هذا المدخل البديع، بكلّ تفاصيله الدقيقة، لم يُبنى هكذا لمجرّد دخول المصلّين وخروجهم، أو لالتقاط أحفادهم الصور التذكارية، بل إن تشييده على هذا النحو له من دون شكٍّ أساسٌ ومعنى ديني كامنٌ فيه.
ونعلم علم اليقين أن للأرقام في المسيحية معاني ومدلولات خاصّة، فلا يتمّ التعاطي معها كمجرّد أرقام حسابية لا أكثر أو أقلّ، بل هنالك رمزية.
من هنا، مع إمعان النظر والتأمّل، بدأنا في إيجاد مدلولات على الأرقام التالية، لما يمثلونها رمزياً، واحدةً فأخرى، فوجدناها جميعاً متوفّرة في هذه الأيقونة المعمارية البديعة.
نعني بذلك
1 : وحدانية الألوهة، التي لا تقبل التعدّدية ولا تحتمل الكثرة،
2 : طبيعتا المسيح، الإلهية والبشرية، من دون اختلاط أو انفصال أو تشويش،
3 : الثالوث الأقدس والمحيي، أي الأقانيم الإلهية المتساوية في الجوهر وغير المنفصلة،
4 : الإنجيليون الأربعة، الذين دوّنوا بشارة يسوع وملكوت السماوات،
7 : مراتب الملائكة، الذين يحفّون بالثالوث الإلهي، وبالتسابيح يعظّموه على الدوام ممجّدين،
12 + 2 : أي الرسل الاثني عشر للمسيح، الذين لم ينقص عددهم بخيانة يهوذا، حيث تمّ انتخاب متياس عوضاً عنه محافظين على ذات الرقم الإجمالي، في إشارة إلى أسباط العهد القديم، يُضاف إليه منذ العصر الرسولي الأول كلّ من برنابا وبولس، رسولَي الأمم، وأخيراً:
40 : وهو عدد شهداء سبسطية القديسين، شفعاء هذه الكنيسة المقدسة وحُماة هذه المدينة المحروسة بالله.
اعلاه
“بعنايةِ المولى وهمّة ذي التقى …………. أثناسيوس هذا البناء تشيّدا
وبعصر بطركنا الجليل جراسيموس… بيتٌ على اسم الأربعين توطّدا
ورجال حمص الأرثوذكس بكدّهم ……. وبمالهم قد شيّدوا ذا المعبدا
فلذا على الباب المؤرّخ كاتبٌ ………. هيّا اسجدوا بيت الصلاةِ تجدّدا”
وبحساب الجمل، الشطر الأخير يساوي 1890، وهو تاريخ تمام البناء والتدشين. أما الأيقونة فهي حديثة العهد، من العام 1994، بيد الفنان الموهوب أيمن بيطار، وهي من تأليفه فلا يوجد لها نظير في أية بقعة أخرى من الأرض، بتكليف من مطران حمص المتروبوليت أليكسي عبد الكريم (+1999).
بقلم الشماس بولس/ له الشكر
Metropolite Athanasios
اترك تعليقاً