كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا

قطنا وقلعة جندل (منطقة جبل الشيخ)

قطنا وقلعة جندل (منطقة جبل الشيخ)*

قطنا بلدة جميلة وادعة، تبعد عن دمشق حوالي 24 كم، وهي قاعدة قضاء جبل الشيخ لذا تعد من قرى الاصطياف، فهي تقع على سفوحه.

تحيط بها الخضرة الجميلة، اذ تبلغ مساحة أراضيها 2000 هكتار، تعلو عن سطح البحر875م، مناخها معتدل، وهواؤها جاف، ماؤها خفيف عذبينبع من الصخر مباشرة من رأس النبع. اما ابنيتها التقليدية الجميلة فهي من الحجر النحيت، وتماثل ابنية راشيا الوادي في المقلب الآخر من الجبل. اي في البقاع الغربي اللبناني علما ان نسية من سكان قطنا من الوافدين من راشيا بنتيجة الوقائع الحربية عليهم من جيرانهم الدروز وخاصة في احداث 1860 والثورة السورية 1925.

كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا

ينقسم سكانها وفق تقديرات تمت سابقاً في عام 1960 على الشكل التالي(1):

-مسلمون 3538 نسمة يليهم الروم الارثوذكس 2467 والسريان الكاثوليك 600 نسمة، والموارنة 34، والارمن 23 نسمة.

لجأ اليها مسيحيو قلعة جندل بعد نكبتهم عام 1925 على يد مواطنيهم الدروز، انتقاما من الاحتلال الفرنسي جهلا منهم بأن لاعلاقة للمسيحيين السوريين بالغزاة الاجانب الذين يدينون بالمسيحية، وبكل اسف هكذا كان حال المسيحيين منذ دخول الاسلام الى سورية في 635م، وكان الوجود المسيحي الأكبر في قلعة جندل هو الروم الارثوذكس يليهم قلة من السريان الكاثوليك ولكل طائفة كنيسة كما نبين لاحقاً.

تعيش فيها الآن حوالي 1000 عائلة ارثوذكسية، وحوالي 50 عائلة سريانية كاثوليكية، ومن ذكرنا من الطائفتين، من اصل سكانها.وحوالي 70 عائلة روم كاثوليك وخلافهم وردت اليها من مناطق اخرى، وخاصة من حوران واستقرت فيها بحكم العمل.

بعد الحرب العالمية الثانية، دب النشاط في قطنا ومحيطها، إثر إقامة المباني والثكنات العسكرية في منطقة قطنا، ثم بنى العسكريون فيها دوراً على الطراز الحديث.

يمارس مسيحيو قطنا عبادتهم في كنيستي المدينة، اذ فيها كنيستان احداهما للروم الأرثوذكس على اسم ” النبي الياس” جُددتْ سنة 1912، والثانية للسريان الكاثوليك على اسم “سيدة النجاة” لها جرس عالٍذو ثلاث طبقات، يُقرأ على ابواب كل منها تاريخ البناء واسماء البطاركة والأحبار الذين شادوها، بُنيتْ عام 1910.

اما كنيسة النبي الياس الأرثوذكسية فهي قديمة العهد جداً، وقد رُمِمَتْ مراراً عبر تاريخها بفتاوى شرعية(2) وكان الترميم الأخير قد تم بإذن الباشا ابراهيم بن محمد علي باشا والي مصر في حملته على بلاد الشام(3). وللعدل والانصاف والأمانة التاريخية شهدت فترة هذه الحملة المصرية، حملة ترميم كنائس قديمة متداعية وتوسيع كنائس، وبناء كنائس جديدة ومدارس بسبب مناخ الأمان والحرية والتسامح الذي أشاعته هذه الحملة، وانفتاح قائدها ووالده على مسيحيي بلاد الشام،وشعوره بمواطنتهم ووطنيتهم الصادقة وليسوا على هامش المواطنة، او مواطنين من الدرجة الثالثة فما دون…

وقد كان كبير مستشاري ابراهيم باشا في حملته هو امير اللواء حنا بك البحري.

وكان هذا الترميم المحكي عنه قد تم بسعي البطريرك الانطاكي متوديوس (1820-1850) ثم رممت أخيراً في مطلع القرن 20 بعد ان امست في خطر داهم ادى وكما تشير الوثائق البطريركية الى سقوط أجزاء من سقفها، وكان ذلك زمن مثلث الرحمات البطريرك غريغوريوس الرابع (1906-1928)، وبهمة الايكونوموس جرجس الحداد كاهن قطنا المعروف بقوة شخصيته، وبغيرته الأرثوذكسية. لذا وكّله البطريرك ايكونوموساً (مدبراً) للمنطقة، بالاضافة الى رعايته رعية قطنا الأرثوذكسية وقد قدم غبطته وقتئذٍ معونة مالية معقولة، وأخرى من الجمعية الأمبراطورية الفلسطينية الأرثوذكسية الروسية(4) التي كانت قد افتتحت في قطنا  مدرسة مختلطة بجانب كنيسة النبي الياس  واشرفت عليها حتى سقوط الامبراطورية الأنطاكية فيما بعد وخاصة بعدما حُّلّت هذه الجمعية نهائياً عام 1922 وجرت تصفية أملاكها ومدارسها.

كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا
كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا

قصة بناء كنيسة النبي الياس (حاليا)

بدأت عندما زار غبطة مولانا البطريرك اغناطيوس الرابع بلدة قطنا عام 1979 بعد تنصيبه للاحتفال بعيد شفيع كنيستها، ولاقامة القداس الالهي، وبعد القداس الالهي عرض عليه وكلاؤهافكرة إعادة بنائها( وفق الأصول الحديثة، حيث كانت قديمة وسقفها من خشب وقرميد)، وتوسيعها لاستيعاب تزايد المصلين بعد توسع البلدة. فوافق غبطته على الفور، وبارك المشروع، وقد وُضعت المخططات الهندسية، وبُدئَ بتنفيذها، وتضامنت رعية قطنا، وتكاتف المقيمون والمغتربون فشاركوا بالعمل، وبالجهد والمال، وتبرعوا بخبراتهم، وبأتعابهم مجاناً بدون استثناء ومنهم مهندس البناء الاستاذ رياض جبور.

وقد كان المتوفر من المال قبل البدء بتنفيذ هذا المشروع أقل بكثير مماهو مطلوب، لكن هذا التعاضد المشكور بكل شيء، هو الذي سهل التنفيذ، والله تعالى يعطي من اجل بناء بيته، وقد حظيت منذ البداية ولاتزال بدعم مباشر من غبطة ابينا البطريرك.

انتهى بناء الكنيسة الآن على الهيكل وبُدئَ بإكسائها، وهي بسبب اتساعها وضخامتها يصدقْ عليها وصف ” الكاتدرائية” اذ تبلغ مساحتها حالياً 840 م2، وليس فيها أعمدة بالداخل (وفق توجيهات غبطته) لئلا تحجب الرؤيا عن المصلين. كما وجه غبطته بعدم تخصيص شعرية للنساء.

ونظراًلضخامة بنيانها وارتفاع برجيها وقبتها، يراها الناظرون من داخل وخارج المدينة من مختلف الاتجاهات. وقد حفلت طبقتها السفلى بقاعات متنوعة وغرف لخدمات الرعية ومؤسساتها وأنشطتها.

تقام حالياً الخدم الالهية لرعية قطنا في الصالون القديم الواقع في حرم دار الكنيسة الى الشمال الغربي، بعدما خُصِصَ كنيسةً مؤقتة لها هيكل وايقونسطاس ويحتوي على اربع ايقونات من الفن الروسي من تصوير الارشيدياكون ابيفانيوس زائد(5)سنة 1926. كما توجد فيها ايقونتان اثريتان صغيرتان من الفن الايقونوغرافي السوري تعودان الى منتصف القرن التاسع عشر.

ومن المأمول أن يُشادفي مكان هذه الكنيسة المؤقتة ( الصالون)، مشروع حيوي لخدمة الرعية حال الانتهاء من مشروع الكنيسة.

يقع الى الشرق من قطنا أطلال دير قديم يدعى (دير قطيا)، قيل ان المغول خربوه وأحرقوه، وكان فيه إذ ذاك ” الشيخ حسن الراعي” ففر الى الجبل واختبأ، ثم مات ودُفِنَ في محل هذا الدير، وقيل ان السلطان العثماني أحمد الثالث أمر بعمارة مسجد للشيخ المذكور، مكان هذا الدير بإسم “مسجد الشيخ حسن الراعي”، وامر بجعل البلدة وقفاً على ذريته أيضاً، بعد أن شُفيتْ ابنته من مرضها العضال على يدي الشيخ المذكور حين حياته.(6)

وهناك شهادة شفهية متواترة عند رعية قطنا، بأن المذكور ( الشيخ الراعي) كان مسيحياً، والدلالة على ذلك إتجاه قبره الواقع داخل المسجد حيث يتجه شرقاً وفق الطريقة المسيحية، ويوجد بجانبه بئر ماء وجرن حجري كان على الأغلب جرن معمودية. وتقول هذه الرواية ان المذكور كان مسيحياً نسطورياً، ممتهناً الطب، حيث يقوم بتطبيب المحتاجين متوارياً خوفاً من اضطهاد الكنيسة الرسمية، وقد عمل في رعي الماشية تخفياً لذا لقب بالراعي(7).

يحظى هذا المقام باحترام اهالي قطنا مسيحيين ومسلمين حيث ينذرون النذور ويقدمون التقدمات على نية الناذر.

داخل كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا
داخل كنيسة النبي الياس الارثوذكسية في قطنا

قلعة جندل(8)

صمت, هدوء, صخور متجذرة بأرض إندمج ترابها بعرق المسيحين الأوائل الذين تعبوا واستشهدوا لبقاء الصليب مرتفع, إنها كنيسة عريقة كل حجرة من بنائها تحكي عن إيمان مسيحي متجذر بأرض الشرق, يحكي عن حقبة كانت ولا تزال الصراط المستقيم . والقلعة هي قرية جميلة وادعة متوسطة في عدد النفوس، كبيرة في وسعة الأراضي، تعلو عن سطح البحر 1472م، فوقها أكمة صخرية تحمل اطلال حصن عجيب مستطيل  الشكل، يظهر أنه قديم العهد جداً، يشرف على وادٍ سحيق يسمى ” وادي الحسن” وقد نُقِرَ كله في الصخر الصلد، وجُعِلَ معبداً وثنياً آرامياً، ويقول الأب المؤرخ البحاثة ايوب نجم سميا:

“في سنة 1015، جاء الأمير جندل بن قيس من عرب بني كلب المخيمين في البقاع، وعبر بعَربه “جبل الشيخ” واعتصم بهذا المعقل الخرب، ورممه فدُعيَ باسمه (قلعة جندل)، وذلك في عهد الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله صاحب مصر والشام، وبقيت هذه الإمارة 170 سنة تسمى ( إمارة الجنادلة) يتوارثونها، ولقبوا ب (البقاعيين) لأنه جاؤوا من البقاع، حتى أزال السلطان نور الدين ( الشهيد) هذه الامارة وأتبعها بدمشق”.

اما صديقنا ومرافقنا ا. فارس كسيري فقد نقل لنا ماتواتر ” أن جندل هذا كان أحد الأمراء المعنيين الاقطاعيين، وقد حل في هذه البقعة، ونقر هذا الحصن وأقام فيه لذا دعيت القرية على اسم الحصن (قلعة جندل).

كنيسة مارميخائيل في قلعة جندل
كنيسة مارميخائيل في قلعة جندل

تبعد قلعة جندل عن قطنا 13 كم، سكانها حالياً من الاخوة الدروز فقط، بعد ان تم تهجير مسيحييها من مواطنيهم الدروز نتيجة أحداث مؤسفة عام 1925 اذ دوما يُظر الى المسيحيين المحليين على انهم ينتمون للفرنسيين الغزاة بحكم الايمان المسيحي الواحد، وهي فرية ظالمة وتهمة مفبركة، وكان المسيحيون يشكلون نصف سكان البلدة. وقد التجؤوا الى قطنا فشكلوا اكثرية سكانها، وتركوا بحكم التهجير دورهم وأراضيهم الزراعية. ثم بدأوا ببيع البيوت تدريجياً الى جيرانهم الدروز، بينما بقيت أراضيهم الزراعية مسجلة باسم ملاكّها المسيحيين، حيث لايزال الى حينه فريق من أصحابها يقوم بزراعتها.

ويعد السبب في بيع الممتلكات والبيوت فهو بسبب هجرة مالكيها الى أميركا الجنوبية وتحديداً الى الارجنتين، حيث أنشأوا  جاليات محترمة إقتصادياً، لكنهم بقوا متمسكين ببلدتهم الصغيرة الوادعة (ولو عن بعد)، فأحدثوا نادياً لهم على اسمها باسم “نادي قلعة جندل”.

في قرية قلعة جندل كنيستان: ارثوذكسية باسم مار ميخائيل، وبجانبها مدرسة ابتدائية مختلطة اقامتها ” الجمعية الامبراطورية الفلسطينية- الروسية الارثوذكسية” بالتزامن مع احداثها مدرسة قطنا، وقد بيعت هذه المدرسة في اربعينات القرن 20 الى وزارة التربية والتعليم السورية خوفا من مصادرتها لعدم وجود رعية ارثوذكسية تستفيد منها في تدريس ابنائها، وهي اليوم المدرسة الرسمية للقرية.

وكنيسة سريانية كاثوليكية باسم” مار جرجس” والكنيستان بحاجة الى رعاية وترميم. ورعية قلعة جندل الارثوذكسية كان فريق كبير منها اتوا اليها من راشيا الوادي من المقلب الآخر وهو في البقاع الغربي اللبناني بعد انشاء لبنان الكبير 1920-1923، ويدل على ذلك طراز ابنيتهم الباقية فيها حتى الان، وكذلك لهجتهم وعاداتهم وتقاليدهم والى ماقبل نكبة مسيحييها عند قيام مادعي ” الثورة السورية” (1925-1927) كانت القرية مقسومة الى قسمين شمالي – شرقي يقطنه المسيحيون، وكانت دورهم، كما اسلفنا، حجرية جميلة بأقواس وأعمدة، وهي باقية حتى الآن، تحيط بها ابنية اسمنتية محدثة. بينما كان القسم الشمالي الغربي من البلدة يقطنه الدروز. وروى لنا مرافقانا  من مسني البلدة المهجرين الى قطنا ولكنهما وكيلا الكنيسة دوما يقومان بترميمها ورعايتها لتكون جاهزة للاحتفال السنوي بعيد رئيس الملائكة ميخائيل حيث يزحف سكان قطنا والقلعة الى البلدة للاحتفال برعاية البطريركية بدمشق فقالا: أن  التعاون بين الفريقينكان جلياً واضحاً، وخاصة في المناسبات الاجتماعية، حيث كانوا يحتفلون معاً، وقد استمر الحال هكذا  حتى عام 1925 عندما لعبت الفتنة دورها في شرذمة أبناء البيت الواحد، واتخذت شكلاً طائفياً بغيضاً، لاسيما اذا جُهِلَ دور المسيحيين في بناء الاوطان والذود عنها، وانهم بناة حقيقيون للاوطان مع بقية الفئات، لابل هم متجذرون في هذه الأرض العربية الطيبة، وهم قوميون رفضوا ولايزالون كل وجود استعماري، وبالذات الوجود الفرنسي وقتئذٍ، وخصوصاً ابناء كنيستنا الارثوذكسية الذين نالوا بسبب الاحتلالات الاجنبية ( الفرنج… الفرنسيين) الأذية والهوانمن اشقاء تجمعهم بهم روابط الارض والقومية والتاريخ والمصير المشترك.

كنيسة مارميخائيل في قلعة جندل اللافتة الحجرية
كنيسة مارميخائيل في قلعة جندل اللافتة الحجرية

لقد ادت هذه الفتنة (كما في المصادر الخطية والشهادات الشفهية والوثائق البطريركية) الى استشهاد عدد من مسيحيي القلعة، وحرق الكنيستين والدور ومايملكون والارزاق، فنزح الباقون برمتهم الى قطنا، ثم هاجر فريق منهم الى العالم الجديد.وبقيت كنيستا البلدة وحتى الآن وبعد اعادة بنائهما، تحظيان باحترام الدروز ورعايتهم، لاسيما وانهم يعتقدون بمار ميخائيل ومار جريس.

والدروز ينذرون الى كنيسة مارميخائيل ويلقون بنذورهم النقدية في فتحة مخصصة للتبرعات في باب الكنيسة الى صندوق النذورات خلف الباب، حيث أن الكنيسة تبقى مغلقة فيما عدا المناسبات.

وصف كنيسة مار ميخائيل

تقع في بطن التلة، وتقريباً تحت الحصن ( القلعة)،ولها اطلالة بديعة على القرية وماحولها، ولتصل إليها لابد أن تسلك طريقاً وعراً ولكن جمال المكان والهدوء ينسيك تعب الطريق.. تاريخها غير معروف ولكن على الأغلب تم في  سنة 1858م، و على الارجح الى عهد هجرة سكان راشيا الوادي الى قرية قلعة جندل، وكانت ترمم جزئياً كغيرها من دور العبادة المسيحية ووفق العادة والشريعة، بفتاوي شرعية.

وقد تم آخر تجديد وترميم لها كما يفيد مرافقانا السيد قوزما عازر 90 سنة والسيد خليل سمعان 85 سنة، وبما يتوافق مع ماتشير اليه الوثائق البطريركية بدمشق التي تتحدث بأن الخوري ابراهيم الحداد كاهن القرية ، وهو شقيق كاهن قطنا الايكونوموس جرجس الحداد قد قام بتسقيفها بعد انهيار أجزاء من سقفها الخشبي، وقد كانت توجيهات البطريرك غريغوريوس حداد تقضي ببناء السقف بالعقد، لكن البنائين تمنعوا بذريعة أنهم كانوا قدبدأوا بالسطح على الطريقة التقليدية حتى يتم إكساءه قرميداً.

داخل كنيسة مار ميخائيل
داخل كنيسة مار ميخائيل

والكنيسة مبنية الحجر الأبيض الصلد، وسقفها مستوي من الاسمنت بينما كان قبلا وقت ترميمها عام 1907 خشبي منشوري الشكل ومسقف بالقرميد .ولكنبعض ابناء قلعة جندل ومنهم مرافقانا، قاموا بكشط السقف الخشبي وصبه بالاسمنت، وبدهان الكنيسة وانارتها، وتسوير ساحتها وعزلها عن المدرسة، وتسوير المقبرة الواقعة الى غرب الكنيسة وتصليح الجرس وتعليقه. وقد تم ذلك على مراحل منذ مابعد النكبة.

اما الجرس فلم يكن موجوداً حيث كان يستعمل اصلا الناقوس (9)، وفي سنة 1918 عندما كان “النائب البطريركي بالشام المطران استفانوس مقبعة”(10) يتجول في منطقة الغوطة الغربية وجبل الشيخ في تفقد رعوي ولجمع النورية (11)، زار قلعة جندل حيث صلى في الكنيسة، وحلّ فبي المختار ضيفاً (12)، ولاحظ عدم وجود الجرس في الكنيسة، وعرض عليه متقدموا القرية بألم ان كنيسة السريان وتختص بعائلة واحدة فقط فيها جرس، بينما يُستعمل في الكنيسة الارثوذكسية اي مار ميخائيل الناقوسوخص خمسين عائلة ارثوذكسية، والرعية خجلة من هذا الواقع. فوعدم بتقديم مساعدة مادية تقدر بنصف قيمة الجرس. وبالفعل أوفى بوعده، وتم شراء الجرس من بلدة “بيت شباب اللبنانية”،وعند محاولة تعليقه سقط على الأرض فحصل شرخُ فيه، ولم يعلق منذ تاريخهالى فترة لاحقة ليست بعيدة، عندما تبرع احد ابناء البلدة من الأشقاء السريان بتصليحه وتعليقه.

داخل الكنيسة بسيط ككنائس الريف السوري , أرضيتها من الحجر النحيت، ابعادها 13/10 م، سقفها اسمنتي مستوي  أيقونسطاسها حجري يحتوي على أربع أيقونات يعلوها صف من الصور الورقية للرسل الإثني العشر تحت  الصلبوت(14). في  اعلى منتصف الأيقونسطاس, ولا نوافذ في الكنيسة سوا اثنتين متقابلتين بجانب الأيقونسطاس .
في زاويتيها الجنوبية الغربية قاعدة حجرية لجرن المعمودية ومصرفه الى ماتحت الكنيسة، وهذا مشابه لكنائس ريف اللاذقية وانطاكية ولواء الاسكندرون وفق مشاهداتنا العينية وفيها مقاعد خشبية بسيطة.
– الجدران والايقونسطاس مطلية بالطلاء الأبيض، وبكل اسف نزع عنها هذا الطلاء الدخيل، لا بل شوه صفتها التراثية، إذ يتوجب كشط هذا الطلاء  لتظهر أحجارها النحيتة الجميلة والنقوش البسيطة التي تُظهر  أسماء المتبرعين، إذ هناك بعض العبارات المنقوشة على الايقونسطاس.
على جدار الكنيسة الخارجي الشمالي بعض العبارات المنقوشة، وهي غير واضحة، وتحتاج الى تكحيل وتظليل بلون أسود لتظهر .
وفي هيكل الكنيسة البسيط اودعت أيقونة مار ميخائيل التي تنسب إليها معجزات حصلت لمؤمنين مسيحين ودروز , وهي تقدمة من  كاتب الايقونات بابا دوبولس وهو مصورها، وهي ايقونة بسيطة تغلب عليها صفة المدرسة السورية، وصوِّرَتْ على لوح معدنيأبعاده 150/150 سم
وقد روى لنا مرافقانا ، أن احد الاخوة الدروز احتفظ بهذه الأيقونة بعد حرق الكنيسة عام 1925، لكنه وضعها في بيت التبن ( الحظيرة)، فمن تاريخ وضعها، لم تهدأ الحيوانات في الحظيرة بل كانت دائمة الهيجان والنهيق، لكن كان المؤلم له وفاة أكثر من مولود ذكر رزق به.
وحصل بعد مدة، أن أتت سيدة ارثوذكسية (اصلها من القرية) من بلدة قطنا لتزور الكنيسة وتفي نذراً لها. فلفت انتباهها الضجيج والهيجان والنهيق المزعج المنبعث من الحظيرة المجاورة، فدخلتها مستطلعة، وفوجئت بوجود الأيقونة فيها، عندها عرفت السبب، ونبهته الى وجود اعادتها الى مكانها في الكنيسة. عندها نقلها بإكرام ووضعها بيده في مكانها الحالي، فهدأت ثائرة حيواناته، وقيل انه بعد ذلك حملت زوجته ورزق بغلام ذكر، توفي بعد شيخوخته منذفترة ليست بالبعيدة.
في حرم الكنيسة الشمالي يقع  قبران للكهنة بجانب باب الكنيسة، وقد استطعنا أن نقرأ بصعوبة بالغةعلى احدهما أنه قبر للخوري خليل الخوري  ويعود الى عام 1907، اما القبر الثاني فهو آيل للخراب وكتابته مندرسة.
وبالمناسبة فإنه وكما قيل لنا، إنه ماعدا الخوري خليل الوارد ذكره في الوثائق  البطريركية لم يكن للقرية كاهن خاص بها، وربما الخوري خليل المدفون في حرمها كان آخر كهنتها. وكانت البطريركية بدمشق وفق شهادة السيد عازر ترسل الى القرية كاهناً عند بداية الصوم الكبيرالمقدس سنوياً، وكان يحل ضيفاً في بيت المختار ( والد الشاهد عازر) فيقوم بخدمة الرعية حتى نهاية موسم الفصح المقدس.
اونظراً لتزايد إقبال الرعية في قطنا على زيارة قلعة جندل، وإقامة عمادات وأعياد فيها، فقد أُحدِثَ مؤخراً في ساحتها الجنوبية غرفة ومرافق صحية بالاسمنت.
عموماً فإن هذه الكنيسة وعلى الرغم من بساطتها كبقية الكنائس التراثية في ريفنا الشامي، تبعث في النفس قشعريرة روحية وتدعوك للمشاركة في إنقاذها وإخراجها من عالم النس لكنها تبعث في نفس زائرها رهبة روحية تدعوه للإسهام في إنقاذها وإخراجها من عالم  النسيان، بعد ان بقيت  ومنذ عام 1925 قاصرة على استقبال عماد طفل نّذر أن يعمد التي مازالت قابعة فيه من عام 1925م قاصرة على إستقبال طفل نُذِرَ أن يعمد فيها لدى مار ميخائيل  أو الحج اليها، فقط  بمناسبة عيد شفيعها أوعيد الفصح.
لكني أجد لزاماً أن أشير الى ماقام به المخلصون ( ومنهم هذين الشاهدين بشيخوختهما الصالحة) في ترميمها، رداً على دعوات البعض من اهل القرية لنقلها الى قطنا الى حيهم الذي أحدثوه يوم نكبتهم بالهجرة منها. وكان ذلك الترميم من المخلصين رفضاً لاقتلاع جذورهم، ورمزاً لبقائهم، وشاهداً حياً على أصالتهم.
وقد كان هذا الترميم البسيط سبباً لتواصل أبناء القرية النازحين عنها، معها ومع كنيستهم. فكانوا لايزالون يحجون اليها في الاعياد الكبرى كالفصح المجيد، وفي عيد شفيعها كما كان يفعل ذووهم قبل النزوح عنها، فيقيمون فيها ذات الأفراح، ويهزجون بذات الأهازيج” فرسان القلعة أبطال…” ويدبكون كما فعل أجدادهم عبر التاريخ.
ومن هذا المنطلق فإننا ندعوهم في ختام مقالنا الى الاهتمام بها اهتماماً جماعياً( من شق طريق معبد يصل اليها الى تسقيفها بالقرميد لحمايتها من الثلوج ولابراز جمالها طالما هي شقيقة راشيا الوادي  بهم وببيوتها وقرميدها…) مع شكرنا للمخلصين الذين رمموها وحافظوا عليها منذ مابعد النكبة وحتى الآن.
ان الواجب الروحي والحضاري والانساني الذي دفع برعية قطنا الى اشادة كنيستهم  مجددا يجب ان يدفعهم الى الاهتمام بكنيسة مار ميخائيل اهتماما جماعياً مدروساً يُظهرها أثراً مجيداً يبقى للأجيال اللاحقة وشاهداً حياً على عراقة المسيحية في ارضنا المسيحية بلاد الشام المقدسة، وعلى تجذرها منذ (نيف) والفي سنة في هذه الارض التي تَكَّوَّنَ أديمها من أجساد الاجداد والآباء.

الحواشي

* تدوينتنا في موقعنا القديم الذي خرج عن الخدمة لاسباب فنية عام 2022 وهي بالأساس مقال لنا في النشرة البطريركية عام 2002 العدد 2، هنا اعدنا كتابتها حرفياً. لذا حصل تطور في واقع قطنا وكنيسة النبي الياس فيها لم نلحظه هنا… راجين الانتباه واخذ العلم.

1- زكريا، احمد وصفي: جولة في محافظة دمشق

2-عُمل بقاعدة الفتاوي لتجديد الكنائس منذ عهد دخول المسلمين الى دمشق ومابعد اي من عام 635م، حيث لم يكن يسمح للمسيحيين ببناء كنائس جديدة، بل بترميم ماكان موجوداً، حيث يُعطي القاضي الشرعي  المحلي اقتراح فتوى بجواز ترميم كنيسة بعد الكشف عليها، وانها آيلة للسقوط، ويتبع ذلك سلسلة مملة واجراءات طويلة خاصة زمن الاحتلال العثماني آخرها من شيخ الاسلام في اسطنبول، ثم من الصدر الأعظم ( رئيس الوزراء) ويصدر القرار من نظارة المذاهب والعدلية في الأستانة  بالسماح  بترميمها.

3- الحملة المصرية على بلاد الشام(1831-1840) بقيادة ابراهيم باشا ابن محمد علي باشا والي مصر، وكانت افكاره تحررية عن سلطة العثمانيين، وقد اتجهت نيته  الى اسقاط الخلافة العثمانية واقامة امبراطورية عربية بقيادته تضم الى مصر بلاد الشام وآسية الصغرى وكانت بقيادة ولده ابراهيم باشا الذي قهر كل الجيوش العثمانية ووصل الى مشارف الاستانة وهددها، ولولا تحالف الدول الاجنبية وقتها ضد اطماع والده محمد علي باشا ( وكان الحليف فقط هو فرنساحتى ان قائد جيشه كان سليمان باشا الفرنساوي الذي كان من قادة الحملة الفرنسية على مصر 1798-1801 وبقي في مصر واعتنق الاسلام واسس جيش محمد علي على اسس عصرية…) وكان وقوف الحلفاء ضد محمد علي يندرج في اطار صراع الدول الاوربية الصاعدة وقتها بما فيها روسيا ضد بعضها، لذا وقفوا ضد فرنسا خوفا على مصالح الدول ان انتصر محمد علي مايعني تنامي نفوذ فرنسا، واقتسام “تركة الرجل المريض” وهي تسمية الدولة العثمانية وهي في حالة الانحطاط، ولو انتصرت الحملة المصرية وقامت دولة عربية قوية بقيادة محمد علي باشا لكان تغير وجه الشرق الأوسط وحتى الآن.

4- الجمعية الروسية كانت صفحة مشرقة من تاريخ أنطاكية الحديث حيث أن الأمبراطورية الروسية شعرت بحاجة بلاد الشام الى مدارس لتقف في وجه مدارس البعثات التبشيرية اللاتينية والارساليات البروتستانية التبشيرية التي كانت مجانية، وقد اقتنصت نوابغ ابناء الروم الارثوذكس السوريين، وانشأت الطوائف الغربية ، وقد جعلت الجمعية الروسية ادارتها في مدينة الناصرة بفلسطين، وفتحت فيها داراً للمعلمين والمعلمات ومن خريجيها  اسكندر كزما الدمشقي ، وقد اوفدته الجمعية لتفوقه الى موسكو للدراسة العليا فيها ثم عاد فأصبح مديرها ثم مديرا لمدرسة البلمند زمن البطريرك ملاتيوس الدوماني.

5- مطران عكار لاحقاً.

6- زكريا، احمد وصفي /جولة في محافظة دمشق

7-نقلها لنا صديقنا ومرافقنا في هذه الجولة الاستاذ فارس كسيري ابن قطنا، واصله من قلعة جندل وهو الذي شّوَّقَ لنا واصطحبنا بسيارته الى قطنا وقلعة جندل فله الشكر.

8- لنا في قلعة جندل ذكرى اليمة ونفتخر بها اذ كنا في الايام الاولى من حرب تشرين التحريرية 1973 وكنا بخدمة العلم بسلاح الخدمات الطبية وبعد ان اقمنا فيها مستشفى ميداني متنقل، وحال فراغنا من بنائه، وكانت الساعة 12 ليلاً، ورد لنا امر بالاخلاء فوراً، ولكننا لم نتمكن من الاخلاء، لأن قصفاً معادياً مكثفاً  على المستشفى ونحن  في الطواقم الطبية، كنا اما بداخله او في محيطه، فارتقى عدد من اخوة السلاح شهداء وجرحى، وانا كنت من بين الجرحى و أتذكر اني قد طرت في الهواء بتأثير الانفجار عدة امتار وسقطت على منحدر صخري حاد، أضّر بعمودي الفقري وحتى الآن. غبت عن الوعي الى بزوغ الفجر حيث تمكنت طواقم الاخلاء من اخلائنا والاخوة الشهداء والجرحى من اطباء وممرضين وجنود الى مستشفى المزة العسكري، وهو قاعدة جنديتي الاساس، وكانت اصابتي بليغة لكنها لم تكن قاتلة، بالنسبة لحجم الانفجار والارتفاع و السقوط، نعم اقول قاربت الاستشهاد،  وكانت الدماء تغمرني ولكن الله  عز وجل كان معي، وبعد عدة ايام وبالرغم من واقعي المتعثر عدت للخدمة الفعلية… لأن الواقع العسكري يفرض ذلك، وهي ذكرى اعتز بها في خدمة الوطن الحبيب سورية مع جيشنا السوري الحبيب.

9-الناقوس قطعة مستوية من الحديد او الخشب الرنان معلقة على جدار الكنيسة أو محمولة باليد، يقرع عليها بقطعة اسطوانية من جنسها فتعطي صوتاً رناناً، وهو الشائع اساسا في الكنائس والاديرة الرهبانية الأرثوذكسية، والعامة تطلق اسم الناقوس لغوياً خطأ على جرس الكنيسة بحكم الاصل، ولغوياً يُقال ينقس الناقوس، ويقرع الجرس.

10- كان مطراناً على حلب ثم استقال منها وعينه البطريرك غريغوريوس نائبا بطريركيا في الشام.

11- النورية هي مقدار مالي او عيني من حاصلات الارض الزراعية رتبت على القرى التابعة للبطريركية مساعدة للمقر البطريركي، يقدم سنوياً.

12- شهادة شفهية متكابقة مع الوثائق البطريركية.

13- بيت شباب بلدة لبنانية تختص بسباكة اجراس الكنائس.

14- الصليب الكبير اعلى ايقونسكاس الكنيسة الارثوذكسية الرومية.

مصادر البحث

-شهادات شفهية

-الوثائق البطريركية (مجموعة وثائق أبرشية دمشق)

-تراث الاب المؤرخ ايوب نجم سميا ( الوثائق البطريركية)

-زكريا، احمد وصفي/ جولة في محافظة دمشق.

ملحوظتي خلال اعادة كتابتي هذ التدوينة لاحظت ملاحظتين

-استرجع ذكرى تركت اثراً سلبياً في نفسي لإحدى سيدات قطنا  كانت صديقة لي على صفحتي في الفيسبوك( اتحفظ عن ذكر اسمها) انها راجعتني لتكتب تاريخ كنيسة مار الياس قطنا في ضوء تحقيقي عنها (اعلاه) والمنشور في النشرة البطريركية… وزارتني في المكتبة البطريركية  وقدمت لها معلومات اضافية مع صور وثائق وما كتبه كتاب عن قطنا وقلعة جندل… وقد تفاجأت بالفعل من تقديم شكرها الى من ساعدها وتذكرهم بالاسم الا انا، !!! وتشاء مناسبة ان التقيها واعاتبها وكنت اتوقع اعتذارا الا انها قالت ان هكذا طُلبوا منها ان تكتب وهي اعتمدت الاساس وهو تحقيقي اعلاه…

-منشور رعية كنيسة مار الياس الغيور قطنا على صفحة الفيسبوك بتاريخ 5 نوفمبر 2020 بعنوان ” القصة الكاملة قصة كنيسة مار ميخائيل ( قلعة جندل )”وقد ورد في ادنى المنشور الفيسبوكي التالي: مصادر البحث : شهادات شفهية/النشرة البطريركية, العدد الثاني 2002م وهذا مما يؤسف له اهمال ذكري علما انهم اعملوا القص واللصق مما اوردته عن كنيسة مارميخائيل في منشوري / تدوينتي اعلاه/ وفي بعض مافعلوا تشويه لما قمنا به، وهنا الفتهم الى ضرورة احترام حقوق الملكية الفكرية وخاصة انا الكاتب الذي قمت بالسفر الى قطنا وقلعة جندل وقمت بهذا الاستطلاع الموثق بالوثائق والكتابات بعد جهد ومراجعات في الوثائق، وكلهم يعرف اسمي وموقعي ومصداقيتي.

واختم بأن هذا الحال كان ولازال مستمرا بحقي ومن صفحات ومواقع مسيحية وارثوذكسية وبكل اسف…

للذكرى لعل من قصدنا وامثالهم يفهمون…