كلمة “آمين”: هل نستعملها في مكانها المناسب؟
“آمين”، في اللّغات كلّها، تعني التأكيد المطلق لأمورٍ حصلت أو تحصل أو ستحصل، خارج الزّمان وفي الزّمان، وذلك بكلّ ما يختص بالله، الثالوث القدّوس، وحدَه؛ سواءٌ لجهة علاقة الأقانيم مع بعضها البعض، أو لجهة ظهور الله الثالوثيّ عبر التاريخ، على ما هو عليه من إعلان حقيقيّ لله في علاقته بخليقته منذ البدء، كما ورد في الكتاب.
فما يختصّ بالله، من جهة ثالوثيّته الأزليّة ودخوله في الزمن وفق حرفيّة العهدين، ومن جهة حضوره في الأسرار المقدّسة بالنّعمة ومجيئه الثاني، إنّما نؤكّدُه بكلمة “آمين” الملحقة بدستور الإيمان.
فهل بإمكاننا استخدام كلمة “آمين” كجوابٍ لكلّ ما يتلوه الكاهن في الصّلاة؟
للوهلة الأولى، يعطينا ترداد هذه الكلمة شعور تعلّق وقوّة وتعزية. لكن، لو تعمّقنا، ماذا نُلاحظ؟
“أرح نفس عبدك فلان في مكانٍ نيّر (آمين) في مكان خضرة (آمين)…في مظالّ الصدّيقين (آمين)، في أحضان إبراهيم (آمين)…”
“إجعل طلبتنا مقبولة (آمين)، وهب لنا غفران زلاّتنا (آمين)،.. وامنح السلام لحياتنا ياربّ، وارحمنا وارحم عالمك (آمين)…”
نلاحظ، يا إخوة، أنّنا نؤكّد، هنا، أنّ الله سيرحمنا، لا بل وكأنّنا نفرض عليه الرّحمة لنا، أو نجزم بأنّ فلانًا يرتاح في مكانٍ نيّر، …
فهل هذا مقبول؟
لعلّنا لا نقصد ما نقول، بل نحن نتمسّك، وبشكلٍ عفويّ، بكلمة “آمين” المشدّدة، والّتي يُفترض أن تُطلق عند ذكر الله الأمين وحده.
فمن نحن لنجزم، مثلاً، بشفاء أحد الأشخاص، عندما نقول “آمين”، بعد دعاء الشفاء؟ أليس الله هو من يعلم وحدَه! ثمّ، من نحنُ لنؤكّد المناسب لرحمة هذا الشّخص؟ فألا يُمكن أن تكون الرّحمة في “عدم شفائه”؟
من نحن لنسلّم بأنّ فلانًا يرتاح في مكانٍ نيّر؟ الله وحده مَن يعلم.
من نحن، أو تحديدًا، من هو الواعظُ في رقاد أحد المؤمنين، لكي يُعلن أنّ الرّاقد انتقل إلى الملكوت؟ حدودُنا أن نتمنّى ونرجو، مُكتفين بقول “يا ربّ ارحمه”! فالله هو الأمين والديّان الوحيد، وحدَه يعرف وُجهة الرّاقد عند انتقاله. أمّا نحن، فمهما أحببناه وأدركنا فضائله وأردنا تعزية محبّيه، علينا ألاّ نغلّب العاطفة على الحقيقة المتعلّقة بالله فقط.
من نحن لنؤكّد بأن الله سيرحمنا؟ هل يُحدّ الله بالرّحمة فلا يدين، مثلاً؟!
يا أحبّاء،
أعرف أنّ نيّتنا، في ذلك كلّه، التوسّل من الله لا الفرض عليه، لكن أُشير إلى أنّ المُداومة على تكرار كلمة “آمين” هي عادةٌ ناتجةٌ عن الفكر الإسلاميّ الشموليّ للخلاص؛ فوفق هذا الفكر، الأمّة الإسلاميّة ستخلص كلّها، والله سيرحم المسلمين جميعًا في يوم الحشر ، كما ويستجيب دائمًا لطلباتهم!
أختم بأنّ كل كلمة لها تأثيرها ولو عن جهل، وهذا الجهل هو العدوّ الأشرس، لأنّه مستترٌ في أثواب الحقّ. و”آمين” تعني الحقّ، والحقّ هو السيّد المسيح الّذي نقول له وحده “آَمين” مع الآب والرّوح القدس. والأكيد، بحسب كنيستنا الأمينة، أنّ حُكمه غير مقيّد، لأنّه الديّان العادل الرّحيم. لذلك، لا يجوز أن نفرض عليه نيّاتنا. أمّا رجاؤنا بالخلاص فيتمثّل بصرخة “يا ربّ ارحم”، لا “آمين”. وإن كان أملنا هو أن نخلص جميعنا!
شرح ملخّص عن الأيقونة
أيقونة المسيح الضابط الكلّ، حيث تُظهرُ عيناه أنّه “الأمين” على خرافه في دينونته العادلة والرّحيمة.
(بقلم الأب نقولا سجيع الشامي)
Beta feature
اترك تعليقاً