المجمع الانطاكي المقدس بعهد البطريرك ملاتيوس الدوماني 1899

لمحة تاريخية في البطريركية الأنطاكية الجزء الثاني (1885-1898)

لمحة تاريخية في البطريركية الأنطاكية

الجزء الثاني (1885-1898)

البطريرك جراسيموس

حادّ الذكاء وغزير المعارف والعلوم، كان البطريرك جراسيموس (1885-1891)، خرّيج فرع الفيزياء والرياضيات من جامعة أثينا، محبوباً ومكرّماً من إكليروس وشعب البطريركية الأنطاكية، خاصّة وأنه أجاد اللغة العربية رغم كونه يونانياً وأحسن انتقاء المطارنة. كان بعيداً كلّ البعد عن النزعة العنصرية، ومن بين المطارنة الخمسة الذين تمت رسامتهم في عهده لم يكن هناك سوى واحد فقط يوناني (نيقوديموس عكار عام 1885) وأما الآخرون فكانوا من أبناء العرب: أثناسيوس عطالله حمص (25-3-1886)، غريغوريوس جبارة حماة (1887)، جراسيموس يارد زحلة (1889) وغريغوريوس حداد طرابلس (1890)، كما عيّن العديد من أبناء العرب في مراكز قيادية حساسة، منهم الأرشمندريت رفائيل هواويني في الأمطوش الأنطاكي بموسكو. كان دائم التجوال الرعائي على امتداد الكرسي في مختلف الأبرشيات، كما أنه التزم بالروح المجمعية، ولم يقم بأي ترتيب كنسي دون طرحه أولاً على أعضاء المجمع والأخذ بمشورتهم، حيث كان يدعوهم للإجتماع سنوياً تقريباً في الدار البطريركية بدمشق، فتتمّ مناقشة كل هواجس الكنيسة وقضاياها لالتماس الحلول المناسبة.

البطريرك اسبريدون

على النقيض من كلّ ذلك كان خليفته القبرصي اسبريدون، الذي يصفه معاصروه بقصر المدارك وسذاجة التفكير وضعف المعرفة، إلى جانب نزعته العنصرية الواضحة وابتعاده عن الروح المجمعية وافتقاره إلى الكياسة والمرونة اللتين تمتّع بهما سلفه. فليس غريباً إذاً أن نجد في سجلات البطريركية قرار تسلّمه للعرش الأنطاكي في إحدى الصفحات (2-10-1891) وفي الصفحة التالية مباشرة قرار قبول استعفائه (المؤرخ في 31-1-1898). ما يعني أنه لم يعقد أية جلسة مجمعية طوال الستة أعوام التي شغل فيها منصب البطريرك. وكانت نزعته العنصرية واضحة، وقد تجلّت في عزل الأرشمندريت رفائيل من منصبه في موسكو وبقية الكهنة رؤساء الأديرة من أبناء العرب واستبدالهم بيونانيين. والأكثر من ذلك، أنه أقدم على سيامة مطرانين يونانيين (نكتاريوس حلب وبنيامين ديار بكر) دون أي ترشيح أو انتخاب.
لقد كان سقوطه حتمياً، ليس بسبب سوء إدارته ومخالفته للقوانين وحسب، بل ولعوامل أخرى، تضافرت لعزله. ولانذيع سرّاً إن قلنا إنه ما كان ليصير بطريركاً في أنطاكيا لولا الدعم الروسي الخفي المقدّم له، إضافة إلى الدعم البريطاني الصريح وضغط الباب العالي. لقد كان طبيعياُ إذاً أن يتم إسقاطه بعد فقدان هذا الدعم من القوى الثلاث مجتمعة، إضافة إلى المعارضة الشعبية، التي قادته في نهاية المطاف إلى تقديم استعفائه من الكرسي الأنطاكي (انتقل للعيش في اسطنبول حيث وافته المنية بتاريخ 16-2-1921).
البطريرك ايروثيوس الذياذاخوس 1850-1885
البطريرك ايروثيوس الذياذاخوس 1850-1885
إن نظرة سريعة إلى الأحداث المتسارعة في عام 1897 لكفيلة بتوضيح كيفية سقوطه. بعد ثورة اليونانيين في جزيرة كريت ضد الحكم العثماني ونجاحهم بدعم بريطاني في الحصول على حكم ذاتي، تصدّعت العلاقة بين الباب العالي والحكومة البريطانية، وحصل تقارب عثماني-روسي-فرنسي، سرعان ما انعكس في أحداث شرق أوسطية عديدة، كان من بينها النزاع الكنسي في أنطاكيا. ليس صدفة أن يتم تعيين ناظم باشا والياً على سوريا في حزيران 1897، ولقاءاته المتعاقبة مع قنصل روسيا في دمشق بيلاييف للتشاور في حلّ للأزمة الأنطاكية. وهكذا، انسحب البطريرك في الشهر التالي من دمشق إلى دير صيدنايا، في محاولة منه للتملّص من الضغط الذي مارساه عليه في الدعوة لعقد مجمع في المقرّ البطريركي لبحث الأزمة وإيجاد حلّ لها.
وبالتوازي مع تصاعد النقمة الشعبية ضدّه، والتي طالبت بإسقاطه، وردت في 25 تشرين الثاني إلى أربعة مطارنة يونانيين في الكرسي الأنطاكي رسالةٌ من رئيس الأمطوش الأورشليمي في اسطنبول، تؤكّد لهم بما لا يدع مجالاً للشكّ أنه لم يعد لاسبيريدون في العاصمة أيّ دعم، وأنه لا أمل له في البقاء بطريركاً في أنطاكيا (ما يفسّر وقوف اليونانيين جنباً إلى جنب مع الوطنيين في الإطاحة باسبيريدون).
وفي 13-12-1897، وصل إلى المقر البطريركي مطران حمص أثناسيوس، ثم في 18 منه كلّ من المطارنة: ملاتيوس اللاذقية وغريغويوس حماة وجراسيموس زحلة وغريغوريوس طرابلس. وفي 20 منه، كتبوا لاسبيريدون يدعونه للحضور إلى دمشق لمتابعة جلسات المجمع الملتئم فيها. لكنه رفض، مقترحاً عقد المجمع في البلمند. وفي ليلة 31/30 كانون الثاني 1898، فيما كان مزمعاً على مغادرة صيدنايا سرّاً إلى البلمند، تهاطل الثلج بكثافة فانقطعت كلّ الطرق. حينئذ وافق على استعفائه من الكرسي الأنطاكي. وفي الجلسة المجمعية المنعقدة في 6 شباط من نفس العام، قُبل استعفاؤه بالإجماع، من قِبل كلّ المطارنة، وطنيين ( 8 ) ويونانيين ( 5 ).
Metropolite Athanasios بتصرف بسيط

 

Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *