مثلث الرحمات المطران اثناسيوس (صليبا)
مثلث الرحمات المطران اثناسيوس (صليبا)
بعض من شهادتي به
هو خال المطران الياس ( كفوري) متروبوليت صور وصيدا وتوابعهما
من ذا الذي لايتذكر هذا الاسقف المتواضع، النظيف جداً والمرتب في لباسه واناقته، وكان ربما اول مطران يقود سيارته بنفسه بدون سائق في دمشق، اذ كان هذا الامر مستهجناً القيام به من قبل رئيس كهنة في دمشق وربما غيرها… ولكن عادته هذه استمر عليها منذ كهنوته في ابرشية اميركا… وكم تعرض للانتقادات…
كان شديد التقيد بالأصول والليتورجيا والقوانين الكنسية الأرثوذكسية…حتى ان الكثيرين من المتحاملين عليه من ابناء كنيستنا قبل الكنائس الأخرى تناولوه بالتجريح والذم لمواقفه النقية الايمانية الارثوذكسية لمجرد تمسكه بالتقليد الارثوذكسي الذي تعلمه وعاشه وحرص على التمسك به اكثر كونه اسقف.
– كان رئيس ديوان البطريركية وقبل بدء دوامه صباحا في الساعة التاسعة يومياً كان ينزل في كل يوم باكراً (عدا يومي الجمعة والأحد بسبب الخدم الالهية) وهو بلباس الجنيناتي الأفارول والقبعة الفلين، ينزل الى حديقة البطريركية والحديقة المحيطة بالمريمية، ويقلم اشجارهما بيديه، ويُعَّشِّبْ الارض، وينزل الطعوم في الاشجار بيديه، ويجني الخضار الباكورية التي بذرها وتعهدها بيديه لصالح مطبخ البطريركية، والنارنج والكباد والليمون البلدي والزيتون، ويرتب المسالك خاصة في الحديقة المحيطة بالمريمية، وقد صارت هاتان الحديقتان في عهده، وبأتعابه، بالرغم من صغرهما، فسحة للناظرين، عدا ان الانتاج كان وفيرا لاهتمامه الشديد بالرغم من صغر المساحة وقلة عدد الاشجار
– ذات مرة (وهذه ايضاً معروفة عنه) جاء اليه تاجر بحاجة ما مرسلاً من صديق للمطران، وكان شيخاً ملتحياً، وكان لايعرفه، فسأل عنه في الاستعلامات فدلوه عليه انه في الحديقة داخلاً…
كان المطران في الجنينة وحده يعمل وكأنه البستاني وبيده مقص التقليم، ولم يفطن السائل انه هو المقصود لأنه لايعرفه، وأكيد لم يخطر بباله ان مطراناً متقدماً في السن يعمل في الحديقة، فسأله عن المطران اثناسيوس، فأجابه المطران: “اذهب الى غرفة الانتظار وسيأتيك بعد قليل…”
وبعد قليل اتاه الى غرفة الانتظار، بعد ان استحم، وارتدى لباسه الكهنوتي القنباز والسكوفا على رأسه والأيقونة على صدره، وكان لون قنبازه أبيضاً ووجهه يلمع كالبدر بالرغم من تقدمه في السن، فكانت مفاجئة صاعقة للشيخ عقدت لسانه فسَّلمَ المطران عليه مبتسماً وقد لاحظ اندهاشه، فقال له قاصده الزائر: “الم تكن انت يامحترم الجنيناتي” ؟ فضحك المطران ضحكته الرنانة وهي كضحكة حبيبنا المطران الياس كفوري ابن اخته واجابه بالايجاب… وقضى له الحاجة المطلوبة، وشَّيعه الى باب مكتبه، وهما يضحكان من القلب. وكنت ماراً وقتها فاستلفتني هذا الموقف وسالته بعد ان اخذت بركته، فحكى لي رحمه الله القصة مع التاجر الشيخ الملتحي، وهو يضحك وعيناه مغرورقتان بالدموع من شدة الضحك.
– من ذا الذي لايتذكر جهاد هذا الكاهن والارشمندريت في ابرشية اميركا الشمالية هذا الجهاد الذي لفت انتباه البطريرك اغناطيوس الرابع فرشحه اسقفا معاونا بطريركيا له في دمشق بعدما وافق المجمع الانطاكي المقدس بالاجماع عام 1979… وتمت رسامته في مطلع 1980 في مريمية الشام، فسلمه لمناقبيته ودقته مسؤولية رئاسة الديوان البطريركي، وكانت من مهامه ادارة اوقاف البطريركية، فضبط مالية المكتب البطريركي الضعيفة، وزادها بجهوده في تحصيل واردات الاوقاف الضعيفة اصلاً نظراً لأجورها القليلة، وتنمية هذه الاوقاف والسعي لاستبدال بعضها العديمة الريعية، او القليلة الريعية بأوقاف بديلة تدر ريعية أكبر.
رئيساً لدير البلمند البطريركي
ونظراً لكفاءته وحسن تدبيره سلمه غبطته لحسن تدبيره بعد سنتين كمعاون له في المقر البطريركي بدمشق اي في العام 1982 رئاسة دير سيدة البلمند البطريركي والنظام الرهباني ان يسعى رؤساء الاديرة لاستثمار اراضي الاديرة في الزراعة، فأنعش موات اراضي وبساتين الدير واعاده كما كان دوماً ممولاً لذاته، نظم المسالك وسط الحدائق ورتب وصب الادراج بين الدير والمعهد بالاسمنت لتسهيل الانتقال والعمل في الاراضي الزراعية، وضع خططاً لمناحل لجني العسل، وانشطة زراعية تعتمد عليها الحرف الريفية كمنتوجات غذائية زراعية ، ولكن لما لم يكن من تمويل لها والموارد لاتكفي ، استأذن غبطته ليمولها من ماله الشخصي الذي كان قد جناه في عمره وخدمته في اميركا، وبحصل على اذن صريح شفهي وخطي من البطريرك اغناطيوس الرابع وموافقته ومباركته، وأن له الحق باسترداد ديونه وفق الاصول (ان رغب) في المستقبل ( وفق نص موافقة غبطته الخطية)… ولو اتيح له زمناً قليلاً قبل استقالته، لكان قد شق طريقاً مباشر اً من الدير الى الطريق الساحلي مخترقا اياه للوصول الى الساحل المقابل للدير، حيث كان سيقيم هناك مرفأ صغيراً للدير من اجل تسويق وتصدير انتاج ارضه الى الاسواق اللبنانية كما كان يخطط…
وفاته
عاش بقية حياته في هدوء ببلدته، يقوم بخدمة القداس الالهي في الآحاد والاعياد وبقية المناسبات، وكان حقاً بركة لبلدته ولمنطقة ضهور الشوير التي تعتز به الى حين انتقاله الى الأخدار السماوية في ثلاثاء الميلاد المجيد في 27 كانون الأول 2016 فنعاه غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر ببيان صادر عن الدار البطريركية بدمشق.
واحتُفل بجنازته في كنيسة بلدته كما لاق بهذا المجاهد…
وكان غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر قد كلف بصلاة الجنازة وتمثيله فيها سيادة المتروبوليت الياس ( كفوري) راعي ابرشية صور وصيدا وتوابعهماكونه ابن شقيقة الفقيد الكبير، وسيادة الاسقف كوستا كيال رئيس دير النبي الياس شويا البطريركي بترؤس صلاة الجنازة.وتمت الجنازة بحضور حاشد من الكهنة وصلوا على الجثمان المسجى في نرثكس الكنيسة منذ يوم الوفاة وبحضور حاشد من اهل البلدة والمنطقة وبعد الصلاة ابنه سيادة المتروبوليت الياس باسم غبطته بكلمة ولا اروع عدد فيها مآثره…ونقل في مستهلها وختامها تعزية جميلة للعائلة وللكنيسة وللكرسي الانطاكي.
ثم حمل النعش على اكتاف الكهنة كالعادة حيث ووري في مدفن خاص تحت الكنيسة…
السيرة الذاتية
– ولد الأسقف أثناسيوس (أديب صليبا) في 26/2/1920 في قرية أبو ميزان،والده عازار ووالدته تاج عبد النور.
– دخل بخدمة دير النبي إلياس شويا البطريركي عام 1937 في منطقته، ورسمه البطريرك ألكسندروس مبتدئا في 20/7/1938 ودرس في مدارس البلمند والآسية بدمشق والكلية الأرثوذكسية في حمص.
· – رسم شماساً عام 1946 على يد مثلث الرحمات المطران ألكسندروس جحا مطران حمص.
· – سافر في السنة التالية إلى باريس ليدرس في “معهد القديس سرجيوس اللاهوتي الأرثوذكسي” التابع للكنيسة الروسية خارج الحدود.
· – في عام 1951 سافر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لمتابعة التحصيل العلمي في الفلسفة والأدب الأمريكي.
· – رسم كاهناً فأرشمندريتاً على يد المثلث الرحمات المطران أنطونيوس بشير مطران نيويورك وسائر أمريكا الشمالية سنة 1956وصار كاهناً لإحدى الرعايا في تلك الأبرشية.
· – انتخب عام 1979 أسقفاً على يبرود معاوناً لغبطة البطريرك إغناطيوس الرابع مع المثلثي الرحمات الأسقفين استفانوس حداد، وبولس بندلي (الذي انتخب لاحقاً مطراناً على عكار)
– تمت الرسامةالأسقفية في 10/2/1980 وصار رئيس الديوان البطريركي
– عين رئيساً على دير سيدة البلمند البطريركي من 22/11/1982 حتى سنة 1991 حتى تقاعده حيث امضى بقية حياته في بيته ببلدته.
مؤلفاته
– الكنيسة الارثوذكسية الأنطاكية
– دير سيدة البلمند
الخاتمة
هذا الجهاد الصامت مع الوداعة يستوجب وقفة احترام وذكر لمآثره…
لذلك فإن غبطة ابينا البطريرك يوحنا العاشر( كما هي عادته دوما) قد كرمه قبل هنيهة، وجبر خاطره بزيارة وتكريم في بيته ببلدته مؤخراً…
المسيح قام ايها السيد المتواضع والمجاهد هناك معه انت اليوم وذكرك باق ومؤبد الى الأبد يا خادم الرب الأمين وقد كنت اميناً على القليل فأقامك على الكثير ادخل الى فرح ربك مسروراً، يكفي انك ارتقيت اليه في فترة ميلاده طفلاً لتكون مع الابرار مسبحين اياه في الفردوس.
وقد كتبت صفحة حركة الشبيبة الارثوذكسية عنه النص التالي نحافظ عليه امانة…
الأسقف أثناسيوس (صليبا) في ذمّة اللَّه
شرين – لبنان
الأسقف أثناسيوس (صليبا) في ذمّة اللَّه
انتقل إلى رحمة اللَّه تعالى سيادة الأسقف أثناسيوس (صليبا)، في منزله الكائن في قرية شرين المتنيّة بتاريخ 27 كانون الأوّل 2016. احتفل بالصلاة عن نفسه في كنيسة القدّيس نيقولاوس، شرين، وترأّس الجنّاز سيادة المطران إلياس (كفوري) راعي أبرشيّة صيدا وصور، وابن شقيقة الأسقف الراحل، بمعاونة سيادة الأسقف كوستا (كيّال) رئيس دير النبيّ إلياس البطريركيّ شويّا، والأرشمندريت رومانوس الحنّات رئيس دير سيّدة البلمند البطريركيّ ولفيف من الكهنة وحشد من المؤمنين. من هو الأسقف الراحل؟
هو أديب صليبا ابن بركات رزق صليبا وتاج عبد النور صليبا، ولد العام 1919 في مزرعة “أبو ميزان” المتن. درس لمدّة سنتين في مدرسة الدير في مزرعة أبو ميزان في بناء كان يسمّى “حارة الدير”، تعلّم على كاهن عيّنه الدير ليدرّس هناك. في سن الثانية عشرة من عمره، طلب منه أهله إيجاد عمل كسائر أترابه من أبناء المزرعة.
فتنقّل بين أعمال عدّة في قريته وفي الجوار.
– خلال صوم “ميلاد 1937” التحق بدير النبيّ إلياس شويّا البطريركيّ، في زمن رئيسه الأرشمندريت إغناطيوس (ملحم).
– مكث أديب في الدير بين 1937 و1938 ، يعمل مع الرهبان في أملاك الدير (جمع حطب للتدفئة خلال فصل الشتاء، صيانة جنائن الدير والعمل فيها، قطاف المواسم، صناعة الموادّ الغذائيّة من إنتاج الدير).
– أرسله رئيس الدير إغناطيوس (ملحم) السنة 1938 إلى دير البلمند مع إلياس (قربان) وإسبيريدون (خوري) (مطراني طرابلس وزحلة لاحقًا). عاد الثلاثة إلى دير النبيّ إلياس شويّا صيف 1939 حيث التقوا بالبطريرك ألكسندروس (طحّان) الذي كان يمضي فصل الصيف في ربوع الدير. وهناك تعلّم أوّل ترتيلة وكانت كاطافاسيّات الميلاد. وخلال وجوده في الدير كان يزرع الأراضي الصالحة حوله وفي منطقة الينابيع (حيث يوجد نبع ماء ملك للدير، وحوله أراض كان رهبان الدير يزرعونها ويحصلون إنتاجها لفصل الشتاء).
– قبل حلول عيد الميلاد السنة 1939، قدم البطريرك ألكسندروس (طحّان) إلى دير سيّدة البلمند، كانت خلالها قد اندلعت الحرب العالميّة الثانية في أوروبّا. كان مدير المدرسة الإكليريكيّة الأرشمندريت إلياس (معوّض) (البطريرك لاحقًا)، حيث قرّر البطريرك إقفال المدرسة بسبب الحرب، والمصاعب الماليّة التي ستواجهها المدرسة. لم يوافقه الأرشمندريت الرأي، لكنّ رأي البطريرك كان النافذ، فأرسل الرئيس أديب وإسبيريون وإيليّا صليبا الى دير النبيّ إلياس شويّا، حيث التحق بمدرسة عين القسيس في السنة ذاتها وبقي فيها بين 1939 و1941، كان أديب من ضمن 122 تلميذًا التحقوا بالمدرسة الآسيّة في دمشق. بعدها أرسله البطريرك الى دير القدّيس جاورجيوس الحميراء في وادي النصارى، سورية، وهناك التحق السنة 1941 – 1942 بالكلّيّة الأرثوذكسيّة التي كانت بإدارة المطران ألكسندروس (جحا) وإشرافه، حيث حصل على شهادة الابتدائيّة العالية (البريفه). وانتسب إلى (كلّيّة تجهيز حمص) حيث نال البكالوريا الأولى والثانية، وكان رفيقه ديمتري كوتيّا. تلقّى وعدًا بإرساله إلى باريس لدراسة اللاهوت في معهد القدّيس سرجيوس على حساب الأبرشيّة.
– في خريف 1947، ذهب إلى باريس بحرًا من طرابلس عبر مرسيليا مع جورج خضر (مطران جبيل والبترون لاحقًا)، وتبعهما بعد مدّة إسبيريدون خوري (مطران زحلة لاحقًا)، وإغناطيوس هزيم (البطريرك لاحقًا).
– كان “لأديب” عمّ في الولايات المتّحدة الأميركيّة اسمه سعاده صليبا، فتراسلا وطلب منه عمّه أن يأتي إلى أميركا للزيارة فترك باريس وسافر إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة السنة 1951.
– في أميركا انتسب الى جامعة “بتسبرغ” السنة 1957 حاملا شهادة الــــبكالوريوس في الأدب الإنكليزيّ 1959 من الجامعة ذاتها. تابع الدراسة في جامعة “رود آيلاند” وحصل على بكالوريوس (?? و ???) في اللغة الفرنسيّة. والسنة 1972 حصل على شهادة الدكتوراه في التربية وإدارة المدارس.
– رسم شمّاسًا إنجيليًّا السنة 1946. وسيم كاهنًا وأرشمندريتًا السنة 1957، وخدم في رعيّة “إنديانابوليس”، ثمّ في ديترويت، لمدّة سنتين وبعدها انتقل الى ويستر – ماساتشوستس لغاية السنة 1959.
– رجع إلى بتسبرغ السنة 1959، وإلى رود آيلاند سنة 1960، وبقي فيها حتّى السنة 1968.
– استدعاه البطريرك إغناطيوس الرابع (هزيم) إلى دمشق وانتخبه أسقفًا على يبرود. السنة 1980سيم أسقفًا والتحق بالدار البطريركيّة مساعدًا للبطريرك، وأمضى نحو ثلاث سنوات في مهمّته.
– في 22 كانون الثاني 1982، عيّن رئيسًا على دير سيّدة البلمند البطريركيّ، وبقي فيه لغاية السنة 1992، حيث ترك رئاسة الدير وتقاعد في منزله الكائن في بلدة شرين، المتن الشماليّ.
– دير سيّدة البلمند، الطبعة الأولى 1991
-الكنيسة الأنطاكيّة الأرثوذكسيّة 1992
عندما كان في الولايات المتّحدة الأميركيّة، أسّّس زمن جلوس المتروبوليت فيليب (صليبا) على كرسي رئاسة الكهنوت، جمعيّة القدّيس إغناطيوس الخيريّة. وحين تولّى رئاسة دير سيّدة البلمند حرّر رئاسة الدير من كلّ الاتّفاقيّات المجحفة التي ارتبطت بها سابقًا وعمل على إعادة تشتيل الأراضي وغرسها، وحفر الآبار الإرتوازيّة في أملاك الدير، وجرّ المياه منها للاستعمال. وطرح فكرة إنشاء جامعة في الدير على غرار المدرسة، على غبطة البطريرك إغناطيوس، شارحًا له المقوّمات الأساسيّة لهذا المشروع. وبعد فترة وقبل أن يقيله البطريرك من رئاسة الدير، أرسل له قائلاً: إفرح يا سيّدنا، لقد قرّرنا إنشاء جامعة في البلمند، وستتحقّق فكرتك.
مجلة النور – العدد الأول 2017
مع المسيح هناك افضل…
Beta feature
اترك تعليقاً