مذكراتي مع الكشفية…
مذكراتي مع الكشفية…
أبنائي وإخوتي في الكشفية الأرثوذكسية الدمشقية، ومنها فرق المراسم في الكاتدرائية المريمية وكنيسة الصليب المقدس…وكل كشاف ومرشدة في أية فرقة مراسم في كنائس بدمشق وريفها، وهي جميعها وريثة الفوج الثاني(جاورجيوس) اي فوج الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي(جاورجيوس)
يسعدني أن أسلط الضوء على فوجنا الكشفي الأصيل هذا، كما سيلي أدناه، وقد ألقيت هذه المذكرات في منتدى قدامى الكشافة في مفوضية دمشق عام 2008 ويسعدني أن اعرضها عليكم في تاريخ الكشفية الأرثوذكسية الدمشقية، وقد عرضها موقع منتدى قدامى الكشافة، ونقلها القائد رامي منزلجي من قادة كشاف سورية المعروفين ومن مفوضية اللاذقية تحت عنوان :”أعجبتني هذه المذكرات” لذا اعرضها عليكم لتعلموا مدى مساهمة أجدادكم في تاريخ الوطن الحبيب من خلال الكشفية.
نص المذكرات
“اخوتي أعضاء المنتدى
شرفني منتدى قدامى الكشافة، ورئيسه الأخ القائد الأستاذ زهير المحتسب بدعوتي للقاء معكم متحدثاً عن تجربتي مع الحركة الكشفية وذكرياتي التي تبقى مصدر اعتزازي ما حييت كونها (الحركة الكشفية)، كانت مدرسة للرجولة، درستُ فيها معنى حب الوطن، والتعبد لله عز وجل، وخدمة المجتمع والفضائل كافة المنصوص عنها في الشريعة الكشفية، والتي تختزل بعبارة واحدة (الكشفية تبدأ بلعبة صغيرة وتنتهي بمواطن صالح ) .
“أيها السادةفي تأسيس الفوج الثاني
اولاًفريق الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي(جاورجيوس)
أنا ابن مدرسة متميزة ومتجذرة وأساسية في الحركة الكشفية السورية، هي الفوج الثاني الكشفي شيخ الوحدات الكشفية في سورية، وقد تأسس عام 1912 حينما قامت فرقة مدرسة الأقمار الثلاثة الأرثوذكسية البيروتية الكشفية المشكلة عامئذ برحلة كشفية سيراً على الأقدام إلى دمشق، وخيَّمت في باحة بطريركية أنطاكية للروم الأرثوذكس في دمشق القديمة، محلة الخراب. وشاركت في احتفال بعيد البطريرك غريغوريوس حداد في 30ك2 1912 وشاركت بموسيقاها بإضفاء جو من الحبور،
لم تشهده الساحة الدمشقية، (إلا من خلال الفرقة العسكرية العثمانية) فأمر البطريرك غريغوريوس الرابع، وقتئذٍ، (بعدما اطلع من قائد الفرقة على فحوى الكشفية وهدفها) بإحداث فرقة كشفية دمشقية مرتبطة بالبطريركية الأرثوذكسية، وقد كانت أسبق من فرقة مدرسة مكتب عنبر القريبة منها، ولكن بكل أسف لم يرد هذا الأمر في تاريخ الحركة الكشفية في سورية، بل اقتصر على فرقة مكتب عنبر.
وأنا بصفتي أميناً لدائرة الوثائق البطريركية الأرثوذكسية منذ 25 سنة قد اطلعتُ على هذا الأمر الذي يشرفني إعلانه الآن أمام هذه النخبة من قدامى الكشافة. لقد ورد ذكر هذه الفرقة كثيراً في الوثائق البطريركية الأرثوذكسية، التي تؤرخ لتلك المرحلة، وما تلاها حتى الخمسينيات من القرن الماضي، سواء من جهة توقفها بسبب الحرب العالمية الأولى، حيث عادت للظهور عام 1918، وتأسست معها فرقة شقيقة في مدرسة الآسية البطريركية عام 1918، وتولتا استقبال الأمير فيصل بن الحسين الذي كان يزور البطريرك غريغوريوس حداد وقتها، شاكراً له وقوفه ومعه طائفته الأرثوذكسية مع والده الشريف حسين في ثورته العربية ضد الأتراك، وليقدم له بالتالي شكراً خاصاً على أفعال الرحمة وإطعام الجياع في مجاعة سفر برلك بين عامي 1915-1918(حينما فتحت البطريركية أبوابها لأبناء الوطن جميعاً ليأكلوا من مائدتها، بغض النظر عن الدين والمذهب، علماً أن هذا الفعل الرحيم رتب على
البطريركية الفقيرة ديوناً بلغت وقتئذ 25 ألف ليرة ذهبية بيعت معها الأوقاف للدائنين، وللذين رُهنت لديهم، وقد خسرت البطريركية الأرثوذكسية في دمشق معظم أوقافها في دمشق، والتي تعود لقرون خلت، حتى أن الآنية الكنسية الذهبية والفضية في المريمية وغيرها من الكنائس والأديرة البطريركية قد بيعت، وكذلك رهن البطريرك الصليب الماسي المهدى له من الأمبراطورنقولا قيصر روسيا عام 1913، والذي كان يضعه في مقدمة قلنسوته، وهنا يذكر التاريخ أن الرهن كان قد تم عند صائغ يهودي دمشقي لقاء ألف ليرة ذهبية. وصادف أن الصائغ قام بعرضه في واجهته في سوق الصاغة بدمشق، فمر وجيه دمشقي مسلم فعرف الصليب، لأنه كان يعرف صاحبه، فدخل وتأكد من معلومته، ودفع قيمة الرهن وجاء بالصليب إلى البطريرك قائلاً له:(أو هل يليق لغير البطريرك غريغوريوس أن يزين جبهته بهذا الصليب ؟)
– لهذين السببين زار الأمير فيصل دار البطريركية، وقدم الشكر للبطريرك غريغوريوس، وقد أُعجبَ من حفاوة الاستقبال ودقة تنظيمه، وخاصة دور الكشافة، فقدم مساعدة مالية إلى الفرقتين الكشفيتين، وإلى مدرسة الآسية أيضاً. وكانت الفرقتان بقيادة القائد الكشفي الكبير المرحوم جورج قطيني الذي تتلمذ عليه المرحوم القائد الكشفي الرمز عميد الفوج ومؤسسه منذ عام 1932وحتى 1980 جورج درزي المصوروالصحفي والفنان الذي لم تشهد سورية مثيلاً له في فن التصوير، وفي قدرته على استنباط الجو السياسي في سورية وتوظيفه لواجهته في ابراز حدسه السياسي. ويحلو لي هنا أن أوضح حدسه السياسي هذا: حيث كان يضع صورة للزعيم السياسي أو العسكري الذي يتوقعه أن يصبح مسؤولاً في المرحلة القادمة، في واجهة الأستوديو الخاص به الكائن في أول سوق الصالحية بدمشق، فما يلبث هذا أن يتولى الحكم في سورية، وصار أي مواطن يعرف من الإطلاع على واجهته حاكم سورية وقيادتها المرتقبة.
– في عام 1932 توحدت الفرقتان الكشفيتان الأرثوذكسيتان: فريق البطريركية المكنى ب “فريق القديس جاورجيوس الأرثوذكسي”، و”فرقة مدرسة الآسية” التي كان يرعاها وقتئذ مدرس الرياضة المسيو جورج جوردان الفرنسي.
توحدت الفرقتان ونشأ فوج كشفي ارثوذكسي واحد لخدمة البطريركية والرعية الدمشقية باسم: “فريق الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي (جاورجيوس)” وكانت شارته الكشفية عبارة عن الزنبقة الكشفية السورية المعاصرة وتتداخل فيها ايقونة القديس جاورجيوس… وكان مؤسسه المرحوم جورج درزي الذي كان كمعلمه رياضياً فاهتم جداً بالتربية البدنية لأبناء الفوج كألعاب القوة، وضُمت إليه المرشدات، وبسط هذا الفوج ايقاعاً مدوياً من خلال رحلات استكشافية كبيرة زار فيها مناطق سورية بأكملها سيراً على الأقدام ومنذ 1924 كما تشير بعض الوثائق البطريركية، اضافة الى رحلة مسير كشفية قوية جداً دامت عدة اشهر في كل ارجاء جبل لبنان تركت حضوراً قوياً للكشفية السورية في كل البلدات والقرى الجبلية والجردية واكبت معظم فصول السنة وكانت هذه تحديداً في عام 1932وسجلت عدسة عميد الفوج القائد الرمز جورج درزي صوراً موثقة وضعت كمكبرات في مقر الفوج (ولكن معظمها تعرض للتلف نتيجة الرطوبة في المقر الأخير ومابقي منها ذهب مع العلم الأساس… مع توقف الحركة الكشفية ومصادرة المقر عند توقيف الحركة الكشفية بقرار سياسي عام 1985) ولكن مع ذلك في عام 1935عادت فرقة كشفية مدرسية جديدة للظهور في(الكلية الأرثوذكسية الدمشقية أي مدرسة الآسية) كما أسهم البعض من أبناء فوج جاورجيوس بتأسيس “كشاف نادي الغساني برئاسة الأستاذ الكبيروالقائد جوزيف وهبة ابن فوج جاورجيوس عضو المجلس الملي البطريركي الدمشقي.
الفوج الثاني(جاورجيوس)
– في عام 1944حينما تم تنظيم الحركة الكشفية في سورية، وتوحد الكشاف الأهلي والمدرسي تحت قيادة واحدة، استناداً على قانون “حماية الحركة الكشفية” الصادر عامئذ بعد نضال طويل شارك به الكشاف السوري بكل أطيافه ضد المستعمر الفرنسي،(حيث كان الكشافون يجتمعون خلسة، بعيداً عن أعين سلطات الانتداب، لأن الكشفية حركة وطنية كانت مناهضة للفرنسيين، ومن رواد هذا النضال كان فريق الكشاف الأرثوذكسي جاورجيوس كما سنبين).وبموجب هذا القانون، تم تنظيم الوحدات الكشفية: “لجنة تنفيذيةعليا، ولجان مركزية في المحافظات، وأفواج وفرق في كل محافظة مرتبطة باللجنة المركزية التي يقودها مفوض المنطقة” وقد مُنح فوجنا جاورجيوس رقم (الفوج الثاني)، وبذلك هدرت حقوقه في الريادة الكشفية قدماً وتأسيساً واستمراراً وعطاءً، بينما أُعطي فوج مدرسة التجهيز الذي كان مشكلاً عامئذٍ بقيادة الأستاذ الياس الترك ( وهو من ابناء الفوج الثاني أصلاً) رقم (الفوج الأول)، وفي هذا أيضاً انتقاص ثانٍ لمكانة شيخ الكشفية الدمشقية والسورية عموماً (الفوج الثاني)، الذي بقي يعتز بتاريخه وبلقب كشافة جاورجيوس، أو كشافة الروم الأرثوذكس إلى حين توقف الحركة الكشفية قسرياً بقرار سياسي عام 1985.
المواقف الوطنية
– ويحلو لي أيها السادة أن أتحدث بعض الشيء عن المواقف البطولية على صعيد الوطن التي قام بها الفوج الثاني منذ فترة الانتداب الفرنسي 1920 وحتى حرب تشرين التحريرية 1973. ففي فترة النضال ضد الاستعمار الفرنسي وعلى مدى أكثر من عقدين بين أواخر العشرينات والثلاثينات والأربعينات، قام كشافة فوج جاورجيوس بمد ثوار الغوطة بالسلاح والذخائر والتموين والإمدادات الطبية، بأمر من البطريرك غريغوريوس حداد المتوقي عام 1928، وخليفته البطريرك الكسندروس طحان المتوفي عام 1958، وقد اعتُقل ثلاثة كشافة من الفوج العام 1936، وحكموا بالإعدام من قبل الفرنسيين ثم استبدل الإعدام بالنفي خارج سورية نتيجة ضغوطات من البطريرك الكسندروس قوي الشكيمة .
– أسهم كشافة الفوج عام 1925بأعمال الدفاع المدني، عندما ضرب الفرنسيون دمشق، وحرقوا الدور الجميلة في منطقة سيدي عامود، وهي المنطقة التي تسمت فيما بعد باسم الحريقة، نسبة إلى هذا الحادث المدمر. بأعمال الاغاثة والاخلاء وانتشال الضحايا، (وكانوا في ذاك الوقت من الشباب والرجال…) كذلك فعلوا عام 1945 حينما دكت المدفعية الفرنسية دمشق، وأباد الفرنسيون حامية البرلمان السوري، فقام كشافة جاورجيوس بإخلاء الجرحى والشهداء من تحت الأنقاض تحت الضرب المدفعي، وقد سجلت عدسة عميد الفوج المرحوم جورج درزي، لقطات رائعة لما قام به أبناء فوجه، ولكن بأسف فإنه ميتته المفاجئة عام 1980، وقيام ورثته ببيع الاستديو الشهير الخاص به في الصالحية مع محتوياته وبكل السرعة بقصد السفر الى الخارج،(هذا الوضع المأساوي في توثيق الحركة الكشفية عموماً وفوجنا خصوصاً إضافة الى توثيق الجانب الوطني المرافق لتلك المرحلة المصيرية من تاريخ سورية، ونضالها ضد الانتداب، ومأساة فلسطين… والاستقلال والحراك السياسي التالي…بمافي ذلك العدوان الثلاثي على مصر، وقيام الوحدة بين سورية ومصر، والانفصال وثورة 8 آذار 1963، والحركة التصححيحية عام 1970 وفي هذه اتذكر انه وضع صورة الرئيس حافظ الأسد وكان وزيراً للدفاع وبثياب الصيد وبيده جفت الصيد ثم صورة ثانية له ببزته العسكرية، وذلك قبل عدة اشهر من قيامه بالحركة التصحيحية، وكنت قد سألته وقتها فابتسم وأجابني:”إن غداً لناظره قريب”) هذا طمر مرحلة هامة جداً من تاريخ سورية الحديث، وتاريخ الكشفية خصوصاً بالصورة(دوماً الصورة تتحدث وتقنع أكثر من القلم) وبالحقيقة فإني كنت ازوره يومياً وحتى كنت اساعده في عمله، وكنت على الدوام أتوسل إليه ليعطيني البلورات الخاصة بهذه المشاهد، لكنه كان رحمه الله يسوف ويماطل بسبب كبر سنه، مع انه كان يتميز باللطف وبالهدوء، وكان يغنيني بمذكراته الكشفية والوطنية وكان رحمه الله لطيف المعشر وصاحب دعابة فورية ويتميزبالذهن المتقد… وكان يعدني بقوله: “سوف أصور لك، أو أطبع لك هذه الصور… وغداً او بعد غد… وفي زيارتك التالية تجدها مطبوعة وجاهزة ومنها مكبرات لتعلقها في الفوج”!!!وانتهى كل شيء بكل أسف.
– في أول عيد جلاء بعد انسحاب الفرنسيين من سورية 17 نيسان 1946 أقيم أول عرض عسكري، شاركت فيه وحدات من الجيش، وقوى الأمن والدرك والكشافة… في أول شارع بيروت بدمشق وكانت موسيقى الفوج الثاني هي موسيقى مراسم العرض، وقد مشت بموجبها كافة الوحدات المشاركة في العرض.
– في عام 1948 شاركت ثلة من كشافة الفوج الثاني مع جيش الإنقاذ كمقاتلين، وفي فرق الإسعاف، واستشهد بعضهم على أرض فلسطين الطاهرة. بشهادة العميد المرحوم جورج الذي رافق الجيش السوري للتغطية الإعلامية .
– في العدوان الثلاثي عام 1956على مصر، حمل كشافة الفوج الثاني وبصورة استثنائية السلاح، وشكلوا دوريات لحماية المنطقة، وكان الفوج ككل الفرق الكشفية في دمشق في طليعة المظاهرات الصاخبة ضد العدوان وأطرافه (انكلترا وفرنسا والعدو الصهيوني) وسفارتي بريطانية وفرنسا بدمشق، وكان احتفال الفوج مميزاً باستشهاد البطل جول جمال اللاذقي الأرثوذكسي (الذي دمر البارجة الفرنسية جان دارك عندما فجرها بطوربيده في مياه قناة السويس، وكان يتلقى تأهيلاً أكاديمياً في الأكاديمية البحرية في مصر)بموسيقاه الوطنية والقومية، في القداس والجناز الذي أقيم لراحة نفسه في الكاتدرائية المريمية، برئاسة البطريرك الكسندروس طحان وقد شارك بهذا الاحتفال الوطني والقومي رئيس الجمهورية شكري القوتلي ورئيسا المجلس النيابي، ومجلس الوزراء ووزير الدفاع…. واركان الحكومة وكبار الضباط… والبعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية.إضافة الى اسرة الشهيد…
– في عدوان حزيران 1967، وفي حرب تشرين التحريرية 1973 شارك الفوج بكل أطيافه في انتشال الضحايا من تحت الأنقاض، وخاصة عام 1973 حينما ضربت الطائرات الصهيونية حي أبو رمانة الراقي الدمشقي وقيادة القوى الجوية، ومبنى الأركان في ساحة الأمويين، ودمرت الطائرات الصهيونية كل هذه المنطقة وابنيتها، واستشهد مئات المدنيين والعسكريين. فكنت ترى فتى كشافاً لا يتجاوز عمره 13 ربيعاً ينتشل بجهد خارق جريح أو شهيد يفوقه أضعافاً في الوزن.
كذلك شكل جوالة وكشافة الفوج دوريات حراسة بالسلاح في المنطقة، وقد سجلت لهم مأثرة ضبط واعتقال خلية جاسوسية تخريبية صهيونية في وكرسري ليلاً، فيما قامت فرق الأشبال والزهرات والمرشدات بالعمل التطوعي في المصانع لرفد الإنتاج، وفي المستشفيات للمساعدة في الإسعاف والتنظيف، طبعاً كانت هذه هي مساهمة الكشفية السورية ككل، وخاصة في دمشق.
نادي النهضة
وأشير إلى أنه كان في الفوج الثاني جانب رياضي يتضمن فرقاً رياضية في ألعاب الكرات، وفي ألعاب القوة من ملاكمة ومصارعة حرة ورومانية… وكان منه ابطالاً على مستوى الجمهورية، حازوا ميداليات متنوعة، كذلك اكسبوا سورية ميداليات من مشاركات بمسابقات اقليمية، وأصبح اسمه “نادي النهضة” في عام 1945 حيث أصبح الفوج الثاني فريقاً أولاً في نادي النهضة، في حين أن الفريق الثاني كان رياضياً. وأصبح للفوج نادياً كشفياً، وملعباً لألعاب كرات السلة والطائرة واليد والطاولة في حي القصاع، أما مقره الكشفي فكان من البيوتات الدمشقية الجميلة، وفيه دار داخلية مكشوفة تتسع لـ 300 كرسي، وتقام فيها حلقات الملاكمة والمصارعة والمسرحيات الهزلية والوطنية. وقد انشق نادي النهضة عام 1966عن الفوج الثاني، ليستقل كل فريق بمقره، وكان المقر الكشفي والرياضي في مدخل حارة الصليب الثانية، وقد تم توسيع شارع بغداد بإزالة الحارة المذكورة وهدم مبنى الفوج وظهر الشارع المار بجانب كنيسة الصليب والموصل الى منطقة الزبلطاني وسوق الهال المحدث لاحقاً.أما النادي وملاعبه فكان يقع في شارع بغداد بالقرب من ساحة التحرير على بعد حوالي مائتي متر من مقر الفوج، وبجانبه كانت “جنينة الصعبية” وفيها مطعم ومتنزه جميلان، ويقع الملعب والمتنزه مقابل مبنى المخابرات الجوية ( لم كن موجوداً وقتئذ) وقد حلت محل هذين كتلة أبنية حديثة.
احصاءات أخيرة
وكان للفوج الثاني الريادة أيضاً من ناحية فرقته الموسيقية حيث بلغ عددها عام 1983 التالي: 58 آلة نحاسبة متنوعة، 80 طنبوراً، 8 طبول كبيرة ، 8 صنجات أي كان المجموع 154 عازفاً .
– أما العدد عامئذ والمسجل في سجل أمانة السر فكان 1692 عضواً وعلى النحو التالي : 466 شبلاً ، 280 زهرة، 386 كشافاً، 415 مرشدة، 87 جوالاً،58 رائدة ما فوق 18 سنة) مع حضور قوي لأولياء الأمور، وكان لديه 40 خيمة تتسع كل واحدة لـ10 كشافة .
مسيرتي مع الفوج
انتميت إلى الفوج الثاني عام 1962. وكان عمري 10 سنوات، وقد أدخلني والدي الفوج بناء على طلبي حباً بالجولات الجميلة في الأعياد التي كانت سمة جميلة جداً في حي القصاع من فوجنا، والأفواج الأخرى التابعة للطوائف المسيحية الأخرى( كفوج الروم الكاثوليك وترتيبه 17، وفرقة السريان الأرثوذكس وكان رقمها الفرقة 21 برئاسة القائد غطاس خوري، وفرقة لاحقة اسسها القائد المرحوم نقولا ألوف لخدمة كنائس الموارنة واللاتين والكلدان، ولاحقاً اسس السريان الكاثوليك فرقة خاصة بهم استفادوا بشأنها من رخصة الفوج 16 وصاحب ترخيصه القائد جوزيف وهبة المحكي عنه).
ولكني منذ انتقالي إلى الكشاف المبتدئ بعمر 12 سنة أحسست أن هناك وراء هذه الصورة الجميلة للكشافة بجولاتها وموسيقاها، وألبستها المزركشة، وبنطال الشورت، صورة أجمل هي الوعد والقانون. فعشقت الكشفية وحزت اوسمة كثيرة، وتنقلت في الرتب الكشفية حتى أصبحت بمثابة عميد الفوج ومسيراً له باعتراف المفوضية منذ عام 1975 وببركة العميد الاستاذ جورج درزي الى وفاته، ومن تلاه…وباجماع وتقدير منهم…
حزت وسام الشارة الخشبية عام في دمشق 1983، ثم (مساعد قائد تدريب) بعد مشاركتي في دورة خاصة أقامتها المنظمة الكشفية العربية ورئاسة الكشافة السلطانية العمانية في مسقط “عمان” 1994، ثم(قائد تدريب ) بمشاركة مماثلة في الخرطوم السودان 2006
توقف الكشفية
في عام 1985 توقفت الحركة الكشفية في سورية بقرار سياسي جائر… وكنا على ثقة من هكذا تدبير سيتم ان كان عاجلاً ام آجلاً وكنا نترقبه مع الأمل باستمرار الكشفية وكنا تعلل النفس بذلك عللا اساس اعتراف القيادة بجدارة الكشفية وتجذرها في التاريخ السوري النضالي…ولكن صدوره شكل عند كل كشاف سوري خيبة أمل مريرة…
تأسيسي لوحدات كشفية جديدةبعد توقف الحركة الكشفية في سورية عام 1985 قسرياً، قدمت لغبطة البطريرك اغناطيوس الرابع مشروع احداث فرقة مراسم كشفية خاصة بالبطريركية واطلقت عليها تسمية فرقة مراسم البطريركية تعتمد النهج الكشفي وفيها فرقة موسيقية تقوم بدور مراسمي في استقبال وفود البطريركية الكنسية و… اضافة الى استمرارها في النشاط ذاته في الأعياد الدينية … ويكون نطاق عملها حصراً في الكاتدرائية المريمية، وافق رحمه الله وكلفني بتأسيسها فانتقلتُ مع الكادر القيادي المساعد في الفوج المتوقف إلى دار البطريركية، حيث أسستُ ومعي الاخوة فرقة مراسم البطريركية، وفق الطريقة الكشفية. واعتمدنا الزي الكشفي مع تغيير في الشارة، حيث اعتمدنا شارة البطريركية فقط…
وبعد التأسيس وانطلاق العمل وايجاد الفرقة الموسيقية التي كانت في معظمها من فرقة الفوج الثاني الموسيقية،وبعد فترة ليست بالطويلة قدمت استقالتي لغبطته لأسباب موضوعية، لكنه لم يوافق عليها، واعتذرت عن المتابعة… ومعي بعض المساعدين، حيث تابع آخرون..!!
وفي عام 1993 أسست فرقة مراسم كنيسة الصليب المقدس بالقصاع بمساعدة الاخوة الذين كانوا معي وابناء أحباء، بالتنسيق مع وكالة الكنيسة التي ومنذ سنوات كانت تسعى لاحداث فرقة مراسم للكنيسة…
فرقة مدارس الآسية
وفي عام 1994حين شُكلت رئاسة لكشاف سورية بعد مشاورات حثيثة تمت وقتئذٍ بإشراف رئاسة اتحاد شبيبة الثورة، كلفتني القيادة الجديدة وبقرار من وزارة التربية بتأسيس فرقة كشفية مدرسية في مدرسة الآسية وكنت اعلم في المدرسة. إضافة الى ان قيادة كشاف سورية بحلتها المحدثة وقتئذ بالترخيص لأربع فرق كشفية في دمشق كانت منها فرقة الآسية…
استمرت “فرقة الأمل” (وهو اسم فرقة الآسية) ثلاث سنوات وأصبح عدد أعضائها 350 كشافاً ومرشدة وشبلاً، وأقامت ثلاثة معارض وثلاثة مخيمات وحفلتان كبيرتان وصار لها فرقة موسيقية مراسمية قوية تصدت لمراسم تحية العلم.
ونظراً لكوني قائداً لفرقتي الآسية ومراسم الصليب، وحدت قيادة الفرقتين طيلة فترة بقاء فرقة الآسية، وحتى توقفها قسرياً عام 1987 وهي في قمة عطائها بكل أسف… بقرار غير مسؤول وجائر وقد تشكلت القيادة في الفرقتين من الأخوة القادة أنطون حلبي وطارق بغدان ونبيل كساب واسبيرو دميان… مع اساتذة ومعلمات من المدرسة حصراً لفرقة الآسية، وبعد تشكيل لجنة ادارية قادرة وفيها من اولياء الأمور الذين لم تكن لهم سابقاً اية معرفة بالكشفية لكنهم عشقوها… وبعد توقف فرقة الآسية تابعنا في فرقة مراسم الصليب وحدها، واستمر العمل الكشفي الحقيقي فيها وبوتيرة متصاعدة حتى وصلت الى مكانة الفوج الثاني قبل توقفه قسرياً.
توقفتُ عن ممارسة الدور القيادي المباشر فيها عام 2002 بسبب ضيق الوقت، وللإفساح في المجال أمام القيادات الشابة،مع تسلمي مركز نائب رئيس مجلس ادارتها واميناً للسر، الى ان تركت العمل الاداري لأبقى كشافاً وشعاري كشاف يوم كشاف الى الأبد…
وتعلمون أنني مفوض التدريب في اللجنة المركزية لدمشق.
خاتمة
بلا شك أطلت عليكم أيها الأخوات والأخوة في المنتدى… ولكن مسيرة الكشفية في سورية وجهادها لا يُختصر، وقد قارب عمرها المائة عام، بل يحتاج في كل منعطف من تاريخ الوطن الحبيب سورية إلى وقفة تظهر دور الكشافة الايجابي في هذا التاريخ، فهم وبكل اعتزاز أبناء هذا الوطن معظمهم من الشريحة المستورة الذين كانوا يشتغلون ويكدحون في يومهم ويقدمون من جيوبهم لتتألق فرقهم ولا هم لهم إلا هذا الوطن الحبيب سورية . والكشفية السورية وازدهارها وما وجودكم في هذا المنتدى الا تعبير عن تجذركم في الكشفية السورية خدمة للوطن.
– أشكركم على حسن الإصغاء واعتذر مجدداً عن الإطالة.”
– ” انتهى نص المذكرات.”
اترك تعليقاً