مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

مقدمة

هذا بحث في الموسيقى عند العرب قديما واليوم. الموسيقى الكنسية وهناك الموسيقى الشعبية. بكلمة ” موسيقى” نعني ما نرتل او ما نغني ونظريته. مادة البحث موسيقى الكنسية الأرثوذكسية(1) حصراً، في مرحلة اولى ، نعرض تطور الموسيقى الكنسية، وفي مرحلة ثانية تطور موسيقى الشعب، وفي مرحلة ثالثة نقيم مقارنة بين الموسقتين، ونظرية فرق بينهما.

غاية البحث إقامة البرهان العلمي على الفرق بين الموسيقتين ونظرية فرق بينهما، غاية البحث إقامة البرهان العلمي بين الموسيقتين رغم وجود سمات مشتركة بينهما.

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب
مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

1- موسيقى الكنيسة

إن موسيقى العرب الأرثوذكس وبالذات الأنطاكيين هي إرث لما رتلته الكنيسة الارثوذكسية بدءاً من القرن السادس المسيحي حتى يومنا هذا، إننا ندين بشكل اساس للمرتل الأول متري المر عندما نتكلم عن موسيقا عربية مكتوبة(2).

ماهذه الموسيقى وتاريخها؟

تعريف موسيقى الكنيسة: هي موسيقى

1-كنسية حصراً اعتمدتها الكنيسة الأرثوذكسية ولاتزال (3).

2- صوتية حصراً وقوانين الكنيسة تمنع استعمال الآلات الموسيقية.

3- أحادية الصوت لاتعدد اصوات، منها: الايصون الذي يرافق الترتيل ليس صوتاً ثانياً، لكنه أساس اللحن (الثابت)

4- لحنية تجري على ثمانية الحان.

5- مدونة، نظام تدوينها كامل خاص بها، ولايزال مستعملاً كما كان قديماً، ولكن ببعض التحديث.

6- لاتفصل بين النص واللحن.

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب
مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

تاريخ الموسيقى الكنسية

ان موسيقى المسيحيين الأوائل امتداد لموسيقى الهيكل والمجمع اليهوديي، وشهادات الكتاب المقدس عديدة في الترتيل والتسبيح في القرن الاول المسيحي. لكن ليس من تأييد مكتوب لنوع هذا الترتيل.(4)

نجزم عموماً ان الترتيل الجماعي والافرادي كانا موجودين، اذا ما استندنا الى العهد القديم من الكتاب المقدس حيث النوعان التناوي والتجاري يستعملان في تلك التسابيح ( راجع اللاطي 1995)، وقد شاع استعمال جوقين وثلاثة، ايام القديسيَّن باسيليوس ويوحنا. وبين القرنين الرابع والسادس،نجزم أن الليتورجيا تشكلت على الأقل بسبب وجود قطعة الشاروبيكون(5) في تلك الليتورجيا. هناك انواع اخرى اُستعملت في تلك الفترة كالبروكيمنن(6) وقدوس قدوس … بالاضافة الى القراءات وآمين، وهللويا.

وفي القرن السادس، ظهر القنداق(7) “مديح السيدة العذراء”، وارتبط هذا النوع بشكل أساسي باسم رومانوس المرنم، وبعد قرنين ظهر القانون(8) وبرز في تأليفه اندراوس الكريتي ويوحنا الدمشق، وقوزما الأورشليمي. موضوع القنداق من موضوع العيد المرتبط به بينما يرتكز القانون على التسابيح الكتابية التسعة. غير انه في الأدبين القنداقي والقانوني قطعة نموذجية (طروبارية) على وزنها يرتكز الباقي.

بين القرنين 8 و13 م تم عموماً تأليف كافة النصوص التي بين ايدينا. بعد هذه الفترة، فترة المرنمين، انفصل التأليف عن الموسيى وتكرست فترة الموسيقيين.

لم يعد هنالك تأليف للنصوص بل إغناء موسيقي للنصوص الموجودة، لذلك كان لزاماً أن يتطور النظام الموسيقي في هذه الفترة وبخاصة التدوين. تحددت كمية علامات الصعود والنزول ودوِّنَتْ بدقة. فضلاً عن ذلك حدث تطور غير متوقع لموسيقى النصوص: صارت التراتيل البسيطة تؤدى بزخرفة وتنميق كبيرين. يوحنا كوكوزال (القرن 14) طّورَ الايصون، وأُدخل العديد من علامات النوع (حوالي 40) واسماها العلامات اليدوية زمن الفترة التركية، رافق تطور الموسيقى الكنسية، لاسيما وان المرتلين كان من بينهم علماء بالموسيقى التركية (10) كما سُمح للموسيقى أن تتأثر بعناصر غربية.(11)

في النصف الاول من القرن 19 حصل مايسمى بإصلاح خريسانثوس الذي نص على تغيير في التدوين من تجميعي اختزالي الى خطي، واختصرت علامات النوع الى سبع كما جرى تحليل عدد كبير من النصوص القديمة بالأسلوب الجديد، وصار تنظير على السلم الموسيقي وأبعاده بعد أن سميت درجاته على نحو مانعرف اليوم.(12)

موسيقانا اليوم هي ابنة هذا التاريخ، غنها بروحها هي هي القديمة، على الأقل في مانرتله من قطع صغيرة وسريعة كالقوانين والطروباريات، على الرغم من الزخرف والتلوين اللذين طالاها عبر التاريخ.

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب
مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

2- موسيقى الشعب (13)

قبل الاسلام، كانت الموسيقى موسيقى صحراء، أبرز انواعها الحداء والنوح. في هذه الفترة الحجازية، كان يؤتى “بقيان” (جواري)روميات وفارسيات كن هن على الغالب صلة الوصل بين الصحراء ، والفترة اللاحقة بعد الاسلام، في القرن الاول، جرى انفتاح مباشر على الفرس والروم، وكان موسيقيو هذه الفترة كإبن ميحج،وابن محرز، يطوفون بالمناطق الفارسية والرومية ويتعلمون الوانها في الفترة العباسية كما في كافة العلوم، ترجمت العلوم الموسيقية اليونانية،فدخل تطور عربي على مستوى التنظير. منعلماء الفترة العباسية نذكر اسماعيل الموصلي، وابراهيم بن المهدي، وزرياب بن جامع، والعواد زلزل.

الكندي نظر مطولا على السلم استنادا الى عتبه العود وجعل من الالحان ثمانية، كما ربط الموسيقى بعلم الفلك. الأصفهاني والفارابي وابن سينا نظروا، هم بدورهم، في الموسيقى والايقاع.

استمر التنظير مع صفي الدين ( القرن 13) وقطب الدين ( القرن 13) واستُحدِثَتْ الحانٌ جديدة، وإيقاعات جديدة حتى الفترة العثمانية، فيها حصل تطور لكنه لم يكن مستقلاً عنهم. وفي الفترة الحالية جرى تأثر كبير بالغرب خاصة في مصر ولبنان، بينما بقيت سورية والعراق أبعد من هذا التأثير.

مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب
مقارنة بين موسيقى الكنيسة وموسيقى الشعب

مقارنة نظرية

الجدول التالي يبين شيئاً كبيراً مما يمكن ان نسميه تشابهات وفروقاً بين النوعين:

3،1- تشابهات 

……………………….. ………………………………….    الموسيقى الكنسية                                                 الموسيقى الشعبية

الألحان……………………………………………………            4+4                                                                               4 +4

مركبة                                                                              مركبة

……………………………………………………….        رقمية رمزية ترتبط بالفلك   ……………………………       رقمية رمزية ترتبط بالفلك                                           

……………………………………………………….      ذياتوني وكروماتي وانرموني ………………………….      ذياتوني وكروماتي وانرموني                                                                                                

…………………………………………………………..     فرحة وحزينة            ……………………………………       فرحة وحزينة

السلم…………………………………………………..          تركيب ديواني      ………………………………….         تركيب ديواني                                                                               

………………………………………………………………         دولاب       ……………………………………………..          دولاب

الأبعاد………………………………………………………     + جاذبية      ………………………………………………     + جاذبية

الإيقاع …………………………………………………….    حر ( رسائل)  ……………………………………………..     حر (موال)

3 ، 2 – فروق

الألحان ………………………………………………….       + اوزان        …………………………………………….     + اوزان

……………………………………………………………   + جمل لحنية ……………………………………………..     + جمل لحنية

السلم ………………………………………………….     التنظير صوتي ……………………………………………     التنظير يستند على العود

الايقاع …………………………………….. بسيط ومركب يستند على النبرة الصوتية ……………………بسيط ومركب يستند على ادوار ايقاعية ……………………………………………………………………………………………………………………………………..تشبه العروض الشعري 

الزمن …………………………………… بطيء (ثانيتان) وسك (ثانية)

…………………………………………….    سريع (نصف ثانية)

الآلة …………………………………………………………………………………………………………………………              +

الكلمة……………………………………             الهدف                ………………………………………………….           الهدف

…………………………………………….         مد قطعي              …………………………………………………       مد مقطعي ( ماخلا الليالي)

التدوين …………………………………              قديم                  …………………………………………………        غربي

ابجدية موسيقية رومية ارثوذكسية
ابجدية موسيقية رومية ارثوذكسية

خلاصة

بالنسبة لنا يأتي الفرق الأساسي من الجمل اللحنية الخاصة(14) بكل نوع والتي لها الدور الأساسي في تحديد هوية الاوزان: فعندما نقول أن مطرباً ما يرتل أو أن مرتلاً ما يغني يكون معنى ذلك – في رأينا – ان المطرب والمرتل يستعمل جمل النوع الآخر.

الأثر مختلف إذ الكنسي يلتمس تهدئة الأعصاب، الاختلاف في الأثر ناتج برأينا من الزمن المستعمل، ومن نقر الآلات ومن حدة النغمات، الزمن الكنسي، بطيء حتى في سرعته، وهذا يكفل السكون.

النقر على الآلات مثير للخلايا العصبية كيفما كان، بينما هناك في الاستعمال الصوتي لُزوجْة تمتد على النغمات لا نقراً.(15). النغمات العالية الحادة تثير الخلايا العصيبة الدماغية فتُحْدِثُ إثارة. ربما كانت موسيقى الروك وماتلاها هي المثال الأبرز على هذا التأثير، وصوت المرأة من هذا النوع.

ان صوتها علمياً أحَّدّْ بسُلَّمْ من صوت الرجل. وهل يكون هذا سبباً لإقصائها عن الترتيل (16)، النغمات الغليظة التي تشبه صوت الله، والمعتَمَدة كنسياً بشكل أساسي، كما في الايصون، فوقع المستمع في الرهبة والهدوء لا في الإثارة. هذا يعني بالنسبة لنا انها لاتستفز الخلايا المسؤولة عن الإثارة، بل ربما خلايا السكون، إذ كان ثمة خلايا سكون. لذلك نقول ان الكنيسة هدوئية والأخرى اهوائية.

ربما اهم ما يقال في هذا الصدد، هو ان ثمة هادئاً يرتل هنا، بينما هناك فمُثارٍ يغني.

المرتل الاول متري المر
المرتل الاول متري المر

حواشي البحث

1- في علم الموسيقى وتاريخيا هي الموسيقى الرومية التي لانعرف عنها شيئاً، ربما يمكن استشفاف بعض من عناصرها من خلال الموسيقى العربية القديمة بسبب تأثر هذه بتلك في مراحلها الاولى.

2- لسنا ندري اذاكان هناك من ترتيل عربي شفهي ( او مكتوب) قديم لأنه ليس من مخطوطات تؤيد ذلك. كل مانعرفه هو أن في الاوساط العربية مخطوطاً وحيداً من القرن 18م لديمتريوس من قنتيمير، حاول فيه ضبط التراتيل مستنداً على الابجدية العربية وقيمها العددية. اننا نفترض شخصياً أن الروم الأرثوذكس في الأمبراطورية الرومية مافكروا أبداً بتعريب وتدوين موسيقاهم بسبب علاقة العربية بالقرآن والاسلام حتى في الفترة التي ساد فيها التكلم بالعربية (وبالسريانية) اي بعد القرن التاسع، يُفترضْ ان التعريب لم يحصل لذات الأسباب. أضف الى ذلك مامرت به المنطقة من أزمات وماتعرضت له من ضغوطات بسبب الحروب الفرنجية ( الصليبية) والمملوكية والمغولية والعثمانية…، زاد الطين بِلّه، وزاد من التفاف الروم حول تراثهم وموسيقاهم (ذات اللغة اليونانية). التعريب الموسيقي المعاصر له في رأي ، علاقة بالنهضة العربية في بلادنا. متري المر يتكلم عن موسيقى عربية أرثوذكسية، عندما يشير الى الرومية ( راجع المر 1969)

3- الارثوذكسية الشرقية ( روسيا، رومانيا، بلغاريا، صربيا، السلاف، حافظت على الأدب الليتورجي بأمانة تامة، لكنها من القرن 17 اختارت اسلوب تعدد الأصوات الموسيقي تأثراً بالغرب

4- تأثبر الموسيقى السورية في الموسيقى الرومية في هذه المرحلة وفي القرون اللاحقة شيء لاجدال فيه.

5- الشاروبيكون هو الترنيمة التي مطلعها ” ايها الممثلون الشيروبيم…”

6- البروكيمنن تعني آية من المزامير وقدوس قدوس قدوس هي جزء من الكلام الجوهري.

7- القنداق كلمة يونانية وتعني على الأغلب  القطعة التي كانت تلف عليها الورقة التي كانت تكتب عليها التسابيح، وفي رأي آخر هي كلمة تفيد معنى اختصار ( المضمون)

8- القانون كلمة يونانية تعني نمطاً شعرياً من تسع اودية ترتل بنغم واحد اليوم.

9- تقاريظ الجناز هي من المتفرقات التي أُلفت بعد هذه الفترة وتعود الى القرن الخامس عشر ( راجع يازجي).

10- هذا ينطبق على واقعنا العربي المعاصر، فمتري المر مثلاً كان مطرباً كبيراً الى جانب كونه مرتل انطاكية الاول.

11- كتسميات الألحان، على سبيل المثال، اللحن الخامس حالياً تسمية نوعية تشمل نهاوند والعجم كرد هذا برأي لايشكل خطراً على موسيقانا لان الإغناء طال الأفكار لا القوالب أو الجمل اللحنية.

الترتيل الرومي البديع
الترتيل الرومي البديع

12- في العصور الوسطى، وفي الفترة العثمانية حتى القرن 19، لم يكن هناك حساب رياضي رقمي لأبعاد ودرجات السلم السبع الآتية من الأبجدية اليونانية ( با، فو ، غا ). حتى القرن 19 كانت الموسيقى الرومية فلسفية يقوم تنظيرها على الرمزية وعلى علم الفلك. النغمات على الأرض هي أصداء النغمات الملائكية في السماء واصداء الكواكب: اللحن والكلمة لاتزال تستعمل حتى اليوم تعني صدى ( اللحن الملائكي) ومدخل الالحان القديمة  هي الهيئة الأصلية للألحان بتجسيد اللحن السماوي الأول: عندما يدندنها المرتل (قبل كل لحن) تتركز روحُهُ وصوته على الأوهة. الأحان أربعة(+ اربعة) والنغمات سبع لأن لهذه الارقام معاني رمزية.

13- راجع موسوعة New Grove الموسيقية، مقالها في الموسيقى العربية، وويردي (1949)، والحلو (1974)، والحمصي (1994)، ورسائل اخوان الصفا.

14-ىهذه يمكن ان تقابل مع خطوط الايقونة التي تشترك مع الرسم العالمي في مبدأ الخط بالرغم من اختلافها عنه في الإخراج.

15-هذا يبرر برأينا إقصاء الآلة الديني.

16- وصوت الطفل من نفس النوع، ربما إقصاؤه يعود لنفس السبب إذ هناك تقليدات دينية مسيحية ومسلمة تقول ان الطفل مصدر إثارة للرجل ويُشتهى ويجب تجنب ملامسته ( وربما سماعه)، اذا كان هذا صحيحاً ( ومرفوض اساساً وفق الشرع الكنسي) فيجب ان نفهم انه مرفوض من خلال فهمنا لمساعي القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس باسيليوس الكبير في إنشاء أجواق نساء وأطفال على انها حض على سماع الكلمات الالهية من افواه النساء والاطفال بدل التلذذ بسماع اغاني المسارح الفحشة …

الاب د. يوحنا اللاطي
الاب د. يوحنا اللاطي

المستند

اقتباس من مقال للشماس يوحنا اللاطي (الاب المرحوم د. يوحنا اللاطي وهو الاب الراعي الفذ الصديق العلامة في اللسانيات ( الفرنسية والعربية واليونانية) واللاهوت والموسيقى العامة عموما والكنسية خصوصا والباحث والمدون وكاتب الالحان وناظمها…  ورفيقنا في الابحاث والترتيل الرومي البديع) منشور في العدد 3 /2000 من النشرة البطريركية لسان حال بطريركية انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس بدمشق. وقد استبدلنا كلمة “البيزنطية”  الواردة في النص، بالرومية،  لرفضنا  لصفة “البيزنطية” المغرضة بحق روميتنا وارثوذكسيتنا كما سبق وصرحنا في كل تدويناتنا ذات الصلة. كما سمحنا لنفسنا بالتصرف في ما اوتينا من معرفة واطلاع وممارسة في تاريخ الكنيسة والترتيل في هذا المقال كما ورد…