ممنوع دخول الأغبياء الى … دمشق
نقلت صحيفة الديار تحليلا للواقع حيث قال الكاتب نبيه برجي، لم يدعُ رجب طيب اردوغان حلف شمال الاطلسي الى الانعقاد عندما انقض الكومندوس الاسرائيلي على السفينة التركية «مرمرة» في المياه الدولية و قتل 9 مدنيين أتراك لم يكونوا يحملون سوى الطحين والكراسي الخاصة بالمعوقين. لم يفعل هذا أيضا عندما خرقت القاذفات الإسرائيلية الأجواء التركية في الذهاب والإياب، لا بل أنها تخلت عن بعض خزانات الوقود فوق الأرض التركية، لدى الإغارة على ما اعتبرته تل أبيب منشأة نووية سورية في العراء، حيث لا شجرة، ولا اكمة، ولا حتى أخدودا يحمي هذه المنشأة الافتراضية في منطقة دير الزور.
الذي أثار غيظ اردوغان ليس الشعور بالانكسار، على الأقل انكسار الأنف في تلك اللحظة، وهو الذي طرح نفسه على انه البديل من أتاتورك، بل و الباب العالي أيضا، وإنما لان الطائرات التركية دأبت، وعلى مدى الأشهر الأخيرة، على التحليق الاستفزازي فوق الأراضي والمياه السورية. ولم تتدخل الصواريخ الروسية الصنع. لماذا الآن بالذات؟ الأتراك استنتجوا هذا: اليد روسية والإصبع سورية، أي أن إطلاق الصاروخ لم يتم هكذا، وبصورة تلقائية، بل جرى التفاهم مع موسكو. كما كانت تجربة الصاروخ العابر للقارات، وفي مسار معين، رسالة الى الدرع الصاروخية، والى من يستضيف هذه الدرع، كانت «تجربة» الصاروخ الذي اسقط، بهدؤ أعصاب شديد، الطائرة التركية.
غريب أن اردوغان لم يدرك معنى الرسالة الأولى، وثمة مسؤول سوري كبير قال لنا «أن لدينا الصور الدقيقة والتي لا تقبل أي تشكيك بأن الطائرة كانت في الأجواء السورية وفي منطقة حساسة. الأتراك يعرفون ذلك، ويعرفون لماذا طائرتهم كانت هناك».
كلنا عملاء لاسرائىل. ليس بالضرورة اننا نعمل لحساب الموساد، لكننا بالضرورة نعمل لذلك المستقبل الذي تقود فيه تل ابيب المنطقة بالتكنولوجيا لا بالهراوات، اذ فيما تتهافت الشركات الالكترونية الكبرى على تطوير تقنياتها في المختبرات الاسرائىلية، ننشغل نحن في تدبيج الفتاوى التي لا تليق حتى بالدجاج.
حقا لماذا لا يصدر هؤلاء فتاوى تكنولوجية يمكن ان تنقل العرب من ثقافة القبور الى ثقافة المختبرات لا سيما وان السلفيين وكان اخرهم زعيم حزب «الوطن» المصري عماد عبد الغفور وهو بالمناسبة مساعد رئيس الجمهورية قال في منتدى دافوس الاقتصادي في منطقة البحر الميت الا مشكلة مع اسرائىل: منا الايديولوجيا ومنهم التكنولوجيا.
ولنتصور اي ثنائىة تتشكل في هذه الحال!
بداية يفترض وقف الضلالة في هذا العالم. ثمة ثلاثة رجال هم صومالي وجزائري والباني انشأوا في النروج حزب «امة محمد» ودعوا في مؤتمر صحافي عقدوه في اسلو الى تطبيق الشريعة في البلدان الاسكندنافية اي ان تقتدي السويد بالصومال وتغدو فنلندا على شاكلة افغانستان وترتدي حفيدات انغريد برغمان وغريتا غاربو وانيتا اكبرغ النقاب.
من عقود تنبأ ابا ايبان الذي طالما تعامل معه الاعلام الغربي بأنه على قياس ميترنيخ او تاليران بأن نعمل خدما في بلاط الملك سليمان. يضحك ذلك الديبلوماسي الروسي في احدى العواصم العربية وهو يقول انه كان يحسب ان «الفارق النوعي» بين العرب واليهود هو في حدود المائة عام. الآن بات واثقا بعد كل الذي يراه على الارض ان الفارق لا يقل عن الف عام.
هل كان يسخر منا حين اضاف من هنا كان استحالة التعايش بين ثقافتين تفصل بينهما عشرة قرون، ولكن لينتقل من الكلام عن العرب الى الكلام عن بني قومه ليشير الى بروز ظواهر في داغستان وهي جزء من الاتحاد الروسي اشبه ما تكون بالظواهر الافغانية او بالظواهر الصومالية.
بجدية يقول الديبلوماسي الروسي انه في لقاء بين جين كيري وسيرغي لافروف قال هذا الاخير انه اذا ما انتصرت «جبهة النصرة» فقد نفاجأ بمحاولة انشاء امارة في سان بطرسبرغ وايضا امارة اخرى في لوس انجلس. وبحسب ما يؤكده الديبلوماسي فإن المناخ السيكولوجي في المشرق العربي يوحي بأن تحت تلك القشرة الرقيقة من الدماثة والاعتدال توجد براكين بشرية وبما تعنيه الكلمة اي ان المنطقة تنحدر اكثر فأكثر نحو التطرف حتى اذا ما استمر الايقاع الراهن فإن الانظمة اياها التي تعتبر انها تتعامل تكتيكيا او آنيا مع المجموعات الارهابية سوف تفاجأ في لحظة ما بأنها باتت رهينة في قبضة هذه المجموعات.
وهو يعتبر ان بعض »الادمغة المقفلة» في ايران تعمل بطريقة او بأخرى على التعبئة المذهبية في المنطقة التي يفترض بقادتها الكبار ان يدركوا وان يستدركوا الآن اذ ان استمرار التدهور في العلاقات هكذا وحيث وجوه اهل السياسة اقرب ما تكون الى الجدران لا بد ان يفضي الى انفجار يحطم الجميع دون استثناء.
في رأي الديبلوماسي الروسي فإن المؤسسة السياسية في بلاده لا تثق البتة بالمعارضة السورية صحيح ان هناك وجوها اكاديمية او فكرية لا يمكن التغاضي عنها لكن التيارات داخل «الائتلاف الوطني» هي اقرب ما تكون الى طراز اخر من الانكشارية ولكن ليعود الى رأي مستشرق روسي صديق له يقول ان هذه سوريا حالة فسيفسائىة حتى ان المؤسسة العسكرية لطالما كانت ومنذ انقلاب حسني الزعيم في عام 1949 اي بعد ثلاث سنوات لا اكثر ولا اقل من الاستقلال عبارة عن قبائل عسكرية. الضباط شيوخ قبائل او شيوخ مناطق واحيانا بنكهة حزبية او عقائدية تأرجحت طويلا بين العصبية الساذجة والرومانسية الساذجة.
واللافت ان يقول الديبلوماسي الروسي ان الازمة السورية مكّنت الكرملين من ان يحمل البيت الابيض على التعاطي مع بلاده على انها قطب من الدرجة الاولى. وحين يلتقي باراك اوباما وفلاديمير بوتين سيكون الرجلان متساويين تماما في الكلام الاستراتيجي فالاميركيون مصابون بما يمكن ان يسمى بـ«انفلونزا التنين». يشعرون ان الصين ستدفعهم الى الوراء وربما الى مبدأ مونرو قبل منتصف القرن الحالي فيما لا احد ابرع من الروس في ملاعبة التنين وابقائه داخل حدوده.
وهو يكشف انه خلال اللقاء الاخير بين كيري ولافروف بدا واضحا ان الاميركيين يعولون كثيرا على دور روسي في حمل المسؤولين الايرانيين على ابداء المرونة في الملفات الساخنة بينهم وبين واشنطن لا بل ان الاميركيين واثقون من ان الروس سيفعلون ذلك. والديبلوماسي اياه يعتقد انه ستكون هناك خطوات ما في هذا الاتجاه الا اذا رضخت ادارة اوباما للضغوط التي تمارس عليها من اجل تأمين التغطية لتظاهرة اطلسية في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا بعدما تبين ان هناك من يبذل جهودا هائلة وينثر المال ذات اليمين وذات اليسار اما من اجل قطع الطريق على جنيف-2 او من اجل افشاله لكي تتشكل الارضية الملائمة للخيارات الاخرى.
يقول الديبلوماسي الروسي ان بعض الاوروبيين الذين لا يزالون يعيشون في التاريخ انما يعيشون فعلا في الغباء فالرسالة وصلت وليس المهم ان تكون صواريخ «اس -300» قد وصلت او لم تصل مع انها ستصل في الوقت المناسب بطائرات روسية وسيتولى خبراء روس تركيبها فهل هذا مفهوم بالنسبة الى من يراهنون على جراحة عسكرية صاعقة في سورية؟
بعبارة حادة يختزل المشهد: ممنوع دخول الاغبياء الى … دمشق!
نبيه برجي الديار
اترك تعليقاً