نبذة في الحركة الكشفية مسيحياً في سورية
دور المسيحية في الفكرة والتأسيس
اللورد روبرت بادن باول (1857–1941) مؤسس الحركة الكشفية، كان ضابطًا بريطانيًا ذا خلفية مسيحية بروتستانتية. تأثر بفكرة التربية الأخلاقية والدينية التي كانت شائعة في إنجلترا الفيكتورية. بعد خروجه من الخدمة العسكرية كجنرال في الجيش البريطاني، أقدم اللورد بادن باول على تأسيس حركة فتيان دعاها الحركة الكشفية للاستفادة من طاقات الفتيان البدنية والعقلية ، ووضع لهذه الحركة دستوراً على الوعد وهو ان يعاهد الكشاف بالاخلاص لله والوطن وان بساعد الناس في كل حين وان يعمل بقانون الكشاف.
بادن باول رأى أن الشبيبة بحاجة إلى تربية أخلاقية/روحية، بجانب التدريب البدني والمهارات العملية. ومن هنا استلهم من المسيحية قيم الإخاء، الخدمة، التضحية، الصدق، العفة، ومحبة القريب.
هذه الروح المسيحية ظهرت واضحة في كتابه الأول “الكشافة للفتيان” (Scouting for Boys, 1908) حيث يركز على الواجب نحو الله، والوطن، والغير. لقد وضع الشريعة الكشفية وهي وعد الكشاف، قانون الكشاف من الكتاب المقدس الذي كان لايفارق يمينه ومن سيرة وامثال الرب يسوع في الانجيل المقدس، فبادن بأول كان مسيحي مؤمن جدا وممارساً الطقوس المسيحية ، كما اسمتمد من الحياة العسكرية التي عاشها كل عمره وماتوجبه من طاعة وانضباط وتحمل المصاعب والنشاط والقوة ، وجعل الخلاء مرتعا للحركة الكشفية عبر إقامة المخيمات والأنشطة الخلوية من رحلات ومسير على الاقدام واسس اول فرقة كشفية في لندن طبعا بعد تقاعده من الحياة العسكرية في عام 1905 وتولت زوجته رعاية البنات فيها، ثم وبعد نشره الحركة في بريطانيا ، أقام وبمناسبة عيد جلوس الملك جورج السادس على العرش البريطاني اول عرض كشفي من نوعه في العالم شارك فيه 30 الف كشاف ومرشدة، وتقدم العرض هو وزوجته وكان ذلك في العام 1907. في ختام العرض قلده الملك جورج بأرفع وسام بريطاني وكرم الحركة الكشفية بأن اطلق على افرادها تسمية فرسان القديس جاورجيوس.
وكان حاضراً في هذه التظاهرة الاولى من نوعها في العالم جموع غفيرة من الانكليز ومواطنون من “الامبراطورية البريطانية التي لاتغرب عنها الشمس” ومن دول الكومنولث ومنهم شابان هنديان شقيقان هما عبد الجبار وعبد الستار خيري كانا يدرسان في لندن.
هذان جاءا بعد انتهاء دراستهما في لندن الى بيروت لمتابعة الدراسة في الجامعة الأميركية، وكانا قد عشقا الكشفية فقاما في عام 1911بتأسيس اول فرقة كشفية في بيروت في مدرسة المقاصد الاسلامية كانت الاولى من نوعها في العالم العربي والدولة العثمانية الحاكمة الحاكمة لسورية، وكانت هذه الفرقة هي نواة اولى للكشاف المسلم الذي شمل لاحقاً، الى بيروت ولبنان سورية دمشق وسواها (كانا كيانا واحدا قبل الانتداب الفرنسي 1920 وتنفيذ اتفاقية سايكس بيكو 1916 واحداث دولة لبنان الكبير عام 1920 مع الدويلات السورية التي اتحدت رباط واحد بينما بقيت دولة لبنان الكبير بمفردها الى ان اعلن الفرنسيون عام 1928 جعلها الجمهورية اللبنانية وان بقيت وسورية المتحدة دويلاتها تحت الانتداب الفرنسي وكانت المفوضية العليا في بيروت.
الشريعة الكشفية (الوعد والقانون) وجذورها المسيحية
الوعد الكشفي الأصلي كان يتضمن بوضوح: “أعد أن أبذل جهدي في أن أقوم بواجبي نحو الله والملك”.
القانون الكشفي وضع قواعد مثل: الصدق، الوفاء، مساعدة الآخرين، الطهارة، حب الطبيعة. هذه كلها تنبع من التعاليم المسيحية الإنجيلية حول السلوك القويم.
فكرة “الواجب نحو الله” ارتبطت منذ البداية بالتصور المسيحي لله، حيث كان المقصود بالله هو الإله في العقيدة المسيحية (قبل أن تتوسع الحركة عالميًا لتصبح أكثر شمولًا للأديان والثقافات).
الدور العملي للكشافة المسيحية: تربية دينية ووطنيّة، تعليم مهارات عملية، دعم اجتماعي وخيري، مشاركة في الشعائر والاحتفالات الكنسية، وخدمة أثناء الأزمات (حروب، موجات نزوح، كوارث
التسلسل التاريخي المفصّل ودور الكنيس
ما بعد 1912
تأسس على أثر هذه النواة الأرثوذكسية عدد من الفرق الكشفية المماثلة بعد 1912 في بيروت ودمشق (مارونية، كاثوليكية، سريانية، أرمنية).
صار للكشافة الأرثوذكسية حضور قوي في دمشق وبيروت وكل لبنان وسورية وواكبتها وحدات كشفية من كل الطوائف والمجتمع الاهلي…
في بيروت — دمشق
في عام ١٩١١ اي في الوقت عينه التي اسس فيها الشقيقان خيري فرقة المقاصد الاسلامية، تاسست اول فرقة كشفية مسيحية ارثوذكسية في مدرسة الاقمار الثلاثة الارثوذكسية ببيروت، وبعد تأسيسها واقامت فيها فرقة من الابواق النحاسية والطنابير لتحتفي بالأعياد المسيحية، وقامت بعد انشطة كان منها رحلة خات في احتفال البطريركية بعيد شفيع البطريرك غريغوريوس حداد فامر البطريرك بتأسيس فريق الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي جاورجيوس في الكرجية الى دمشق رحلة سيرا على الأقدام في كانون الثاني 1912، وحلت بضيافة دار البطريركية بدمشق وخيمت في ساحة من سسيس فريق الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي جاورجيوس في الكاتدرائية المريمية في مطلع 1912احاتها الداخلية، واحضرت معها ادواتها الموسيقية، وعزفت في احتفال البطريركية بعيد شفيع البطريرك غريغوريوس حداد في 29 كانون الثاني 1912 وكانت العادة ان يتم الطلب من الفرقة الموسيقية بحامية دمشق العثمانية لاحياء هذه المناسبة، اعجب البطريرك فامر بتأسيس فريق الكشاف الأرثوذكسي الدمشقي/ جاورجيوس/ في الكاتدرائية المريمية في مطلع شباط 1912 وكانت اول فرقة في سورية بعد بيروت وكان الحال مماثلا اذ قامت فرقة المقاصد الاسلامية الكشفية البيروتية برحلة الى دمشق سيراً على الأقدام وزارت مدرسة مكتب عنبر الرشدية العثمانية الحكومية فعلى الفور تأسست فيها فرقة تبعت للكشاف المسلم وقيادته في بيروت.
اتخذت فرقة البطريركية ” فريق الكشاف الارثوذكسي الدمشقي /جاورجيوس الشارة الكشفية العالمية ” الزنبقة الكشفية “وادخلت فيها رسم القديس جاورجيوس بأيقونته المعروفة وهو يطعن التنين، لذلك وفي عام 1932 تكنت لاحقاً باسم فوج القديس جاورجيوس الأرثوذكسي تمييزا عن فرقة مدرسة الآسية الارثوذكسية لاحقاً.
ما بعد 1912
تأسس على أثر هذه النواة الأرثوذكسية عدد من الفرق الكشفية المسيحية في بيروت ودمشق حتى مطلع الحرب العالمية الأولى 1914 حيث توقفت مدة الحرب حتى عام 1918 واشتد عود الكشفية الارثوذكسية وتقوى فريق الكشاف الارثوذكسي الدمشقي / جاورجيوس البطريركي وكان لايزال الاوحد مسيحيا في دمشق وكل سورية، ثم بدأت تنشا لدى الطوائف المسيجية فرق كشفية للاحتفال يالأعياد كما اشتد عود الكشاف المسلم في دمشق مجدداً وفي سورية ولبنان مع بقائه مرتبطاً بالقيادة في بيروت وكان من كوادره القيادية الاستاذ علي دندشي الذي صار رئيس كشاف سورية بعد صدور قانون حماية الحركة الكشفية في سورية 1944 هو والقائد بكري قدورة وغيرهما … وبالاضافة الى قيامها بخدمة الوطن في مرحلة الانتداب كانت تمارس دورها المراسمي في الاعياد الدينية الخاصة بها ان كانت في الفرق المسيحية او فرق الكشاف المسلم التي كلها توحدت عام 1944 تحت قيادة كشاف سورية ومفوضياتها في المحافظات السورية بينما توحد الكشاف الارثوذكسي في لبنان باسم الكشاف اللبناني الارثوذكسي وكذلك بقية الطوائف المسيحية والاسلامية كل منها اقام اتحادا لفرقه وافواجه…
وظهرت فرق كشفية في المدارس كفرقة الآسية الارثوذكسية بقيادة الموسيو جوردان مدرس الرياضة وكان افرنسي الجنسية وفرقة الغسانية الارثوذكسية في حمص وحلب والحسكة في مدارس الطوائف المسيحية وتولاها كهنة وتحديداً في المدارس الكاثوليكية في دمشق وحلب و… فرق اهلية تتبع للطوائف المسيحية كان منها فرقة ارثوذكسية ثالثة في القصاع باسم الشبيبة الارثوذكسية، وفوج العمل الكاثوليكي الكشفي بدمشق في منتصف الاربعينات فأفواج الاحزاب الارمنية ولدى السريان الكاثوليك …
وخصت كل فرقة او فوج ذاتها بفرقة موسيقية مراسمية وتقوت بعضها لدرجة انها نافست فرقة قوى الامن الداخلي وفرقة موسيقى الجيش بدليل ان العرض العسكري الاول بعيد الجلاء الاول 1946 قد مشى على موسيقى فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي حيث كانت من اقوى الفرق الموسيقية الكشفية، كما تميز فوجا حزبي الارمن بالموسيقى الضاربة على مستوى دمشق، اما فريق نادي الغساني لمؤسسه القائد جوزيف وهبة وهو ارثوذكسي عاش الكشفية في فرقة الاسية وكان النادي الغساني ناديا للعاب الكرات فأحدث فيه فرع كشفي بدون فرقة موسيقية…
صار للكشافة الأرثوذكسية حضور قوي ضمن الحركة الكشفية اللبنانية والسورية لاحقًا، وظلت مرتبطة بالكنيسة كمؤسسة راعية.
تطور الكشفية في سورية
عادت الحركة الكشفية السورية للظهور من جديد 1919 بعد التوقف بسبب الحرب العالمية الاولى
حيث عاودت نشاطها وبدأت العمل من جديد في دمشق وتألفت عام 1923 فرقتان مدرسيتان: فرقة مدرسة التطبيقات بقيادة الأستاذ ياسين الحموي وفرقة مدرسة الأكراد بقيادة بكري قدورة ثم تألفت فرقة الغوطة الأهلية التابعة للكشاف المسلم عام 1927 بقيادة علي الدندشي كما تألفت عدة فرق في دمشق وباقي المدن السورية.
وفي عام 1934 عمت الحركة الكشفية جميع أرجاء سورية وكانت أكثر الفرق مرتبطة بالكشاف المسلم في بيروت ويرأسه محي الدين النصولي كما كان الدكتور رشدي الجابي مندوب الكشاف المسلم في دمشق.
وفي العام نفسه أسس بكري قدورة “كشاف المعارف” في المدارس الرسمية وعمل عل نشرها في المدارس الثانوية والابتدائية.
وفي عام 1935 أصدر المفوض السامي قراراً في ظاهره تنظيم الحركة الكشفية وفي حقيقته الغاؤها وذلك عقب مخيم اقامه الكشاف المسلم في دمشق واشترك فيه نيف وثلاثة آلاف كشاف من سورية ولبنان. فاحتج الكشافون على هذا التدبير ولم بركنوا الينه واستمرت الفرق بارشاد اللجنة المركزية حينذاك على العمل رغم اغلاق المكتب الرئيسي ومقرات الفرق، كما استقال بكري قدورة من رئاسة كشاف المعارف تضامناً مع أعضاء اللجنة المركزية للكشاف المسلم بدمشق.
وفي عام 1936 اتخذت الحركة الكشفية شكلاً جديداً في تنظيمها اذ اندمج كشاف المعارف بالكشاف الأهلي عقب اتفاق حصل بين اللجنة المركزية وبكري قدورة، وأصبحت الحركة الكشفية في سورية منظمة أهلية واحدة حصلت بعدها على رخصة باسم كشاف سورية من قبل وزارة الداخلية وتألفت اللجنة التنفيذية العليا برئاسة رشدي الجابي وأمانة سر بكري قدورة وعضوية فائز الدالاتي، علي الدندشي، زهير الدالاتي، عطا مكي، جورج قطيني.
وأخذت الحركة تزداد يوماً بعد يوم إلى أن أقر المجلس النيابي في عام 1944 قانون الحركة الكشفية في سورية رقم 86 الصادر في التاسع والعشرين من آب عام 1944 واعتبرت الحركة الكشفية منظمة أهلية تربوية اجتماعية ذات نفع عام تحميها الحكومة السورية.
ثم صدر المرسوم الجمهورية رقم 46 في الخامس من كانون الثاني عام 1947 الذي تضمن النظام الأساسي لكشاف سورية
، ثم صدر المرسوم الجمهوري رقم 197 في السابع من شباط عام 1948 بشأن الاعتناء بالنشاط المدرسي الرياضي والكشفي فزاد الحركة الكشفية قوة ونشاطاً في المدارس الرسمية
في عام 1972م، صدر مرسوم جمهوري يقضي بتكليف وزارة التربية بالإشراف على الحركة الكشفية في سورية.
الوحدات الكشفية المسيحية الدمشقية حتى عام 1985
وفق ذاكرتنا ووعينا كانت الافواج والفرق الكشفية المسيحية منذ انشاء كشاف سورية 1944
1- الفوج الثاني ( جاورجيوس) فوج اهلي مختلط لكل الاعمار وهو الاقوى عددا وتدريبا وفرقة موسيقية وقد توحدت فيه الفرق الارثوذكسية الثلاثة عام 1932 باسم فوج القديس جاورجيوس الارثوذكسي حتى عام 1944 فمنح الرقم 2 او الفوج الثاني وفي هذا بخس تاريخه وقدمه حيق منح فوج مدرسة التجهيز الرسمي رقم 1 او الفوج الاول.
2- الفوج الخامس لللأرمن الارثوذكس وهو حزبي ارمني مختلط ولكل الاعمار.
3- الفوج السادس للأرمن الكاثوليك مختلط ولكل الأعمار.
4- الفوج الثامن للأرمن الارثوذكس وهو حزبي ارمني مختلط ولكل الأعمار.
5- الفوج الخامس عشر وكان الفرقة 13 وهو اهلي للموارنة واللاتين والكلدان مختلط لكل الاعمار.
6-الفوج السادس عشر هو فوج النادي الغساني اهلي للذكور فقط اعضاء النادي بأعمار الرياضيين بدون فرقة موسيقية. وبعد حل النادي انتقل ترخيصه مع مؤسسه العميد جوزيف وهبة الى مطرانية السريان الكاثوليك وصار مختلط ولكل الاعمار.
7- الفوج السابع عشر وهو اهلي خاص بالروم الكاثوليك مختلط ولكل الاعمار وكان اسمه حين تأسيسه عام 1937 فوج العمل الكاثوليكي.
8- الفوج الثاني والعشرون فوج للكشافين تلاميذ مدرسة الآباء اللعازريين بدون فرقة موسيقية.
9- الفرقة الحادية والعشرون وهي فرقة اهلية للسريان الارثوذكس مختلطة ولكل الاعمار.
10- الفرقة الاربعون وهي مدرسية لطالبات مدرسة اللعازرية بدون ذكور وبدون فرقة موسيقية.
11- الفرقة السادسة والخمسون وهي مدرسية لطالبات مدرسة الفرنسيسكان بدون ذكور وبدون فرقة موسيقية.
الخلاصة
إذن يمكن القول إن جذور الكشفية المسيحية في بيروت ودمشق تعود إلى 1911–1912 مع مدرسة الأقمار الثلاثة الأرثوذكسية والبطريركية الأرثوذكسية بدمشق، أي أن الكنيسة كانت الراعي الأول والأساسي لهذه التجربة، ما أعطى للكشفية في المشرق وجهًا مسيحيًا أصيلًا منذ لحظة التأسيس