نبذة في تأسيس مدينة أنطاكية
كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى
هذه التسمية الملاصقة لمدينة أنطاكية “كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى”
من اين اتت هذه التسمية؟
هذه التسمية أطلقها الأمبراطور يوستنيانوس بناء على توصية من القديس سمعان العمودي (الأصغر) من اجل حفظها من الزلازل.
من تاريخ مدينة الله انطاكية العظمى
هو ككل تاريخ موضوع، يخص الهوية والوجود والمستقبل، ولابد من معالجته بطريقة عملية ليجيب عن أسئلة ملحّة تتعلق بخصوصية الكنيسة الانطاكية واستمرارها عبر الزمان، بمعنى هل عُرِفَ تراثها في مجال الحرية والتعدد والانفتاح؟
هل عُرِفَتْ كنيستنا الأنطاكية، وهي الأسبق في حمل اسقفها لقب البطريرك او “شيخ العشيرة” قبل اي كنيسة أخرى من الكنائس الرسولية. بل هي الأسبق في نيل مؤمنيها شرف التسمية النقية “مسيحيون” قبل اي مكان آخر في العالم وكان ذلك في عام 45م اي حين احدث الرسولان الهامتان بطرس وبولس كرسيها الانطاكي، واستوى على سدته هامة الرسل بطرس أسقفا (بطريركاً- شيخ العشيرة).
وهل من فخر أعظم من هذا؟ أن كل الكراسي اسسها رسول من رسل الرب يسوع الا الكرسي الأنطاكي فقد اسسه هامتا الرسل بطرس وبولس مع برنابا الغيور…
جهد رسولي غير مسبوق بُذل نحو كرسي عاصمة الشرق الروماني، وعين الشرق كله”مدينة أنطاكية… كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى.
موقع مدينة أنطاكية
مدينة انطاكية عين الشرق الروماني كله، وكانت في الأصل، وماقبل المسيحية مطرح تنازع وتبادل سيطرة دموية من قبل الأمبراطوريات القديمة، كانت ميداناً ومسرحاً للقتال من قبل الميلاد بأزمنة سحيقة بين الحثيين والمصريين والبابليين والآشوريين.
سورية الكبرى
نرى سورية اليوم مقسمة الى الى اربعة كيانات جغرافية وسياسية، قسمها الغرب الاستعماري (سايكس بيكو) عام 1916 والصهيونية العالمية اللورد (آرثر بلفور) عام1917 الى سورية ولبنان والاردن وفلسطين التي اقام عليها بلفوراسرائيل… وسلخ منها الحلفاء /واعطوها للأتراك وعلى التتابع/ كيليكية وديار بكر 1920 ثم لواء الاسكندرون وفيها انطاكية عاصمتنا الروحية الأساس 1939. وهكذا قزموا سورية وقسموها…!
لكن سورية كانت الى ماقبل هذا التاريخ بالرغم من كل الغزو والاحتلالات واطولها الاحتلال العثماني الذي دام نيف واربعة قرون، كانت تشكل مركز مدنية آسيوية خاصة، نامية نمواً عظيماً زراعياً وصناعياً وتجارياً، وكانت ممراً للتجارة البينية والاقليمية والعالمية، وتتوسط طريق الحرير بين اوربة والصين…
في التاريخ القديم
في مستهل القرن 16ق.م سادها الحثيون من كبادوكيا وغرب آسية الصغرى وكيليكيا. بعد ذلك قامت دولة دمشق القوية التي /وفق الرواية/ أسسها هيكسوس بن آرام، وخضعت في وقت من الاوقات لسيادة ملك اليهودية داود، ثم أخضعها الآشوريون بقيادة شلمناصر او بختنصر السنة 733ق.م.
تجاذب السلطة والاحتلال على سورية الكبرى البابليون والمصريون، حتى احتلها الفرس، ثم أخضعها الاسكندر المقدوني في فتحه للعالم السنة 330ق.م، وتهلنت حضوراً ولغة، وجعلها الاسكندر وخلفاؤه السلوقيون حاضرة البحر الابيض المتوسط، وجعل سلوقوس بيكانور او نيكتاروس انطاكية عاصمة سورية. ثم ولأهميتها الفائقة جعل منها الرومان “عين الشرق كله” والروم جعلوا كنيستها كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى.
اساس مدينة أنطاكية
بنيت على اساس مستعمرة ايوني الاغريقية، التي كما يُظهر تاريخها، ان جاليات يونانية وافدة من كريت وقبرص اسست فيها المهد اليوناني الأول.
ازدهرت مستعمرة ايوني الاغريقية زمن الآشوريين والفرس، ويقول المؤرخ ليبيانوس: ” انه حين مر الاسكندر من ذلك المكان الجميل، شرب ماءً صافياً سائغاً وتذكر لذة هذه الشربة مشبهاً بثدي امه اليوناني.”
ومن هنا ندرك سبب تسميته لهذا النبع باسم والدته اولمبياذا، كما أنه أسس بلدة ايماثيا على قدم جبل سيليبيوس، حيث اشتمل المكان فيما بعد على معبد زيوس في حضن انطاكية الذي بناه سلوقوس على قمة الجبل.
بعد موت الاسكندر (307ق.م) بنى القائد انتيغونوس وهو من قادة الاسكندر الاربعة انديغونيا بالقرب من ايوني، وبعد قليل اسست هناك قاعدة مملكة سورية التي اتخذت طريقها نحو النمو السريع في ظل الدولة السلوقية لمؤسسها القائد سلوقوس نيكاتور ( الظافر)، وقد اشتملت سورية على كل ممتلكات دولة الفرس القديمة في آسية الصغرى وسورية وبابل وآشور ومادي على بحر قزوين وتركستان وافغانستان، ومقاطعات اخرى كانت تحمل على سبيل التعميم اسم سورية.
وكان الاسكندر يسعى لتحقيق حلم معلمه ارسطو، بتأسيس امبراطورية عالمية واحدة تسودها الثقافة اليونانية، لذلك وصل في فتوحاته الى الهند، وقام في يوم واحد بتزويج عشرة آلاف جندي يوناني من جنوده، بعشرة آلاف ابنة فارسية. كما تزوج هو بأميرة فارسية حال فتحه بلاد فارس.
انطاكية واحدة من المدن الكثيرة التي بناها في دولته العالمية، وكذلك فعل خلفاؤه الاربعة من بعده مقتدين به، ومنهم كان سلوقس مؤسس الدولة السلوقية في انطاكية وسورية، وبطليموس مؤسس دولة البطالمة او البطالسة في مصر.
لذلك اختار سلوقس موقع عاصمته، وكانت انطاكية… وقد اسماها على اسم ابيه انطيوخوس، بعد ان وسَّطَّ الاله زيوس وقَبلِ الاله ضحيته، وكان ذلك في حوالي السنة 300ق.م فكانت بموقعها محصنة بظهيرها جبل سيليبيوس، ووصولها الى المتوسط عبر العاصي المار في وادي العمق، ومصبه في خليج السويدية على البحر المتوسط.
وكانت غزارة مياه العاصي حتى في انطاكية تتيح للمراكب مهما كان غاطسها الابحار فيه وافراغ حمولتها في المدينة.
لذلك فمن الطبيعي أن ينفق بانيها سلوقس على بنائها، فأصبحت واحدة من أعظم مدن العالم القديم، وقد جَّمَّلها بالمعابد الفخمة، والمسارح والحمامات وبمدرسة انطاكية الفلسفية، اضافة الى مجاورتها لغابة دفنة ذات السحر الجمالي الاسطوري. وهذه الغابة هي التي تشكل رئتيها التي تتنفس منهما روائح الغار والصنوبر والاشجار العطرية، وقام بجر مياهها الى انطاكية.
لهذا فان المؤرخ ليبيانوس عدَّ انطاكية عاصمة آسية الفكرية وليست فقط عاصمة سورية.
ولكن القول الأدق في وصف انطاكية انها كانت هي أثينا السورية.
اترك تعليقاً