هل الحجاب فريضة في الاسلام؟
هل الحجاب فريضة في الاسلام؟
في خلال بضعة عقود فقط، ومنذ بداية ما يسميه البعض بالصحوة الإسلامية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة.
فمن مجتمعات في الستينيات لا تعرف هذا الزي لدرجة أن طالبات الأزهر الشريف في هذه الحقبة من الزمان لم يكنَّ يرتدين الحجاب، إلى ظاهرة تكاد تسيطر على مجتمعات إسلامية بأكملها في عصرنا الحالي.
وصاحَب انتشار هذه الظاهرة احتقار لغير المحجبات، ونعتهن بكلمات مهينة مثل “سافرة” و”متبرجة” و”غير ملتزمة”.
وأيا كان سبب هذه الظاهرة، سواء كان رغبة في الزهد أم رعب من عذاب القبر وجحيم جهنم، أم ضغط مجتمعي لا يتسع المجال هنا لشرحه، فإنها لا شك ظاهرة تحتاج للدراسة والتحليل وأول سؤال على الجميع أن يسأله: هل الحجاب فريضة؟
ولمعرفة الإجابة عن هذا السؤال دعونا نضع أولا هذه الحقائق حول الحجاب ثم لنسأل أنفسنا بعدها عن فرضية الحجاب.
أولا: لو كان الحجاب فريضة دينية لماذا لم تأت كلمة حجاب بمعنى “زي” ولو لمرة واحدة في القرآن؟ فهل يعقل ألا يذكر القرآن فرضا يراه الإسلاميون أساساً للدين كله ولا يستقيم إلا به؟
فالقرآن ذكر كلمة “حجاب” بمعان مختلفة لم يأت بينها “زي المرآة” ولو لمرة واحدة كما ذكرنا، وها هي جميع آيات القرآن التي ذكرت فيها كلمة “حجاب”:
“وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ” (سورة الأعراف 46). وكلمة حجاب هنا تعني، سور يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.
“وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ” (سورة فصلت 5)، وتعني كلمة حجاب هنا، حاجز فكري وعقائدي.
وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ” (سورة الأحزاب 53)، أي جدار أو ستارة من القماش.
“فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ” (سورة ص 32)، أي اختفت عن الرؤية في الأفق وكان نبي الله سليمان يتكلم عن الخيول في هذه الآية.
“فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا” (سورة مريم 17)، أي أن العذراء مريم كما ورد في سورة مريم ابتعدت عن الناس في مجتمعها حتى لا يرونها وقت ولادة السيد المسيح عليه السلام.
”وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا” (سورة الإسراء 45)، أي حاجز إيماني يمنعهم من الإيمان بالقرآن.
“ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ” (سورة الشورى 51)، أي أن الله قد يوحي لعباده ولكن بدون أن يراه البشر.
ومن الملاحظ جليا في جميع آيات القرآن المذكورة والتي ذكرت كلمة “حجاب” (وهي تمثل كل ما جاء في القرآن بخصوص هذا الأمر)، لم تستخدم هذه الكلمة ولو لمرة واحدة كوصف لزي المرأة.
فهل من المنطق أو العقل أن يغفل القرآن ذكر ذلك الأمر “الهام” لو كان “الحجاب” فريضة لزي (أو رداء) المرأة كما يقولون؟
أما النقطة الثانية، فهي هل يعقل أن يكون الحديث الوحيد، الذي ينص بوضوح على شكل الحجاب الإسلامي، حديث ضعيف؟ فالحديث الذي استندت إليه معظم الجماعات الإسلامية لنشر الحجاب بين النساء في أواخر السبعينيات وفي ثمانينيات القرن الماضي هو حديث ضعيف.
فالحديث كما ورد “عن الْوَلِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: “يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ” (رواه أبو داوود).
والحديث، كما ذكرت كتب علم الحديث نفسها، وكما ذكر أبو داوود نفسه هو حديث “مُرسَل” (أي ضعيف لا يصح الاستدلال به)، لأن من رواه عن عائشة مباشرة وهو خالد ابن دريك “لم يدرك عائشة” (كما ورد في مصطلح علم الحديث) أي أنه ولد بعد موتها فلم يكن ممكنا له أن يراها ويأخذ منها حديثا كما قال (أو ادعى!).
والعجيب أنه بعد أن عرف الكثيرون أن الحديث الأساسي الذي بنيت عليه ظاهرة الحجاب هو حديث ضعيف، تغير أسلوب الدعوة للحجاب إلى استخدام آية:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ” (سورة الأحزاب 59). والملاحظ أن هذه الآية جعلت حتى لبس الجلباب مرتبطا بالخوف من الأذية، أي بمعنى آخر فإنه لا ضرورة حتى للبس الجلباب إن لم يكن هناك خوف من إيذاء المرأة كنتيجة لعدم لبسه.
فلو كان الجلباب أمرا دينيا كما يظن البعض لكان قد تم فرضه في جميع الأحوال، ولما تم جعله مسببا في وقت ما بسبب معين قد لا يتواجد نفس السبب في أوقات أخرى.
أما الأمر الثالث فهو أن انتشار الحجاب لم يصحبه انتشار للفضيلة كما كان البعض يظن، بل على العكس تماما فإن أعلى نسب التحرش الجنسي بالنساء في العالم هي في دول إسلامية ممن يولى شعبها اهتماما يفوق الوصف بالحجاب وارتداء المرأة للزي “الإسلامي”!
فعلى سبيل المثال وبحسب تقرير لمكتب شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان (مصر) عام 2012، فإن 64% من نساء مصر يتعرضن للتحرش الجنسي سواء باللفظ أو بالفعل في الشوارع والميادين العامة، وهذه النسبة جعلت مصر تحتل المرتبة الثانية على العالم بعد أفغانستان فى التحرش الجنسي.
وكملحوظة واضحة للكثيرين وبخاصة الذين سافروا إلى البلدان الغربية، فإن التحرش بالنساء في الشوارع يكاد يكون منعدما في هذه البلدان (والتي لا تلبس نساؤها الحجاب!). وكملحوظة أكثر وضوحا فإن نسبة التحرش بالنساء في نفس الدول الإسلامية في الخمسينيات والستينيات، أي قبل انتشار ظاهرة الحجاب كانت أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم النساء!
أما النقطة الرابعة فهي كيف يأمر الفقهاء بأن “تحتشم” المرأة في حين أنهم أنفسهم هم من أقروا أن الرقيقات (الإماء) يمشين في الشوارع والطرقات ويعرضن في أسواق النخاسة عاريات الصدور على الملأ، لأن عورة الأمة عندهم من السرة إلى الركبة فقط (طبقا للحديث الذي رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: “إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة” سنن أبي داود وسنن الدارقطني).
فأي نفاق وتناقض هذا ما بين رجال دين يتشدقون بالحشمة والفضيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى يبيحون أن تقف السبايا والرقيقات شبه عاريات في شوارع الخلافة الإسلامية!
ونزيد القارئ علما بأخلاقيات دعاة “حشمة المرأة” بأنه روى عن ابن عمر (رضي الله عنه!) أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقيها، ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها، (الراوي: نافع مولى ابن عمر المحدث: الألباني ـ المصدر: إرواء الغليل (الصفحة أو الرقم: 6/201) ـ خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح).
ولم أزل أذكر أحد أقوال أبى سفيان الثوري التي قرأتها (عندما كنت عضوا في الجماعة الإسلامية في كلية الطب) وهو أحد الفقهاء المعروفين وهو أن “المرأة كلها عورة صوتها وبدنها ولا يصح أن يرى منها إلا العين اليسرى”، ثم عرفت بعد ذلك أن هذا الفقيه المعروف في التاريخ الإسلامي والذي يأمر النساء بالتحجب كان يشتهي الغلمان!
فكما ورد وبإسناد عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، يقول: “دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عَلَيْهِ غلام صبيح، فَقَالَ: “أخرجوه أخرجوه، فإني أرى مَعَ كل امرأة شيطانا، ومع كل غلام عشرة شياطين”.
وهذه هي أمثلة قليلة من كثيرة عن أخلاقيات “السلف الصالح” الذين أمرونا بحجاب المرأة!
أما النقطة الخامسة والأخيرة هنا فهي المنطق الشاذ للجماعات الإسلامية، وهو أننا نغطى الأشياء الثمينة ولذا فإن تغطية المرأة برهان في نظرهم على “تقدير الإسلام للمرأة”، وكأن هؤلاء نسوا أو تناسوا أننا لا نغطى الورود الجميلة وأننا في حقيقة الأمر قد نغطي ما نراه قبيحا حتى نحجبه عن أعين الناس كي لا تراه.
بقلم د. توفيق حميد/
اترك تعليقاً