هل توحيد الأعياد يجعلنا “واحداً في الإيمان”؟
المطران أفرام كرياكوس
“كلّنا واحد في المسيح”، هي عبارة نسمعها من بعض المسيحيين الأرثوذكسيين وغير الأرثوذكسيين، تصف لنا إلى أيّ حدٍّ من السذاجة وصل إيمان معظم المسيحيين في هذه الأيّام. الخَشية أن لا يكون أبناؤنا على معرفةٍ بإيمانهم المستقيم الذي لطالما تباهوا به أمام الآخرين، لمجرّد التباهي، وإن سألت أحدهم دستور الإيمان، فهو يجهله. الخشية على أولادنا أن لا يكونوا على عِلمٍ، ولو بشكل بسيط، بالخلافات العقائديّة بين الإيمان الأرثوذكسيّ القويم وبين معتقد الجماعات المسيحيّة الأخرى.
سنحاول طرح بعض الأسئلة لنرى هل نحن فعلاً “واحد في المسيح” مع الجماعات المسيحيّة الأخرى؟
– هل نحن واحد بحيث نقف، مع رجال دين غير أرثوذكسيين، إلى مذبحٍ واحد و نتناول من ذبيحة واحدة في سرّ الإفخارستيا المقدّس؟
– هل نؤمن بكهنوت واحد، فيه التسلسل الرسوليّ؟ فهناك، مثلاً بعض الجماعات المسيحيّة التي لا تؤمن بكهنوت بشريّ و ترى في المسيح أنّه هو الكاهن الأوحد. كما أنّ هناك شكًّا من جهة كنيستنا الأرثوذكسيّة، بكهنوت الكهنة عند الجماعات المسيحيّة الأخرى، من حيث تسلسلها الرسوليّ.
– هل نحن واحد في الصوم؟ واحد في الشفاعة؟ واحد في القديسين؟ واحد في الكتاب المقدّس؟ هل نحن واحد في قانون الإيمان؟ هل نحن واحد في الصلاة؟ في الأنبياء؟ في التسابيح؟ هل نحن واحد في النظرة إلى المطهر؟
فمثلاً، عند بعض الجماعات المسيحيّة، يؤمنون بأنّ بعض الأسفار من الكتاب المقدّس هي أساطير. هناك من ينكرون عُذريّة مريم والدة الإله، هناك من ينكرون قيامة المسيح، منهم من يهاجمون تعاليم الرسل وأقوالهم في الكتاب المقدس. منهم من يقيم العقل رقيباً على الكتاب المقدّس، فما يقبله العقل يقبلونه وما لايقبله العقل لايقبلونه.
إذاً، عبارة لا تهمّني الخلافات يهمّني توحيد الأعياد تعني أنا لا يهمّني الإيمان وأزدري بالذين ضحَّوا بأنفسهم وقُطعت ألسنتهم وأيديهم، من الآباء القدّيسين، لكي يحافظوا على الإيمان ويُسلّمونا الوديعة كما تسلّموها هم دون زيادة أو نقصان. فقول القائلين أنا لا تهمّني الخلافات وإنّما توحيد الأعياد، يدلّ على طبيعة إيمانهم الشخصيّ كم هو سطحيّ وغير عميق، لأنّ الذي يهمّه أمر الحصول على الذهب الذي لا يُفنيه سوس، عليه أن يغوص أكثر في البحث في أعماق الأرض، حتّى يصل إلى مُرتجاه، لا أن يبحث سطحيًّا لأنّه لن يجد شيئًا في المنتهى.
كلّنا نريد أن تتمّ الأعياد في تاريخ واحد، و لكن الأهمّ أن يكون الإيمان واحداً. فكيف يتمّ الإتّحاد؟ الإيمان الواحد هو أساس كلّ شيء، حسبما قال الرسول بولس في رسالته إلى أهل أفسس 5:4 “ربٌّ واحد، إيمانٌ واحد، معموديّةٌ واحدة”.
أمرُ الإيمان كانت تبحث به المجامع المسكونيّة، لكي تكون الكنيسة كلّها في إيمان واحد. فالذي لايؤمن بما أقرّته المجامع يُعدّ مفروزًا أي خارج الكنيسة، وهذه هي نظرتنا ككنيسة المسيح اليوم. فكلّ من لا يؤمن إيماننا هو مفروز، أي خارج جماعتنا، أي خارج الكنيسة.
وحدة الكنيسة هي وحدة إيمان، تنبع من الكنيسة و ليس من خارجها، و هي ليست وحدة أعياد وليست وحدة شعوب مسيحيّة في مناسباتهم في بلدٍ ما.
الوحدة الكنسيّة تعني التخلّص من الحُرومات القديمة. فلا يمكن أن تكون هناك وحدة وهناك حُروم. أيضاً الوحدة تعني النظر في موضوع القدّيسين الذين أُعلنت قداستهم بعد الإنشقاقات. فهناك مثلاً جماعات مسيحية أعلنت قداسة بعض الأشخاص الذين تعتبرهم كنيستنا الأرثوذكسيّة هراطقة، كما أنّ هناك الكثير من القدّيسين في كنيستنا الأرثوذكسيّة، يُعتبرون هراطقة في نظر بعض الجماعات المسيحيّة الأخرى.
من الممكن أن نقول إنّ بيننا وبين هذه الجماعات شيئًا من التعاون في الأمور المشتركة، أمّا عبارة “وحدة” فهي أكبر بكثير ممّا يحدث، حتّى ولو صُودف وقوع الأعياد في التاريخ ذاته أحياناً.
نحن نجاهد لنصل إلى الوحدة. فهناك إجتماعات تحصل مع الجماعات المسيحيّة الأخرى، نتناقش خلالها في الأمور اللاهوتيّة، كي نصل إلى اتّفاق لاهوتيّ.
فالوحدة هي على أساس الإيمان أوّلاً وبعدهُ كلّ الحوارات ستؤول إلى الإتّحاد في جميع الأمور لا محالة.
المطران أفرام كرياكوس ميتروبوليت طرابلس والكورة وتوابعهما للروم الأرثوذكسر.
{عن نشرة الكرمة/ 7 شباط 2016}
Beta feature
اترك تعليقاً