هل يمكن حصر سورية وكل السوريين بالآراميين السريان؟
مدخل التدوينة
نجيب وفق التالي مع تقديم الشكر للأصدقاء السائلين
1) من هم الآراميون؟ ومن هم السريان؟
-
الآراميون: مجموعات ساميّة غربية ظهرت في بلاد الشام والجزيرة السورية منذ الألف الأول قبل الميلاد. انتشرت لغتهم (الآرامية) حتى صارت لغة تواصلٍ عام في الشرق الأدنى لقرون طويلة (إدارة، تجارة، دين).
-
السريان: في الاستعمال التاريخي-الكنسي يعني أساسًا المسيحيين الناطقين بالآرامية (لغة “السريانية” هي طورٌ أدبي-كَنسي من الآرامية). إذًا “السرياني” تسمية دينية ثقافية/لغوية أكثر منها قومية إثنية صِرفة.
-
كثير من سكان الشام القديم تعرّبوا أو تَأرامَنوا لغويًا عبر القرون؛ اللغة تغيّرت أسرع من الأنساب.
2) هل كان الآراميون وحدهم “سكان سورية الأصليين”؟
-
بلاد الشام كانت دائمًا فسيفساء: كنعانيون/فينيقيون، أموريون، حِثّيون، حوريون/ميتاني، آشوريون، كلدان، آراميون، يهود، أنباط، إغريق، روم، عرب قبل الإسلام وبعده، ثم لاحقًا أرمن وكُرد وشركس وغيرهم.
-
الآرامية صارت لغة الغالبية لفترة طويلة، لكن هذا لا يعني حصر السكان إثنيًا بالآراميين وحدهم. مثلما أنّ انتشار اللاتينية قديمًا في أوروبا لا يعني أنّ الأوروبيين “رومان” إثنيًا اليوم.
3) الاسم: “سورية” مَن سمّى مَن؟
-
أصل اسم “سورية” يوناني قديم (Syria) وقد يكون مرتبطًا تاريخيًا بـ“آشور/Assyria”كما يقول بعض البحاثة من ان الاسكندر الاكبر المقدوني اليوناني في غزوته المشرقية واكتساحه سورية هو من اطلق هذه التسمية، أو بتعميم جغرافي يوناني على بلاد الشام. أي أنّ اسم المكان ليس دليل ملكيةٍ إثنية.
-
القاعدة العامة: الأرض وأسماؤها تتغيّر مع الدول واللغات، فلا تُثبت حقًا إثنيًا حصريًا.
4) اللغة ليست حُجّة حصرية للملكية
-
القول إن “اللغة الآرامية/السريانية هي الأصل، إذًا البلاد لأهلها لغويًا” لا يصح تاريخيًا. لو طبقناه عالميًا للزم إعادة توزيع قارّات!
-
اللغات تأتي وتذهب: الآرامية، اليونانية، اللاتينية، ثم العربية… لكل مرحلة ظروفها السياسية والاقتصادية والدينية التي جعلت لغةً ما “فوق” غيرها.
5) المسيحية/السريانية والهوية: تفريقٌ لازم
-
“السريان” اليوم تسمية كنسية-ثقافية (سريان أرثوذكس/كاثوليك وآخرون كالآشوريون كما يقال والكلدان)، وليست مرادفًا تلقائيًا لـ“أصول إثنية سريانية” لكل السكان.
-
الادعاء بأن “المسلمين أصلهم سريان” أو “العلويين سريان” تعميم مُسيّس؛ نعم، كثير من أسلاف أهل الشام تكلّموا الآرامية قبل العربية، لكن ذلك لا يحوّل الهويات الدينية والاثنية المعاصرة إلى سريانية حكماً، مثلما أنّ معظم الأوروبيين رثّاتيون/غال/قوط… تكلموا اللاتينية دون أن يكونوا “رومانًا”.
6) الكنائس السريانية خارج سورية (الهند، باكستان، أميركا اللاتينية)
-
وجود أبرشيات سريانية في الهند أو البيرو تنظيم كنسي/ليتورجي ولغة طقسية، لا “ملكية قومية” للأرض هناك. المسيحية الأولى تَشبّكت عبر طرق التجارة والهجرة؛ فحضور الطقس السرياني لا يعني نسبًا إثنيًا واحدًا لكل المؤمنين.
7) حقّ “الأولوية” التاريخية vs. المواطنة الحديثة
-
في دراسات السكان، نميّز بين استمرارية ثقافية/لغوية واستمرارية سلالية (وهما شيئان مختلفان)، وبينهما وبين الحقوق السياسية الحديثة.
-
الدولة المعاصرة (ومنها سورية) تُبنى على المواطنة المتساوية لا على حصرية إثنية/دينية. الاعتراف بجذور جميع الجماعات وحمايتها الثقافية لا يعني منح “حق ملكية حصري” لأي جماعة على باقي المواطنين.
8) خلاصة عملية
-
الآراميون/السريان جزء أصيل ومهم من تاريخ سورية وهويتها الثقافية، لكنهم ليسوا وحدهم من صاغ تاريخها.
-
اختزال سورية في عنصرٍ واحد مُغالاة لا تصمد أمام علم الآثار والتاريخ اللغوي وتاريخ الهجرات.
-
السرديات التي تُلبِسُ الجماعات الأخرى هويّةً أحادية (“الكل سريان” أو “الكل عرب” أو غير ذلك) تنتج التباسًا واستقطابًا بدل أن تحترم التعدّد الفعلي.
-
الطريق الصحي: اعتراف تعدّدي: سورية تاريخيًا متعددة اللغات والديانات والإثنيات؛ والهوية الوطنية الحديثة تُصان بالحقوق المتساوية وحماية الموروثات جميعها (السريانية، العربية، الكردية، الأرمنية…).
هذا هو المخطط الزمني المبسط 📜 يوضح تسلسل الحضارات واللغات التي تعاقبت على سورية/بلاد الشام، من إيبلا والأكاديين حتى العصر الحديث حيث العربية هي الرسمية مع بقاء فسيفساء لغوية وثقافية.
قائمة أولية بمراجع عربية وأجنبية يمكن أن تساعد الباحث والمهتم على التوسع في موضوع الآراميين، السريان، وتاريخ سورية
مراجع عربية
-
فيليب حتي – تاريخ سورية ولبنان وفلسطين (من أوسع وأدق المراجع الكلاسيكية بالعربية).
-
أدونيس عكرة – الآراميون: تاريخهم وحضارتهم ولغتهم.
-
سهيل زكّار – تاريخ سورية (عدة مجلدات، مهم لتوثيق العصور المختلفة).
-
يوسف قوزي – الآراميون والسريان عبر التاريخ.
-
جورج أنطونيوس – يقظة العرب (يتناول فكرة القومية وتعدد الهويات في المشرق).
مراجع أجنبية
-
Edward Lipiński – The Aramaeans: Their Ancient History, Culture, Religion.
-
Sebastian Brock – An Introduction to Syriac Studies (أساسي لدراسة اللغة السريانية).
-
John Joseph – The Modern Assyrians of the Middle East: Encounters with Western Christian Missions, Archaeologists, and Colonial Powers.
-
Robert Rollinger (ed.) – Historiography and Identity (Re)formulation in the Ancient Near East and Hebrew Bible.
-
Patricia Crone – Pre-Industrial Societies: Anatomy of the Pre-Modern World (مفيد لفهم التغيرات السكانية في المشرق).
ملاحظات
-
معظم هذه المراجع تتناول التنوع السكاني واللغوي في سورية التاريخية وتفنّد فكرة الحصرية لجماعة واحدة.
-
كتب سبستيان بروك (وهو المستشرق الاهم المعاصر، عالم الانساب الانكليزي الأكثر تخصصاً بالآراميين والسريان) مهمة لفهم البعد الديني والثقافي للسريان لا كهوية قومية مغلقة، بل كتراث كنسي-لغوي.
-
أما كتب إدوارد ليبينسكي وأدونيس عكرة فهي أكثر تخصصًا في الآراميين والآرامية.
الخلاصة المركّزة
1️⃣ سورية لم تكن أحادية الهوية يومًا: تعاقبت عليها حضارات ولغات (إيبلا، كنعانيون، آراميون، إغريق، روم، عرب…)، وكل جماعة ساهمت في صياغة فسيفسائها التاريخي.
2️⃣ الآراميون/السريان ركن أصيل ومهم، لكنهم ليسوا وحدهم من يُعرّف سورية، بل جزء من تعدّد غني يجب الاحتفاء به لا حصر الهوية فيه.
بهذا المعنى: سورية = فسيفساء حضارية حيّة، وقوتها في التنوع لا في الانغلاق على عنصر واحد.