هندسة الكنائس القديمة في سورية/ الجزء الثاني
هندسة الكنائس القديمة في سورية
الجزء الثاني
مقدمة مقارنة في قباب الكنائس
يتتبع تاريخ القباب الرومانية والرومية البيزنطية معمارية القباب في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية القديمة واستمرارها في العصور الوسطى، اي في امبراطورية الروم البيزنطية.
كانت القباب عناصر معمارية مهمة في كلتا الفترتين، وكان لها تأثير واسع على الأنماط المعاصرة وما بعدها، من العمارة الاسلامية في دائرة الدولة الاسلامية بكل عهودها بما فيها العثمانية، والعمارة الروسية، إلى النهضة الإيطالية … الحديثة. كانت القبب نصف كروية بشكل معتاد، على الرغم من أن الأشكال الثمانية والمقطعة معروفة أيضاً، وقد تطورت بشكلها واستخدامها وهيكلها على مر القرون. استندت الأمثلة المبكرة مباشرة على جدران القاعات المستديرة، وظهرت على محور مركزي للتهوية والضوء. أصبحت المقتطفات شائعة في الفترة البيزنطية ، وقدمت الدعم للقباب على المساحات المربعة
بنيت الكنائس المقببة مركزياً منذ القرن الرابع للوظائف الخاصة جداً، مثل كنائس القصر الملكي أو الشهداء ، مع اتساع طفيف في الاستخدام حوالي السنة 500 م لكن معظم مباني الكنائس البازليكية كانت قاعات مسقوفة بالأخشاب.
يبدو أن كنيسة القديس بولكوكتوس في القسطنطينية (524-527) بنيت ككنيسة كبيرة ومسطحة على غرار كنيسة مريمليك قبل خمسين عاماً، وإلى آجيا ايرين ( السلام المقدس) التي بناها الإمبراطور يوستنانيوس.
في الثلث الثاني من القرن السادس المسيحي، استخدم بناء الكنيسة من قبل الإمبراطور يوستنيانوس وحدة الصليب المقببة على نطاق ضخم، تمشياً مع تأكيده على الابتكار المعماري الجريء. وقد أكدت العمارة الكنسية على القبة المركزية، وقام المهندسون المعماريون بوضع المخطط المركزي المقبب المبني من الطوب في جميع أنحاء شرق رومانيا. يمكن اعتبار هذا التباعد مع الغرب الروماني من الثلث الثاني من القرن السادس المسيحي بداية ظهور العمارة الرومية “البيزنطية”. أما البازيليكات المسقوفة بالأخشاب، والتي كانت في السابق الشكل المعياري للكنيسة، فستظل كذلك في غرب القرون الوسطى.
بعد أن دمرت الزلازل معظم مدينة القسطنطينية في سنة 532م ، بما في ذلك كنيستي آجيا صوفيا “الحكمة المقدسة” وآجيا ايرين “السلام المقدس”، أتيحت ليوستنيانوس الفرصة لإعادة البناء.
كانتا كنيستان بازيليكيتان وكلتاهما أعيد بناؤهما كنيستان مقببتان، على الرغم من أن آجيا صوفيا أعيد بناؤها بشكل اكبر بين عامي532 و 537 مسيحية، و أُسميت (أعظم بناء في العالم). وكان تصميمها الهندسي تصميماً أصلياً ومبتكراً بدون سوابق معروفة بكثير في الطريقة التي يغطي بها مخطط البازيليك مع القبة وشبه القباب. وقد تسببت الزلازل الدورية في المنطقة بانهيار جزئي للقبة واستلزمت إصلاحات جذرية. كان الشكل الدقيق للقبة المركزية الأصلية التي اكتملت في عام 537م مختلفًا بشكل كبير عن الشكل الحالي، كما أن الحسابات الهندسية والابعاد المعاصرة كانت أكثر جرأة بكثير من وقتنا.
كتب بروكوبيوس أن القبة الأصلية بدت “لا ترتاح على البناء الصلب، بل لتغطية الفضاء بقبته الذهبية المعلقة من السماء”.
وقد ذكر المؤرخ البيزنطي يوحنا مالالاس أن هذه القبة كانت 20 قدماً بيزنطية. إحدى النظريات هي أن القبة الأصلية استمرت في منحني المنحنيات الموجودة (التي أعيد بناؤها جزئياً بعد انهيارها) ، مما أدى إلى إنشاء قبو شراعي ضخم مثقوب بحلقة من النوافذ. كان هذا القبو جزءاً من المجال النظري الذي يبلغ قطره 46 متراً (151 قدماً) ( وهي المسافة من قاعدة واحدة معلقة إلى قاعدة العاكس)، 7٪ أكبر من امتداد قبة البانتيون.
وهناك نظرية أخرى ترفع الغطاء الضحل لهذه القبة (الجزء فوق ما هو اليوم الزنبركات) على أسطوانة قصيرة نسبياً تحتوي على النوافذ. انهارت هذه القبة الأولى جزئياً بسبب الزلزال المدمر في السنة 558 م، ثم تم تنقيح التصميم إلى الوضع الحالي. تسببت الزلازل أيضا في انهيار جزئي للقبة في السنتين 989 م و 1346 م، بحيث تتكون القبة الحالية من أجزاء تعود إلى القرن السادس ، على الجانبين الشمالي والجنوبي، وأجزاء من القرنين العاشر والرابع عشر على الجانبين الغربي والشرقي، على التوالي .
هناك مخالفات حيث تلتقي هذه القطاعات تبلغ القبة المركزية الحالية، فوق الزوايا، حوالي 750 ملليمتر (30 بوصة). يبلغ عرضه حوالي 32 متراً (105 قدماً) ويحتوي على 40 ضلعاً شعاعياً ينبع من بين 40 نافذة عند قاعدته. تم حظر أربعة من النوافذ كجزء من الإصلاحات في القرن العاشر. تقع حلقة النوافذ عند قاعدة القبة المركزية في الجزء الذي كان من المتوقع أن يكون أكبر شد تطوُّر فيه ، ولذلك ربما تم استخدامه للمساعدة في تخفيف التشقق على طول خطوط الطول. وقد ساعدت تقلصات الحديد بين الكتل الرخامية من الكورنيش على تقليل الزيادات الخارجية عند القاعدة والحد من التشقق، مثل حلقات التوتر الخشبية المستخدمة في قبب الآجر البيزنطية الأخرى. ويدعم القبة والمثبّتة بأربعة أقواس كبيرة تنبثق من أربعة أرصفة. بالإضافة إلى ذلك ، يتم وضع قبتين شاسقتين ذات نسبة متشابهة على جوانب متقابلة من القبة المركزية وتحتوي على قباب شبه أصغر بين أربعة أرصفة إضافية. آجيا صوفيا، كاتدرائية القسطنطينية وكنيسة قصر القسطنطينية الكبير المجاور، لديها شكل من أشكال خطة مثمنة.
قام الامبراطور يوستنيانوس الكبير حسن العبادة باعادة بناء كنيسة الرسل القديسين في القسطنطينية على نطاق أكبر بين عامي 536م و 550 م، وكان المبنى الأصلي عبارة عن بازيليك صليبية الشكل مع ضريح مقصب مركزي. كان استبدال يوستنيانوس على ما يبدو صليباً بشكل مماثل ولكن مع قبة مركزية وأربعة قباب مرافقة. كانت القبة المركزية فوق المعبر تحتوي على زوايا ونوافذ في قاعدتها، في حين كانت القباب الأربعة على أذرع الصليب تحتوي على زوايا متدلية دون نوافذ. يبدو أن القباب قد تم تغييرها بشكل جذري بين ترميمي 944 و 985 من خلال إضافة براميل ذات نوافذ أسفل كل القبب الخمسة، وبرفع القبة المركزية أعلى من القباب الأخرى.
ثاني أهم كنيسة في المدينة بعد آجيا صوفيا، وهي هذه الكنيسة ” الرسل القديسين” أمست في حالة سيئة بعد الاحتلال اللاتيني الفرنجي للقسطنطينية بين عامي 1204م و 1261م، ثم قضى عليها العثماني محمد محتل القسطنطينية بتدميرها وتسويتها بالأرض في عام 1461م لبناء مسجد الفاتح في موقعها.
كاتدرائية القديس يوحنا في أفسس وكنيسة القديس مرقس في البندقية هما أنموذج عن كنيسة الرسل القديسين الشهيدة في القسطنطينية. وكذلك كاتدرائية القديس انطونيوس البدواني في البندقية بهندستها المشتقة أيضا من هندسة هذه الكنيسة الشهيدة…
تطوربناء الكنائس في سورية
1- من قاعة استقبال
على غرار علية صهيون في اورشليم (وهي قاعة من بيت سكني) التي اقام فيها الرب يسوع لتلاميذه العشاء الأخير، وكان هذا العشاء السري والأخير هو القداس الالهي الاول. وعلى غرار ذلك وخلال القرون المسيحية الثلاثة الاولى تابع المسيحيون اقامة القداس الالهي والصلاة في قاعة ببيت عادي(أ.ع 1/3، 9/37-39،20/6-9).
2- الى القاعة / الكنيسة
عثر علماء الآثار على أنموذج من أمكنة الاجتماعات المسيحية في بلدة دورا أوربوس / الصالحية على ضفة الفرات الغربية بالقرب من البوكمال، وقد شُيِّدَ هذا البيت للعبادة واتمام سر الافخارستيا في اوائل القرن الثالث المسيحي، في هذا البيت في الطبقة السفلى منه جُعلت قاعة صغيرة بسيطة للغاية وغير منقسمة للعبادة لايميزها شيء عن ردهة الاستقبال في بيوت ذلك الزمان، ماعدا مصطبة صغيرة اقيمت امام الحائط الشرقي يوضع عليها كرسي الاسقف او الكاهن ، انها ردهة في بيت خاص تحولت الى قاعة يجتمع فيها المسيحيون للمشاركة في الصلاة والذبيحة والتداول بشؤون الجماعة. ومن الارجح ان الذبيحة كانت تقام فوق مائدة امام كرسي الاسقف،(قاموس الآثار، سورية 1863/68)
3- الى الكنيسة ذات الصحن الواحد غير المنقسم
نشأ هذا الطراز في جبل باريشا والجبل الأعلى، في النصف الاول من القرن الرابع المسيحي. وقد انطلق من هندسة القاعة الكبرى المستطيلة في البيوت اوالنوادي العامة (الاندرون). وأقدم كنائس هذا الطراز في هذين الجبلين هي كنيسة كركبيزه، كنيسة إشروق، كنيسة مار مايا، وكنيسة نوريه.
تنضوي الكنائس في سورية المشيدة مابين القرنين 4 و7م تحت نمطين اثنين: كنائس ذات سوق واحدة كما في كركبيزة مثلاً، وكنائس ذات اسواق ثلاثة اي الطراز الباسيليكي الملكي وهي الأكثر انتشاراً وعناصره الرئيسة هي التالية:
1- الصحن المستطيل الشكل المنقسم الى 3 اسواق سوق وسطي وسوقان جانبيان اصغر عرضاً بصفين من الاعمدة القائمة باتجاه طول الكنيسة كالكاتدرائية المريمية وكنيسة الصليب المقدس …بدمشق وكاتدرائية القديسين بطرس وبولس في انطاكية…
هذا الفن الباسيليكي ذو الاسواق الثلاث سوري المنشأ، وقد عمد المسيحيون الى التعبير عن عقيدة الثاوث المقدس في هندسة كنائسهم المتكونة من 3 اقسام: قدس الأقداس وهو مثلث الغرف، بيت القدسات، والدار / الصحن وهي مثلثة الاسواق في الأغلب…
2- القناطر القائمة فوق الأعمدة.
3- المنور: وهو القسم من السوق الوسطى في الكنيسة المرتفع فوق السوقين الجانبيين وفيه الشبابيك والنوافذ لإضاءة الكنيسة كما في مريمية الشام.
4- السوق الوسطى: وهو أعرض من السوقين الجانبيين ويرتفع فوقهما، ويغطيهما سقف منحن ذو انحدارين.
5- السوقان الجانبيان: سطح كل منهما منحنٍ وذو انحدار واحد. وفوقهما أحياناً الشعاري المخصصة للنساء.
6- السطوح والسقوف من خشب وقرميد. وهناك قبة كبرى وقباب صغيرة.
7- قدس الأقداس او الايوان: وهو قسم الكنيسة القائم خلف الايقونسطاس حيث تقام الذبيحة، وهو مخصص للاكليروس يتألف من بيت قدس او الهيكل، في الوسط المقدسة، وتكون مربعة الشكل او مستطيلة وتتألف من لوحة رخامية ترتكز الى صخرة مكعبة ترمز الى المسيح والى أربعة اعمدة ترمز الى الانجيليين الأربعة، وهناك قبة الهيكل المرتكزة الى اربعة أعمدة. وخلف المذبح الحنية الكبرى. في هذه الحنية يُنصب عرش الاسقف ( الكاتدرا) في الكنائس الرومية كما في الكاتدرائية المريمية بدمشق وكاتدرائية انطاكية…
يحيط بالعرش مقاعد لجلوس الاساقفة والكهنة…والى جانبي الحنية الكبرى حنيتان صغيرتان تلاصقان قدس الاقداس، وفي جانبيه حجرتان مربعتان، كان يُصعد اليهما يميناً وشمالاً وهما متعلقتان بالهيكل: احداهما الذياكونيكون (بيت الشمامسة) وهي حجرة مربعة تقع الى يمين الهيكل، وهي ايضاً “سكرستيا” لحفظ الأواني المقدسة والادوات اللازمة للخدمة الطقسية، وفيها “يبدل” الاكليروس بالملابس الطقسية، والأخرى البروثيسس، خزانة التقدمة، وهي حجرة مربعة يصعد اليها المؤمنون لتقديم التقدمات قبل الذبيحة. وكان الشماس يكتب اسماء المقربين مع بيان تقدماتهم لتذُكرْ اسماؤهم في صلوات القداس الالهي، وموقع هذا المقام عادة في الكنائس المبنية في الجهات الشمالية على يمين المذبح/ الهيكل، أما كنائس الجنوب فمكان تقادم المؤمنين فيها بعكس ذلك في شمال الهيكل. وهناك ايضاً المارتيريون او دار الشهداء.
8- اتجاه قدس الاقداس الى الشرق
في اول امرها لم تشرع كنيسة الله توجيه الكنائس الى اتجاه معين. ولما كانت وُجهة بعض الكنائس الى الغرب، كان الاسقف يقف امام المذبح والشعب مقابله ناظراً الى مدخل الكنيسة. فحتمت القوانين الرسولية في القرن الرابع ان تكون ابواب الكنائس متجهة الى الغرب لكي يتجه المصلون الى الشرق في صلاتهم ولتتميم تكريس القربان امام المذبح، فأصبحت وجهة الكاهن في الصلاة لتتميم تكريس القربان ولأن المسيح هو مشرق المشارق.
وصدر مرسوم جديد في القرن الخامس غيَّرَ اتجاه الكنائس، بشكل معاكس، فترتب على الكاهن ادارة ظهره للشعب، حيث يقيم الذبيحة وهو متجه شطر الشرق. مما اضطر المهندسين لبناء كنائس يكون اتجاهها الى الشرق ومدخلها من الغرب، وقد ترسخت العادة في القرن السادس بتوجيه الكنائس كلها نحو الشرق دون استثناء.
كان اتجاه كنائس سورية كلها نحو الشرق على غرار المعابد الوثنية بتأثير طقوس الشمس في آسيا وذلك لأن الحياة والثراء الفني ينبعان من الشرق، بينما الغرب هو معقل الموت والشر. والمسيح في الايمان المسيحي هو مشرق المشارق وشمس العدل.
وكانت اولى الكنائس الباسيليكية في القسطنطينية والقدس وانطاكية ورومة متجهة نحو الغرب لربما على غرار مجامع اليهود.
9- يحتل بيت القدس احدى الجهات الصغرى وهو مكون من حنية نصف دائرية مغطاة، وينفتح على الصحن بقنطرة او قوس. ومنشأ القوس على اعمدة فارسي الاصل، وقد ظهر في منطقة أنطاكية منذ القرن الثالث المسيحي، ثم انتشر في البلاد السورية.
10- تتضمن الواجهة في الخارج، قوساً كبيراً يفضي الى نرثكس او المدخل الداخلي الذي يتألف من رواق مُغلق يمتد على عرض الكنيسة كان فيه يجتمع الموعوظون والتائبون المعروفون بالسامعين لذلك يقول الكاهن قبل تلاوة دستور الايمان :” الابواب الابواب بحكمة لنصغي” ليتم فتح الابواب كي يسمع الموعوظون دستور الايمان.
نشأ الفن المسيحي السوري الرفيع بفضل تطور التقليد الفني السابق وتطبيقه على الحياة الجديدة. وقد اجتمعت منذ أقدم العصور فوق أرض سورية ملتقى الحضارات، وتمازجت وتزاوجت عناصر حضارية من منابع مختلفة، شرقية وغربية.
تجلت عبقرية الفنانين السوريين المنفتحين على منابع الفن بإيحاء مسيحي في انتقاء العناصر من أصول ومصادر متفرقة في ابنية منتشرة في مدى جغرافي وزمني واسع. والجمع بينهما، ودمجهما في كلٍ عضوي واحدٍ متماسكٍ ومتجانس ذي شخصية، وتخرج منها آية فنية جديدة.
عبقرية الفنان السوري والمهندس والبَّناء التي أحسنت اختيار هذه العناصر، ودمجها وصهرها في بوتقة واحدة، وشخصية واحدة في جسم عضوي واحد، خلقت هوية فنية جديدة في الطراز الباسيليكي الكنسي الأكثر جمالاً وأناقة الذي عم الكنيسة جمعاء شرقاً وغرباً، حتى اصبح هو الطراز الكنسي المفضل في العالم كله.
وقد وضع أرباب الكنيسة هذا التخطيط، في هندسة الكنائس الباسيليكية في سورية الشمالية بتقسيمها الارضي وتكوينها لا نقلاً عن نماذج سابقة بل هم وضعوه لمتطلباتهم الروحية وتجاوباً مع متطلبات العبادة والنظام الطقسي.
انه عمل فني هندسي حر فرضته الكنيسة على كتلة المهندسين والفنيين والمعماريين المحليين في سورية وعهدت اليهم بتنفيذ تفاصيله في الكنائس بسورية فكانوا امناء عليه فطبقوه بحذاقة نالوا عليه استحسان الكون والاقتباس منه في اي مكان في العالم المسيحي، حتى بات موصوفاً بأنه “الفن السوري المسيحي”.
الكنيسة ومعناها
الكنيسة كلمة معربة عن الكلمة اليونانية (اكليسيا)، والكنيسة هي البيعة وهي متعبد المسيحيين، تقابل الكنيس عند اليهود، والهيكل كلمة معربة عن العبرية وعن الآرامية (شقيقة العبرية) “هيكلو” وتعني في اللغتين المعبد الكبير ومعبد الوثنيين، اما البازليك “باسيليكي” فهي كلمة دخيلة بمعنى الطاق او الرواق الملكي او الكنيسة العظمى، والكنيسة الباسيليكية اي الملكية هي التي صحنها يتألف من ثلاثة اروقة او أسواق، او اكثر.
عرف القديس مكسيموس المعترف في القرن المسيحي السابع الكنيسة بأنها
” الكنيسة صورة الله لأنها على نحوه تعالى تجمع كل الكائنات. وهي ايضاً صورة للعالم: العالم الروحي او العقلي المرموز اليه بقدس الأقداس، والعالم الحسي أو المادي المشار اليه بأسواقها او صحنها. وهي ايضاً صورة الانسان فقدس الاقداس يرمز الى النفس وصحن الكنيسة الى الجسد، لابل هي صورة النفس عينها، فيمثل قدس الأقداس القوى العقلية، والاسواق القوى الحسية.”
الحنية الكبرى (صدر الكنيسة)
الكنائس الشرقية عامة لها في الناحية الشرقية الحنية التي تتضمن القدس وقدس الأقداس وبيت القدس، وهو قسم الكنيسة المرتفع القائم خلف حاجز الايقونات “تيمبلون”( الايقونسطاس مستقبلاً) الواقع بين قدس الأقداس وصحن الكنيسة. فيه يُحتفل بالذبيحة الالهية، ويتكون من بيت للمذبح وغرفتين. فهو اذن القسم الشرقي من الكنيسة ويحتوي على ثلاثة أقسام
1- بيت القدس او الهيكل: وهو موضع المذبح/ الهيكل من قدس الأقداس يتوسط القسم الشرقي من الكنيسة.
2- المارتيريون او بيت الشهداء وتوضع فيها ذخائر الشهداء وتعني كلمة “ذخيرة” القطعة من الآثار المقدسة، كما انها تعني ايضاً الوعاء الذي تحفظ فيه القطعة، والصندوقة الحاوية تلك الذخائر تسمى باليونانية “شاس”. هذا وقد كانت ذخائر وعظام الشهداء في جرن من الحجر يصب فوقها المؤمنون بعض الزيت ليتقدس وبه يدهنون ويتبركون وقد حث القديس يوحنا الذهبي الفم في احدى عظاته في انطاكية جماعة المؤمنين ان يأتوا الى الكنيسة بقارورة فارغة ويحملوا فيها الى بيوتهم قليلاً من زيت الشهداء طلباً للشفاء وللقوة على تحمل مصائب الحياة. ودرجت العادة ان تُبنى غرفة الشهداء يمين المذبح ليزورها المؤمنون قبل ان يدخلوا الى الكنيسة ويتناولوا جسد الرب. وكانت غرف الشهداء مزينة بالصور والرسوم المقدسة.
3- الذياكونيكون او غرفة الشمامسة وهي الغرفة المحاذية لبيت القدس/ المذبح لجهة اليسار. وفيها توضع الأواني الكنسية والكتب الدينية والطقسية الضخمة، وفيها يلبس الاكليريكيون الحلل الطقسية وفيها تحصل الاستعدادات للقداس والاحتفالات الطقسية. وكانوا يتقبلون فيها تقدمات المؤمنين من قمح وزيت وخمر، ويوضع الزيت والخمر في جرار من الفخار او في جرار محفورة في الصخر.
الايقونسطاس وهي كلمة يونانية مركبة من كلمتين (إيقونة وموضع)، وهي في الاصطلاح الكنسي جدار رخامي أو خشبي يفصل قدس الأقداس عن صحن الكنيسة في الكنائس الارثوذكسية الرومية ويحتوي على ايقونتي السيد والسيد والمعمدان وشفيع الكنيسة، ويعلوه صف ايقونات الرب يسوع والتلاميذ الاثني عشر ويعلوه الصلبوت الكبير، وفي وسط الايقونسطاس الباب الملوكي الذي يدخل ويخرج منه اثناء الخدمة الالهية رئيس الخدمة والكهنة…
كان قبلاً عبارة عن حاجز او ستر يفصل قدس الاقداس عن باحة الكنيسة في بعض اوقات الذبيحة، وهذه الحجب والاستار لاتزال مألوفة في الكثير من كنائس الشرق. اما كنائس الغرب فكان لها درابزون عالٍ يفصل قدس الاقداس عن باحة الكنيسة وله باب يُقفل وكان يمد وراءه ستر عند الحاجة.
ونقول مجدداً الى ان الايقونسطاس مزين بالايقونات المقدسة ولاسيما ايقونتي السيد والسيدة. وقد يرجع استعمال الايقونسطاس الى مرحلة سابقة لعهد بدعة محاربي الايقونات. ويروي المؤرخون الكنسيون ان الامبراطور يوستنيانوس الحسن العبادة عند فراغه من بناء الكاتدرائية الشهيدة آجيا صوفيا ” الحكمة المقدسة” في القسطنطينية، في القرن الساس المسيحي. رفع امام الهيكل حاجزاً رائعاً مغشى بالفضة المطَّرقة، تمتد على عُمُده وعوارضه عسالج ازهار ونجوم ونقوش مذهبة، وقد تجلت على عمده صور السيد والسيدة ورؤساء الملائكة والأنبياء. فيبدو الايقونسطاس مثقلاً بالإيقونات الفنية الرائعة.
الصحن
هو في الكنيسة المكان المخصص لاجتماع الشعب. يمتد من باب الكنيسة حتى قدس الاقداس. ويمكن ان يكون من سوق واحدة، او منقسماً الى ثلاثة اسواق او اكثر وفي وسط القسم الاوسط من الصحن تقام البيما.
بيما/ فيما او المنبر
1- استعمال بيما خارج المسيحية: وتعني كلمة بيما اليونانية اصلاً قوس المجكمة او منبر القضاء او العرش. سبق وجود البيما عند اليهود في مجامعهم فتُقرأ التوراة من على منصة عالية. وتعلو البيما الخشبية او الحجرية، كرسي كان يوضع عليها السفر وقت القراءة، وكانت توضع في الصحن الأوسط من المجمع مجالس مختصة بالشيوخ منتظمة بشكل نصف دائري ومتجهة صوب الشعب.
واعتمدتها البدعة المانوية زمن ماني المبتدع المجدف، وكان الرومان الوثنيون قد اعتمدوا البيما في دار القضاء وكانت هي كرسي القاضي، ومجلس الهيئة الحاكمة في صدر الحنية. ومن هذا الاصل انتقلت لفظة “بيما” الى الاستعمال الكنسي عندما تحولت الحنية/ القبة في مجلس القضاء الى حنية في الكنيسة المسيحية لاحتواء المذبح الذي يجلس وراءه الأسقف والاكليروس.
2- التطور في استعمال لفظة بيما
اصبحت في الاستعمال الكنسي،تعني ثلاثة امور هي
اولاً- عرش الاسقف في صدر قدس الاقداس او الهيكل المحتوي على المذبح
ثانياً – منبر الوعظ في صحن الكنيسة
ثالثاً- في بعض اجزاء سورية والعراق هي مصطبة او منصة في صحن الكنيسة يعلوها عرش من حجر تحيط به من اليمين 6 كراسي ومثلها من اليسار لجلوس رئيس الاحتفال ومعاونيه الاكليروس.اشبه بالكاهن الاعظم الرب يسوع وتلاميذه…
وفوق هذه المنصة عادة مائدة تعلوها أحياناً مظلة وقرايات لتلاوة الأسفار المقدسة. وعرش الاسقف في بيت القدس كان يسمى تارة بيما وطوراً ثرونوس اي العرش، ومنبر الوعظ في صحن الكنيسة كان يسمى تارة “بيما” وطوراً “أمبون” ايضاً اي المنبر.
وقد استعملت الكنائس الارثوذكسية في عهودها القديمة السّوليا، وهي مصطبة بين الهيكل وصحن الكنيسة، تتم عليها الاحتفالات الكنسية. ( المريمية وكنيسة الصليب بدمشق والنبي الياس بحلب) اضافة الى امبون يميني ويساري علويين لقراءة الانجيل في الكنيستين…
وتمثل البيما والانجيل الطاهر فوقها عرش المسيح الملك الذي يدين شعبه بحسب الانجيل، واثنا عشر مقعدا ترمز الى تلاميذ المسيح كتذكار العشاء الأخير
النرثكس او الرواق
هو الممر المسقوف امام الكنيسة، الواقع بين المدخل الرئيس للكنيسة والصحن.
الباحة/ الساحة
هي باحة مكشوفة غير مسقوفة تقع امام الكنيسة، فرضت الكنيسة منذ القِدم، ان تكون للكنيسة باحة ذات اروقة. وتجدر الاشارة الى ان عدداً قليلاً من الكنائس اتبع هذا الرسم. مثال باحة كنيسة السيدة العذراء في شيخ سليمان وفي خربة حاس…
الناقوس
عمد المسيحيون احياناً الى البرج الواقع بجانب الواجهة الغربية للكنيسة ( الكنائس الارثوذكسية) او بقربها ( المريمية) ليذكروا من اعلاه المسيحيين بمواعيد الصلوات المتعددة في النهار.
الناقوس اليوم استخدامه شائع في الحياة الرهبانية وهو مكون من خشبة طويلة يقرعون عليها (ير القديس جاورجيوس الحميراء) وفي بعض الاديرة من الحديد الرنان( دير سيدة البلمند) ويختلف الناقوس عن الجرس المألوف الذي يعلق في اعلى برج الجرسية (كنيسة الصليب) ونشير الى ان الناقوس قديم العهد اعتمده اهل الصين والهند وكان معروفاً لدى الاغريق والرومان واستخدمته كنائس الغرب منذ شارلمان الذي عمم استخدامه. وكان ان المسلمين اثناء صلواتهم في الجانب الذي اقتطعوه من كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان السليبة ( الجامع الاموي) وحولوه الى مصلى اسلامي كما يروي ابن عساكر قد تضايقوا من قرع النواقيس للدعوة الى الصلاة المتعددة نهاراً في الكاتدرائية، وهي من اهم الامور التي دفعت بالوليد للاستيلاء على الكاتدرائية وتحويلها الى الجامع.
الانارة في الكنيسة
اولى المهندسون والبناؤون المسيحيون السوريون عامة إنارة الكنائس اهتماماً عظيماً، فعمدوا الى شتى الطرق لتأمين الانارة الكافية ولتزيين أرجاء الكنيسة بالأنوار الساطعة. وكان تعدد النوافذ امراً ضرورياً بسبب إقامة الصلوات وتلاوة القراءات صباحاً ومساءً فهذه النوافذ بأشكالها المختلفة متوزعة في بناء الكنيسة لتأمين الضوء.
كما ان السرج والمصابيح الفخارية والخزفية والبرونزية والفضية كانت مستخدمة بكثرة، كذلك المشاعل العالية والثريات الكبيرة جداً المعلقة في السقف بسلاسل ضخمة كما في المريمية قبل ان يتم ادخال الكهرباء اليها لأول مرة عام 1907 حين دخول الكهرباء الى دمشق والمشاعل النحاسية العالية امام ايقونسطاس الكنيسة وهي من النحاس المطروق واعلاها شموع ضخمة وكذلك على الثريات( قبل الكهرباء) وكذلك في كنائس الاديار البطريركية والابرشية الحاضرة في كرسينا الانطاكي المقدس، وفي اديرة الجبل الرهباني المقدس ” جبل آثوس.
اما السرج فكانت تعتمد على زيت الزيتون “الذهب الأخضر” وخاصة في ادلب والشمال السوري وغوطة دمشق واكثر المناطق السورية وهو منتج سوري اساسي وكان يُصدر الى كل انحاء العالم.
بهذا الزيت كان المسيحيون ينيرون كنائسهم بالأنوار ويسرجون فيها السُرج ويضيؤنها.
من المصادر
تاريخ كنيسة مدينة الله انطاكية العظمى/ د. اسد رستم
تاريخ كنيسة انطاكية/ بابادوبولس تعريب الاسقف استفانوس حداد
تاريخ الكنيسة المسيحية/ سميرنوف، تعريب المطران الكسندروس جحى
سورية المسيحية في الالف الاول الميلادي المجلد الاول/ الأب متري هاجي اثناسيو
الحقائق الوضية في تاريخ الكنيسة الانطاكية الارثوذكسية/ الخوري ميخائيل بريك
الآثار السورية، مجموعة ابحاث أثرية تاريخية/ د.عفيف بهنسي
الشارع المستقيم في دمشق / الاب ايوب سميا، مجلة النعمة البطريركية 1960
صور مقدسة على الفسيفساء المكتشفة في محافظة حماة في الحوليات الأثرية العربية السورية/ عبد الرزاق قزوق.
المسيحية والحضارة العربية/ الاب جورج قنواتي
تاريخ سوريا/جرجي يني
موقع المدقة
موقعنا هنا وتدويناتنا عن دمشق وسورية المسيحية.
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
Beta feature
اترك تعليقاً