وضع المسيحيّين في البلدان الأفريقيّة
إضافةً إلى ذلك، تعرّض المسيحيّون النيجيريّون لهجمات متكرّرة من قبل قبائل الفولاني المسلمة أو قبائل الفولبي. يبلغ عدد سكّان الفولاني اليوم 35 مليون نسمة، يقيمون في 15 دولة أفريقيّة. سقط بين العامين 2014-2019 ما لا يقلّ عن 7000 شخص ضحايا الفولاني. في أذار 2021، قطّع الفولانيّون المسيحيّ بيتروس تشولوم ذا 36 عامًا بمنجل وهو متزوّج وله أربعة أطفال. وفي الشهر نفسه، قُتل الكاهن الكاثوليكيّ فرديناند فانين نغوغبان وستّة آخرون من أبناء الرعيّة.
يُخطَف المسيحيّون في كثير من الأوقات، بغية الحصول على فدية، وفي حالة عدم الدفع يُقتَلون. فعلى سبيل المثال: في نهاية شباط 2021 في جنوب نيجيريا، وبالتحديد في ولاية دلتا، خطف مجهولون الأب حاريسون إيغفويانو، وهو كاهن كاثوليكيّ ومدير مدرسة القدّيس جاورجيوس في منطقة “أوبينومبا”.
أصبح مسيحيّو كلّ من دولتَي النيجر ومالي هدفاً للهجوم بشكل منهجيّ. ففي 18 أذار 2021، خطف مسلَّحون القسّ يوهان غيانغ بيتروسيز من الكنيسة المعمدانيّة في النيجر. طُلب عنه فدية تعادل ما يقرب 158 ألف دولار أمريكيّ. وفي 21 أذار 2021 قتل مسلَّحون 141 شخصًا في عدد من القرى بمنطقة “تيهوا” (شمال غرب النيجر)، إذ دخلوا في المساء على دراجات ناريّة وهم يطلقون النار عشوائياً على السكّان. يتواجد في هذه البلدان، مسلَّحون تابعون “للدولة الإسلاميّة في غرب أفريقيا”، وهي جزء من “الدولة الإسلاميّة” (داعش).
أمّا في شرق أفريقيا كالصومال وكينيا والدول المجاورة، فتقوم جماعة “الشباب” الإرهابيّة باضطهاد المسيحيّين. الاعتماد الرئيسيّ للإرهابيّين يتمّ من خلال الهجوم على الباصات بين المدن، حيث يفصلون المسلمين عن المسيحيّين، وبعد ذلك يجهزون عليهم. وفي كينيا هناك سلسلة من هجمات إحراق الكنائس في أوائل العام 2021.
في الآونة الأخيرة، تزايد نشاط الجماعات الإرهابيّة في جمهوريّة الكونغو الديمقراطيّة وجمهوريّة أفريقيا الوسطى والكاميرون وموزمبيق. ففي جمهوريّة الكونغو الديموقراطيّة جماعةُ القوّات الديمقراطيّة المتّحدة المتطرّفة هدّدت المسيحيّين، وفي العام 2020 اعتُبرت هذه الجماعة مسؤولة عن مقتل 849 مدنيًّا معظمهم من المسيحيّين. في كانون الأوّل 2021 ارتكب مسلَّحو هذه المجموعة سلسلة من الجرائم بحقّ المدنيّين في قرى تقطنها أغلبيّة مسيحيّة، وبلغ مجموع القتلى نحو 100 شخص. في آذار 2021 نفّذ الإرهابيّون سلسلة اعتداءات على السكّان وسقط عشرات الضحايا من المسيحيّين. قضى عشرات الأشخاص في هجوم شنّه مسلَّحون على مدينة بالما في (شمال موزمبيق)، حيث كان العديد من المواطنين الفرنسيّين من موظَّفي شركة “توتال” يعملون في بناء أكبر مجمَّع لمعالجة الغاز الطبيعيّ وتسييله في جنوب أفريقيا. كما أعلن الجيش عن عمليّة ناجحة لتحرير المدينة استغرقت عدّة أيّام.
كثّف المسلَّحون مرّة أخرى حملاتهم ضدّ المسيحيين في إثيوبيا من أذار 2021 ، التي كانت قد تعرّضت بالفعل لهجمات ممنهجة في العامين 2019-2020. هجم متطرّفون ينتمون إلى الجناح القتاليّ لـ “جبهة تحرير أورومو”على رعيّة الكنيسة الإثيوبيّة في منطقة “أوروميا” في الجزء الأوسط من البلد، فقُتل ما لا يقلّ عن 29 شخصًا وكاهن الرعيّة مع 21 امرأة مع أطفالهنّ.
تسبّبت سلسلة من الهجمات المنهجيّة على الكنائس والأديرة ورجال الدين والمؤمنين التابعين للكنيسة الإثيوبيّة في شهر آب 2019 في قتل الكهنة ومئات المؤمنين وجرح الآلاف أثناء الخدم الإلهيّة.
استمرّت الأعمال المتطرّفة في العام 2020 ووصلت إلى العاصمة أديس أبابا. هاجم البلطجيّة أكبر الكنائس ونفّذوا مذبحة وحشيّة أثناء بناء إحدى الكنائس الجديدة، كما استمرّت المذابح في مناطق أخرى من إثيوبيا.
يمكننا التحدّث عن آلاف من القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى أصيب بعضهم بجراح خطيرة سبّبت لهم الإعاقة، فيما اختفى ما لا يقلّ عن ألف آخرين لم يُعثر لهم على أثر. قٌطِّعت الأطراف وشُوِّه العمود الفقريّ وعُمي الكثيرون…؛ أمّا أكثر جرائم القتل الوحشية، فكانت بشكل خاصّ، الرجم والتعذيب بغضّ النظر عن عمر الضحايا أو جنسهم (النساء والأطفال وكبار السنّ).
في الآونة الأخيرة، أصبحت الهجمات على القرى المسيحيّة في شمال شرق البلاد، والقتل والعنف ضدّ المسيحيّين المحليّين، وإحراق الكنائس مع المصلّين، السمة المميّزة لهجمات المتطرّفين.
تبذل الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة جهودًا نشطة وجادة لحماية مسيحيّي أفريقيا. في السنوات الأخيرة، جرت اتّصالات مباشرة مع الكنائس المسيحيّة الرئيسيّة في القارّة (الإثيوبيّة والقبطيّة). تتعاون الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة معهم في إطار اللجان المشتركة للحوار. قام رؤساء الكنائس الإثيوبيّة والقبطيّة بزيارة روسيا في عدّة مناسبات.
وللأسف الشديد، تبقى جرائم الاضطهاد دون عقاب بشكل عامّ، بل وتكتمها وسائل الإعلام لتبقى غير معروفة تقريبًا في كلّ العالم. لذلك صار أحد الأشكال الأساسيّة لدعم مؤمني الكنيسة الإثيوبيّة هو نشر المعلومات حول وضعهم الحقيقيّ وإيصالها إلى المجتمع العالميّ.
وبناءً على طلب الكنيسة الإثيوبيّة، بذلت بطريركيّة موسكو جهودًا للفت نظر المجتمع الدوليّ إلى موضوع اضطهاد المسيحيّين في إثيوبيا. تحرص الكنيسة الروسيّة على الاتّصال المستمرّ مع إدارة الكنيسة الإثيوبيّة. كما يتوجّه أساقفتها إلى قسم العلاقات الخارجيّة في بطريركيّة موسكو لطلب المساعدة الإنسانيّة. تحافظ إثيوبيا، تقليديًّا، على موقفها الإيجابيّ ولا تفتأ تعبّر عن امتنانها وشكرها تجاه بلادنا بعامّةً، والكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة بخاصّة.
قام وفد من الكنيسة الروسيّة ووسائل الإعلام المدنيّة الروسيّة برئاسة سكرتير العلاقات بين المسيحيّين في قسم العلاقات الخارجيّة قدس الأب إستيفانوس (إغومنوف) بزيارة إثيوبيا في خريف العام 2019. استقبلت الوفد حشود المؤمنين في مناطق مختلفة من البلاد، وهم يحملون الأعلام الروسيّة ولافتات عليها صور الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين وغبطة البطريرك كيريل.
بعث غبطة البطريرك كيريل في شهر كانون الأوّل من العام 2019 إلى غبطة البطريرك الأثيوبيّ أبونا ماتياس ورئيس وزراء إثيوبيا السيّد عالي رسائل عبّر فيها عن قلقه الجمّ حيال تطوّر الوضع المحزن كما عرض دعمه ومساندته. أشار غبطته في الرسالة إلى أنّ الأحداث في إثيوبيا تتوازى واضطهاد الكنائس المسيحيّة في عدد من مناطق العالم، حيث توجد محاولات لاستخدام العامل الدينيّ في سبيل تحقيق أهداف سياسية، مع إضعاف وترهيب المسيحيّين التقليديّين في الوقت نفسه.
ولاسترعاء الانتباه إلى الوضع في إثيوبيا ودول أفريقيّة أخرى، تمّ في كانون الأوّل من العام 2020 تنظيم مؤتمر دوليّ عبر الإنترنت بعنوان “حول وضع المسيحيّين في أفريقيا” شارك فيه على وجه الخصوص، البطريرك القبطيّ تواضروس الثاني، مع ممثّلين من أكبر الكنائس المسيحيّة في أفريقيا.
وتجدر الإشارة في هذا الإطار، إلى أنّ “المدخل” إلى أفريقيا هو دولة مصر العربيّة، لذلك تُعتبر الكنيسة القبطيّة الشريك الرئيس في تنفيذ المشاريع المختلفة. وأمّا السبب الأساس لهذا، فهو دور الكنيسة القبطيّة التاريخيّ والتأثير الكبير لها في جميع أنحاء القارّة الأفريقيّة.
ترتبط الكنيسة القبطيّة بعلاقة وثيقة مع بطريركيّة موسكو، وبخاصّة في السنوات السبع الأخيرة. الكنيسة القبطيّة هي أوّل الكنائس الشرقيّة القديمة التي أقامت الكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة معها لجنة حوار (في عام 2016)، وتواصل اللجنة عملها حتّى يومنا هذا. زار البطريرك تواضروس الثاني روسيا مرّتين (في العامي 2014 و2017)، وخلال زيارته التقى رئيس الاتّحاد الروسيّ فلاديمير بوتين وغبطة البطريرك كيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا. تبادلت الكنيسة القبطيّة وبطريركيّة موسكو، مرارًا وتكرارًا، الزيارات كوفود من ممثّلي وسائل الإعلام ولجنات المجمع والوفود الرهبانيّة.
بالإضافة إلى ذلك، تنظّم بطريركيّة موسكو مشاريع للتعاون مع المسيحيّين في نيجيريا لكي تشدّ الانتباه إلى معاناتهم في هذا البلد. أقام قسم العلاقات الخارجيّة الكنسيّة في بطريركيّة موسكو اتّصالات مع أكبر الكنائس في نيجيريا. ومن أهمّ الزيارات التي تمّت كانت زيارة ممثّل إحدى أكبر المجتمعات المسيحيّة في نيجيريا “كنيسة الرب”
يقيم قسم العلاقات الكنسيّة الخارجيّة في بطريركيّة موسكو اتّصالات مباشرة مع ممثّلي المسيحيّين الأفريقيّين ممّن يثقون بالكنيسة الأرثوذكسيّة الروسيّة. تشكّل هذه الاتّصالات المصدر الوحيد لتنفيذ المشاريع الإنسانيّة لمساعدة أفريقيا.
يُعتبر تقديم المساعدة الإنسانيّة لأثيوبيا ونيجيريا المسألة الأكثر إلحاحًا، إذ يطلب مسيحيّو البلدان الأفريقيّة من روسيا الحصول على دعمها الإعلاميّ لالتفات المجتمع الدوليّ إلى مشكلة اضطهاد المسيحيّين. إحدى العوامل المهمّة لهذا الدعم هو تبادل الزيارات مع الكنائس الأفريقيّة، وخاصّة من البلدان التي يشكّل المسيحيّون فيها الأقليّة.