تمهيد
التنبؤ والتنجيم، ظاهرة اجتماعية باتت تنمو باطراد، وتلقى رواجاً بين كافة الأوساط الاجتماعية بما فيها المؤمنة والممارسة لطقوسها، وبمافيها الأوساط مختلفة الثقافات والدرجات…

وقد زادت في الفترة الأخيرة ظاهرة التنبؤات، وكثر عدد المتنبئين وخاصة في أواخر كل عام ، نتيجة الأوضاع الشائكة التي بات العالم كله يعيشها وخاصة منطقتنا، وساهمت وسائل الاعلام المرئية والمقرؤة والمسموعة في توسع انتشارها وكثرة المدعين فيها، وتنافست الفضائيات فيما بينها لتسويق وجودها وحضورها وبرامجها باستضافة المتنبئين من حملة الألقاب اللامعة، وخاصة منهم الذين ينشرون كتبهم المرتبطة بالفلك والأبراج…
وبات الناس ينتظرون بفارغ الصبر هذا المتنبئ او ذاك لمعرفة مايحمل الغد الآتي وفي العام المقبل من تنبؤات، ويقوم المتنبئ والمذيع المضيف في بدء المقابلة باستعراض ماتحقق من تنبؤاته في العام الحالي المقاربة شمسه على الأفول… كنوع من التسويق…
وهنا يشعر الناظر المترقب بالإحباط والوجوم إن كانت التوقعات سلبية، مع شعور معاكس ان كانت التوقعات تحمل الخير، مترافقة بفرح خائف ودعاء من القلب:” ان شاء الله…”
ويترافق بسؤال قلق هو ماذا تخبّئ لنا الأيام المقبلة ياترى؟ وما سيكون حظّنا ونصيبنا؟ ما مصيرنا في السنة المقبلة؟
يقول الأب الدكتور جورج مسوح في ذلك:
“من النافل القول، بدءاً، أن معرفة المستقبل هي حصراً من خصائص الله، جلّ جلاله، وحده لا شريك له في هذه المعرفة. والناس يشركون، من حيث لا يدرون، حين يصدّقون المنجّمين والمنجّمات، والعرّافين والعرّافات، والبصّارين والبصّارات، والمتنبّئين والمتنبّئات… كيف يؤمن المؤمنون بأشخاص، ليسوا أنبياء أو مرسلين من الله، أثبتت الوقائع كذب ادّعاءاتهم وتوقّعاتهم؟ كيف يؤمنون بأنبياء كَذَبة؟
يتساوى الأذكياء والأغبياء، المتعلمون والأمّيون، أمام فنجان قهوة يقرأ فيه أحدهم أو إحداهن طالعهم. يتساوون أمام شاشة تغسل أدمغتهم بتنبؤات يدّعيها مختصون بإيهام الناس بصواب أقوالهم ودقتها وعلميتها. يتساوون أمام ألعاب الميسر مصدّقين أن توزيعاً عشوائياً لكميّة من ورق اللعب، أو استقرار كرة مجنونة على رقم معين، هو ما يكشف لهم مستقبلهم ومصيرهم”.

يبحث الإنسان، بوسائل ملتوية شتى، عن مصيره، غير عارف أنه هو شخصياً عليه أن يسهم في تحديد هذا المصير، والسلوك بمقتضاه لتحقيقه. وليس سوى الكسول والخامل والمستقيل من المبادرة، ينتظر انتظاراً سلبياً ما سيكون عليه مستقبله. فهل علينا أن نبقى بلا فعل أمام الكلام على الفتنة والحرب والإغتيال والتهجير… أم نستطيع أن نفعل شيئاً لقطع دابر الفتنة وإحلال السلام مكانها؟ كيف نعبر من حالة اللافعل إلى حالة الفعل؟”
وبرأينا ان هذا القلق والوجل يتلازمان مع حالة اللا إيمان عند الناس، او بعبارة أقل كلفة، هي الإيمان المتزعزع… والمترابط مع الحالة المعاصرة بأحداثها المؤلمة، والمترافقة بسؤال حتى من المؤمن نفسه:” لمَ يسمح الله بحدوث ذلك؟” لذا ينصرفون الى تصديق كذب الكذبة الفلكيين وحذاقة المتنبئين…وفي الاسلام:” كذب المنجمون ولو صدقوا.”
التنبؤ والتنجيم عبر التاريخ
منذ القِدم، عانى الانسان الخوف والقلق من الكون وظواهره الغريبة، والمرعبة والكارثية من زلازل وهزات ارضية وتفجر براكين وسقوط نيازك تشعل الحرائق… الخ، وعزاها إلى ماهو موجود في السماء التي باتت شغله الشاغل، وهي القوة المخيفة الميتافيزيقية، بات ينظر الى السماء ذلك الرحب البعيد اللامتناهي، وخاصة في الليل، حين تتلألأ السماء بالنجوم وانوارها الدقيقة والبعيدة، الّذي سمّاه بعضهم “هلعاً كونياً ” لأنّه يشمل الكلّْ، والّذي وصفه بعضهم الآخر بالخوف من المستقبل المجهول، من الأحداث الطارئة، من الموت والمرض، من قوى الطبيعة المستبدّة ومن الآلهة المستترة. لقد وعى الإنسان منذ صغره في هذا الكون الهائل، المترامي

الأطراف، ومدى ضعفه في مواجهة نائبات الدهر. سحرته السماء بكواكبها ونجومها المتألّقة، ورأى في تعاقب الليل والنهار نظامًا دوريًّا للطبيعة لا خلل فيه، فألّهَ الأفلاكَ وعبدَها، واقام لها تماثيلَ ومعابدَ وقدّم لها الذبائح لاسترضائها، كما سجّل تحرّكاتها على أنّها علامات أكيدة للأزمنة الآتيّة. ومنها كانت تحقيق الحادثة المعجزة ميلاد الطفل الالهي، والمنتظرة من علماء الفلك في المشرق. هذا الانتظار، كان نتيجة إلهام ربنا لمجوس المشرق، فنبههم بالنجم الوضاء والأشد لمعاناً الذي ظهر فجأة، إلى ماكانوا يتعاقبونه كموروث من السلف الى الخلف، ألا وهو مولدُ عظيمٍ، كانوا يترقبون مجيئه منذ اجدادهم، وهو ظهور هذا النجم المتميز الذي تبعوه حتى أوصلهم إلى مغارة بيت لحم فشاهدوا العظيم المنتظرْ، لأنه وفق قناعاتهم كان لكل انسان نجم يولد بمولده ويعيش معه ويموت بموته… والطفل المنتظرهذا المنتظر من أجدادهم إلى آبائهم، إليهم، هذا المولود الذي كان عظيماً، لذا كان نجمه أشد لمعاناً وضياء، وقد تحققت نبؤتهم بمولده، لذا قدموا له الهدايا بعد مسير طويل من بلادهم…

وكان الرب قد أنعم عليهم بالمعرفة الماورائية التي تجلت نتيجتها بهداياهم التي قدموها له، وهي البخور لكونه كاهن الى الأبد على رتبة ملكيصادق، وذهب لكونه ملك، وطيوب ومُّر عن آلامه التي كان مُزْمَعاً ان يكابدها، والتي انتهت بصلبه وموته على الصليب، ثم تطييبه بهذه الطيوب ودفنه وقيامته من بين الأموات، على مافي الكتب، وكما عرفها منذ أجيال علماء الفلك الآتين من بعيد، ومابشر به انبياء العهد القديم:” هاأن العذراء تحبل في البطن وتلد عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا” (اشعياء النبي وقبل ثمانية قرون…)
جميع الحضارات على مرّ العصور البابلية والمصرية والاغريقية والفارسية والصينية…الخ ، كشفت الطالع والفأل، مستعينة بركائز مادّيّة، وعلامات خارجيّة في الطبيعة، أكانت أفلاكاً أم حجارةً أم مياهاً. وإذا طالعنا تاريخ اليهود، وجدنا أنّهم هم أيضًا قد تعاطوا هذه الممارسات الّتي سمّوها “ممارسات الأمم”، ويُخبرنا الكتاب المقدّس عن أنبياء الله الّذي حذّروا من كلّ هذه المعصيات الّتي انجرف إليها الشعب بأوامر من ملوكهم أحيانًا والّتي حرّمتها شريعة موسى الموحى بها من الله وخاصة الوصايا العشر.

أما علم التنجيم فهو مجموعة من الأنظمة والتقاليد، توفر معلومات عن الشخصية، والشؤون الإنسانية، وغيرها من الأمور الدنيوية. ويسمى من يعمل في علم التنجيم بالمنجم، و العلماء يعتبرون التنجيم من العلوم الزائفة أو الخرافات، وان المنجمين هم كذبة يدعون المعرفةً…
وظهرت العديد من التقاليد والتطبيقات التي تستخدم المفاهيم الفلكية منذ البدايات الأولى لذلك العلم خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد.ولعب علم التنجيم دوراً هاماً في تشكيل الثقافة، وكذلك علم الفلك الأول، والفيدا والعديد من التخصصات المختلفة على مر التاريخ.
في الواقع، لم يكن من السهل التمييز بين علمي الفلك والتنجيم، ما قبل العصر

الحديث، بالإضافة إلى وجود الرغبة للمعرفة التنبؤية، والتي تعد واحدة من العوامل الرئيسة الدافعة للرصد الفلكي. وبدأ علم الفلك يتباعد عن علم التنجيم بعد فترة من الانفصال التدريجي تبدأ في عصر النهضة، وحتى القرن الثامن عشر. وفي النهاية، ميز علم الفلك نفسه باعتباره دراسة الأجرام الفلكية والظواهر دون اعتبار للمفاهيم الفلكية لتلك الظواهر.
ويعتقد المنجمون، أن تحركات ومواقف الأجرام السماوية، تؤثر مباشرة على الحياة فوق كوكب الأرض، أو أنها تتطابق مع الأحداث الإنسانية. ويُعَّرِف المنجمون المعاصرون علم التنجيم، بأنه هو لغة رمزية أو شكل فني ، أو نوع من أنواع التنبؤ بالمستقبل وعلى الرغم من اختلاف التعريفات، هناك افتراض سائد بأن موضع النجوم السماوية، يمكن أن يساعد في تفسير أحداث الماضي والحاضر، كما والتنبؤ بأحداث المستقبل.
في القرن السادس عشر، ظهرت “نبوءات نوستراداموس” الّذي كان يُسمّي نفسه

“الطبيب المنجّم” لأنّه كان يعتمد على الحسابات التنجيميّة الفلكيّة، ليحدّد توقّعاته الّتي جاءت مبطّنة، غامضة يمكن تطبيقها على أحداث وحقبات تاريخيّة مختلفة.
كما اشتهرت أيضًا في القرن ذاته، نبؤات نُسبت إلى القدّيس ملاخيا، الأسقف الإيرلنديّ والتي تعود الى زمانه في القرن الثاني عشر المسيحي. لا شكّ أنّ لهذا القدّيس مواهب روحيّة، ولكن هذه النبؤات نُشرت بعد أربعة قرون على وفاته، ممّا جعل الباحثين يشكّون في صحّة نسبتها إليه. وفي القرن العشرين، استعادت “الأرواحيّة” أمجادها الغابرة مع ” آلان كاردك “، الملقّب بأبي الأرواحيّة الحديثة، كما ازدهرت العرافة على أنواعها وعاد الاهتمام بالظواهر الخارقة بما سيُعرف “بالباراسيكولوجيا”.
اليوم، تلقى هذه الممارسات رواجًا منقطع النظير، وبخاصّة في مجتمعاتنا المسيحيّة. فتتهافت، كما اسلفنا، جميع وسائل الإعلام وتتسابق لاستقبال المنجّمين والعرّافين، قارئي الكفّ والفنجان والورق، فتُكشف للمشاهدين توقّعات أبراجهم، وتُفسَّر لهم أحلامهم. لقد أضحت هذه الممارسات، زيًّا رائجًا وتجارةً مربحة ونهباً مشروعاً، وتساهم جميعها في تفريغ ما تبقّى من قِيَم وعاداتٍ وأخلاقيّات وتديّن، مروّجةً لبدع وممارسات، أقلّ ما نقول فيها أنها لا إنسانيّة، ولا إيمانيّة، وإن ادعى العرافون

والمتنبؤن بأنهم لايستطيعون كشف ما أعده الله للبشر، وأنهم مؤمنون بالمطلقون.
وجهة نظر الكتاب المقدس في التنجيم والعرافة
اولاً العهد القديم
في جميع أسفار العهد القديم، نرى أنّ علاقة الإنسان بالله لم تكن علاقةً مثاليّة، وأنّ “العهد أو الميثاق” الّذي أقامه الله مع الإنسان، قد نقضه هذا الإنسان مرّاتٍ عدّة. فتارةً هي علاقة انسجام ووفاق وسلام، متى سار شعب الله بحسب الشريعة والوصايا الإلهيّة، وطورًا هي خصامٌ وتنافر وحروب، متى نقض شعب الله العهد وعصى الأوامر الإلهيّة فسار في طرق معوجّة ليست هي طرق الله القويمة. نذكر على سبيل المثال: خطيئة منسى الملك ( 2 أخبار 23 / 2 – 13 ) الّذي عبد الكواكب والنجوم فشيّد لها في بيت الرّب مذابح، كما لجأ إلى السحرة والعرّافات. وكذلك الملك شاول الّذي عصى الوصايا الإلهيّة فاستشار عرّافة عين دور، بعدما ملأ قلبه الخوف من جيوش الفلسطينيّين الّذين احتشدوا لقتاله.( 1 صم 28 ).

لابدّ هنا من توضيح مفهوم مهمّ جداً، يختلط على الكثيرين من المؤمنين. فإنّهم لا يميّزون بين التنبّؤ كموهبةٍ روحيّة يهبها الروح القدس لمــَن يشاء لخير الجماعة، تلك الموهبة الّتي تكلّم عنها بولس الرسول في رسالته الأولى إلى أهل كورنتوس (فصل 12)، وهي ضمن المواهب الروحيّة، وتنبّؤ العرّافين والمنجمين الّذين سمّاهم الكتاب: “أنبياء الأصنام”، لأنّ ما يتفوّه به هؤلاء ليس من وحي الروح القدس. ذكر أمثالاً كثيرة حول التنبؤ كموهبةٍ روحيّة من الله: النبي أغابوس الّذي تنبّأ بالقبض على بولس الرسول وحذّره منه (رسل 21 / 11). وكذلك أنبياء العهد القديم الّذين أنبأوا بكلمة الله، وحذّروا من خطر عصيان الوصايا الإلهيّة. يوضّح الرسول بولس أنّ موهبة التنبّؤ، بالرغم من أنّها من وحي الله، تظلّ محدودة لأنّ: “معرفتنا ناقصة، نُبوّاتنا ناقصة، فمتى جاء الكامل زال الناقص. ” ( كور 13 / 9 – 12).
لكن علينا أن نميّز بين علم الفلك الفيزيائيّ ” Astronomy “، والتنجيم “Astrology “، فالأوّل هو العلم الّذي يدرس وضعيّة الأفلاك السماويّة، وتحرّكاتها وطبيعتها الماديّة بهدف وضع قوانين علميّة لها. أمّا الثاني أو ما يُعرف

بالأوروسكوب، أو الزودياك أو الأبراج، فهو وسيلة من وسائل العرافة، يحاول أن يعرف ويُحدّد تأثير حركة الكواكب والنجوم في الحياة الأرضيّة بهدف التنبّؤ بالأحداث المستقبليّة. ويتبيّن لنا من هذين التعريفين أنّ الفرق شاسع بين التنجيم وعلم الفلك. فعلم الفلك هو علمٌ دقيق، يخضع لمنهج علميّ واضح، ضمن معايير علميّة معترف بها، هدفه دراسة الأفلاك والأجرام السماويّة ولا يفتّش البتّة عن أيّ تأثير لها في الحياة الأرضيّة. وإنّ الكنيسة قاطبة تؤكد على دعم هذه العلوم، وكلّ تقدّم تقنيّ غايته الأولى والأخيرة خدمة الإنسان بكلّيته، ولعلّ مرصد الفاتيكان الفلكيّ خير دليل على موقف الكنيسة.
ثانياً العهد الجديد وتعليم الكنيسة
عندما يلجأ الإنسان إلى التنجيم فهو، لا إراديًّا، يعترف بأنّ للنجوم والكواكب سلطة على حياته، بما أنّها تسيّرها بحسب مساراتها واوضاعها الفلكيّة، وبالتالي فهو يعيد ممارسة وثنيّة، ألا وهي عبادة الكواكب والنجوم بطريقة غير مباشرة. وعندما يستعين بالعرافة ينكر أنّ لله سلطة على حياته أو، بتعبير آخر، يُلغي الله من حياته.وأن الانسان ليس سيد نفسه وسيد مصيره، بل هو خاضع ومسيَّر بطريقة عمياء لقدره، بناء على تاريخ ميلاده،

اي ان التنجيم ينكر عناية الله بالإنسان، وان موقع النجوم عند ولادته يسيطر على مصيره وعلى شخصيته، وانه بالتالي خاضع لهذا المصير ولايمكن ان ينجو منه، وان التنجيم ينكر عناية الله بالانسان، ويستبدل العناية الالهية بقدر أعمى، وهو مجرد دمية في يد القدر الأعمى متنكراً لدور الروح والارادة البشرية الحرة، ولدور العناية الالهية في صنع المصير البشري…
منذ بداية الخلق، جعل الله الخليقة كلّها في خدمة الإنسان، لأنّه إله بالنعمة وشريك في الحياة الإلهيّة. أمّا خلق النيّرات فهو لتحديد الأزمنة والأوقات والفصول فقط “فصل الليل عن النهار” (مز 104 / 19). وإذا أردنا أن نستشهد بآيات تندد بممارسة التنجيم، من بداية العهد القديم، حتى سفر الرؤيا لضاقت هذه الصفحات، وعلى سبيل المثال لا الحصر:( 2 ملوك 17 / 16، تك 11 / 4، حكمة 13، تث 18، أحبار 19 / 26، أعمال 1 / 7، أع 8 / 9). فلا عذر لنا بعد اليوم، نحن الّذين عرفنا الإنجيل، وأُبلغنا الرسالة السماويّة وآمنا بالفداء بذبيحة الفادي على الصليب التي تمت لأجل خلاص الانسان، وتقديسه وتأليهه، فلنفرح على الدوام، ولنصلِّ بلا انقطاع، لأنّ الله صادق يفي بمواعده، وسوف يُتمّمْ كلّ ما كلّمنا به.
يقول القديس يوحنا الدمشقي:” إذا كنا نعمل أعمالنا كلها بدافع من النجوم، نكون نعمل عن إضطرار، وما كان عن إضطرار فليس هو بفضيلة، أو برذيلة، وإذا لم نقتن فضيلة ولا رذيلة، فلسنا نستحق لا ثواباً ولا عقاباً “

الكنيسة منذ البداية رفضت التنجيم والعرافة وربطتهما بالوثنية، واعتبرتهما شكلاً من أشكالها، ويتعارضان بالمطلق مع إيماننا المسيحي… أما علم الفلك فمختلف ولولاه لما اعتمدت التقويم اليولياني واليولياني المصحح، ولا الغريغوري…
إنّ دور الكنيسة كونها هيكل الروح القدس، وجسد المسيح، ليس فقط أن تؤدّي الشهادة الإنجيليّة، بل أن تدعو إلى عيشها وأن تحفظ الإيمان. وإنّها تحظّر في تعاليمها كلّ الممارسات الوثنيّة بما فيها التنجيم والعرافة، وتحذر من الوقوع فيها وتقول في تعليمها:
* إن الله يستطيع أن يكشف المستقبل لأنبيائه أو لغيرهم من القدّيسين. إلا أنّ الموقف المسيحيّ الصحيح، يقوم على تسليم الذات بثقةٍ بين يدي العناية الإلهيّة، فيما يتعلّق بالمستقبل، وتركِ كلّ فضولٍ فاسدٍ من هذا القبيل.
* يجب نبذُ جميع أشكال العِرافة، اللجوء إلى الشيطان أو الأبالسة، واستحضار

الأموات، أو الممارسات الأُخرى المفترض خطأً أنّها تكشف عن المستقل. فإنّ استشارة مُستطلعي الأبراج والمنجّين وقارئي الكفّ …، هو على تناقضٍ تام مع ما لله وحده علينا من واجب الإكرام والاحترام الممزوج بالرهبة المُحِبّة.
* جميع ممارسات السحر، أو العِرافة الّتي يزعمون بها ترويض القوى الخفيّة لجعلها في خدمة الإنسان، والحصول على سلطة فائقة الطبيعة على القريب – حتى وإن قُصِد بها توفير الصحّة له – إنّما هي مُخالفةٌ جسيمةً لفضيلة الإيمان المسيحي.

* إنّ تأثير النيّرات في الحية الأرضيّة لا يتعدّى المستوى الفيزيائيّ، وهو نسبيّ للغاية. إنّه تأثيرٌ محدود، ولا يطال مجال الإرادة والحرّيّة الشخصيّتين. إنّ ممارسة هذه الوسائل”الوثنيّة” هي استعباد للإنسان المدعوّ إلى عيش الحقّ الّذي يُحرّره. فالحريّة الحقيقيّة، ليست في الانجراف وراء ميول النفس وأهوائها، بل هي في الإنضواء تحت راية المسيح المخلص، والاعتراف الصريح بقدراته الإلهيّة اللامتناهيّة، بأنّه الربّ والمخلّص الوحيد الذي غلب العالم.
* إنّ ممارسة التنجيم والعِرافة، هي نقضٌ “للعهد” أو “الميثاق” الّذي أقامه الله مع الإنسان. هي انتقاص من حرّيّة الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، الوكيل الّذي سلّطه الربّ على كلّ المخلوقات، كما حياتنا، فعلى ماذا يُحاسبنا الله؟ أيُحاسب أناسًا مُجبرين غير مخيّرين؟ ومَن نعبد؟ الله أم الأفلاك؟
يقول القدّيس بولس الرسول: “انظروا إذاً أن تسلكوا بحذر لا كجهلاء بل كحكماء

مفتدين الوقت فإن الأيام شريرة، فلذلك لا تكونوا أغبياء، بل افهموا ما مشيئة الرب، ولا تسكروا بالخمر التي فيها الدعارة، بل امتلئوا بالروح مكلّمين بعضكم بعضاً بمزامير وتسابيح وأغاني روحية، مرنمين ومرتلين في قلوبكم للرب” (أفسس 5، 15-19.)
نعم، الأيام شريرة، ولسنا في حاجة إلى إثبات ذلك، فنحن نحيا في جحيم يبدو أن لا قرار له في اوطاننا وايماننا ولقمة اولادنا وفي أمننا… فهل نستسلم لمصيرنا أم لدينا ما نفعله لوقف هذا السقوط السريعوالمدوي إلى الهاوية؟
يقول الرب يسوع له المجد: “إن روح الرب عليّ، ولأجل ذلك مسحني، وأرسلني لأبشّر المساكين، وأشفي المنكسري القلوب، وأنادي للمأسورين بالتخلية، وللعميان بالبصر، وأطلق المهشّمين إلى الخلاص، وأكرز بسنة الرب المقبولة” (لوقا 4، 18-19). فإذا لم يكن في استطاعتنا أن نوقف الضرر الآتي في العام المقبل، ومايتلوه من ذبح وقتل وعنف ودماء ودمار، فباستطاعتناأن نكرّس أنفسنا لخدمة المحتاجين الينا، الإخوة المساكين والمنكسري القلوب والمأسورين والمرضى والمهشّمين واليتامى… وما أكثرهم.

هؤلاء المساكين هم نصيبُنا، هم بابُ خلاصنا، هم الأنبياءُ والقدّيسون والأبرار، وليس المنجّمون هم مَن يحدّد نصيبنا. نصيبنا تفرضه علينا توبتنا وعودتنا إلى الله، وصلاتنا وصومنا، وخيارنا بأن نكون أناساً جدداً على صورة الله ومثاله، لا بالكلام بل في الواقع مهما كان أليماً. هذا نصيبنا، هذا صليبنا، وسنحمله إلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها.
خاتمة
الربّ يسوع المسيح، هو سيّد الماضي والحاضر والمستقبل. فيه تمّتْ النبوءات وخُتمتْ جميعُها. وحده هو النجمُ الحقيقيّ الّذي سجد له المجوس المنجّمون الذين بطلتْ أعمالُهم. وبقيامته، عرفنا أن الموت ليس إلا عبوراً إلى الحياة الأبديّة. فلا خوف مع المسيح، ولا هلع من الغد الآتي، بل نحن نردّد مع بولس الرسول:
” الحياة عندي هي المسيح، والموت ربح… فلي رغبة في الرحيل لأكون مع المسيح، وهذا هو الأفضل جداً جداً” (فل1/21/23.)
مصادر البحث
* الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد
* العرافة والتنجيم، (دراسات يسوعية)
* الأنبياء الكذبة، الأب الدكتور جورج مسوح
* ويكيبيديا