الزيديون
هم اقرب الشيعة الى السنة. وقد عرفوا – منذ نشاتهم في طبرستان وحتى تجمعهم في اليمن – تاريخاً مضطرباً، أثرت فيه الروح القبلية والاختلافات المذهبية بينهم وبين جيرانهم.
التسمية والجذور

دعي قسم من الشيعة بالزيديين نسبة الى زيد بن علي أحد احفاد الحسين، شهيد كربلاء وابن علي بن ابي طالب- الذي قُتل في الكوفة عام 740 م إثر ثورة قادها ضد الأمويين مطالباً بعودة الخلافة الى آل علي.
والمذهب الزيدي هو من مذاهب الشيعة ظهر اوائل القرن السابع إثر اختيار الإمام الخامس: فخلافاً للشيعة الآخرين، أقر الزيديون يزيد بن علي إماماً خامساً، وبابنه يحي إماماً سادساً عام 743م بعد أن لقي مصرعه في خراسان ببلاد فارس.
وهكذا نشأت سلالة جديدة من الأئمة التابعة لآل علي تتسلسل كالتالي:
علي بن ابي طالب – الحسن – الحسين – الحسن المثنى – علي بن العباس بن الحسن المثنى – الحسين بن علي بن الحسن الثالث بن الحسن المثنى – يحي بن عبد الله بن الحسن المثنى – ادريس بن عبد الله بن الحسن – عبد الله بن النفس الزكية – الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن المثنى – محمد بن ابراهيم – محمد بن جعفر بن محمد – محمد بن سلمان بن داوود بن الحسن – القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل – محمد القاسم بن علي بن عمر بن علي بن الحسين – يحي بن عمر بن علي بن الحسين بن زيد – علي بن زيد من ولد زيد بن علي – الحسن بن زيد بن محمد بن اسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب – أخوه محمد بن زيد المعروف بالداعي – الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب – يحي الهادي، وبه تبدأ الإمامة الزيدية في اليمن.
أما باقي الشيعة فيقرون بمحمد، شقيق زيد، إماماً خامساً، وبابنه جعفر، إماماً سادساً.
العقيدة والإمامة

إن العقيدة الزيدية شبيهة بعقيدة السنة والمعتزلة الى حد ما، فهي تترك الحرية في اختيار الامام عن طريق الشورىن وهذا مايميز الزيديين أساسياً عن بقية الشيعة. بيد ان هذا الاختيار مقيد بشروط شرعية السلطة كأن يكون الإمام من ذرية علي وفاطمة، فإذا كان كذلك حقَّت له المطالبة بالإمامة بالدعوة، أو بالجهاد، أي بالعصيان وبحمل السلاح.
وللفقه أهمية خاصة عند المرشح للإمامة،لذا نلحظ ان الئمة الزيديين المتعاقبين أسهموا بكتاباتهم إسهاماً فاعلاً في تطور الفقه الزيدي.
يعتقد الزيديون أن علياً كان المرشح الأكثر اهلية لخلافة النبي، وبأنه افضل من ابي بكر وعمر، وان اقروا بالولاء لكل منهما، أما موقفهما من عثمان ثالث الخلفاء الراشدين، فأكثر تحفظاً، وإن بقي أفضل من موقف الشيعة الإثني عشريين والسبعيين ( ( الاسماعيليين) المتسم بالعداء الصريح له.
شروط الامامة الزيدية
شروط الامامة الزيدية متعددة وهي:

أن يكون الإمام مكلفاً ذكراً، حراً، علوياً فاطمياً، سليم الحواس والأطراف، مجتهداً عادلاً، سخياً بوضع الحقوق في مواضعها، مدبراً أكثر رأيه بالإصابة، مقداماً، لم يتقدمه محاب، يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، ويستشير اولي الخبرة من المواطنين. ويكون هذا في الأحوال العادية، أي الأحوال التي تجري فيها امور المسلمين بسلام وحق، أما إذا كانت السلطة بيد أناس مغتصبين إياها، ظالمين، فالطريق إلى الإمامة هي الثورة.
إن نصرة الخارج على الظلمة (الثائر) الذي يكون مستوفياً شروط الإمامة واجب على المؤمنين، ويكون بالتالي هو الامام.
وهناك الى جانب ذلك فوارق هامة بين الشيعة الزيدية والشيعة الجعفرية الإثني عشرية، إذ ينكر الزيديون زواج المتعة وينكرون ايضاً الحياة لالهية في الامام، ولا ينتظرون رجعة الإمام المختفي، فالإمامة منذ موت زيد يجب ان تكون انتخابية لا وراثية.
يتميز الزيديون ايضاً عن بقية الشيعة بانكارهم لحقيقة التعيين المتعمد المنصوص من قبل النبي محمد في ما يختص بعلي وذريته. فإن نظريتهم التي تختلف عن نظرية السنة تقر بأن محمداً قد اختار علياً، لكن ذلك تم بالتلميح فقط. ففي نظرهم أي شخص منحدر من علي وفاطمة يستطيع شرعاً ان يطمح الى الامامة شرط ان يستوفي الشروط المطلوبة كاملة.
هذه القناعة البعيدة عن فكرة الامامة الموروثة لم تأخذ بعين الاعتبار وجود السلالات المتتابعة والثابتة من الأئمة مع ان السلالات كانت موجودة، حتى ولو كانت غالباً ماتنقطع، بطريقة عابرة او مستديمة، أو حتى نهائية. فقد مرت على الزيديين حقبات دون أئمة، لكن ذلك لم يدفعهم الى البحث عن تفسير عقيدي او الى وضع نظرية الغيبة الشبيهة بتلك التي يعتنقها غيرهم من الشيعة. من جهة ثانيةن وفي غالب الأحيان كان يوجد في العصر نفسه عدة أئمة متنافسين، كل منهم يطمح الى السلطة المطلقة. لكن وفي النهاية كانت الامامة تعود الى الذي كان يفوز بها كما وان عزل الامام من قبل منافسه كان يعتبر شرعياً. وكان يمكن الامام المعزولن بفضل ظروف مؤاتية، أن يستعيد منصبهن وإذا كانت الشروط المطلوبة لم تستوف لشرعية الإمامة، فإن الإمام لا يُعترف به إماماً كاملاً بل إماماً منقوصا ً وقد ظهر مثلاً ائمة الحرب وأئمة المعرفة.
ولم تظهر الزيدية كمذهب موحد: ففي البدء وبعد استشهاد زيد برزت عدة شيع زيدية وتنافست في مابينها حتى صارت ثمانية، منها البحروديون وهم من الزيديين

المتطرفين الذين يشكون برسالة زيد نفسه، وينكرون إمامة أبي بكر وعمر، ويصرون على ان علياً قد اختاره النبي لخلافته، ثم السليمانيون والبحريريون والبطريون او الصالحيون والنعيميون واليعقوبيون… وجميع هذه الشيع معتدلة وتقر وان بمستويات مختلفة بالخلفاء الأُول لكنها تعترف جميعها بتفوق على بقية خلفاء النبي.
الزيديون هم الشيعة الأقل بعداً عن السنة، وان مايقربهم كثيراً من السنة ويبعدهم عن بقية الشيعة هو قبولهم بالخلفاء الثلاثة الأول الذين رفضهم الشيعة، كما ان الزيديين يشجبون ممارسة التقية التي يوصي بها الشيعة.
واليوم في اليمن يتقاسم السنة وهم من الشافعيين والزيديون، الجوامع نفسها والصلوات الجماعية ايضاً، مع بعض الفوارق في الطقوس، لاسيما في الدعوة الى الصلاة والأذان.
أخيراً للإمام الخامس زيد بن علي ابن حفيد علي وحفيد الحسين والفضل الأكبر على العقيدة الزيدية فهو نفسه قد درس الحقوق والفقه مع واصل بن عطاء فقيه المعتزلة المعروف، والمعتزلة عقيدة عقلانيا ولها تأثير لايُستهان به على الزيدية.
الزيديون في التاريخ
يرتبط تاريخ الزيديين السياسي بدولتين
الأولى أُسست في طبرستان، جنوبي بحر قزوين ودامت بين 864 و1126 تاريخ سقوطها على يد الحشاشين، وهم من الاسماعيليين المتطرفين، ولم يبق من الشيع الزيدية في طبرستان سوى الناصريين الذين انتقلوا الى اليمن واستمروا فيها حتى ايامنا.
اما الدولة الزيدية الثانية فأسسها الهادي الى الحق وهو من اتباع علي، وفي ظروف اجتماعية وسياسية صعبة: فقد قدم الى اليمن من الحجاز في الأعوام الأخيرة من القرن التاسع تلبية لدعوة من قبيلة الأشراف، واسس عام 897 إمامة زيدية انتخابية مستقلة، بعد ان استولى على مدينة صعدة، بيد انه كان عليه مع الأئمة الذين خلفوه، إخضاع القبائل الأخرى، ومقاومة الاسماعيليين الذين كانوا قد قدموا الى اليمن في الوقت نفسه وألفوا طائفة هامة، وهكذا عرف الهادي وخلفاؤه الشدائد، وعانوا من عدم الاستقرار في النظام السياسي الذي أقاموه بسبب الولاء الظرفي للقبائل والعشائر التي لم تتورعن عندما استطاعت من اقامة ائمة تناسبها وتحفظ لها مصالحها.

وكان الأئمة الزيديون قد قاموا لدعم سلطتهم في مجتمع ذي أكثرية قحطانية والقحطانية في اليمن مهد العرب الأقدمين، بإعادة أصلهم الى هذه المجموعة، علماً ان العديد من الباحثين يُنكرون عليهم ذلك ويعتبرونهم من العدنانيينن فيما يرى بعضهم أن أصل الزيديين مزدوج، قحطاني عدناني، نظراً للزيجات المختلطة بين الزيديين والقحطانيين. غير أنه إذا ماتذكرنا أن التسلل النسبي بين النساء ليس له قيمة عند العرب، فإن نظرية الأصل القحطاني للأئمة الزيديين تغدو ضعيفة جداً.
واهتم الأئمة الزيديون – الى جانب تأكيد شرعيتهم وإسلامهم وعروبتهم وتقوية سلطتهم المهددة في الداخل- بمقاومة التدخلات الخارجية التي كانت تظهر، حيناً بعد حين، بين السلالات المتنافسة في الجزء الجنوبي لليمن، وهو الأكثر قابلية للاهتزاز في البلاد.
وهكذا ظهرت السلالة الصليحية وهي اسماعيلية قرمطية تتبع فاطميي مصر صورياً، والسلالة الرسولية، وهي سنية، ناصرها صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر لمقاومة الاسماعيليين، وقد استقلت لاحقاً وحكمت المنطقة حتى عام 1454 حين حلت محلها السلالة الطاهرية التي مالبثت أن أُبعدت مطلع القرن السادس عشر من قبل الزيديين المدعومين من مماليك مصر.
وشهد القرن 16 مراراً وتكراراً تقدم العثمانيين والبرتغاليين، أو تقهقرهم، وقد حاول هؤلاء السيطرة على اليمن لتأمين طريقهم الى الهند.
وشن الأئمة الزيديون حرباً لا هوادة فيها على العثمانيين، السنيين الحنفيين، واعتبروهم كفاراً نظراً لعاداتهم ومخالفتهم لتعاليم الاسلام، وأغراباً لكون العثمانيين من غير العرب. وما ان حل العام 1636 حتى كان الأتراك قد دُحروا وغادروا اليمن دون أن يكفوا عن التسليم بسلطتهم على هذه المنطقة.
وحاول الباب العالي عام 1850 التصدي للبريطانيين في الخليج العربي، ففرض حمايته على أجزاء كبيرة من البلاد في مقابل اعترافه بسيادة الامام على جزئها الشمالي.

بيد أن الأئمة رفضوا تحويل اليمن الى ولاية عثمانية كما رفضوا الوجود الاستعماري البريطاني على شاطئهم الجنوبي، ولم يلقوا السلاح. ثم غدا محمد المنصور عام 1891إماماً نظراً لتقواه، فأسس سلاة حميد الدين التي بقيت في الحكم حتى عام 1962 وأعلن الجهاد المقدس.
الا ان الاتفاق البريطاني التركي قسم البلاد عام 1904 الى قسمين: اليمن الجنوبي واليمن الشمالي. أُخضع القسمان الى حكام مختلفة. وسيما كان اليمن الجنوبي يواجه وضع استعماريا بريطانيا لم ينعتق منه الا عام 1967، كان اليمن الشمالي يشهد مواجهة الامامة الزيدية للأتراك قبل ان يتحول الى مملكة مستقلة عام 1920.
واستمرت الفوضى تقع كلما ظهر ائمة متنافسون، تدعمهم قبائل متناحرة. ومازالت القلاقل، لهذه الأسباب، مستمرة في اليمن، وإن ينقطع، إذ سحقت جيوش الأئمة بين عامي 1920 و1927 بعض الفتن القبلية الخطرة.
عرف اليمن الاسلام منذ عهد الرسول، ولما ضعفت الخلافة العباسية، ظهرت في البلاد دويلات مستقلة ساعد على قيامها التقسيم الطبيعي لليمن الذين حافظ على الكيان الاجتماعي للقبائل، كما ساعدت في ذلك الخلافات المذهبية، فالامامة الزيدية قويت شمالي المنطقة الجبلية، فيما اتخذ الأشراف السليمانيون شمالي تهامى معقلاً لهم.
أضف الى ذلك الاختلافات العرقية: فالقحطانيون، اليمنيون الأصليون، وموطنهم الهضبة تكتلوا ضد بني زياد من العرق الفارسي او ضد بني نجاح المدعومين من الأحباش.

أما الدول التي ظهرت في اليمن بين القرنين 9 وال16 فهي
* دولة بني زياد ظهرت عام 818م واستقر حكمها بعد حين في صنعاء ولما ضعفت ثار عليها عمالها قبل ان ينتزع الزيديون السلطة منهم.
* دولة الإمامة الزيدية الشيعية، ومؤسسها الامام الهادي( 893-911) وعاصمتها الاساسية صعدة، استمرت في الوجود بطريقة او بأخرى، على أجزاء هامة من اليمن، حتى عام 1962 وعُرفت ن الزيديين مقاومتهم الشرسة للعثمانيين منذ مطلع القرن 16- وحتى مطلع القرن20. ولا سيما أيام الامام القاسم 1592-1620 والامام يحي حميد الدين 1904-1948 الذي تمكن من عقد اتفاق”دعان” مع الدولة العثمانية عام 1911 مما ضمن استقلال اليمن.
* دولة الاسماعيليين الصليحيين، ظهرت عام 1047، شُغلت بالحروب، لاسيما مع القرامطة بين عامي 905 و915، وبقمع الثورات والفتن. أعلنت ولاءها للخلافة الفاطمية ايام المستنصر بالله 1036 – 1094 مما ثبت المذهب الشيعي الاسماعيلي في البلاد. حاولت توحيد اليمن، زالت عام 1138

* دولة الأيوبيين السنة، ظهرت عام 1174 عندما ارسل صلاح الدين الأيوبي أخاه طوران شاه الى اليمن فأقام في معظمها دولة، محققاً وحدة البحر الأحمر السياسية زالت عام 1229.
* دولة الرسوليين السنة، ظهرت على أنقاض دولة الأيوبيين، وسارت على نهجها، اشتهرت بعلاقاتها التجارية الواسعة التي وصلت حدود الصين شرقاًزالت عام 1454م.
* دولة الطاهريين السنة، ظهرت عام 1454م إنطلاقاً من لحج وعدن. حاولت توحيد اليمن على حساب الأئمة الزيديين في الشمال، وقد نجح السلطان عامر بن عبد الوهاب 1489-1517م في هذا الاتجاه الى حد كبير، وكانت عدن في أيامه ذات مركز تجاري رئيس، إلا ان السلطان قُتِلَ عام 1517م على يد المماليك الذين احتلوا اليمن.
4- المملكة المتوكلية اليمنية
كرست معاهدة سيفر قيام المملكة المتوكلية في اليمن، بيد ان هذه المملكة كانت دوماً إمامة زيدية على الرغم من وجود مجموعة سنية شافعية هامة في البلاد، إذ بقي تحويل الامامة الى مملكة شكلياً.

وأُضيفت المشاكل المذهبية في المملكة الزيدية على التناحر القبلي القيديم – الجديد: فالسنيون الشافعيون الذين رفضوا السلطة الدينية للامام ولم يعترفوا حتى بسلطته الدنيوية، أُبعدوا عن الوظائف الادارية والعسكرية.
وظهر الى جانب التناقض المذهبي، تناقض جغرافي- ثقافي طغى على الفروقات العقيدية، فالشافعي إجمالاً من سكان الساحل وقاطني المدن، منفتح على التأثيرات الخارجية بحكم اهتماماته التجارية، يميل الى الهجرة شطر الدول الاسلامية الأخرى حيث يُعتبر من الأكثرية السنية، فيما الزيدي عادة من ابناء الجبل، يتبع قبيلته، ينعزل في أرضه، يتكل على رؤسائه، يتشبث بإيمانه، يشتهر بمقاومته، يميل الى الانصراف عن العالم الاسلامي الخارجي حيث يُعتبر من الأقليات.
كما بانت، الى جانب التناقضات الاجتماعية التي ذكرنا، مظالم سياسية: فسلطة الامام كانت مطلقة، لاتنازل فيها حتى للوزراء الذين كانوا يمثلون مجرد موظفين لدى الإمام.
وسعى الامام يحي الى المحافظة على الطابع الاسلامي للدولة في اليمن، وإن في ظروف تشبه ظروف القرون الوسطى. وعمل على تغليب الزيدية على منافسيها من اسماعيليين، ويعدون خمسين الفاً، وصوفيين وروحانيين مختلفين .
وأدت سياسة الانعزال تلك الى إغلاق الباب على أي تأثير خارجي، وحتى عربي.
ويُذكر في هذا الشأن أن العراق ن وحده، استقبل عام 1931م وفداً من الأغرار اليمنيين مالبث ان أبعدهم لاحقاً.
الإمام يحي حميد الدين
عرف اليمن العزلة ايامه وقد حكم البلاد بين عامي 1904-1948 وقد كان محافظاً رجعياً يمسك اليمن بقبضة من حديد. أفاد من الخلافات القبلية لتقوية سلطاته، ولم يلتفت الى إنماء بلاده اجتماعياً وصحياً وتربوياً واقتصادياً.حاد الذكاءن دعم مركزه بالاتفاقات الخارجية التي كانت تُثبت شرعية حكمه دون ان تقدم مايفيد شعبه: فها ان معاهدته مع العراق عام 1930 تشدد على اعتراف العراق باليمن وتؤكد على سيادة السلم وتوطيد الصداقة بين البلدين.

شجع حاكم عسير على الثورة ضد السعودية مما ادى الى زوال عسير كوحدة سياسية، ثم اسرع الى مراضاة السعودية بمعاهدة الطائف بعد حرب قصيرة بينه وبينها، وقد جاءت المعاهدة لترسم الحدود الشمالية لليمن وتبحث في شؤون القبائل والعلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
كما عقد معاهدات عديدة ن حسن جوار مع الحبشة1935، اعتراف باستقلال اليمن مع كل من ايطاليا 1926 هولندا 1933 وبلجيكا 1936، فرنسا 1936، وثمة معاهدة بينه وبين الاتحاد السوفييتي 1928ن وهي الأولى بين دولة عربية وتلك الدولة، ومعاهدة بينه وبين بريطانيا 1934 والغرض منها وضع حد للخلاف بينهما حول عدن التي كانت محمية بريطانية فيما يطالب الامام يحي باستعادتها.
واتبع خلفاء الامام يحي الامامين أحمد وبدر السياسة نفسها واستطاعا على الرغم من محاولات الانقلابية ضدهما، المحافظة على استقلال اليمن الشمالي، وإن متخلفاً اقتصادياً
وظهرت في المقابل معارضة جمهورية للامامة، مستقطبة انصار التحرر السياسي والتجديد، جامعة بعض الضباط الناصريين والقبائل المناهضة للأئمة، وغالبية الشافعيين. ومالبثت المعارضة أن أفادت من الدعم الناصري في مصر ، في حين حصل أنصار الملكية التابعين للقبائل الزيدية في فترة حكم الامام البدر على مساعدة السعودية.
وقامت في ايلول 1962 ثورة ضد الامام البدر. وكان من دوافع الضباط الشباب الذين قاموا بها دافع ديني، ففي تشرين الثاني من العام نفسه صدر تصريح ثوري يؤكد أن أحد أهداف الثورة كان القضاء على العداوة الموجودة بين الزيديين والشافعيين السنة في البلاد، واحلال الشريعة الحقيقية التي تخلى عنها الأئمة.

وعلى الرغم من أن الإمام نفسه أصدر عام 1965 شرعة تقر بالمساواة بين جميع المواطنين دون التفريق بين المعتقدات، فإن الشافعيين لم يرضوا عليه كما لم يرضوا على الثورة كون قائدها،عبد الله السلال وهو زيدي ايضاً بقي رأس السلطة واستمر في دعم سيطرة الزيديين في الادارة والجيش.
الحرب الأهلية في اليمن
توفي الامام الكهل أحمد في نهاية شهر ايلول 1962ن وعلى الرغم من زيارة هذا الأخير الى موسكو عام 1959، فقد حكم اليمن على الطريقة الأبوية لأسلافه التي لم تتغير منذ أكثر من الف عام. ولم يعرف بالضبط كيف مات الامام، وذهب البعض الى اتهام المصريين بتعجيل نهايته لاستعجالهم وصول ابنه، الأمير بدر الى العرش، لما لعذا الأخير من علاقات طيبة مع القاهرة وموسكو. إلا انه وفي الأيام القليلة التي تلت وصول بدر الى العرش وفي 26 ايلول بالتحديد قامت ثلاث دبابات من الجيش اليمني بالتمركز أمام القصر الملكي واحراقه، وعندها ظهر العقيد عبد الله السلال ليعلن موت بدر وقيام الجمهورية في البلاد وقد سمى نفسه رئيساً عليها.

كما أعلن السلال انه ثوري على الطريق المصرية، وجمع حوله الوزراء من الحركات الخلفية المؤيدة للناصرية. ولم ينتظر الرئيس المصري أكثر من ذلك ليبعث اليه بتحيته الأخوية.
نجاة الامام بدر
لكن حادثاً مفاجئاً وقع بعد أيام فالامام بدر الذي لم يمت تحت انقاض قصره كما ظن، عاد الى الظهور بين قبائله الأممية من الزيديين واعلن في نيته معاقبة المستغلين وهكذذا بدأ الصراع بين الجيش الجمهوري والقبائل الداعمة للشرعية التي يقودها الامام بدر في الشمال، والأمير حسن خاله في الجنوب الشرقي.
وكان في استطاعة بدر وحسن – لولا تدخل عبد الناصر عسكرياً لمساعدة محميه الجديد وقد وجها 100 الف جبلي عازم ضد 20 الف جندي سيء التدريب، أن يعاود احتلال صنعاء في وقت قصير واستخدم عبد الناصر اولاً سلاح الطيران مستعملاً لأول مرة طائرات توبوليف 16 التي كانت تقصف إنطلاقاً من قواعدها المصرية، القوى اليمنية ومحاصيلها. إلا ان هذا السلاح بدا غير كاف. واقتضى إرسال الفرق العسكرية الى ارض المعركة، في حين كان الملك سعود والملك حسن يمدان الملكيين بالأسلحة والمال وبعض الاخصائيين، ووصل المصريون كتيبة بعد كتيبة ولواء بعد لواء، وفي شهر شباط وكانوا قد ارسلوا 30 الف رجل دون ان يتوصلوا الى نجاح حاسم، وغدت هذه الحرب غير شعبية في مصر فالخسائر كانت جسيمة واليمنيون لايوفرون السرى والمصاريف هائلة، والمغامرة بلا مخرج وقد عمل الأميركيون على مساعدة الرئيس المصري عبد الناصر، وكانوا يعملون لصالحه في العراق وسورية فاعترفوا اولا بنظام السلال كما فعل الاتحاد السوفييتي والصين، ثم دعموا الخزينة المصرية ونجحوا بتدخل من سفيرهم إلورث بنكر، باعتماد بروتوكول في نيسان 1963 تتعهد فيه السعودية وقف مساعدتها للملكيين في حين يسحب المصريون قواتهم من اليمن تدريجياً، وجاء هذا الاتفاق نصراً واضحاً لعبد الناصر، فقد تركت له حرية سحب قواته بحسب تقديره للوضع، وسمح له أو على الأكثر كان بالامكان أن يسمح له بالانسحاب في شرف من الوكر اليمني.

وبالرغم من اتفاق نيسان 1963 ووصول مراقبين من منظمة الامم المتحدة عاودت المعارك مسيرتها متفرقة اولاً ثم على جميع الجبهات، وما لبثت حدة التوترات ان ارتفعت بين حاميتي الفريقين السعودية ومصر، فقصف الطيران المصري مدينتين في السعودية نجران وجيزان، كانتا تمثلان قاعدتين خلفيتين للقوات الملكية اليمنية، واستمرت الحرب متنوعة بالرغم من ارسال مصر للامدادات واستخدام طيرانها للغارات حتى فقد السلال في بداية 1965 السيطرة على الموقف، وألفت حكومة مدنية برئاسة أحمد محمد نعمان مستعدة للتفاوض وجرى مؤتمر وفاق في شهر ايار بين الجمهوريين وقسم من الملكيين لم يشترك الامام فيه ووصل عبد الناصر في شهر آب الى جدة ووقع مع الملك فيصل والفريقين اليمنيين اتفاقاً ينص على وقف النار، وانسحاب القوات المصرية في مهلة عشرة اشهر ابتداء من 23 تشرين الثاني 1965 واجراء استفتاء قبل 23 تشرين الثاني العام 1966 لتقرير نوع النظام الحاكم لليمن.
احتُرِم وقف النار والتأم مؤتمر “حرد” في 23 تشرين الثاني 1965 ولكنه انفض بعد اشهر من انعقاده، وبعد التثبت من فشله واستؤنفت المعارك، فأعلن عبد الناصر:” إن اتفاق جدة لم يُحترم، سنبقى في اليمن الوقت اللازم، عشر سنةات، عشرين سنة.”
دامت الحرب الأهلية، تغذيها التدخلات الخارجية من مصر والسعودية واليمن الجنوبي والاتحاد السوفييتي والصين. حتى عام 1969 وكان السلال قد استبدل عام 1967 بالأريانين وهو شافعي، قبل أن يخلفه بعد فترة ابراهيم الحمدي الذي اكتسب شعبية تعود الى اصله المزدوج الزيدي الشافعي.
تمكن الحمدي، المؤهل لجمع الزعماء من حوله من توفير الاستقرار لبلاده، إذ عرف كيف يستقطب الجبهة الوطنية الديمقراطية المعارضة المؤلفة من الماركسيين والعثيين الموالين للعراق والوطنيين المستقلين المناهضين للنفوذ السعودي، الا ان اغتياله في تشرين الأول 1977، أدخل البلاد في الفوضى وأحدث خللاً بين الطوائف فتابعت الانقلاب فاغتيل من بعده العقيد الغشمي في 24 حزيران 1978 وغدا العقيد علي عبد الله الصالح رئيساً للجمهورية في تموز من العام نفسه

وتمردت على السلطة عدة مناطق ذات أكثرية شافعية جنوبي البلاد متحالفة مع اليمن الجنوبي ، الشافعي والماركسي والموالي للاتحاد السوفييتي وكانت صنعاء قد اتهمت اليمن الجنوبي باغتيال الغشمي فتوترت العلاقات بين جزئي اليمن.
وفيما كان اليمن الشمالي عام 1979 في جو مجابهات داخلية ذات جذور مذهبية، شن اليمن الجنوبي هجوماً عليه مدعوماً من شافعيي الشمال ومن بعض القبائل الشمالية المتواجدة على الحدود بين البلدين، كقبائل باقل وعود وقد مثل هذا الهجوم تهديداً فعلياً لنظام الرئيس صالح في صنعاء.
بيد ان النزاع توقف عقب لقاء تم في الكويت بين صالح ورئيس اليمن الجنوبي عبد الفتاح اسماعيل اتفق خلاله على اعادة العمل باتفاقات عام 1972 بين البلدين القاضية باتخاذ مختلف الاجراءات لإعادة توحيدهما، وقد أعيد انتخاب الرئيس صالح لمدة خمسة سنوات عام 1938 وجدد له وحتى عام 2013 وحل محله نائبه عبد ربه منصور هادي، ودخلت اليمن مرحلة الفوضى بدخول القاعدة على الخط وبسط نفوذها في جنوب اليمن، والحوثيين لاحقاً ثم الحلف السعودي بالعدوان على اليمن منذ أواخر آذار 2015 جواً بقصف عنيف طال كل البنى العسكرية والأمنية والدور السكنية والمستشفيات والقواعد العسكرية والمطارات والموانىء وعدوان بري على الحدود في محافظة نجران، بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء واليمن الشمالي، وتوجهها مع الجيش اليمني الى الجنوب وقتال القاعدة والقوات الموالية لهادي بعد عودته من السعودية واستقراره في عدن…بعد ان اقصاه الحوثيون والجيش اليمني ودعم السعودية له لضرب النفوذ الايراني الداعم للحوثيين انصار الله…
الخاتمة

إذا كانت الزيدية لاتزال مسيطرة سياسياً في اليمن الشمالي لإإن ذلك لايعني ان النظام الذي تتبعه صنعاء يتوافق مع مبادىء الزيدية فقد نُحي في ايار 1968 الامام البدر آخر الأئمة الزيديين، من قبل مجلسه الذي أخذ عليه عدم استجابته الأوضاع السياسية المستجدة، كما اعترفت الرياض بالنظام الجمهوري في البلادن وصرفت النظر عن عودة الامامة الزيدية الى حكم اليمن بعدما حصلت على تطمينات سياسية وتدابير عملية من صنعاء، من مثل قمع التيار الماركسي المتنامي والذي استولى لاحقاً على اليمن الجنوبي واقام جمهورية مستقلة…
هذا بالاضافة الى ان زوال الامامة الذي حبذه الشافعيون تسبب في مشاكل للزيديين لأنهم وان كانوا في حاجة الى امامن عانوا من كثرة الطامعين بالمنصب، ولم يكن باستطاعة اي من المرشحين له ان يستوفي الشروط اللازمة لذلك، لاسيما في مجال التمتع ب” القوة المستقلة للتدخل بحد السيف”.
وجود الزيديين عددياً مختلف عليه فمنهم من يقول انهم يمثلون نصف سكان اليمن الشمالي، ومنهم من يشيرالى انهم يمثلون ثلثي هؤلاء، فيما يقترح بعضهم انهم تسعة ملايين نسمة.
اما وجود الزيديين جغرافياً فشبه محصور، إذ تسكن غالبيتهم في شمالي اليمن وشرقيه، في سلسلة جبال السراة الممتدة من حدود الحجاز شمالاً حتى حدود عدن جنوباً.