طوبى لأنقياء القلوب فإنهم لله يعاينون…

طوبى لأنقياء القلوب فإنهم لله يعاينون…

امي الحبيبة…وصديقتي الغالية…

بأية مراثٍ أرثيك …أم بأية نشائد كان يجب ان اجهز لدفنك ياغالية…؟

رفيقة عمري ياامي … حملتني يداك ورشفت اول رشفة من حليبك وكنتِ يا امي بعمر 15 سنة… فانا بكرك…

كبرنا سوية يا امي كنتِ صغيرة وكنت طفلاً على يدك لذا ترافقنا معاً لعبنا معاً وغنينا معاً علمتني الصلوات والأناشيد الوطنية وأغاني الطفولة بالعربية والارمنية…

اعذريني ياأمي فالفكر متعثر عن واجب تقريظك واليد عاجزة عن ترجمة مايعتمل بالفكر… قد اكتب لكثيرين… ولكنني امامك لا اعرف ماذا اكتب ولا بماذا اتحدث…

صدقاً ياحبيبة قلبي ويا امي الغالية وصديقتي…

مي المرحومة الغالية روزيت اواكيميان زيتون
امي المرحومة الغالية روزيت اواكيميان زيتون

بماذا اقرظك؟؟؟ وعن ماذا وماذا اقرظك ؟؟؟

أأقرظ حسن تربيتك لنا مع ابي الطيب ابن خالتك الذي لم يكن في فمه مكر ولا ضغينة ولم يعرف القول الغاش… وكان كل منكما ايقونة من ايقونات حسن جبلة الله وخليقته…

حتى صبوتنا انا واخوتي كنت تخيطين لنا الثياب وبقيت تحيكين لنا الصوف… لقد كنت وبقيت حتى آخر لحظة من حياتك ست الستات في ترتيبنا وترتيب ذاتك وترتيب البيت، كنت سيدة الترتيب والأناقة … كنت تصنعين الأناقة من ابسط الأشياء…

هكذا تربينا ياسيدتي على يديك… ولم نكن نحتاج الى اي شيء لأن ترتيبك لنا كان شاملاً أشادت وتشيد بها الألسن…

كان ابي رحمه الله رفيق دربك يسعى للقمة العيش لأسرة مستورة فكان هو الجَّنَّا وكنت انت البنا…

كم سهرت يا امي معي في سهرات التحضير العاصفة ليالي الامتحانات وحتى شهاداتي العليا…تروحين وتأتين لتشدين من أزري، وتبقين واقفة قلقة على شرفة المنزل طيلة مدة الامتحان حتى حضوري الى البيت فتسأليني وصبرك قد نفذ ومن فوق… “شو امي طمني… كيف عملت لك أمي”

تعلمت منك ومن ابي الطيب ومن ممارساتكما ومنذ الطفولة حب الكنيسة ومؤسساتها والعمل لأجلها…وتعلمت منكما حب الوطن وحب الناس والمجتمع والسعادة حين تقديم الخدمة والاحسان للمحتاج…

وكنت تمسكين بيدي ونذهب سوية معي ابي الفاضل الى الكنيسة تماماً كما استمر هذا مع اخوتي فشببنا كلنا كما انتما عاشقين للايمان ممارسين لطقوسه…

كنت في العاشرة عندما فرحتِ بعزم ابونا ايوب سميا شقيق جدي بالدم بارسالي الى دير البلمند لخدمة مذبح الرب مستقبلاً، واي شرف للأسرة من وجود نعمة الكهنوت فيها؟، لذا كنتما فرحين انت وابي وجهزتماني لهذه النعمة ولولا حداثة السن الذي لم يسمح بقبولي في الرهبنة وقتها… لربما كان تغير مجرى حياتي كلها…

ممارسة فعل إشعال قنديل الزيت امام الأيقونات ورفع البخور مع الصلوات غروب ايام السبوت والأعياد تعلمتها منك ياامي…

عند ضيقي كنت والى ماقبل هنيهة… كنت اسارع اليك يا امي لتشدي من ازري وتعطيني العون… لذا كتبت لك وانت في بدء مرضك السريع والمفاجيء…

” امي الحبيبة… مهما تقدمت بي السنون تبقين بوصلة حياتي… شافاك الله يا امي”

امي الحبيبة…

قضت مشيئة الله بانتقالك الى الأخدار السماوية، وكنت تناجيه دوماً ” نشكر الرب…” مهما كانت الأحوال ضيقة، وخاصة بعد ارتقاء شقيقي الأصغر مروان شهيداً، لتكوني الى جواره وجددت التمني ذاته عندما انتقل والدي الطيب وهو في بدء كهولته، ولكن مشيئة الله ارادت ان تبقين تحملين همومنا… وان تساعدينا في تربية ابنائنا فكنت الأم والجدة الحنون … وهاهما ولداي مروان وعائلته وجورج في اغترابهما يبكيانك بدموع مدرارة وبلَّوَعة لأنهما لم يكونا في حضرتك ليقبلا يمينك وجبينك ويبكيان على صدرك كما فعلتِ انت كثيراً عندما كانا طفلين صغيرين تماماً كما فعل ابناء اخوتي الحاضرين…حين انتقالك ياامي…

كم كنت اتوق يا امي ان تبقين تاجاً على رؤوسنا وانت سليمة ومعافاة لنحتفل بحضورك بعماد حفيدي الصغير الذي كانت فرحتك لاتوصف بسماع نبأ الحمل به وولادته… فحمدتِ الله وشكرتِهِ بدموع… وكنت تخجلين من مجرد السؤال عن الواقع كي لاتثقلين علينا…

عندما تشاهدين صورة هذا الحفيد الحبيب، او اي فيديو يُرسل الينا، وحتى قبل دخولك بلحظات سكون الغيبوبة المجرمة في حالات النزع الأخيرة لا انسى صرختك المبحوحة:” تقبر عضامي ياتيتي يازوزو… ” وقد ابكيتني كثيراً وقتئذ فقلت لك:” شدي حالك يا امي بدنا نعمد زوزو” فأجبتني مبتسمة:” ان شاء الله” ولكنك كنت في الحقيقة تعرفين واقعك الخطير… حتى ان عينيك كانت تنظر نظرة الوداع الأليم وانت تفرفرين من شدة الألم حين خرجت من البيت الى المستشفى لقد كنت تودعين البيت ومن فيه… كانت نظرة وداع اليمة جداً لبيت تعبت وابي في جعله جنة الأسرة…

انا يا امي مهما عددت من مآثرك ابقى مقصراً عن ذات طهرية ونفس متقدسة…لإنسانة لم تعرف الا الطيبة، وتصديق كل مايقال لطيب ذاتك، لم تعرفين منذ وعي على الدنيا، الا عمل الخير في الجمعيات والأخويات الخيرية وكنت تعملين بيديك في اسواق الأخوية المخصص ريعها للفقراء والمحتاجين واسر الشهداء والجرحى وخاصة في هذه الفترة العصيبة من عمر الوطن المذبوح مع سيدات فاضلات نذرن انفسهن لعمل البر…

وجه كان يبكي على فقد كل شهيد وكيف لا وانت قدمت للوطن شهيداً، بالمقابل كان وجهك يطفح بالبشر … حين تسارعين بتقديم الخدمة والاحسان للمحتاجين…

كان وجهك الجميل بعينيك الخضراوين كالأيقونة…

ارتحت يا امي من المك الشديد الذي كابدته مؤخراً، وكان عزاؤنا انك بالتأكيد في احضان ابي الآباء ابراهيم مع الأبرار والقديسين وقد التم شملك مع حشاشة قلبك شقيقي مروان الشهيد وحبيب قلبك ابي الفاضل جورج..وارتحت من همومنا…

وعزاؤنا ان رقادك كان في غروب عيد ميلاد السيدة العذراء الطاهرة التي كنت تستنجدين بها… عزاؤنا انك نلت ماتستوجبه النفوس الرضية واصحابها من التكريم حين تشييعك…فشاركت الكشافة مشكورة (التي كنت تحبينها) وفاء لي ولأسرتنا المعتنقة للكشفية، وعزفت لك معزوفة الوداع…بموكب مهيب…

لصلاة على جثمان امي المرحومة الغالية روزيت اواكيميان زيتون في كنيسة الصليب المقدس بدمشق
الصلاة على جثمان امي المرحومة الغالية روزيت اواكيميان زيتون في كنيسة الصليب المقدس بدمشق

في الصلاة على جثمانك الطاهر… سُجيت امام هيكل كنيسة الصليب المقدس التي وعيتها منذ طفوليتك وصليت بها حتى لحظاتك الأخيرة… سجيت ياطاهرة وسط الأثاث والتجهيزات الكنسية الخشبية والمحفورة التي صنعها وحفرها ونقشها خالد الذكر الفنان والدي وقدمها للذكر المؤبد لراحة نفس شقيقي الشهيد ولذكرى والديه وذكراكما معاً وذكر كل منا وذكر اخوته منذ استشهد شقيقي تشهد على انتمائه الكنسي الصادق وانتمائك…

انت كنت في الكنيسة يا امي في الحضرة الالهية بالصلوات العذبة وبحضور كهنوتي مكثف طوعي ولافت… وتعزية رقيقة من الوكيل البطريركي المطران افرام نقل بها تعزية غبطة ابينا البطريرك يوحنا وبركته، واشاد بنا كأسرة نمت الوزنات المعطاة لنا واشادت بك سيدة فاضلة “كنت امينة على القليل فستكونين امينة على الكثير…”

احسست يا امي ان السماء نزلت الى الأرض وان الملائكة حملوا روحك الطاهرة الى العلى مع الصلوات والبخور المتصاعد الى الحضرة الالهية…

عزاؤنا ياأمي هذا الحضور المكرم والكثيف من المشيعين، وفي الأيام اللاحقة، وقد تقدمهم السادة المطارنة الأجلاء، وكل افراد الاكليروس الموقر بكل درجاتهم …

امي الحبيبة

انت الآن في العلياء حيث لا وجع ولا حزن ولاتنهد بل حياة لاتفنى… وقدانتهت اوجاعك على هذه الأرض الفانية، وخاصة عند سماعك اخبار ارتقاء جنودنا شهداء وحزنك عليهم وعلى الوطن الحبيب سورية فكنت تصفينها: “امي سورية” بالرغم من نسبك الأرمني … ولكن سورية عيناها خضراوين عندك كما كانت عيناك الجميلتين..وقلبك المفعم بالوطنية…

منذ بدء مرضك المفاجىء لم تعودي يا أمي تصلي معي في القداس الالهي الأول باكراً في كنيسة الصليب ولم تعودي تنتظرينني كما اعتدت منذ 33 سنة خلت…

ولن تعودي تتأبطين ذراعي متكأة علي وانت متعبة من رجليك ولن اعود اقول لك :” يا امي كنتِ ارتاحي اليوم ولاتنزلي عالصلاة .” فتجيبييني :” لا يا امي الله لايبركني والله يقويني تتم انزل عالصلاة وعالأخوية…”

انتهى كل هذا ياامي ولن تعودي تزوريني في ااجمعية بعد الأخوية ولن تعودي تقولي لي:” يا امي مابيجي من قلبي اني ما اجي سلم عليك بعد الأخوية”…

انتهى كل ذلك…

عزائي ياأمي وعزاؤنا جميعاً انك انت فوق في علياء الله تنظرين الينا جميعاً بعين الرضى والترضي علينا…

سامحيني يا امي ان لم اقم بواجبك البنوي كما يقضي الواجب… سامحيني ان أخطأت امام الله وامامك… والأم دوماً تسامح… سامحينا جميعاً… ولا اعلم ان كنت الآن قد ارتحت من همومنا…؟ او قد زادت وتتحرقين لتزول…!!!؟

وداعاً يا امي…

ادخلي الى فرح ربك مسرورة…

وداعاً يا امي الى الوقت الذي لابد لكل نفس ان ترجع الى باريها…عندها نلتقي…صلي لي ولاسرتي ولأولادي ليكونوا بتوفيق من الله… ولاخوتي وأسرهم صلي للوطن ولشبايه ولجيشه كما كنت تفعلين وانت بيننا على الأرض…

يا امي الحبيبة اقول لك ختاماً…

المسيح قام …حقاً قام…

ليكن ذكرك مؤبداً…

ولدك وصديقك جوزيف