وصف دمشق من خلال نصوص مختارة نادرة لبعض الرحالة الأوربيين

وصف دمشق

من خلال نصوص مختارة نادرة لبعض الرحالة الأوربيين

* دمشق في القرن الرابع عشر…

مشهد عام لدمشق القديمة في القرون الماضية
مشهد عام لدمشق القديمة في القرون الماضية


نص من رحلات الرحالة الانكليزي ” جون موندفيل ” 1322-1356
(Sir John Maundeville)

فمن اراضي الجليل – التي تحدثت عنها – يعود المسافرون أدراجهم الى دمشق، وهي مدينة حسنة وفخمة جداً، تبعد عن البحر ثلاثة ايام، وعن القدس خمسة أيام.
يحمل اليها التجار بضائعهم على الجمال والبغال والخيول والهجن والدواب الأخرى. وتصل اليها البضائع بحراً من الهند وايران والعراق وارمينية، ومن ممالك اخرى عديدة.

يوجد بدمشق عدد كبير من ينابيع المياه، وتنتشر فيها وحولها البساتين الجميلة المليئة بعموم أصناف الفاكهة، انها مدينة لا تقارن من حيث جمال حدائقها للاستجمام وهي مدينة كبيرة مليئة بالسكان ويدور بها سور قوي مزدوج، وبها العديد من الأطباء.”

استراحة القوافل القادمة من بيروت وسط المياه في مدخل دمشق بعد الربوة
استراحة القوافل القادمة من بيروت وسط المياه في مدخل دمشق بعد الربوة

* دمشق في القرن الخامس عشر
نص من رحلات الرحالة البورغوندي ” برتراندون دي لابروكيير” 1432-1433
Bertrandon de la Bropuirre

” … تعرفت في بيروت على تاجر بندقي يدعى جاك برفيزين فنصحني بالسفر الى دمشق، مؤكداً لي أنني سأجد هناك تجاراً من البندقية وقطالونية وفلورنسة وجنوة، وغيرها…
وتستغرق الرحلة من بيروت الى دمشق يومين
، والعادة المتبعة عند المسلمين تجاه الأجانب في جميع انحاء الشام هي أنه لايسمح لأجنبي بدخول الشام راكباً، فلا يجرؤ اجنبي على دخولها الا ماشياً. وعلى هذا فقد قام المكاري بانزالنا أنا والسيد سانسون قبل دخول المدينة. ولم نكد ندخلها حتى هرع الينا اثنا عشر عربياً التفوا حولنا لمشاهدتنا، وكنت ألبس قبعة ذات إطار عريض لم يعتد أهل البلاد على رؤية مثلها، فرفع أحدهم عصا كانت بيده وأطاح بها عن رأسي. والحق اني هممت أن أضربه بجمع يدي لولا أن المكاري وقف بيننا ودفعني جانباً، وجاء عمله هذا من حسن حظي ، إذ أن حوالي ثلاثين أو أربعين شخصاً أحاطوا بنا في الحال، ولا أدري ما الذي كان سيحل بي لو أنني لطمته.

بيت دمشق من الداخل في القرون الماضية
بيت دمشق من الداخل في القرون الماضية


ويبلغ عدد سكان دمشق كما سمعت مائة الف نسمة، وهي مدينة غنية ومركز تجاري، كما أنها ثاني مدينة في السلطنة بعد القاهرة.
ويحف بها من الشمال والجنوب سهل واسع، وفي غربيها جبل قامت على سفوحه ضواحيها، ويشق المدينة نهر تتفرع منه مجارعدة، وتحيط الأسوار بالمدينة دون الضواحي، وذلك لكبر الضواحي واتساعها. ولم أر اوسع من بساتينها، ولا أفضل من فواكهها، ولا أوفر من مياهها، ويقال ان مياهها متوفرة الى درجة تسمح بوجود نافورة في كل بيت.
وسيوف دمشق خير السيوف وافضل مايصنع في بلاد الشام، ومن الطريف ان يرى الانسان طريقة الصناع في صقلها، ويقومون بهذه العملية قبل سقيها، ويستخدمون لهذا الغرض مقبضاً من الخشب مثبتاً به قطعة من الحديد يجرونها على شفرة النصل، وبذلك يسوونه كما يسوى مسحج النجارة سطح الخشب. ثم يسقون النصل ويلمعونه، وهذا التلميع بلغ حداً من الاتقان بحيث ان المرء إذا اراد ان يصلح من شأن عمامته اتخذ من نصل سيفه مرآة. وأما سقي السيوف فعلى غاية الاتقان، ولم أر سيوفاً أمضى منها قط.
وتصنع في دمشق وما حولها من الديار مرايا من المعدن تكبر الأشياء كالزجاج العاكس للنور، رأيت بعضها وقد عرضت للشمس فعكست من الحرارة ماكان كافياً لحرق لوح من الخشب على بعد 15 أأو 16 قدما.ً”


حرفة تصنيع السيوف الدمشقية الشهيرة ومقابضها الخشبية
حرفة تصنيع السيوف الدمشقية الشهيرة ومقابضها الخشبية


* دمشق في القرن السادس عشر

نص من مذكرات الرحالة الفرنسي “بيير بولون” 1546-1549

Pierre Belon du Mans

” تتميز دمشق بوفرة كبيرة في المياه تستمدها من خريسوراوس

Chrysorrhoras (نهر الذهب)

الذي يتعرش بالبساتين المخضوضرة من منبعه حتى مصبه. أما فروعه في المدينة فهي ضيقة ومتعرجة.

وفي المدينة بازار (أي سوق) بديع للغاية، وهو مغطى من أعلاه. أما دور دمشق فتبدو بأجمل مايكون وبناؤها بديع. ولكن الطف مافيها مداخلها المسقوفة التي تجلب لها التهوية والانتعاش.

ولدمشق اسوار مزدوجة كما هو الحال في القسطنطينية ( استانبول)، وليست خنادقها المملؤة بالماء على عمق كبير، ومنها تسقى اشجار التوت التي تربى عليها دود القز لانتاج الحرير. وعلى كلا السوريين ابراج كثيرة متقاربة، إذ أن كل برج مضَّلع ضخم يقوم بين اثنين آخريين أصغر منه، وهما مستديران وأحدهما أكبر من الآخر. وهناك قلعة صغيرة مضلعة خارج نطاق الأسوار، غير انها تبدو كما لوكانت لحماية المدينة فقط، وذلك لأن الضواحي أكبر من المدينة مرتين، كما أن الأسواق توجد في هذه الضواحي، أما المتاجر والبزستانات ( اسواق الأقمشة) فهي داخل نطاق الأسوار.

وأبواب المدينة مغطاة بصفائح من الحديد، على عكس أبواب القاهرة المغطاة بالجلد، تبدو دكاكين الصناعات اليدوية كتلك التي في القاهرة. والبضائع في الشام عموماً وفي دمشق تباع مقابل وزنات نقدية تدعى الرطل، وهو يعادل سبع ليرات، كما في مصر تماماً وفي المدينة دكاكين يصنع فيها كاغد الورق الدمشقي… يحلجون القطن فيفصلون عنه البذور، ولديهم لهذا الغرض صفحة من الحديد طولها قدم واحد وثخنها مقدار اصبعين يضغطون بها القطن فوق السندان فتخرج عندئذ البذور المكورة من أمام القطعة الحديدية.”

* دمشق في القرن السابع عشر

احدى حارات دمشق القديمة
احدى حارات دمشق القديمة

نص من مذكرات الرحالة البورتغالي سيباستيان مانريكا 1629-1643

Sebastien Manrique

يصف مانريكا مدينة دمشق فيقول

” بعد مضي سبعة وثلاثين يوماً على مغادرتنا بغداد حططنا الرحال في مدينة دمشق العظيمة، أو كما يسميها اهلها الشام، عاصمة بلاد الشام قاطبة، والتي يطلق عليها بعض الكتاب- نظراً لمكانتها الفائقة – اسم “جنة الأرض”. ولديهم من الأسباب الكثير لاطلاق هذه التسمية، فبالاضافة الى مناخها الصحي الرائع العائد الى هوائها اللطيف النقي، تنعم بوفرة عظيمة من المياه الرقراقة التي تجري في انحاء المدينة قادمة من عدة ينابيع. والمدينة مشيدة في وسط سهل فسيح على سفح جبل لبنان، وتبلغ مساحتها فرسخين ويحيط بالمدينة سور مزدوج متين، ترى في بعض جنباته تلك الشعارات (الرنوك) الظافرة العائدة الى ذلك القائد الفرنسي الشهير الماجد، الذي خلد اسمه بشجاعته ومآثره الباهرة، حتى صار اسمه بين اسماء التسعة الأوائل من مشاهير الرجال. ولا زال على السور المذكور بوابة يسميها المسيحيون ” بوابة بولس”(1) وقريباً منها يحددون المكان الذي كان يقوم عليه منزل حنانيا التقي.(2)

وهذه المدينة محمية ايضاً بقلعة تقوم في وسطها، وهي مبنية بشكل مربع ومسورة بجدران صلبة ومحاطة بخندق، ولها مدخل واحد فقط في جهتها الشرقية، يعبر اليه على جسر يمكن رفعه الى الأعلى عند الضرورة بواسطة سلاسل حديدية.

والمدينة مجمَّلة بحدائق غناء مبهجة، وكذلك بعدة مبان فخمة، وأهم مافيها مسجدها الكبير (اي المعبد الاسلامي)، والتكية التي يُستضاف فيها الحجاج، وحمامات السوق، ومنها ساحة فخمة للغاية مربعة الشكل ومحاطة بإيوانات جميلة ذات اقواس، تمتلىء دائماً بمختلف أصناف الأطعمة.

وهذه المآكل تنمو بكميات وافرة في ضواحي هذه المدينة الغنية، نظراً لخصوبة تربتها وللسقاية الوافرة التي تنالها من المياه العذبة لنهري ” ابانا وفرفر”(3) المنسابيَّن فيها، وهذا مادعا نعمان الىرامي الى امتداحهما، وثمة سبب آخر لمكانة هذه المياه عدا عن اخصابها للتربة، هو تميزها بخاصية معينة تفيد الصيقليين ( اتباع فولكان) أي صناع السيوف بانتاج اجود الشفرات وأقساها، وذلك بتسقيتها في هذه المياه.

السيف الدمشقي الشهير
السيف الدمشقي الشهير

وكذلك فان حقول هذه البلاد الخصبة تغل زيتوناً طيباً ذا حبات كبيرة، وبعض اشجار الزيتون هنا تحمل في مواسمها ثماراً أكبر من الزيتون الضخم الذائع الصيت الذي ينمو في منطقة “الشرف” في اشبيلية. ومما لايقل عن هذا كله أهمية في زيادة عظمة وغنى مدينة دمشق، وجود مصنع عام بها كبير ومشهور، به أنوال عديدة تنسج عليها اصناف متعددة من الأقمشة الحريرية المقصبة، والمنسوجات المطرزة بخيوط الذهب والفضة. والى جانب هذا المصنع، هناك في جميع انحاء المدينة أنوال اخرى عديدة في كثير من الدور الخاصة.

– حواشي البحث

1– أخطأ الكاتب بنسب شعار زهرة الزنبق بدمشق الى فرنسا وهو شعار نور الدين زنكي الذي رمم سور دمشق، اما باب بولس فهو الباب الشرقي المدعو باب بولس الذي هرب منه بولس الرسول بانزاله في سل كبير، ويحمل هذا الباب اسم باب كيسان وكيسان مولى معاوية الذي عسكر امامه محاصراً حين حصار المسلمين لدمشق السنة 635 مسحية

2- بيت حنانيا وهو مقام حنانيا الرسول اول اسقف دمشق الذي عمد شاول في بيت يهوذا.

3- المقصود نهري بردى والفيجة…

– مصادر البحث

1- وصف دمشق في القرن السابع عشر، من مذكرات الفارس دارفيو- نشرها أحمد ايبش ، دمشق 1982

2- رحلة برترندون دي لابركيير الى الشرق- ترجمة محمود زايد ( رسالة جامعية لم تنشر)، بيروت 1955

3- رسالة الشرق الأوسط في العصور الوسطى – تأليف نقولا زيادة، مطبعة المقتطف والمقطم، مصر 1943

4- دمشق في عهد المماليك – تأليف نقولا زيادة، منشورات مكتبة لبنان، بيروت 1966