كاتدرائية السيدة العذراء الشهيدة طرطوس / متحف طرطوس الوطني
توطئة
يشكل تاريخ كاتدرائية السيدة العذراء في طرطوس جزءاً هاماً من تاريخ منطقة ومدينة طرطوس الذي يعتبر حتى الآن غير مكتمل بسبب المراجع و الوثائق المتعلقة به…
ليست وحدها الكاتدرائية الشهيدة فكنائسنا واديرتنا الشهيدة في طول البلاد وعرضها في المشرق واكثر من ان تعد فكاتدرائيات وعلى سبيل المثال لا الحصر/ كاتدرائية دمشق وحمص وحلب وآجيا صوفيا في القسطنطينية وجامع النجار في انطاكية…حتى في اصغر حارات دمشق القديمة …الخ وجميعها تحوي ذخائر مقدسة وترتبط بشكل أو بآخر بتذكار قديسين كما في هذه الكاتدرائية…
نبذة في تاريخ طرطوس
مدينة ساحلية عريقة ساحرة بتفاصيلها وآثارها وأبنيتها التاريخية تحكي امجاد الفينيقيين وحضارتهم وكل الحضارات اللاحقة، والتي تعتبر شاهداً حيّاً على عراقتها وغناها الحضاري، بدءاً بالآثار الفينيقية، والاغريقية والرومانية والبيزنطية والإسلامية. وتعتبر الميناء الأهمّ على البحر الأبيض المتوسط، حيث تقع قبالتها جزيرة أرواد. أما شاطئها، فهو امتداد جميل للساحل السوري بطول 90 كيلومتراً تقريباً.
إنها طرطوس الساحلية الجميلة، المدينة التي تحتوي على عددٍ من المعالم الأثرية أهمها كاتدرائية السيدة العذراء في طرطوس.
تاريخ المدينة
طرطوس مدينة تاريخية فينيقية اسمها القديم “إنترادوس”، وبالإنكليزية”تورتوزا”، وأصبح اسمها “طرطوسا” في العهد الرومي . أما العرب فقد أطلقوا عليها اسم “طرطوس”. تعدّ من أعرق المدن وأقدمها في سورية، إذ كانت لها اليد العظمى في صنع الحضارة وتاريخ المنطقة، إضافة إلى موقعها المميز على حوض البحر الأبيض المتوسط. يُحكي أنّ الإسكندر المقدوني فتح مدينة طرطوس القديمة، ثمّ استولى عليها الرومان وشغلها الروم موقتاً خلال القرن العاشر الميلادي قبل أن يحاصرها ريمون صنجيل الفرنجي ويستولي عليها عام 1102 ليتّخذها مقرّاً له.
وفي عام 1152، احتلها نور الدين زنكي لمدة قصيرة، وبعد ذلك احتلها الملك بلدوين الثالث، ومنحها لفرسان الهيكل من عام 1152 إلى عام 1158، حيث أعادوا تحصينها. وعام 1188 حاصرها صلاح الدين الأيوبي لكنه لم يفلح في الاستيلاء عليها، فقد تمكّن الفرنجة من مقاومة الهجوم من خلال برج قويّ يدعى “دون جون”
احتل صلاح الدين المدينة عام 1188م، وفي مرحلة لاحقة استولى على برجها الرئيس الحصين بعدما لاذت الحامية الفرنجية المدافعة عن المدينة بالفرار عبر باب سرّي متّصل بسرداب يؤدّي مباشرة إلى البحر. ولا يزال هذا الباب مرئياً حتى اليوم في قاعدة البرج الرئيس الكبير. ودخلها بعد خروج الفرنجة منها…
مدينة متوسطية بامتياز والثغر السوري العريق كانت ذات أهمية كبيرة أيام الفرنجة، وقاعدة حربية هامة وميناء ومرفأ رئيساً للتموين في شرق البحر المتوسط. كان لها دور في حضارات عدّة، فقد أقيمت فيها معالم تاريخية كثيرة، منها القلعة، وأحيطت المدينة بسور وتحصينات وأبراج حماية متقنة.
عام 1276 احتل المماليك طرطوس بشكل نهائي، وفرّ فرسان الهيكل إلى قبرص مصطحبين معهم أيقونة السيدة العذراء التي صورها القديس لوقا بريشته في كاتدرائية طرطوس.
تاريخ كاتدرائية السيدة في طرطوس
من الآثار المسيحية الهامة في بلاد الشام التي لا تزال حاضرة بكلّ ألقها وشموخها في ذاكرة مسيحيي طرطوس وبقية مكوناتها…
كاتدرائية طرطوس وهي الكنيسة الأولى والأقدم في سورية والعالم، التي كُرّست على اسم السيدة العذراء. إذ يقال شعبيا وايمانياً لدى اهل طرطوس إنّ السيدة العذراء شاركت في بنائها، ولا نستغرب هذا الاعتقاد والقول لأن عجائب العذراء عبر التاريخ لاتعد ولا تحصى.
الكاتدرائية لا تزال بحالة جيدة جدّاً إلى اليوم، إذ تحوّلت إلى متحف للمدينة يضمّ مجموعة كبيرة من آثار العهود والحضارات السورية المختلفة التي مرّت على طرطوس.
ولأنّ الكنيسة موضع تقدير كبير، فقد أطلق عليها منذ تأسيسها اسم “كنيسة الحجّاج” و”سيدة طرطوس”، وتعدّ من أهم الكنائس الأثرية المتأثرة بفنَّ الأبنية الكنسية الرومية الارثوذكسية بالرغم من طابعها القوطي الحالي.
تاريخ كاتدرائية السيدة /طرطوس يشكل جزءاً هاماً من تاريخ المدينة الذي يعتبر حتى الآن غير مكتمل بسبب المراجع والوثائق المتعلقة به. ولكن كما هو معروف ومتداول فإن المسيحية دخلت باكراً إلى مدينة طرطوس في النصف الأول من القرن المسيحي الأول، واعتنق شعبها المسيحية، وقاموا بتحطيم أصنامهم، وألقوا بها في البحر، وقد زارها القديسان بطرس ولوقا وهما في طريقهما الى اليونان وروما، بعد ما استعفى بطرس الرسول عن كرسي انطاكية السنة 53 وهو في طريقه التبشيري في كل مكان تقوده اليه قدماه، مر ولوقا بطرطوس، حيث أقاما الذبيحة الالهية في موقع الكنيسة، وكرساه كنيسة على اسم السيدة العذراء، وقام القديس لوقا بتصوير أيقونة السيدة العذراء في المذبح عندما بنى المؤمنون الكنيسة في هذا الموقع الذي كرسه القديسان بطرس ولوقا.
ومعلوم ان القديس لوقا كان اول من صور العذراء وعلى يدها الطفل يسوع وقدمها للسيدة فباركته واقرته عليها فرسم منها ايقونتين مماثلتين احداهما في دير سيدة صيدنايا البطريركي، والأخرى في جبل آثوس المقدس في اليونان.
وتعد هذه الكنيسة ثاني كنيسة في العالم بنيت على اسم السيدة العذراء في مستهل النصف الثاني من القرن المسيحي الاول وحملت اسم سيدة طرطوس
)Notre Dame de Tartous)
والكاتدرائية المريمية بدمشق هي أول كنيسة في العالم تقام على اسم السيدة العذراء فقد اقامتها شيعة المريميين في منتصف العقد الرابع في القرن المسيحي الاول، وقد أُطلق عليها ايضاً تسمية كنيسة الحجاج، وذلك بسبب حج الناس اليها وخاصة في القرون المسيحية الأولى والذي تصاعد في العهد الرومي.
وقد ورد في بعض المراجع اللاتينية أن تاريخ كاتدرائية السيدة العذراء في طرطوس يعود إلى منتصف القرن 12المسيحي، وتعتبر وفق هذه المراجع من أهم الأبنية التي بقيت داخل السور الدائري للمدينة الأسقفية القديمة في عهد احتلال الفرنجة لهان وهي من أهم الكنائس اللاتينية الأثرية التي ورثناها عن “العهد الصليبي”، وهي متأثرة بعمارة الكنائس البيزنطية المتأثرة بدورها بالكنيسة الشرقية نظراً لفتحات نوافذها الأربعة، ولما كان المذبح الموجود في الكاتدرائية حسب الروايات قد دشن من قبل القديس لوقا نفسه، فلقد اعتبرت أهم مزار حج مسيحي في العصر البيزنطي فأطلق عليها اسم كنيسة الحجاج أو كنيسة العذراء.
وفي مراجع اخرى ان القديس بولس قد زار طرطوس واسس كنيسة السيدة هذه، ولكن مع احترامنا لهذه الرواية ليس فيها من ثبت وخاصة في اعمال الرسل، ولكن زيارته لها ليست مستبعدة لأن بولس الرسول كان يتنقل باستمرار للتبشير في ساحل سورية وقبرص واحيانا برفقة برنابا… وسواه،
كما اورد سفر أعمال الرسل لكن لم يسجل لا سفر اعمال الرسل ولا المصادر المتداولة، انه كان برفقة بطرس الرسول في حملاته التبشيرية الا عند تبشير انطاكية بعد صعوده من دمشق، وتنظيم رعيتها وتأسيس كرسيها مع بطرس وبرنابا، بل يسجل للقديس بطرس بصفته اول بطاركتها، إقامته في انطاكية خلال سنوات بطريركيته الثمان بينما كان بولس الرسول دائم التجوال في آسيا الصغرى وقبرص واليونان ولم يلتقيا الا في رومة السنة 64 مسيحية حيث أسسا معا كرسي رومة الاسقفي وكان بطرس اول اساقفته، واستشهدا فيها في الوقت ذاته بأمر نيرون في عام 66 مسيحية.
كما ان ماورد عن لاتينية الكنيسة وتأريخها ككنيسة “صليبية” فذلك عندنا محل نظرونقد وحتى نقض، فكنيسة سيدة طرطوس، كرسها القديسان بطرس ولوقا، اذن هما اوجدا الكنيسة وصَّور القديس لوقا في مذبحها ايقونة السيدة العذراء، والمذبح على اسم القديس بطرس، اي انها اكتملت ككنيسة بوجود مذبحها وايقونة السيدة فيها، فكيف تقول الروايات اللاتينية انها كنيسة صليبية وتعود الى القرن 12م وحملات الفرنجة التي دامت لقرنين بدأت عام 1092 اي اواخر القرن 11، فالكنيسة الاصل كانت موجودة فكيف نقول عنها انها لاتينية – صليبية ؟!
والأمر الطبيعي ان تاريخ تكريسهما موقع الكنيسة الاساس برأينا كان في العام 53 مسيحية أومابعده بقليل لأن بطرس الرسول وبعد بطريركيته للكرسي الانطاكي منذ 45-53 مسيحية استعفى لتلميذه افوديوس عن الكرسي وانطلق السنة 53 مبشراً في أمكنة أخرى في المناطق المطلة على البحر الابيض المتوسط مروراً بطرطوس وكان معه القديس لوقا الانجيلي الشهير ومصور الأيقونات وخاصة كونه هو من صور السيدة العذراء قبل انتقالها كما اسلفنا…
(الادق ان نقول، اعتماداً على أرض الواقع ان كنيسة السيدة العذراء في طرطوس ككل الكنائس ذات الطابع الفرنجي القوطي- الصليبي هي في الاصل كنائس بيزنطية رومية ارثوذكسية، ومعروف ان الفرنجة اضطهدوا الاورثوذكس خلال قرني الاحتلال واقاموا بطاركة لاتين على انطاكية واورشليم واستولوا على الكنائس الأرثوذكسية الأشهر وأعادوا بناءها بحلة قوطية وتشابه قلاعهم كما في كنيسة الملاك ميخائيل في صافيتا ( برج صافيتا) وعلى دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي وخاصة بكنيسته العليا، وعلى دير سيدة البلمند البطريركي بكنيستيه وكنيسة السيدة في طرطوس محل بحثنا… وكنائس في انطاكية واللاذقية…ودير ايانابا في قبرص) ويمكن الافتراض بأن هذه الكاتدرائية بشكلها القديم كانت موجودة ولكنها غير مكتملة…فأكملوها وفق هندستهم…
في عام 387مسيحية ضرب زلزال مدمر مدينة طرطوس فهدم الكنيسة وماحولها ولكن المذبح وايقونة السيدة العذراء بقيا سالمين وقد اعتبر هذا الحادث عجائبياً!!!
عجائبياً عندهاعاد الناس للتوافد الى المكان لقدسيته وخاصة أنه يحوي مذبحاً
على اسم القديس بطرس، وايقونة شهيرة للسيدة العذراء من رسم لوقا البشير مصور الايقونات الانجيلي.
في الاحتلال الفرنجي(1)
لقد كانت فترة الفرنجة بعد احتلالهم لطرطوس نهائيا في عام 1102 هي الفترة الأكثر تدويناً للمدينة والكاتدرائية حيث بدأوا بتحصين المدينة حتى العام 1220
قد ذكر بعض الشهود أن الكنيسة القديمة كانت بسيطة
وبعد ذلك تم بناء القسم الأجمل والأكبر منها، وقد ألحقت الكنيسة الصغيرة بالكاتدرائية بعد بنائها و يذكر\” كاميل أنلارت \” أنه بدئ ببناء الكاتدرائية في عام 1130مسيحية. ومن خلال طراز البناء للكنيسة القديمة…
عندها على ذلك، يمكن الافتراض كما سبق اعلاه، أن هذه الكاتدرائية كانت غير مكتملة حتى العام 1150م
عام 1154 زار مدينة طرطوس الجغرافيّ العربي الإدريسي، الذي أشار إلى وجود كاتدرائية عظيمة تشبه القلعة بحسب مقاييس ذلك الزمان. وأنها كانت محطّ تبجيل وتقديس لدى جميع الطوائف. كما أن طرازها المعماري هو الذي أضفى عليها هذا المظهر المميّز.
داخل الكاتدرائية
تتألف الكاتدرائية من ثلاثة أروقة مقبّبة بقناطر نصف أسطوانية حادة الانسيابية، تمتد نحو الشرق برواق قصير ينفتح على صدر الكنيسة بعد قبّة نصفية. وفي كلّ ضلع من الأروقة الجانبية نافذة تنير صحن الكنيسة المركزي، ومن الشرق نافذة المحراب، ومن الغرب ثلاث نوافذ، وتعتبر النافذة العليا أصغر من الاثنتين الباقيتين
في القرن الثالث عشر استُحدثت نوافذ في القبّة العليا منها، مُقامة في الجدار المتراجع بحيث يشكّل ممراً ضيقاً يسمح بالمرور بوساطة سلّم ثنائيّ ذي بضع درجات من طرف البناء إلى الطرف الآخر، وتأخذ الركائز شكل الصليب مع الأعمدة على الجوانب ودعامات السقف المزدوجة، ويبرز إطار نافر على طول الجدران الشمالية والجنوبية كما في المحراب. وعلى القسم الأكبر من جدران الأروقة الجانبية نجد شريطاً مزخرفاً يمرّ من تحت النوافذ.
أما العمود القائم شمال صحن الكنيسة فيتألف من قاعدة مكعّبة الشكل طول ضلعها أربعة أمتار، تسند أعمدة تدعم القبّة في طرف الكنيسة. وفي القاعدة باب يفتح باتجاه الشمال ويظهر مباشرة في الرواق الشمالي حيث كان يشكّل مع قسم صغير من الذراع الشمالية في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، معبداً كان بمثابة مقصد للحجّاج.
أما بعض الزخارف وأماكن تموضعها، فلها بعض المدلولات. ففي قباب الزوايا البارزة للأروقة الجانبية قفل إغلاق دائريّ الشكل، منحوت بشكل بارز ويمثّل أوراق الأشجار. ويرجع تاريخه إلى القرن الثالث عشر الميلادي. وفي صدر الهيكل الشمالي خمس صور منحوتة بشكل بارز تمثّل إحداها حمامة الروح القدس والأربعة الأخرى تمثّل رموز الانجيليين الاربعة.
يشار إلى أن البابا اكليمنضوس الرابع قام بتقوية طرف الكنيسة خلف المذبح الكبير، وقوّى أيضاً البرجين المستطيلين على أطراف الكنيسة، وبنى حائطاً مستطيلاً ليزيد من سماكة صدر الكنيسة المركزي، تكمن إحدى طرائف هذه الكنيسة في الركيزة اليسرى من الجناح الرئيسي، إذ إن قاعدة الركيزة تنتصب وسط مكعب فيه قبة واطئة، ولاشك في أن هذا المكعب كان مدخل الكنيسة البيزنطية القديمة. فكان حجاج القرن الرابع أو الخامس يعبرونه ليصلوا أمام أيقونة السيدة العذراء، ويتناولوا القربان المقدس من مذبح القديس بطرس.
ضرب زلزال مدمر الكاتدرائية مرة ثانية أثناء بنائها في عام 1177م.
ثم هدم صلاح الدين الايوبي عندما احتل المدينة أبراج الكنيسة في عام 1188!!! وبعد ذلك أعيد ترميمها…
أثناء فترة الفرنجة قام المحتلون الفرنجة بتقسيم مدينة طرطوس الى قسمين وخاصة في فترة سيطرة فرسان الهيكل على المدينة، كما يلي:
القسم الأول
المدينة الأسقفية
وهي المدينة التي يعيش فيها الناس و يمارسون حياتهم اليومية ويحيط بها السور الأول من المدينة والذي يمتد من الباب الشمالي للمدينة و يتجه شرقاً حتى المجمع
ثم ينحرف جنوباً حتى يصل إلى ساحة المشبكة ثم ينحرف غرباً حتى يصل إلى
الطاحون
كان يحيط بهذا السور عند البحر خندق عميق وعريض اختفى برج الطاحون،
وقد أزيل آخر قسم من السور منذ 35 سنة
وكانت الكاتدرائية مركز المدينة الأسقفية، وقد اسمي اول اسقف لها راؤول في 17 شباط 1130مسيحية.
القسم الثاني
القلعة او حصن الهيكليين او فرسان الهيكل
وهو الموقع الذي يسمى اليوم بالمدينة القديمة، التي كانت محاطة بسور مزدوج وخنادق تملأ بالماء للحماية، في هذا الحصن كان يعيش فرسان الهيكل، فقد كان حصنهم المنيع والدرع الذي كان يقيهم من الهجمات لاسترداد المدينة منهم.
ازداد هذا الموقع شهرة، وخاصة بعد بناء هذه الأسوار والتحصينات حول المدينة وقلعتها، وبدأ يتوافد الى هذا الموقع الحجاج المسيحيون من كل انحاء العالم آنذاك، وخاصة بعد أن اصبحت هذه الكنيسة هي الكاتدرائية (2) ودرة كنائس الشرق وكان ذلك منتصف القرن 13 اي عند اكتمال بناء الكاتدرائية.
و يجب أن نشير هنا إلى أنه في العام 1204 م
زار المدينة كونراد أسقف مدينة هالبرشتات وكان يعاني من مرض عضال أصيب به و بعد زيارته الكاتدرائية شفي من هذا المرض بشكل عجائبي.
واجهت الكاتدرائية خطراً كبيرا بعد النصر الكبير الذي حققه المملوكي الظاهر بيبرس على الفرنجة، وبعد انتصاره على المغول في معركة عين جالوت عام 1263 وقد قام كاستراتيجية حاقدة تمتع بها على المسيحيين المحليين ومساواتهم بالفرنجة لأنهم من دين واحد متناسياً ماعاناه المسيحيون المشرقيون من اضطهاد الفرنجة اتبعها بهدم كل الكاتدرائيات والاديرة والكنائس في كل مكان وهي الاستراتيجية اتبعها في كل مكان، وكانت الكارثة على المسيحيين الارثوذكس السوريين الاشد عام 1268 بتدميره مدينة انطاكية والتنكيل بالاكليروس وبشعبها وقتله الالوف منهم ذبحاً واسترقاقه الوفاً عبيداً وسرايا ونقل من بقي من شعبها المسيحي الى مصر، وقد بلغ عدد ضحايا بطشه التحريري الديني مائة الف مسيحي سوري انطاكي، بذريعة انهم مسيحيين كما الفرنجة، وكان الفرنجة قد اخلوها قبل حصاره له وبالطبع دمر اسوارها المزدوجة كما هو واقعها وحالتها الحاضرة الآن، ومن وقتها تهجر مقر بطريركية انطاكية والكرسي الانطاكي، وساح الكرسي شريداً في آسية الصغرى والقسطنطينية وقبرص الى عام 1344 عندما نقلت الى دمشق، وكان قد فعل هذه المنكرات في بلدات القلمون( دير عطية ويبرود وبقية القرى القلمونية وخاصة قارة) التي قتل شعبها كله وحول كنيستها الى الجامع الكبير الحالي بذريعة انهم كانوا يزعجون قوافل المسلمين التجارية…
واحضر سكاناً من المسلمين من مناطق أخرى واسكنهم في قارة وبقية البلدات…
لقد افرغ الظاهر المملوكي حقده على المسيحيين السوريين في كل مكان، وقد ابادهم وهدم صروحهم الكنسية كما فعل في طرطوس وهدم الكاتدرائية، غير ان البابا اكليمنضوس الرابع، بعدما أدان هذه الاعمال الهمجية التي تتضمن تدمير الكنائس والاديرة التاريخية النفيسة، قام باعادة بناء كاتدرائية السيدة العذراء في طرطوس، وقرر تحصينها لتتم حمايتها بشكل جيد من تكرار مثل هذه الاعتداءات…
استمرت هذه الكاتدرائية في وضعها الروحي، وعادت كما كانت للصلاة فيها من قبل الروم الارثوذكس حتى عام 1851
تحويلها الى متحف طرطوس
أثناء فترة الإحتلال العثماني وفي عام 1851 تحولت هذه الكاتدرائية إلى جامع حيث أضيف إليها مئذنة. ثم عسكر فيها الجيش التركي وجعلها قشلاق (ثكنة)…
وفي عام 1920 وأثناء الانتداب الفرنسي على سورية جعلها الحاكم الفرنسي مأوى ومستشفى لللاجئين الروم الارثوذكس من يونانيين وسوريين وارمن من كيليكيا الناجين من مذابح الاتراك والأكراد بقيادة كما اتاتورك وبعد ان تخلت فرنسا عن كيليكيا منفردة للأتراك الذين انقضوا على سكانها فأبادوهم، ثم وبعد توزيع اللاجئين حولها الفرنسيون الى مستودعات.
وفي عام 1922 ألحقت الكاتدرائية بمصلحة الآثار السورية التابعة الى مجمع اللغة العربية بدمشق (وزارة الثقافة اليوم)، وعادت الرعية تصلي فيها مع كونها ملكاً للآثار والمتاحف السورية، وعندها ثار المسلمون مطالبين بها جامعاً لكونها تحولت الى جامع زمن العثمانيين ومن المعروف ان الكنائس عندما تصادروتحول الى جوامع ويؤذن فيها لايجوز شرعاً اعادتها الى وضعها الاصيل ككنيسة، لذلك وحسماً للنزاع قامت المديرية العامة للآثار والمتاحف بتحويلها الى متحف طرطوس الوطني وكان ذلك في عام 1956 زمن رئيس الجمهورية شكري القوتلي منعاً لفتنة دينية في المدينة، ولا تزال حتى يومنا هذا متحفاً وطنياً… ومن اجمل المتاحف في الشرق.
تضم العديد من الآثار المسيحية الرومية التابعة للكاتدرائية و الآثار المماثلة التي تم اكتشافها في محافظة وقرى طرطوس ومواقعها الأثرية عام 1921
يعد مبنى الكاتدرائية ( المتحف) من اجمل المباني بعد تحويلها الى متحف، ويضم المتحف آثاراً من عمريت والحصن وطرطوس وآثار أخرى بدءاً بالآثار الفينيقية، فالهلنستية والرومانية والرومية والإسلامية. ومن أهم مقتنياته مسلة الإله بعل، والناووس الروماني الضخم بمنحوتاته الميثولوجية، وتمثال الإله باخوس إله الخمر، وتمثال ربة النصر (تيكه)، والنواويس الرخامية والفخارية الفينيقية النادرة المعروفة بـ “الانتروبيد” أي إنسانية الهيئة وهي توابيت حجرية من المرمر إنسانية الشكل، وتابوتاً بازلتياً إنسانياً نادراً وفريداً من نوعه في العالم وثلاث خزائن تضم مبخرة برونزية واثنتين من الفخار، إحداهما مؤلفة من ثلاث طبقات نادرة الوجود وخزائن مليئة بالمقتنيات الأثرية والأواني الفخارية من المرقب وأخرى من يحمور وثالثة من بانياس ورابعة من المنطار وفي جناح مدينة عمريت توجد قطع أثرية مختلفة كرؤوس تماثيل حجرية وفخارية وأقنعة من الفخار إضافة إلى الامفورات من البحر ومن التنقيبات المختلفة وثلاث لوحات من الفسيفساء .. إضافة إلى القطع الأثرية التي تعرضت للتهريب وتمت مصادرتها في المحافظة حيث تعاد المسروقات إلى المتحف الذي تمت مصادرتها في منطقته في فترة ذبح سورية منذ 2011 وحتى اعادة افتتاحه في هذا العام.
تبلغ أبعاد المتحف (41 ×50، 34م)، له ثلاثة مداخل: رئيسي في الواجهة الغربية، وآخران في الجهة الشمالية والجنوبية. يتألف البناء من ثلاثة أروقة: ينقسم الجناح الرئيسي الشديد الارتفاع إلى أربع معزبات على شكل قناطر نصف أسطوانية (عقد مدبب). أما الأجنحة الجانبية فترتيبها مماثل، ولكنها ذوات عقود رافده (متصالبة) تنتهي بصليب. بنيت هذه الأروقة على ركائز متلاحمة بديعة على شكل الصليب. أما القباب النصفية لصدور الكاتدرائية الثلاث فهي مرصوفة بعناية فائقة. يلاحظ في القبة النصفية الشمالية نحت تزييني نافر وآخر يمثل حمامة ترمز إلى الروح القدس. يدخل النور الساطع عبر نوافذ الواجهة الغربية، ونوافذ المكان المخصص لجوقة الكنيسة. على طرفي الكنيسة من الشرق برجان مستطيلان في كل منهما حجرة تستخدم لملابس الكهنة (دياكونيكون)، وحفظ الهبات (بروتيس)
وأما تيجان الأعمدة فهي تشبه إلى حد بعيد الطراز الكورنثي. وزخارفها الورقية تشتمل على عدد كبير من الأشكال: أوراق عريضة منحنية، تخريم نباتي ينفرج عن أزهار ناعمة وورود صغيرة في الوسط، استبدلت في بعض الأحيان برؤوس قديسين.
تكمن إحدى طرائف هذه الكنيسة في الركيزة اليسرى من الجناح الرئيسي، إذ إن قاعدة الركيزة تنتصب وسط مكعب فيه قبة واطئة، ولاشك في أن هذا المكعب كان مدخل الكنيسة البيزنطية القديمة. فكان حجاج القرن الرابع أو الخامس يعبرونه ليصلوا أمام أيقونة السيدة العذراء، ويتناولوا القربان من مذبح مار بطرس.
اعادة افتتاح المتحف عام 2018
نظراً للظروف الخطيرة التي مرت على سورية منذ 2011 فقد بادرت الهيئة العامة للآثار والمتاحف كتدبير احترازي في هذه الظروف الاستثنائية تمثل في اغلاق المتاحف في سورية، ومنها متحف طرطوس للحفاظ على مقتنايته الأثرية من النهب او التدمير وتم نقلها إلى أماكن آمنة، وهي خطوة جبارة لحماية الآثار في سورية بعد ماتم من تدمير لآثار ومتاحف العراق وتدمر… وتهريب الآثار بتجارة غير شرعية تناولت اجراس كنائس واديرة معلولا وايقوناتها…
حواشي البحث
(1) نعتمد دوماً في كتابتنا اسم الفرنجة بدلاً من الصليبيين لأن الصليب عند هؤلاء كان رمزاً حربياً وليس دينياً كما كان النسر رمزاً حربياً عند الرومان، والنسر ذي الرأسين عند الروم البيزنطيين والفرنج استخدمه كمصطلح المؤرخون المسلمون المعاصرون للدلالة على مصدر هذه الحملات الذي كان في الحملات الأولى من سهل الفرنك في فرنسا، وفي الواقع كانت حملات استعمارية هدفها الاستيلاء على الشرق كموقع فريد في طريق الحرير بينما كانت وجهة الرهبان المرافقين والمؤتمرين بأوامر كرسي رومية وبعد الانشقاق الكبير 1053م كثلكة كل ارثوذكس الشرق وجعلهم لاتيناً…بمعنى كان حملات استعمارية ودينية لاجتذاب الكنائس الارثوذكسية والشرقية الى الكثلكة ولم تكن حروب دينية ضد المسلمين الا عند البعض كالراهب بطرس الذي نادى بتخليص القبر المقدس من ربقة المسلمين.
وفي عام 2006 طالبنا كمشارك في مؤتمر اعادة كتابة تاريخ بلاد الشام في كل من عمان و دمشق اقامته جامعات دمشق وعمان واليرموك طالبنا باستبدال التسمية من الصليبيين الى الفرنجة كما كان يستخدمها المؤرخون المسلمون المعاصرون… ولكن بكل اسف لايزال الكثيرون من مدعي إمامة التاريخ وكتابّه الجامعيين والمعروفين بتعصبهم الممقوت يستخدمونها في كتبهم على قولهم “ان اوربة تستخدمها” بينما هم يستخدمونها كالظاهر بيبرس القاتل والفاطميين الذين سبقوه…بهدف التعيير الديني… والتسمية تشكل جرحاً معنوياً للمسيحيين المشرقيين، ويصف البعض من هؤلاء المسيحيين المشرقيين انهم “بقايا الصليبيين” متناسين ان الوجود المسيحي أسبق من الوجود الاسلامي ب585 سنة واسبق في بلاد الشام ب633 سنة وقد وفد من الجزيرة العربية غازياً، ومحولاً الكنائس الى جوامع ككاتدرائية دمشق/ القديس يوحنا المعمدان الى الجامع الأموي وكجامع خالد بن الوليد في حمص وقد كان كاتدرائية المدينة وكذلك كاتدرائية حلب على اسم القديسة تقلا تحولت الى الجامع الاموي.
(2) الكاتدرائية هي كنيسة الاسقف … كالكاتدرائية المريمية كنيسة البطريرك وعادة تكون هي الكنيسة الأكبر والاجمل ويصلي فيها اسقف المدينة…
اترك تعليقاً