الأصولية المسيحية، وهل الأرثوذكسية أصولية؟
مدخل في الأصولية
الأصولية هي مصطلح سياسي فكري مستحدث يشير إلى نظرة متكاملة للحياة بكافة جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية نابعة عن قناعة متأصلة في إيمانٍ بفكرةٍ أو منظومة قناعات، تكون في الغالب تصوراً دينياً أو عقيدةٍ دينية.
هل عندنا في المسيحية اصولية…؟
المسيحية الاصولية
الأصولية المسيحية هو مصطلح يستخدم لوصف التقيد الصارم بالمذاهب المسيحيه استنادا إلى التفسير الحرفي للكتاب المقدس.
وهي مفهوم مختلف للغاية عن الأصولية الإسلامية التي تحفز بعض الإرهابيين الإسلاميين السلفيين لدرجة الفتك بالمسلمين الآخرين لفرض معتقدهم على كل منهم بما يحمل كثافة كبيرة عن معتقدات معينة، ولكن هي على خلاف ذلك تماما…
إن كلمة “أصولي” يمكن أن تشير إلى أي توجه ديني يتمسك بالمباديء الأساسية لذلك الدين. الأصولية في إطار هذا المقال هي حركة داخل الكنيسة تتمسك بأساسيات الإيمان المسيحي. إن كلمة “أصولية” في الزمن المعاصر تستخدم غالباً بمعنى إزدرائي.
إن الحركة الأصولية المسيحية تأتي جذورها من (كلية برنستون اللاهوتية) بسبب إرتباطها بخريجي تلك المؤسسة. وقد كلف إثنان من أعضاء الكنيسة الأغنياء سبعة وتسعون من قادة الكنيسة المحافظين من كل أنحاء العالم الغربي بكتابة 12 مجلد عن أساسيات الإيمان المسيحي. ثم تم نشر هذه الكتابات وتوزيع أكثر من 300000 نسخة مجانية للخدام والآخرين ممن لهم دور في قيادة الكنيسة. كان عنوان هذه الكتب “الأساسيات” ومازالت موجودة اليوم وقد جمعت في مجلدين.
تم تقنين الأصولية في أواخر القرن 19 وبداية القرن 20 من قبل المسيحيين المحافظين – جون نلسون داربي، دوايت ل مودي، ب ب وارفيلد، بيلي صنداي، وآخرين – الذين أقلقهم تأثر القيم الأخلاقية بالحداثة – وهو معتقد بأن البشر (وليس الله) هم من يخلقون، ويحسنون، ويعيدون تشكيل بيئتهم بمساعدة المعرفة العلمية، والتكنولوجيا، والتجربة العملية. بالإضافة إلى مقاومة تأثير الحداثة، كانت الكنيسة تصارع حركة النقد العالي الألمانية والتي كانت تسعى إلى إنكار عصمة الكتاب المقدس.
مبادىء الأصولية المسيحية
إن الأصولية نقوم على خمسة مبادىء للإيمان المسيحي، على الرغم من أن الحركة تتضمن أكثر من مجرد الإلتزام بهذه المباديء:
1) الكتاب المقدس صحيح حرفياً. ويرتبط بهذا المبدأ الإيمان بعصمة الكتاب المقدس، أي خلوه من الأخطاء والتناقضات.
2) ألوهية المسيح وميلاده العذراوي. يؤمن الأصوليون أن المسيح ولد من العذراء مريم وحبل به من الروح القدس وأنه هو إبن الله، وهوإنسان كامل وإله كامل.
3) فداء المسيح الكفاري على الصليب. الأصولية تعَّلم أن الخلاص فقط بنعمة الله والإيمان بصلب المسيح من أجل خطايا البشرية.
4) قيامة المسيح بالجسد من الموت. في اليوم الثالث بعد صلبه، قام يسوع من القبر وهو جالس الآن عن يمين الله الآب.
5) مصداقية معجزات المسيح المسجلة في الكتاب المقدس، وحرفية المجيء الثاني للمسيح إلى الأرض قبل الملك الألفي.
من المبادىء العقائدية الأخرى التي يقول بها الأصوليين هي أن موسى هو كاتب الأسفار الخمسة الأولى في الكتاب المقدس، وأن الكنيسة سوف تختطف قبل الضيقة العظيمة والأيام الأخيرة. إن أغلب الأصوليين يؤمنون أيضاً بالتدبير الإلهي لشؤون العالم.
لقد تمسكت الحركة الأصولية غالباً قدراً من التشدد للحقيقة، وهذا قاد إلى بعض الصراعات الداخلية. وظهرت طوائف وكنائس عديدة إذ ترك الناس كنائسهم بإسم النقاء العقائدي.
من الصفات التي تميز الأصولية كان إعتبارها لنفسها حارسة الحق، إلى حد رفض تفسير الآخرين للكتاب المقدس. في وقت قيام الحركة الأصولية، كان العالم يتقبل الليبرالية والحداثة والداروينية، وكان المعلمين الكذبة يغزون الكنيسة. فكانت الأصولية رد فعل ضد فقدان التعليم الكتابي.
تلقت الحركة ضربة قاسية عام 1925 عندما قامت الصحافة الليبرالية بتغطية محاكمة سكوب الأسطورية. بالرغم من أن الأصوليين ربحوا القضية، إلا أنهم لقوا السخرية من العامة. بعد ذلك بدأت الأصولية في الإنشقاق وإعادة التوجيه. وكانت المجموعة الأبرز والأعلى صوتاً في الولايات المتحدة الأمريكية هي اليمين المسيحي. إن هذه المجموعة التي تعرف نفسها بالأصولية كان لها دور في الحركة السياسية أكثر من غالبية المجموعات الدينية الأخرى. ومع تسعينات القرن الماضي كانت مجموعات مثل التجالف المسيحي، ومجلس البحوث الأسرية لها تأثير على القضايا السياسية والثقافية. اليوم، تظل الأصولية باقية في مختلف المجموعات الإنجيلية مثل الكنيسة المعمدانية الجنوبية. إن هذه المجموعات معاً تضم أكثر من 30 مليون عضو.
مثل كل الحركات، فإن الأصولية لقيت نجاحات وكذلك فشل أيضاً. قد يكون أعظم فشل هو السماح لمن ينتقدون الأصولية بتعريفها. نتيجة لذلك فإن الكثيرين يرون الأصوليين كمتطرفين يريدون ترسيخ دين للدولة ويفرضون معتقداتهم على الآخرين. وهذا بعيد تماماً عن الحقيقة. يسعى الأصوليون لحراسة الحق الكتابي والدفاع عن الإيمان المسيحي “الْمُسَلَّمِ مَرَّةً لِلْقِدِّيسِينَ” (يهوذا 1: 3).
إن الكنيسة تعاني اليوم في ظل ثقافة عصر ما بعد الحداثة العلماني وهي بحاجة إلى أناس لا يخجلون من إعلان إنجيل المسيح. الحق لا يتغير، والحاجة هي إلى الإلتزام بالمبادىء الأساسية للعقيدة. هذه المبادىء هي حجر الأساس الذي تبنى عليه المسيحية، وكما علمنا المسيح، فإن البيت المؤسس على الصخر يقف في وجه أي عاصفة (متى 7: 24-25).
هدف الاصولية المسيحية
– الأصولية المسيحية في اصلها هي الحركة التي نشأت في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الأولى من أجل تأكيد المسيحية الأرثوذكسية والبروتستانتية للدفاع عن العقيدة ضد تحديات اللاهوت التحرري…
يشدد هذا المذهب على الحقيقة الحرفية للكتاب المقدس، أي أنه يفسر الكتاب بشكل لفظي غير قابل للتأويل الأدبي أو التاريخي مثل رفضه لنظرية التطور والارتقاء…
تطورها
في أواخر القرن العشرين بدأت المسيحية الأصولية بتأسيس مؤسسات إعلامية من أجل التبشير ولنشر الأفكار الخاصة بها، كما أنها تمكنت من التغلغل في الحياة السياسية الأمريكية وأصبحت طرفاً نافذاً في اليمين المسيحي الأميركي.
هل توصم الارثوذكسية بالأصولية؟
الأصولية المسيحية عنوان كبير ومثير للاهتمام. هل يوجد حقاً اليوم شيء من هذا القبيل بحقنا نحن الأرثوذكس من المعروف والمؤكد اننا نحن الارثوذكس “اصحاب الايمان القويم” الذين حافظنا بأمانة مع ثقل الاضطهادات (ان صحت العبارة) على عقيدتنا ولم نغيرها؟ ولن نغيرها…
وبذلك ألا تعني كلمة الأرثوذكسية، من جملة ماتعنيه الأصولية الدينية؟ فكيف نكون اذن ارثوذكساً بدون أن نكون أصوليين؟!
نجيب على ذلك
لايستعمل الناس لفظة أصولية بمعنى واحد واضح. فالعبارة تكاد تكون اليوم لفظةً انطباعية. يقصد بها السلفيون بعد الذي صار من ارهاب تكفيري دموي للآخرين على خلفية الاختلاف في المذهب، بعامة، ومع اتباع المسيحية موقفاً ممجوجاً لايماشي الحداثة ويمتاز بالجمود والشكلية ويرمي الى استنساخ أنماط حضارية عف عليها الزمن ولايقبل الحوار.
تعبير الأصولية المسيحية اليوم ذو معنى سلبي، إذاً. كثيراً مايكون في خلفية مستعمليه” الأصولية الاسلامية” وارتباطها بالعنف والسلفية ومايُشيع انه إرهاب وعودة الى تطبيق الشريعة،واستعادة الخلافة الاسلامية وماسوى ذلك. هل هناك، اليوم، “أصولية مسيحية”؟ ليس بهذا المعنى تماماً. من يُرشقون بها اليوم يُرشقون بها من باب الشتيمة. ويكون المقصود، في العادة، الرهبان ومن يتأثرون بالتوجه الرهباني. لكن الرهبان، في التاريخ، ماكانوا البتة رمزاً للجمود والشكلية، بل رمز الحيوية الداخلية ذات الطابع الروحي. التسليم والتراث في سعيهم أساسيان في التعامل مع ميراث الذين سبقوهم.
لذا لايميلون الى التغيير في ماانحدر اليهم لأنهم ضنينون بخبرة الذين سبقوهم. المبنى والمعنى عندهم متداخلان. هذا بالضبط هو ماحدا بالكنيسة الجامعة الى اتخاذهم منارة ونموذجاً لسيرة الكمال الانجيلي. الكنيسة، منذ حرب الايقونات، انطبعت، شئنا أم أبينا، بالطابع الرهباني. الرهبان كانوا ومازالوا في الكنيسة موضع اتهام المحدثين، لكنهم ختم الثبات، بامتياز، في العقيدة، في العبادة، في الحياة الروحية. مفاهيم كالرجعية والأصولية مفاهيم لاتمسهم لأنها تطال فئات فكرية بشرية حضارية ولاتطال أصول الحياة الروحية التي نذروا انفسهم لأجلها وسعوا الى تمثل حياة الكمال الانجيلي بامتياز في كنفها. الأصولية التي يسلك فيها الرهبان لاتمت بصلة الى الأصوليات الدهرية لأنها الأرثوذكسية المتمسكة بالوجدان المنحدر في الكنيسة الى اللاحقين من الرسل والآباء والقديسين ابتغاء قداسة السيرة.
مصادر البحث
ماهي الاصولية؟GET QUEtion
الارثوذكسية- الارشمندريت توما بيطار
اصولية ويكيبيديا
اترك تعليقاً