الكتاب المقدس
(الجزء الثاني)
جمع أسفار العهد القديم
هنالك اشارات في العهد القديم توضح أن الكتابات المقدسة كانت تحفظ في الأماكن التي كان شعب الله القديم يتعبد فيها فقد احتفظوا بكتابات الشريعة جنباً الى جنب مع تابوت العهد (تث24:31 – 26)، كما نقرأ عن الكلمات التي دونها يشوع بن نون وكيف وُضعت أيضاً في المكان المقدس (يش26:24) وحدَّث صوئيل النبي شعب الرب عن حقوق وواجبات المملكةودون ذلك في سفر “ووضعه أمام الرب” (1صم 10: 25). لذلك لم يكن غريباً أن يكتشفوا سفر الشريعة “في بيت الرب” (2مل 8:22) وعندما قام الملك يوشيا باصلاحاته الدينية وترميم الهيكل.
وتوجد إشارات كثيرة في العهد القديم لشريعة موسى أو “التوراة” بدءاً من يشوع9:1 تدلنا عن المكانة الكبيرة التي كانت للأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم بصورة أو بأخرى.
ولعل أول إشارة نجدها في العهد القديم لحقيقة جمع كتاباته معاً هي العبارة التي نقرأها في سفر دانيال عن ” الكتب” (دا2:9).
الا اننا نلاحظ أن هناك إشارات في العهد القديم لكتابات لم تقبل ضمن الأسفار القانونية، أي التي يستندون اليها في التعليم وفي ممارسات الحياة الدينية. فهنالك إشارة لكتاب اسمه “سفر ياشر” (يش 13:10) وآخر اسمه “سفر حروب الرب” (عد 14:21) وآخر اسمه ” أخبار أيام ملوك اسرائيل” (2 اي19،18:33). وهذه لم تعتبر ضمن الكتب المقدسة مما يدلنا على أنه كان هنالك اختيار بين كتاب وكتاب.والأسفار التي اعتبرت ضمن الكتب المقدسة إنما كان لها طابع القدسية من داخلها ولذلك تم قبولها كتباً مقدسة.
وان كنا نلمس التأثير الكبير والنهضة المباركة التي حدثت أيام يوشيا الملك عند اكتشاف سفر الشريعة، فلا شك ان سبي اليهود الى بابل دفعهم لجمع الكتب المقدسة ودراستها دراسة جيدة. لقد هدم الهيكل، مركز العبادة، وحل الخراب بأورشليم وكل البلاد، فلم يبق لهم سوى الكتب المقدسة، فانصرفوا لجمعها معاً ودراستها.
عند عودتهم من بابل كان لقراءة سفر الشريعة أعظم الأثر على حياتهم (نح8). لم يحدثنا العهد القديم عن الكيفية التي تم بها جمع أسفاره معاً. إلا أننا نجد الإشارات الكثيرة التي تحدثنا عن وجود هذه الأسفار والدور الكبير الذي قامت به في حياة شعب الرب القديم.
أسفار العهد القديم ومجمع “جمنيا”
ودون دخول في تفصيلات كثيرة نجد أنه بعد خراب أورشليم سنة 70م. استأذن اليهود السلطات الرومانية ليعقدوا مجمعاً يجددون فيه بصفة نهائية قاطعة الأسفار القانونية التي يلتزمون بها. وانعقد هذا المجمع سنة 90م. في بلدة صغيرة اسمها “جمنيا” بالقرب من يافا. وأقروا في هذا المجمع التسعة والثلاثين سفراً التي تتفق جميع الكنائس المسيحية بشأنها فيما يتعلق بالعهد القديم. واضح أن هذا المجمع لم يعط هذه الأسفار صفة القانونية أو الشرعية التي لم تكن لها من قبل. فالأسفار المقدسة تحمل بين طياتها وفي نفسها ومن نفسها، طابع القانونية والقدسية، فلم يستطع المجمع الا ان يقر بقانونيتها. أما الأسفار التي تطلق عليها بعض الكنائس اسم الأسفار القانونية الثانية” ويسميها آخرون “الأبوكريفا”.
ترتيب اسفار العهد القديم في اللغة العبرية
هذا الترتيب الذي اعتمده هذا المجمع يختلف عن الترتيب في وقتنا الذي نعهده باللغة العربية، فقد وضعوا أسفار العهد القديم في ثلاث مجموعات كما يلي:
1- التوراة: ( أي كتب الشريعة) ويتضمن التكوين، والخروج واللاويين، والعدد والتثنية، واعتبروا الكلمة الأ ولى التي ترد في كل سفر من هذه الاسفار الخمسة اسماً لذلك السفر.
2- الأنبياء: وهذا يتكون من جزئين: الأنبياء” المبكرون” هي اسفار يشوع، والقضاة وصموئيل ( ويشمل مانسميه الأول والثاني معاً)، والملوك ( ويشمل مانسميه الأول والثاني معاً). والأنبياء “المتأخرون” وهي اسفار أشعياء، ارميا، وحزقيال، والأنبياء” الصغار” الاثني عشر معاً (هوشع الى ملاخي) وكأنها سفر واحد.
3- الكتابات: ( و الكتب) وهي اسفار المزامير وايوب والأمثال، وراعوث، ونشيد الاناشيد، والجامعة، والمراثي، وأستير، ودانيال، وعزرا، ونحميا، وأخبار الأيام ( الأول والثاني معاً).
وجدير بالملاحظة أن هذا الترتيب وهذه الأسفار، هي التي تحدث عنها الرب يسوع في لو44:24 “موسى، والأنبياء، والمزامير”. كما أنه قال مرة:”من دم هابيل الى دم زكريا بن برخيا” (لو51:11) وحيث أن الاشارة الى دم هابيل موجودة في سفر التكوين والاشارة الى زكريا بن برخيا وردت في 2 اي 21:24 اي في اسفار أخبار الأيام الثاني الذي هو آخر أسفار العهد القديم بحسب الترتيب السالف الذكر فيكون تعبير الرب يسوع بالنسبة لنا بمثابة القول ” من التكوين الى ملاخي”.
تداول مخطوطات العهد القديم
اهتم النساخ الذين قاموا بنسخ نسخٍ جديدة من اسفار العهد القديم بأن ينجزوا عملهم بعناية فائقة لتصل النصوص الكتابية كما هي تماماً من جيل الى جيل، ونتعلم من التلمود بعض القواعد التي كانت متبعة في هذا الشأن وهي:
1- لاتستخدم سوى جلود الحيوانات ” الطاهرة” ( من وجهة نظر الشريعة اليهودية راجع لا 11: 1-8)للكتابة عليها.
2- يشمل كل عمود في الدرج ما لايقل عن 48 سطراً وما لايزيد عن 60 سطراً.
3- يجب تسطير الصفحة اولاً وأحرف الكتابة “تتدلى” من السطور.
4- يجب ان يكون الحبر أسود ومعداً بطريقة خاصة.
5- لا تدون كلمة ولا حرف من الذاكرة، وكان على الكاتب ان ينطق الكلمات قبل كتابتها.
6- كان على الكاتب أن يغسل قلم الكتابة قبل ان يكتب اسم الجلالة “يهوه”.
7- يجب مراجعة المخطوطة الجديدة في ظرف 30 يوماً من الانتهاء من كتابتها وان وجد أكثر من ثلاثة أخطاء مصححة في أي عمود واحد من أعمدة هذه المخطوطةن كانوا يعدمون الدرج كله.
8- كانت كلمات وحروف كل سفر في الدرج الجديد تحصى للتأكد من مطابفتها للاحصاءات المعروفة عن جميع الأسفار.
الا أنه لم تكن هنالك قواعد محددة بشأن حجم الحروف ولا المسافات التي ينبغي أن تكون بينها، أو بين كلمة وكلمة. وكانت كل الكتابة بحروف منغصلة. مماتسبب في صعوبة التأكد من القراءة الصحيحة لبعض هذه المخطوطات بعد مرور قرون طويلة على تدوينها حيث تصعب القراءة دون مسافات واضحة…
جماعة “الماسوريين” والنص الماسوري للعهد القديم
انتقلت مهمة عمل نسخ جديدة من أسفار العهد القديم في القرن 6م من جماعة النساخ ( الكتبة وعلماء الشريعة) الى جماعة عرفت باسم جماعة ” الماسوريين” الذين اهتموا كثيراً بالحفاظ على النص بدقة بالغة من مخطوطة الى مخطوطة لمدة حوالي 500 سنة.
ويرى البعض ان تسميتهم مشتقة من فعل عبري يعني “يسلم الى” فهم الذين سلموا النص من جيل الى جيل. وتركز نشاط جماعة الماسوريين في بابل وفلسطين وطبرية. الا ان جماعة طبرية بقيادة ابن أشير” أصبح لها الدور القيادي بدءاً من القرن العاشر الميلادي حتى اصبح النص الذي قامت تلك الجماعة بعمل نسخ منه، هو النص العبري الوحيد المعترف به في القرن الثاني عشر ومابعده، وهو النص الذي يعرفه علماء الكتاب المقدس باسم النص الماسوري.
وطبعت أول نسخة من العهد القديم العبري سنة 1516-1517م ثم تلتها طبعة ثانية سنة 1524-1525م أعدها يعقوب بن خييم واستمر هذا النص كما هو في مختلف طبعات العهد القديم العبرية، وعلى أساسه تمت كافة ترجمات الكتاب المقدس ومنها للغة العربية. واستمر ذلك حتى عام 1937 تقريباً عندما صدرت طبعة ثالثة للعهد القديم العبري تم تحقيقها على أقدم مخطوطة بين أيدينا من مخطوطات ابن أشير يعود تاريخ نسخها الى عام 1008 مسيحية وتعرف باسم مخطوطة سان بطرسبرج. وتستخدم هذه الطبعة الثالثة التي صدرت عام 1937 استخداماً واسعاً في ترجمات الكتاب المقدس باللغات المختلفة مع الاستعانة بالترجمة السبعينية للعهد القديم وكذلك النص العبري للكتب الخمسة الأولى التي حافظ عليها ولازال يحتفظ بها “جماعة السامريين” وتعود اقدم مخطوطاتها الى القرن 13م.
وقد صدرت آخر طبعة موثقة في عام 1987 “لمخطوطة سان بطرسبرج” مع حواشٍ مستفيضة تشير الى المخطوطات الهامة والترجمات القديمة وهي التي تستخدم اليوم أساساً لترجمات العهد القديم.
نصوص العهد القديم والاكتشافات الحديثة
كانت اقدم مخطوطة على ورق البردي، لجزء من العهد القديم العبري معروفة لنا، قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت عام 1947 وهي بردية “ناش” التي تعود بنا الى القرن الأول المسيحي أو ربما القرن الثاني. واكتشفت أجزاء كثيرة من العهد القديم العبري يعود بعضها الى القرن 5م في مجمع اليهود بحي مصر القديمة بالقاهرة، وذلك في اواخر القرن 19م.
اما أعظم الاكتشافات التي القت الضوء الكبير على نصوص العهد القديم فهي (مخطوطات البحر الميت). فبعد اكتشاف مخطوطات الكهف الأول عام 1947 قام علماء الحفريات بعمليات بحث واسعة، اكتشفوا على أثرها مزيداً من المخطوطات في عشرة كهوف أخرى.
الأسفار القانونية الثانية (الأبوكريفا)
هناك مجموعة من الأسفار الخاصة الكاملة، وكذلك بعض الاضافات للنص العبري لبعض اسفار العهد القديم، لم ترد ضمن العهد القديم بنصه العبري الذي اشرنا اليه: ولكننا نجدها في الترجمة السبعينية (اليونانية) التي استخدمت استخداما في عصور المسيحية الاولى.
وهنالك كنائس تقبل هذه الكتابات وتعرف عندها باسم الأسفار القانونية الثانية. الا ان هنالك كنائس أخرى لاتقبلها ضمن الكتاب المقدس وتقدم لذلك عدة اسباب، وتعرف عندها باسم ” الأبو كريفا”. وكلمة ابو كريفا كلمة يونانية تعني اساساً الشيء السري أو الخفي. ولكنها بمرور الزمن أصبحت تدل على ماتحوم الشكوك حول صحته او المنحولة.
وهذه الاسفار أو الاضافات هي مايلي
1-طوبيت وهو سفر يحث على الصدقة، ويقدس الزواج الذي يقوم على حياة التقوى.
2- يهوديت: وهو قصة فتاة أنقذت شعبها، مثل أستير، بشجاعتها وتقواها.
3- اضافات لسفر أستير: وهي عبارة عن مجموعة من الصلوات والرسائل والأحلام جمعت كملحق لسفر أستير.
4- اضافات لسفر دانيال وهي تشمل تسبيحة الفتية الثلاثة في أتون النار، وقصة سوسنة الشابة العفيفة، وحكمة دانيال.
5- المكابيين الأول وهو يقدم سجلً تاريخيا لنضال اليهود بقيادة المكابيين ضد السلوقيين وانتصار يهوذا المكابين وبدء الاحتفال بعيد التجديد، وتطهير اورشليم وبناء المذبح.
6- المكابيين الثاني وهو يقدم نظرة روحية لأحداث التاريخ ويبين رعاية الله وقدسية الهيكل.
7- سفر الحكمة يتحدث في صياغة شعرية عن بناء النفس بالحكمة الالهية.
8- يشوع بن سيراخ يقدم في صياغة شعرية مجموعة كبيرة من الحكم وحديث عن الفضائل ثم يتحدث عن مجد الله في الطبيعة وفي التاريخ.
9- باروخ هو سفر نبوي يحوي رسالة للمسبيين للتمسك بالشريعة ورفض الأوثان.
جمع العهدين القديم والجديد واصبح الكتاب المقدس الواحد.
نشأت الكنيسة المسيحية في وقت كانت اليهودية منتشرة في انحاء كثيرة في العالم، وكان لهيكل اورشليم المكان المركزي في العبادة اليهودية، كان يتوجب على كل يهودي ان يحج الى اورشليم من مختلف أنحاء العالم للعبادة وتقديم الذبائح في الهيكل وبصفة خاصة في المواسم والأعياد الرئيسة مثل الاحتفال بالفصح وعيد الفطير، عيد الباكورات. وعيد الخمسين…( راجع لا23) ولعلنا نلاحظ شيئاً من ذلك في لو27:2 ، أع. 16:2 وبصورة اوضح في اع5:2-11.
الا ان المجامع اليهودية كانت منتشرة في كثير من البلاد كالناصرة (لو16:4)وأنطاكية بيسيدية (اع14:13) وأفسس(اع8:19) والاسكندرية ومصر القديمة (القاهرة اليوم) وأسوان…بل أن بعض المدن كدمشق كان بها عدة مجامع وقد أّخذَ شاول اليها رسائل من رئيس الكهنة ليضطهد الكنيسة الاولى من اليهود المتنصرين بدمشق بعدما تكاثر عددهم بشكل اقلق مجمع السنهدريم في اورشليم (اع2:9) وكذلك سلاميس في قبرض( اع5:13)…وغيرها.
1- المجامع اليهودية والكنائس المسيحية
كانت المجامع اليهودية نقطة الانطلاق التي عن طريقها قدم من حملوا بشارة الانجيل رسالتهم لمختلف بلاد العالم. ففي تلك المجامع كانوا يقرأون من اسفار العهد القديم الاسفار الخمسة الاولى مع قراءات تشمل بعض التسابيح والصلوات المأخوذة من الاسفار الشعرية وبخاصة سفر المزامير، وكذلك قراءات من الانبياء وكانت تقدم بعد ذلك كلمة شرح أو ايضاح للقراءات (راجع لو 4: 21-28)، اع31:15-42) واهتم من حملوا بشارة الانجيل بالقراءات من الانبياء بصفة خاصة وشرحها لتقديم رسالة محبة الله في المسيح يسوع باعتبارها تحقيقاً لتلك النبوَّات.
ولما لم يستطع من حملوا البشارة أن يستمروا في عمل الكرازة من خلال المجامع اليهودية حيث كانوا يُطردون منها ( راجع مثلاًاع4:18 مع 7:18 وكذلك اع 8:19 مع 9:19) اصبح للمسيحيين الاوائل أماكنهم الخاصة، التي لاشك أنها كانت على نمط تلك المجامع. وكانوا يقرأون فيها كتابات العهد القديم ويشرحونها.
2- حقبة الكرازة الشفهية
واضح أنه عندما بدأ تلاميذ المسيح وأتباعه الأوائل العمل على نشر بشارة الانجيل في مختلف بلاد العالم، قاموا بذلك بالكرازة الشفهية. لقد عاشوا مع المسيح، واستمعوا بانفسهم لتعاليمه، ورأوا اعماله ومعجزاته بعيونهم. ولاشك أنهم لم يقدموا الحقائق المجردة فقط ولكنهم قدموا شرحهم وما امكنهم أن يدركوهمن وراء هذه الحقائق ومن خلالها.
ولعلهم لم يهتموا بالتعجيل بتدوين أقوال الرب يسوع وسيرة حياته منذ البداية لأنهم كانوا يستخدمون العهد القديم، الذي وجدوا فيه نبوّات كثيرة تتحدث عن المسيح. مثال ذلك: عظة بطرس في يوم الخمسين (اع16:2) ودفاع استفانوس (اع7: 2-50) وعظة بولس في بافوس (أع 13: 15-41).
ولربما تأخر تدوين أقزوال المسيح وسيرة حياته لأن ” الشرق” طالما اعتمد على الرواية الشفهية. لقد تناقل اليهود تقاليدهم وتعاليمهم اليهودية شفاهاً لقرون طويلة قبل تدوينها. كيف أن اوراق البردي والرقوق المستخدمة في الكتابةكانت باهظة التكاليف فكان عامة الشعب في ايام الرب يسوع “يسمعون” كتابات العهد القديم مقروءة. ولذلك كان الرب يسوع يكرر لهم القول”سمعتم”…(مت5: 27،21، 43،38). أما جماعة الفريسيين وجماعة الكتبة، وهم علماء الشريعة ومعلميها، فكان يقول لهم: ” أما قرأتم…؟!” (مت 3:12، 4:19،مر25:2، لو3:6 وغيرها). الا ان هذا الوضع لم يدم طويلاً.
3- بداية كتابات العهد الجديد
بمرور الزمن ظهرت الحاجة لقراءات أخرى بالاضافة الى قراءات العهد القديم. فكان بعض المؤمنين يرسلون الى الرسل الذين بشّروهم يطلبون النصيحة أو الرأي بشأن بعض الموضوعات التي كانت تشغل فكرهم. ونلاحظ هذا مثلاً في كلمات الرسول بولس:” أما من جهة الأمور التي كتبتم لي عنها…(1كو1:12) وغيرها. وكل تلك الرسائل كانت موجهة الى جماعات المؤمنين في البلدان المختلفة لتقرأ على الجميع…
كما احس الرسل الاوائل من جانبهم لمتابعة التعليم والارشاد الذي بدأوا به. ولعل اول رسالة كتبت لهذا الغرض هي رسالة بولس الرسول الأولى لكنيسة تسالونيكي حيث يقول ” أناشدكم بالرب ، أن تقرأ هذه الرسالة على جميع الاخوة القديسين” 1تس27:5 كما يرد في الرسالة الى كولوسي.” ومتى قرئت عندكم هذه الرسالةتقرأ أيضاً في كنيسة اللاودكيين، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم ايضاً” كو16:4 وهنالك بركة خاصة لمن يقرأ ومن يسمع كلمة الله في وسط جماعة المؤمنين”طوبى لمن يقرأ، وللذين يسمعون أقوال النبوّة…” (رؤ3:1).
كما ظهرت حاجة من آمنوا بالمسيح حديثاً، لاسيما من الأمم (غير اليهود)، لأن تكون تعاليم المسيح وسيرة حياته مكتوبة وموجودة بين أيديهم. ولذلك دونت البشائر الاربع، كل منها في ظروف خاصة لجماعة خاصة، وبهدف خاص.
فكان متى البشير مشغولاً بتقديم رسالة الانجيل لليهود بصفة خاصة، ولذا نراه ينير كثيراً على نبوّات العهد القديم ويبرز انها تحققت بمجيء المسيح.
يقدم مرقس الرسول شخص الرب يسوع في معجزاته وقوته ولعله قصد أن يخاطب تلك العقلية الرومانية، لترى جانباً آخر من شخصية المسيح.
لوقا البشير يوضح لنا في بداية الانجيل كما دوّنه، أنه يوجّه كتابه الى شخص يشغل مركزاً مرموقاً في المجتمع هو ” العزيز(أي المكرم) ثاوفيلوس” (لو 3:1)
ويوضح لنا يوحنا البشير أنه دون إنجيله لدائرة واسعة ممتدة فيقول:”وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح هو ابن الله، ولكي تكون لكم إذا آمنتم حياة باسمه”(يو20:13)
لذا نرى أن البشائر الأربع ليست في الواقع اربعة أناجيل مختلفة ولكنها انجيل واحد ، انها بشارة واحدة، وخبر سار واحد، وان كان تدوينه قد تم بيد أربعة أشخاص مختلفين، قدموا نفس القصة كل من زاوية خاصة، لهدف خاص، ولجماعة تختلف الواحدة منها عن الاخرى. كما ان تلك الحياة العريضة المليئة بالتعاليم والاحداث لم يستطع كل واحد من هؤلاء أن يدون كل مايختص بها. ولذلك يقول يوحنا البشير في ختام بشارته” وأِشيار أخر كثيرة صنعها يسوع، ان كتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة” (يو 25:21) إن حياة المسيح على الارض، بحر واسع لايسبر له غور مهما دوَّن البشيرون…
ولعل كل هذا يبرز مرة وأخرى العلاقة الوثيقة بين كتابات العهد القديم وكتابات العهد الجديد، والضوء المبارك الذي يلقيه العهد الجديد على العهد القديم ليتفهمه المرء فهماً جيداً صحيحاً، ويرى الوحدة التي تربط كل هذه الاسفار معاً في كتاب واحد هو الكتاب المقدس.
يتبع في الجزء الثالث من ” الكتاب المقدس…
اترك تعليقاً